إغلاق

الأحكام الخاصة بلباس المرأة في الصلاة

  • 29 أغسطس 2014
  • 4٬586
  • إدارة الموقع

 

الأحكام الخاصة بلباس المرأة في الصلاة

 

الحمدُ لله الذي خَلق الذَّكر والأنثَى، وأمرهما بعبادته وطاعته ما بقِيَا في العاجلة والأولَى، وفارق بينهما في بعض الأحكام حكمةً منه، وما شاء الله قضَى، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله محمَّد المبعوث بالرحمة والهدَى، وما فيه تزكية جميع الورَى، وعلى آل بيته وأصحابه سادات أهل الزُّهد والورع والتقَى، ما جنَّ ليلٌ، وأشرق ضحَى.

أما بعد:

فهذا جزءٌ فقهي صغير يتعلق بالمرأة – سدَّدها الله وأكرمها وصانها -، وموضوعه:

الأحكامُ الخاصَّة بلباسها في الصلاة فريضةً كانت أو نافلة“.

وأسأل الله تعالى أن ينفع به الكاتب والقارئ والناشر، إنه جوادٌ كريم.

وسوف يكون الكلام عن هذا الموضوع في عشر مسائل، وذلك تسهيلاً لضبطه، وتقويةً لفهمه، وإعانةً على إيضاح أحكامه، وتعزيزًا للإلمام به.

فأقول مستعينًا بالله القدير ربِّي:

المسألة الأولَى /  عن حكم تغطية المرأة شَعر رأسها في الصلاة.

تغطية المرأة شعر رأسها في الصلاة واجبٌ لا تصحُّ الصلاة إلا به، بدلالة السُّنة والإجماع.

أما السُّنة:

فقد أخرج أحمد (25167و25833و25834و26226) ، وأبو داود (641) واللفظ له، والترمذي (377) ، وابن ماجه (655) ، وابن خزيمة (775) ، والحاكم (917) ، وابن حبان (1711و1712) – رحمهم لله – وغيرهم، من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال:(( لا يَقبَلُ الله صَلاةَ حَائضٍ إلا بِخِمَارٍ )).

وفي لفظٍ بعضهم: (( لا تُقبَلُ صَلاةُ حَائِضٍ إِلا بِخِمَارٍ )).

وهذا الحديث قد صحَّحه:

ابن خزيمة، والحاكم، وابن حبان، وابن حزم، وابن كثير، والذهبي، وابن الملقن، وابن باز، والألباني- رحمهم لله -.

وحسَّنه:

الترمذي، وأبو علي الطوسي، والسيوطي، والمناوي- رحمهم لله -.

وقال عبيد الله المباركفوري – رحمه الله -:

«والحديث صحيحٌ كما قال الحاكم، أو حسنٌ كما قال الترمذي».اهـ

وقال النووي – رحمه الله – في كتابه «المجموع» (3/ 171-172):

«والمراد بالحائض: التي بلغت، سُميت حائضًا لأنها بلغت سِنَّ الحيض، هذا هو الصواب في العبارة عنها، ويقع في كثيرٍ من كُتب شروح الحديث وكُتب الفقه أن المراد بالحائض: التي بلغت سِنَّ المحيض، وهذا تساهلٌ؛ لأنها قد تبلغ سِنَّ المحيض ولا تبلغ البلوغ الشرعي».اهـ

وقال الصنعاني – رحمه الله – في كتابه «سبل السلام» (ص:152 – رقم:194):

«المراد بها الْمُكلَّفة، وإن تكلَّفت بالاحتلام مثلاً، وإنما عبر بالحيض نظرًا إلى الأغلب».اهـ

وقال الخطابي – رحمه الله – في كتابه «معالم السنن» (1/156رقم:207):

«ولَم يَرد به: المرأة التي هي في أيام حيضها؛ فإنَّ الحائض لا تُصلِّي بِوَجهٍ».اهـ

وأما الإجماع:

 فقد قال الإمام الترمذي – رحمه الله – في “سننه”(377) عقب الحديث السابق:

« والعمل عليه عند أهل العلم:

أنَّ المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من شعرها مكشوف لا تجوز صلاتها».اهـ

وقال الحافظ ابن المنذر – رحمه الله – في كتابه “الأوسط”(5/ 69أو48) وفي كتابه “الإجماع”(رقم: 76):

«أجمع أهل العلم على أنَّ على المرأة الحرة البالغة أنْ تُخَمِّرَ رأسها إذا صلَّت، وعلى أنها إنْ صلَّت وجميع رأسها مكشوف أن صلاتها فاسدة، وأن عليها إعادة الصلاة».اهـ

وقال الإمام ابن قدامة – رحمه لله -في كتابه “المغني”(2/ 329):

«فإن أهل العلم أجمعوا على أن للمرأة الحرة أن تُغطي رأسها في الصلاة، وعلى أنها إذا صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها الإعادة».اهـ

وقال ابن حزم – رحمه الله – في كتابه “مراتب الإجماع”(ص:29):

«واتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها – حاشا وجهها ويدها – عورة، واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما أعورة هي أم لا؟».اهـ

ونقل ابن القطان الفاسي – رحمه الله – في كتابه “الإقناع في مسائل الإجماع”(1/ 334 – رقم:607) عن صاحب كتاب “الموضح” – رحمه الله – أنه قال:

«ويجب على المرأة أن تواري جميع بدنها غير وجهها، فإذا فعلت ذلك تمت صلاتها باتفاق».اهـ

المسألة الثانية / عن ظهور شيء من شعر المرأة في أثناء الصلاة.

قال الإمام ابن تيمية – رحمه الله – كما في “مجموع الفتاوى”(22/ 123):

«إذا انكشف شيء يسير من شعرها وبدنها لم يكن عليها الإعادة عند أكثر العلماء، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد.

 وإن انكشف شيء كثير أعادت الصلاة في الوقت عند عامة العلماء، الأئمة الأربعة وغيرهم».اهـ

وقال الإمام ابن قدامة – رحمه لله – في كتابه “المغني”(2/ 331):

«ولا حد للكثير واليسير، إنما المرجع العُرف، لأن التقدير طريقه التوقيف، ولا توقيف في هذا».اهـ

المسألة الثالثة / عن كشف المرأة يديها في الصلاة.

اختلف العلماء – رحمهم لله – في كشف المرأة يديها في الصلاة على قولين:

القول الأول: الجواز.

وهو قول أكثر أهل العلم.

منهم:

أبو حنيفة والأوزاعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأحمد في رواية.

واختاره:

ابن تيمية وابن باز.

القول الثاني: المنع ولو كان ظفرها.

وبه قال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأحمد بن حنبل في رواية.

وقال الحافظ ابن عبد البر – رحمه لله – في كتابه “الاستذكار”(5/ 444):

«وقد روي عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه قال: (( كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها )).

وأقول:

لا نعلمه قاله غيره إلا أحمد بن حنبل، فإنه جاءت عنه رواية بمثل ذلك».اهـ

وقال – رحمه الله – في كتابه “التمهيد”(6/ 365):

«قول أبي بكر هذا خارج عن أقاويل أهل العلم، لإجماع العلماء على أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله منها، تباشر الأرض به.

وأجمعوا على أنها لا تصلى متنقبة ولا عليها أن تلبس فقازين في الصلاة.

وفي هذا أوضح الدلائل على أن ذلك منها غير عورة».اهـ

المسألة الرابعة / عن كشف المرأة قدميها في الصلاة.

اختلف العلماء – رحمهم لله – في كشف المرأة قدميها في الصلاة على قولين:

القول الأول: المنع، فإن فعلت أعادت الصلاة.

وبه قال جماهير أهل العلم.

 منهم:

مالك والليث بن سعد والشافعي وأحمد وأبو ثور.

ويدل عليه:

ما أخرجه مالك في “الموطأ”(473أو 361أو 163) واللفظ له، وابن أبي شيبة (6172) – رحمهما لله – من طريق محمد بن زيد بن قُنْفُذ عن أمه أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: (( تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغَ إِذَا غَيَّبَ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا )).

ومحمد بن زيد وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو داود والعجلي وابن حبان:

وقال الحافظ المزي – رحمه الله – في كتابه “تهذيب الكمال”(5227):

«رأى عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأخذ من معاوية عطاءين».اهـ

وأمه هي أم حرام، تابعية تروي عن أم سلمة- رضي الله عنها -.

وقال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في كتابه “ميزان الاعتدال”(11013):

«لا تعرف».اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر – رحمه الله – في كتابه “الاستذكار”(5/ 444):

«لا خلاف علمته بين الصحابة في ستر ظهور قدمي المرأة في الصلاة، وحسبك بما جاء في ذلك عن أمهات المسلمين – رضي الله عنهن -».اهـ

وقال – رحمه الله – في كتابه “التمهيد”(6/ 366-368):

«والأصل في هذا الباب أن أم سلمة سئلت: ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: (( تصلي في الدرع والخمار السابغ الذي يغيب ظهور قدميها )).

وعن عائشة وميمونة مثل ذلك…، والإجماع في هذا الباب أقوى من الخبر».اهـ

القول الثاني: الجواز، والأفضل التغطية.

وهو مذهب أبي حنفية وسفيان الثوري والمزني.

المسألة الخامسة / عن تغطية المرأة وجهها في الصلاة.

قال الحافظ ابن المنذر – رحمه لله – في كتابه “الأوسط”(5/ 69أو49):

«وأجمع أكثر أهل العلم على أن للمرأة الحرة أن تصلي مكشوفة الوجه».اهـ

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه لله – في كتابه “فتح الباري”(2/ 140):

«قد تقدم أن كشف وجهها في الصلاة جائز بالإجماع».اهـ

وقال الإمام ابن قدامة – رحمه لله – في كتابه “المغني”(2/ 326):

«لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة، ولا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم».اهـ

وقال الإمام ابن تيمية – رحمه لله – في “شرح العمدة”(ص:265 – قسم الصلاة):

«وأما الوجه فلا تستره في الصلاة إجماعاً».اهـ

وقال أيضاً (ص:268):

«وأما صحة الصلاة مع كشفه فلا خلاف بين المسلمين، بل يكره للمرأة ستره في الصلاة كما يكره للرجل، حيث يمنع من إكمال السجود، ومن تحقيق القراءة».اهـ

وقال أيضاً (ص:357):

«يكره للمصلي تغطية الوجه سواء كان رجلاً أو امرأة، فيكره النقاب والبرقع للمرأة في الصلاة، لأن مباشرة المصلي بالجبهة والأنف إما واجب أو مؤكد الاستحباب، ولأن الرجل إذا قام إلى الصلاة فإن الله تعالى قبل وجهه، وأن الرحمة تواجهه فينبغي له أن يباشر ذلك بوجهه من غير وقاية».اهـ

المسألة السادسة / عن تغطية المرأة وجهها في الصلاة بالنقاب والبرقع ولبسها للقفازين.

قال الحافظ ابن عبد البر – رحمه لله – في كتابه “الاستذكار”(5/ 444):

«وأجمع العلماء على أنها لا تصلى منتقبة ولا متبرقعة».اهـ

وقال – رحمه لله – في كتابه “التمهيد”(6/ 365):

«وأجمعوا على أنها لا تصلى متنقبة، ولا عليها أن تلبس فقازين في الصلاة».اهـ

وقال ابن بطال – رحمه لله – «في “شرح صحيح البخاري”(2/ 35).

«وأجمعوا أنها لا تصلى منتقبة ولا متبرقعة».اهـ

المسألة السابعة / عن تغطية المرأة وجهها في الصلاة إذا مر بها أجانب أو كانت بحضرتهم بحيث يرونها.

قال الإمام ابن تيمية – رحمه لله – في “شرح العمدة”(ص:269 – قسم الصلاة):

«بل يكره للمرأة سترة في الصلاة كما يكره للرجل، حيث يمنع من إكمال السجود، ومن تحقيق القراءة …، إلا أن تكون بين رجال أجانب».اهـ

وقال العلامة العثيمين – رحمه لله – في كتابه “الشرح الممتع على زاد المستقنع”(3/ 293):

«ويُستثنى من ذلك المرأة إذا كان حولها رجال ليسوا من محارمها، فإن تغطية وجهها حينئذ واجب، ولا يجوز لها كشفه».اهـ

وقال – رحمه لله – كما في “فتاويه ورسائله”(12/ 296-297- رقم:207):

«على المرأة إذا خرجت للنزهة أن تصلي كما تصلي في بيتها، ولا يحل لها تأخيرها، وإذا خشيت أن يمر الرجال قريباً منها فيجب عليها أن تغطي وجهها في هذه الحال لئلا يروها، وإذا سجدت فإنها تكشفه في هذه الحالة ثم تغطيه بعد ذلك، لأن الأفضل في حال السجود أن تباشر الجبهة المحل الذي يسجد عليه، ولهذا قال أنس بن مالك – رضى الله عنه -: (( كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع الواحد منا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه )).

فدل هذا على أن الإنسان لا ينبغي أن يسجد على شيء متصل به إلا إذا كان هناك حاجة.

وهنا لا تغطي المرأة وجهها لأنها في حال السجود لا يراها أحد، وفي مثل هذه الحال ينبغي لها أن تكون صلاتها خلف الرجال في المكان الذي لا تكون أمامهم، وإن أمكن أن تكون هناك سيارة أو غيرها تحول بين المرأة والرجال فإن ذلك أفضل».اهـ

وقال الصنعاني – رحمه لله – في كتابه “سبل السلام”(ص:152 – رقم:194):

«فيدل على أنه لا بد في صلاتها من تغطية رأسها ورقبتها، كما أفاده حديث الخِمار،  ومن تغطية بقية بدنها حتى ظهر قدميها كما أفاده حديث أم سلمة، ويباح كشف وجهها حيث لم يأت دليل بتغطيته، والمراد كشفه عند صلاتها بحيث لا يراها أجنبي».اهـ

ويؤكد تغطيتها لوجهها في الصلاة إذا كانت بحضرة أجانب أو إذا مروا بها أو مرت بهم:

أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه أنه قال: (( لَا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ )).

وصح عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه قال: (( إِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا، وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ )) أخرجه الدارقطني (2761) وابن حزم في “المحلى”(مسألة:828).

ومع ذلك فقد أجمع العلماء – رحمهم الله – على أن للمرأة المحرمة أن تسدل الخمار ونحوه على وجهها إذا مرت برجال أجانب أو كانت بحضرتهم بحيث يرون وجهها.

فقال الحافظ ابن عبد البر – رحمه لله – في كتابه “التمهيد”(15/ 108):

«وأجمعوا أن إحرامها في وجهها دون رأسها، وأنها تُخَمِّر رأسها وتستر شعرها وهي محرمة، وأجمعوا أن لها أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلاً خفيفاً تستتر به عن نظر الرجال إليها،ولم يجيزوا لها تغطية وجهها وهي محرمة إلا ما ذكرنا عن أسماء».اهـ

وقال الإمام ابن قدامة – رحمه لله – في كتابه “المغني”(5/ 154):

«وجملة ذلك أن المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها كما يحرم على الرجل تغطية رأسه، لا نعلم في هذا خلافاً إلا ما روي عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة، ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة فلا يكون اختلافاً،… فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريباً منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها، روي عن عثمان وعائشة، وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وإسحاق ومحمد بن الحسن، ولا نعلم فيه خلافاً».اهـ

ونقل الإجماع على ذلك أيضاً:

الحافظ ابن المنذر – رحمه لله – كما في “شرح صحيح البخاري”لابن بطال (4/ 217) و”فتح الباري” لابن حجر العسقلاني (3/ 406).

والإمام ابن تيمية – رحمه لله – كما في “مجموع الفتاوى”(26/ 112).

المسألة الثامنة / عن ما تلبسه المرأة من الثياب في الصلاة.

يستحب للمرأة عند أكثر أهل العلم أن تصلي في ثلاثة أثواب:

الأول: الخمار.

وهو ما تغطي به المرأة رأسها وتديره على حلقها لتثبيته وتغطية عنقها.

الثاني: القميص أو الدرع.

وهو الثوب الذي تلبسه المرأة فيمتد من عنقها وكتفيها حتى يغطي قدميها.

الثالث: الجلباب أو الملحفة أو العباءة أو الإزار الكبير.

وهو ما تتجلل به المرأة فوق ثيابها فيستر رأسها وجميع بدنها.

وقد دل على هذه الأثواب الثلاثة جملة من الآثار، منها:

أولاً: ما أخرجه الأنصاري في “جزئه”(11) واللفظ له، وابن أبي شيبة (6168) – رحمهما الله – من طريق سليمان التيمي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال: (( تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ: دِرْعٍ، وَخِمَارٍ، وَإِزَارٍ )).

وقال الحافظ ابن كثير – رحمه لله -:

«إسناد صحيح على شرطهم».اهـ

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني والعلامة الألباني – رحمهما لله -:

«إسناده صحيح».اهـ

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رضي الله عنه – في كتابه “فتح الباري”(2/ 198-199):

«وأما الإزار: فاختلف تفسيره:

فقالت طائفة: هو مثل إزار الرجل الذي يأتزر به في وسطه.

وهذا قول إسحاق، نقله عنه حرب، وهو ظاهر كلام أحمد أيضاً …

والقول الثاني: أن المراد بالإزار: الجلباب، وهو الملحفة السابغة التي يغطي بها الرأس والثياب.

وهذا قول الشافعي وأصحابنا، وقد سبق عن ابن عمر ما يدل عليه».اهـ

ثانياً: ما أخرجه مالك في “الموطأ”(160و325و474) وابن سعد في “الطبقات”(8/139) واللفظ له، والحارث في “مسنده”(139من بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث) – رحمهم لله – عن عبيد الله الخولاني ـ وكان في حَجْر ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (( أَنَّ مَيْمُونَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ )).

وصححه:

ابن حجر العسقلاني والألباني – رحمهما الله -.

ثالثاً: ما أخرجه ابن سعد – رحمه لله – في كتابه “الطبقات”(8/ 56أو71):

أخبرنا معْن بن عيسى حدثنا مَخرمة بن بُكير عن أبيه عن عمرة عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: (( لَابُدَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ تُصَلِّي فِيهِنَّ، دِرْعٌ وَجِلْبَابٌ، وَخِمَارٌ, وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَحُلُّ إِزَارَهَا فَتَجَلْبَبُ بِهِ )).

وقال العلامة الألباني – رحمه لله -:

«إسناده صحيح على شرط مسلم».اهـ

رابعاً: ما أخرجه ابن أبي شيبة – رحمه لله – في “مصنفه”(6175):

حدثنا عبد الله بن نُمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: (( إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ، فَلْتُصَلِّ فِي ثِيَابِهَا كُلِّهَا الدِّرْعُ وَالْخِمَارُ وَالْمِلْحَفَةُ )).

وقال العلامة الألباني – رحمه لله – :

سنده صحيح.اهـ

وقال الإمام ابن قدامة – رحمه لله – في كتابه “المغني”(2/ 330):

«وقال أحمد ـ يعني: ابن حنبل ـ: قد اتفق عامتهم على الدرع والخمار».اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر- رحمه لله – في “الاستذكار”(5/ 442):

«ورُوي أَنَّ المرأة تصلي في الخمار والدرع السابغ عن ابن عباس وعروة بن الزبير وعكرمة وجابر بن زيد وإبراهيم والحكم، … وهو قول فقهاء الأمصار».اهـ

وقال أيضاً (5/ 443):

«والذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق أن على المرأة الحرة أن تغطي جسمها كله بدرع صفيق سابغ، وتخمر رأسها، فإنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وأن عليها ستر ما عدا وجهها وكفيها، واختلفوا في ظهور قدميها».اهـ

وقال الحافظ ابن المنذر – رحمه لله – في كتابه “الأوسط”(5/ 59):

«على المرأة أن تُخَمِّر في الصلاة جميع بدنها سوى وجهها وكفيها، ويجزيها فيما صلت في ثوب أو ثوبين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك، إذا سترت ما يجب عليها أن تستره في الصلاة.

ولا أحسب ما روي عن الأوائل ممن أمر بثلاثة أثواب أو أربعة إلا استحباباً واحتياطاً لها، والله أعلم.

ولا أعلم أحداً من أهل العلم يوجب عليها الإعادة إن صلت في ثوب واحد، إذا ستر ذلك الثوب ما يجب عليها أن تستره».اهـ

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه لله – في كتابه “فتح الباري”(2/ 197-198):

«فلهذا قال كثير من الصحابة، ومن بعدهم:

تصلي المرأة في درع وخمار.

إشارة منهم: إلى أنه يجب عليها ستر رأسها وجسدها.

فإن سترت جسدها بثوب ورأسها بثوب جاز، ولم تكره صلاتها، وهو أدنى الكمال في لباسها، وإن التحفت بثوب واحد خمرت به رأسها وجسدها صحت صلاتها، لكنه خلاف الأولى…

والأفضل أن تصلي المرأة في ثلاث أثواب عند جمهور العلماء».اهـ

وقال الإمام البخاري – رحمه لله – في “صحيحه”(قبل حديث رقم:372) جازماً:

وقال عكرمة: (( لَوْ وَارَتْ جَسَدَهَا فِي ثَوْبٍ لأَجَزْتُهُ )).

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه لله – في كتابه “تغليق التعليق على صحيح البخاري”(2/ 215):

وقال عبد الرزاق: عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة أنه قال: (( لَوْ أَخَذَتِ الْمَرْأَةُ ثَوْبًا فَتَقَنَّعَتْ بِهِ حَتَّى لَا يُرَى مِنْ شَعْرِهَا شَيْءٌ أَجْزَأَ عَنْهَا مَكَانَ الْخِمَارِ)).اهـ

وهذا إسناد صحيح.

وقد ذُكر هذا الأثر في “مصنف عبد الرزاق”(5033) المطبوع بدون ذكر معمر.

 وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه لله – في كتابه “فتح الباري”(2/ 197):

يريد عكرمة: أن الواجب عليها في الصلاة ستر جميع جسدها، فلو وارته كله بثوب واحد جاز، ومراده بجسدها: بدنها ورأسها.اهـ

وقال ابن أبي شيبة – رحمه لله – في “مصنفه”(6178):

حدثنا وكيع قال: حدثنا أبو هلال عن ابن سيرين قال: (( كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ: فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ وَالْحَقْوِ )).

وإسناده حسن.

المسألة التاسعة / عن تغطية الصغيرة المميزة التي لم تبلغ رأسها في الصلاة.

لأهل العلم في هذه المسألة قولان:

القول الأول: أنه لا يلزمها تغطية الرأس، وإنما يستحب لها.

وهو قول عطاء بن أبي رباح من التابعين، ومذهب أبي حنيفة ومالك، وبه قال بعض الحنابلة.

وقال عبد الرزاق – رحمه لله – في “مصنفه”(5047):

عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: الجارية التي لم تحض وهي تصلي قال: (( حَسْبُهَا إِزَارُهَا )).

وإسناده صحيح.

وقال أيضا (5048):

عن ابن جريج قال: أخبرني غير واحد من أهل المدينة أنه قال: (( لَيْسَ عَلَى الَّتِي لَمْ تَحِضْ خُمْرَةُ وَلَا جِلْبَابٌ )).

وحجة هذا القول مفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ )).

قال الإمام ابن تيمية – رحمه لله – في “شرح العمدة”(ص:269 – قسم الصلاة):

«يدل بتعليله ومفهومه على أن غير الحائض بخلاف ذلك».اهـ

وقد أجيب عن الاستدلال بهذا الحديث بجوابين:

الأول: أن التقييد بالحائض خرج مخرج الغالب، لأنها هي التي تجب عليها الصلاة، وما خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له عند أكثر أهل العلم من أهل الفقه والأصول.

وقد أشار إلى هذا الجواب:

 النووي – رحمه لله – في كتابه “المجموع”(3/ 172)، وتبعه ابن الملقن – رحمه لله – في كتابه “البدر المنير”(4/157).

الثاني: أن الحديث مختلف في وصله وإرساله، والصواب فيه الإرسال.

فقد رواه جمع عن حماد بن سلمة عن قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة موصولاً.

ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن مرسلاً.

وسعيد بن أبي عروبة من أثبت الناس في قتادة، وحماد بن سلمة يخطئ كثيراً في حديثه عن قتادة.

فقد قال الإمام مسلم – رحمه لله – في كتابه “التمييز”(ص:195 – عند حديث رقم:103):

«وحماد [ لا ] يعد عندهم اذا حدث عن غير ثابت، كحديثه عن قتادة وأَيوب ويونس وداود بن أبي هند والجريري ويحيى بن سعيد وعمرو بن دينار وأشباههم، فإنه يخطىء في حديثهم كثيراً، وغير حماد في هؤلاء أثبت عندهم كحماد بن زيد وعبد الوارث ويزيد بن زُريع وابن عُلية».اهـ

وفي كتاب “العلل”(3780) للإمام الدارقطني – رحمه لله – :

«وسئل: عن حديث صفية بنت الحارث أم طلحة الطلحات، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا يقبل الله صلاة الحائض إلا بخمار ))؟.

فقال: يرويه محمد بن سيرين، واختلف عنه:

فرواه قتادة عن ابن سيرين، واختلف عن قتادة:

فأسنده حماد بن سلمة عن قتادة عن ابن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وخالفه شعبة وسعيد بن بشير، فروياه عن قتادة موقوفاً.

ورواه أيوب السختياني وهشام بن حسان عن ابن سيرين، مرسلاً عن عائشة: أنها نزلت على صفية بنت الحارث، حدثتها بذلك، ورفعا الحديث.

وقول أيوب وهشام أشبه بالصواب».اهـ

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه لله – في كتابه “تلخيص الحبير”(2/ 460 – رقم:440):

«وأعله الدارقطني بالوقف، وقال: إن وقفه أشبه، وأعله الحاكم بالإرسال».اهـ

وقال – رحمه لله – في كتابه”الدراية”(1/ 122 – رقم:127):

«قال أبو داود: رواه سعيد عن قتادة عن الحسن مرسلاً.

قال الدارقطني في “العلل”: رواه سعيد وشعبة عن قتادة موقوفاً، ورواه أيوب وهشام عن ابن سيرين مرسلاً، عن عائشة أنها نزلت على صفية بنت الحارث فحدثتها بذلك مرفوعاً، قال: وقول أيوب وهشام أشبه بالصواب».اهـ

وقال العلامة الألباني – رحمه لله – في كتابه “إرواء الغليل”(1/ 215):

وهذا المرسل علقه أبو داود عقب الموصول كأنه يعله به.اهـ

وقال مغلطاي – رحمه لله – في “شرح سنن ابن ماجه”(3/ 923-927):

ولما ذكر الأزدي حديث صفية قال: هكذا رواه حماد، ورواه شعبة وسعيد بن بشير موقوفاً.اهـ

وقال العلامة الوادعي – رحمه لله – في كتابه “أحاديث معلة ظاهرها الصحة”(ص:472-474 – رقم:512):

«هذا حديث ظاهره الصحة، ولكن ذكر الحافظ ابن رجب – رحمه لله – في “ملحق علل الترمذي” (ص:508) أن مسلماً ذكر في كتاب “التمييز” أن حماد بن سلمة عندهم يخطئ في حديث قتادة كثيراً.اهـ

وأبو داود – رحمه لله – بعد ذكر الحديث من طريق حماد عن قتادة (ج:1- ص:421 – بتحقيق الدعاس وصاحبه) قال:

 رواه سعيد ابن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم.اهـ

ثم قال أبو داوود:

حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد أن عائشة نزلت على صفية أم طلحة الطلحات وذكرت الحديث.

قال أبو داود:

وكذلك رواه هشام عن ابن سيرين.

يعني: أنه منقطع لأن محمد بن سيرين لم يسمع من عائشة، قاله أبو حاتم كما في “المراسيل” لولده عبد الرحمن.

وأما الترمذي رحمه الله (ج1: – ص:215 – بتحقيق أحمد شاكر) فحسنه، وكذا الحاكم (ج:1 – ص:251) قال: صحيح على شرط مسلم، ولكنه اتبعه بالحديث المتقدم الذي هو عن سعيد – يعني ابن أبي عروبة -، كما قاله أبو داود عن قتادة، عن الحسن فذكر الحديث مرسلاً.

وقد مر بك أن في رواية حماد بن سلمة عن قتادة خطاً كثيراً، وأما سعيد بن أبي عروبة فهو ثالث ثلاثة الذين هم أثبت الناس في قتادة.

ولا نطيل عليك البحث فلكل فن أهله.

وإليك ما قاله الدارقطني في “العلل” كما في “نصب الراية” (ج:1 – ص:296) قال – رحمه لله –  بعد ذكره الحديث:

يرويه قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن محمد عائشة، واختلف فيه على قتادة، فرواه حماد بن سلمة عن قتادة هكذا، مسنداً مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وخالفه شعبة وسعيد بن بشير فروياه عن قتادة موقوفاً، ورواه أيوب السختياني وهشام بن حسان عن ابن سيرين مرسلاً عن عائشة أنها نزلت على صفية بنت الحارث حدثتهما بذلك، ورفعا الحديث، وقول أيوب وهشام أشبه بالصواب، انتهى كلام الدارقطني.

وقال الحافظ في “التلخيص الحبير”(ج:1 -ص:505): وأعله الدارقطني بالوقف، وقال: إن وقفه أشبه، وأعله الحاكم بالإرسال.اهـ

هذا وأما ما جاء في “المحلى”(ج:1 – ص:103) من طريق عفان بن مسلم ثنا حماد بن زيد ثنا قتادة به، فلا أراه إلا غلطاً مطبعياً، أو وهماً من بعض الرواة.

أكبر برهان على هذا أن ابن حزم – رحمه لله – رواه من طريق أبي سعيد بن الأعرابي, والشيخ الألباني – حفظه الله – قد رواه في “الإرواء” (ج:1- ص:214) وذكر من الرواة ابن الأعرابي وفيه حماد بن سلمة. »اهـ

قلت:

وقد تقدم من صحح وصله، وهم:

الترمذي وابن خزيمة والحاكم وابن حبان وابن حزم وأبو علي الطوسي وابن كثير والذهبي وابن الملقن والسيوطي والمناوي وابن باز والألباني وعبيد الله المباركفوري.

وقال العلامة الألباني – رحمه لله – في كتابه “إرواء الغليل”(1/ 215-216 – رقم:196) في رد هذا الإعلال:

«وكما أن لقتادة فيه إسنادين, فكذلك لحماد بن سلمة فيه أسانيد:

أحدها: عن قتادة.

وهو هذا.

والثانى: عن هشام عن محمد بن سيرين عن حفصة بنت الحارث عن عائشة، نحوه.

أخرجه ابن الأعرابى عقب الإسناد الأول قال:

أخبرنا أبو رفاعة أخبرنا أبو عمر عن حماد عن هشام، به.

قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات, هشام هو ابن حسان وهو ثقة, من أثبت الناس في ابن سيرين, احتج به الشيخان.

وأبو عمر هو: حفص بن عمر الضرير، وهو ثقة من شيوخ أبى داود.

وأبو رفاعة هو: عبد الله بن محمد بن عمر بن حبيب العدوى البصري ترجمه الخطيب في “تاريخه” وقال: ” وكان ثقة, ولي القضاء, مات سنة:271″.

والثالث: عن أيوب عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة نحوه, قالت: فألقت إلى عائشة ثوباً فقالت: (( شقيه بين بناتك خمراً )).

أخرجه أبو عروبة بإسناده السابق عن حماد عن أيوب، به.

قلت: وهذا إسناد صحيح أيضاً.

وصفية بنت الحارث أوردها ابن حبان فى “ثقات التابعين”(1/ 94), وجزم الحافظ ابن حجر فى “التقريب” بأنها صحابية, وقد أوردها فى “القسم الأول” من كتابه “الإصابة”(8/ 125).

فقد ظهر مما سبق أنه اتفق ثلاثة من الثقات على رواية الحديث عن ابن سيرين عن صفية عن عائشة موصولاً, فلا يضره رواية أحدهم وهو قتادة من طريق أخرى مرسلاً, بل إنها تقوي الرواية الموصولة كما تقدم ذكره.

وكذلك لا يضره رواية – الآخرين – وهما: هشام وأيوب منقطعاً بإسقاط صفية من الإسناد، كما رواه بعضهم عنهما. »اهـ

وما نقله العلامة الألباني – رحمه لله – عن ابن الأعرابي في “معجمه”(1944) هذا سياقه:

نا أبو رفاعة نا حفص بن عمر الضرير نا حماد بن سلمة عن قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث – قال أبو عمر: وهي امرأة عبد الله بن خَلْب الخزاعي – عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ )).

نا أبو رفاعة نا أبو عمر عن حماد عن هشام عن محمد بن سيرين عن حفصة بنت الحارث عن عائشة نحوه.

نا أبو رفاعة نا أبو عمر نا حماد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه، قالت: (( فَأَلْقَتْ إِلَيَّ عَائِشَةُ ثَوْباً، فَقَالَتْ: شُقِّيهِ بَيْنَ بَنَاتِكِ خُمُرًا )).اهـ

تنبيه:

جاء في حاشيىة “إرواء الغليل”(1/ 215):

«كذا الأصل، وليس في الرواة “حفصة بنت الحارث: بل صفية بنت الحارث، فالظاهر أنه تصحف اسمها على بعض النسخ ».اهـ

قلت:

وقد تقدم نقل الإجماع على أنه لا صلاة لحائض إلا بخمار، نقله الترمذي، وابن المنذر، وابن حزم، وابن قدامة، وصاحب كتاب “الموضح”، – رحمهم الله -.

القول الثاني: أنه يلزمها تغطية رأسها كالبالغة.

وهو مذهب الشافعية، وقال به بعض الحنابلة.

وحجة هذا القول:

أن الأصل هو تساوي أحكام الصلاة في حق الصغيرة المميزة والمرأة البالغ، لا يخرج عن ذلك إلا بنص ثابت صريح.

وكما أن شروط الصلاة الأخرى كالطهارة ودخول الوقت وإزالة النجاسة لا تسقط عن الصغيرة، ولا تصح صلاتهما إلا بتحقيقها، فكذلك شرط ستر العورة.

فائدة:

قال إسحاق بن منصور الكوسج – رحمه لله – في “مسائله عن الإمامين أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه”(1094):

«قلت: الجارية متى تحتاج إلى محرم؟.

قال: إذا كان مثلها تُشتَهى، بنت تسعٍ امرأة.

قال إسحاق: كما قال ».اهـ

المسألة العاشرة / عن اشتراط صفاقة لباس المرأة في الصلاة.

الصفيق من الثياب هو:

 الذي لا يشف عما تحته من البدن.

قال العلامة ابن مفلح – رحمه لله – في كتابه “الفروع”(1/ 327) في باب ستر العورة:

«يشترط سترها … بما لا يصف البشرة (و) السواد والبياض لا الخِلقة، أي: حجم العضو. »اهـ

ويعني بالواو (و): اتفاق المذاهب الأربعة على نفس الحكم.

وذلك لأن ما وصف من الثياب سواد الجلد وبياضه فليس بساتر له عن الأعين.

وقال عبد الرزاق – رحمه لله – في “مصنفه”(5034):

عن معمر عن يحيى بن أبي كثير قال: سئل عكرمة: المرأة تصلي في درع وخمار؟ قال: (( نَعَمْ، إِذَا لَمْ يَكُنْ شَفَّافاً )).

وإسناده صحيح.

وقال – رحمه لله – (5036):

عن ابن جريج عن عطاء قال: (( تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعِهَا وَخِمَارِهَا وَإِزَارِهَا، وَأَنْ تَجْعَلَ الْجِلْبَابَ أَحَبُّ إِلَيَّ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ دِرْعُهَا وَخِمَارُهَا رَقِيقًا أَحَدُهُمَا؟ قَالَ: فَالْجِلْبَابُ إِذًا عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهَا مَعَهَا، قُلْتُ: دِرْعُهَا إِلَى الرُّكْبَتَيْنِ قَالَ: لَا حَتَّى يَكُونَ سَابِغًا كَثِيفًا قَالَ: وَلْتَأْتَزِرِ الْإِزَارَ وَتَشُدُّ بِهِ عَلَى حَقْوَيْهَا )).

وقال ابن أبي شيبة – رحمه لله – في “مصنفه”(6181):

حدثنا أبو أسامة عن الجريري عن عكرمة قال: (( تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ صَفِيقٍ )).

وإسناده صحيح.

وقال – رحمه لله – (6182):

حدثنا يزيد بن هارون عن همام عن قتادة عن جابر بن زيد قال: (( تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ صَفِيقٍ، وَخِمَارٍ صَفِيقٍ )).

وإسناده صحيح.

وقال الإمام الشافعي – رحمه لله – كما في “مختصر المزني على الأم”(9/ 19):

«المرأة يستحب لها أن تُكثِّف جلبابها، وتجافيه راكعة وساجدة، لِئلا تصفها ثيابها ».اهـ

وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.