إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > تفقيهُ أهلِ المُسَافَرَةِ بِحُكم السَّفَر يوم الجمعة

تفقيهُ أهلِ المُسَافَرَةِ بِحُكم السَّفَر يوم الجمعة

  • 25 أغسطس 2014
  • 1٬427
  • إدارة الموقع

تفقيهُ أهلِ المُسَافَرَةِ بِحُكم السَّفَر يوم الجمعة

 

الحمد لله المحمود على كل حال، والصلاة والسلام على النبي الكريم محمد عظيم الخصال، وعلى الصَّحب له والآل، وعنَّا معهم يا ربنا ما تعاقبت أيام مع ليال.

أما بعد، أيها الفضلاء – سددكم الله وزادكم من فضله -:

فهذا بحث فقهي مختصر عن: “السفر يوم الجمعة لمن كان من أهل وجوب صلاة الجمعة”.

وسوف يكون الكلام عن هذه المسألة في أربعة فروع:

الفرع الأوَّل: عن حكم السَّفر يوم الجمعة قبل دخول وقت صلاتها.

قال الشوكاني – رحمه الله – في كتابه «نيل الأوطار» (3/ 273):

وقد اختلف العلماء في السَّفر يوم الجمعة – من طلوع الفجر إلى قبل الزَّوال – على خمسة أقوال:

الأول: الجواز.

قال العراقي: وهو قول أكثر العلماء.

فمن الصحابة: عمر بن الخطاب، والزبير بن العوام، وأبو عبيدة بن الجراح، وابن عمر.

ومن التابعين: الحسن، وابن سيرين، والزهري.

ومن الأئمة: أبو حنيفة، ومالك في الرواية المشهورة عنه، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل في الرواية المشهورة عنه، وهو القول القديم للشافعي.اهـ

وقال الماوردي الشافعي – رحمه الله – في كتابه «الحاوي الكبير» (٢/ ٤٢٦):

وهو قوله في القديم،  وبه قال من الصَّحابة: عمر بن الخطاب، والزبير بن العوام، وأبو عبيدة بن الجرَّاح، وأكثر التَّابعين والفقهاء. اهـ

وقال ابن قدامة المقدسي الحنبلي – رحمه الله – في كتابه «المغني» (٢/ ٢٩٦):

فيه ثلاث روايات:

والثَّانية: الجواز.

وهو قول الحسن وابن سيرين وأكثر الفقهاء، لقول عمر، ولأن الجمعة لم تجب فلم يحرم السَّفر كالليل. اهـ

فذكر – رحمه الله – حجتين لهذا القول:

الأولى: فتوى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -.

فقد أخرج عبد الرزاق – رحمه الله – في “مصنفه”(5537) وغيره، عن عمر  بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال: (( إِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَحْبِسُ مُسَافِرًا، فَاخْرُجْ مَا لَمْ يَحِنِ الرَّوَاحُ  )).

وقال الألباني – رحمه الله – في كتابه «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» (١/ ٣٨٧ – حديث رقم:219):

وهذا سندٌ صحيح رجاله كلهم ثقات.اهـ

وقال أبو جعفر الطحاوي – رحمه الله – كما في “مختصر اختلاف العلماء”(1 /  350 – مسألة رقم: 317) بعد أثر عمر:

ولا يُعرف عن أحد من الصحابة خلافه.اهـ

الثانية: أنه لم يدخل بعد وقت وجوب صلاة الجمعة على المكلف.

وهناك حجة ثالثة وهي: أنه لم يثبت نص يمنع من السفر  قبل دخول وقت صلاة الجمعة.

وقد قال ابن المنذر النيسابوري – رحمه الله – في كتابه “الأوسط”(4/ 23 – عند حديث رقم:1731):

لا أعلم خبراً ثابتاً يمنع من السفر أول نهار الجمعة إلى أن تزول الشمس وينادي المنادي.اهـ

وقال أبو زكريا النووي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “المجموع”(4/ 500) بعد ذكره من قال بالمنع، ومن قال بالجواز:

وليس في المسألة حديث صحيح.اهـ

وقال الألباني – رحمه الله – في حاشيته على “التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل”(3/ 480):

لم يثبت النهي عن السفر يوم الجمعة.اهـ

وهذا القول هو الراجح.

واختاره:

ابن قيم الجوزية والألباني وابن باز والعثيمين.

الفرع الثَّاني: عن استحباب ترك السَّفر يوم الجمعة قبيل دخول وقتها لأجل شهودها مع الناس.

قال ابن هُبيرة الحنبلي – رحمه الله – في كتابه «الإفصاح»(١/ ٢٣٩):

واتفقوا على أن السَّفر يوم الجمعة قبل صلاتها لا يستحب.اهـ

وقوله: “اتفقوا” أي: الأئمة الأربعة.

وأخرج ابن أبي شيبة  – رحمه الله – في “مصنفه”(5116) بسند صحيح عن خيثمة التابعي – رحمه الله – أنه قال: (( كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِذَا حَضَرَتِ الْجُمُعَةُ أَنْ لَا يَخْرُجُوا حَتَّى يُجَمِّعُوا )).

وقال ابن المنذر النيسابوري – رحمه الله – في كتابه “الأوسط”(4/ 23 – عند حديث رقم:1731):

فلو أبقى الخروج في يوم الجمعة إلى أن يمضي الوقت كان حسناً.اهـ

الفرع الثَّالث: عن حكم السَّفر بعد نداء دخول الجمعة.

قال ابن حزم الظاهري – رحمه الله – في كتابه «مراتب الإجماع»(ص:151):

واتفقوا أن السَّفر حرام على مَن تلزمه الجمعة إذا نودي لها.اهـ

وقال العثيمين – رحمه الله – في كتابه “الشرح الممتع على زاد المستقنع”(5/ 22-23):

فإذا قال قائل: ما الدليل على التحريم؟

فالجواب:

قوله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ }.

فأمر بالسعي إليها، وترك البيع، وكذا يترك السفر؛ لأن العلة واحدة، فالبيع مانع من حضور الصلاة، والسفر كذلك مانع من حضور الصلاة.اهـ

وأما إن خاف من دخل عليه وقت وجوب الجمعة إن جلس حتى يصليها فوات رفقته التي لا يمكنه السفر إلا معها أو رحلته بالطائرة أو الباخرة وأشباههما من المواصلات العامة.

فقد قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في كتابه “زاد المعاد”(1/ 372):

هذا إذا لم يَخَف المسافر فَوْت رُفقته، فإن خاف فَوْت رُفقته وانقطاعه بعدهم جاز له السفر مطلَقًا، لأن هذا عذر يُسقط الجمعة والجماعة.اهـ

وممن وقفت على نصه على ذلك عند خوف فوت الرفقة:

 الشافعية والحنابلة والشوكاني والعثيمين.

الفرع الرابع:  عن حكم السفر في ليلة الجمعة.

قال أبو جعفر الطحاوي – رحمه الله – كما في “مختصر اختلاف العلماء”(1 /  350 – مسألة رقم: 317):

وجميع الفقهاء يُبيحون السفر ليلة الجمعة إلا إبراهيم النخعي قال: ((  إِذا أرد السّفر يَوْم الْخَمِيس فليسافر غدْوَة إِلَى أَن يرفع النَّهَار فَإِذا أَقَامَ إِلَى الْعشي فَلَا يخرج حَتَّى يُصَلِّي الْجُمُعَة )).اهـ

وقال النووي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “المجموع”(4/ 499):

أما ليلتها قبل طلوع الفجر فيجوز عندنا، وعند العلماء كافة، إلا ما حكاه العبدري عن إبراهيم النخعي أنه قال: (( لا يُسافِر بعد دخول العشاء من  يوم الخميس حتى يصلي الجمعة )).

وهذا مذهب باطل لا أصل له.اهـ

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد