إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الردود > كسر دعوى المعتدي بمنافاة منهج السلف الماضين للتطور والرقي

كسر دعوى المعتدي بمنافاة منهج السلف الماضين للتطور والرقي

  • 5 سبتمبر 2014
  • 5٬308
  • إدارة الموقع

كسر دعوى المعتدي بمنافاة منهج السلف الماضين للتطور والرقي

 

الحمد لله القوي القاهر المقتدر، القائل في دمغ الباطل والمبطلين من أهل كل عصر ومِصر:

{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ }.

والصلاة والسلام على سيِّد البشر أجمعين، السابقين منهم واللاحقين والمعاصرين، القائل مبشراً:

(( إِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً )).

وعلى آله وأصحابه وأتباعه على طريقه ومنهاجه وسبيله في كل زمن وأرض، ومن كل شعب وقبيلة، ومن عرب وعجم، حاضرة وبادية، وذكور وإناث، وشيوخ وكهول، وشباب وصغار، ما تتابعت الدهور، وتوالدت النفوس.

وبعد، ياذا العقل والفهم والنُبل والصدق – كُفيت ووقِيت وسُددت -:

فلا تزال صرخات ومقالات ورسالات المتأثرين بالفكر العلماني، والمُهَجَّنِين بالطرح اللبرالي، والمنكسرين للتقعر الحداثي، وأنهار مدِّ وتغذية هذه المذاهب من صهيونية حاقدة، وصليبية عاتية، وماسونية ماكرة، تتكرر وتتجدد وتتنوع في حرب الدين والشريعة، وإطفاء التوحيد والسنة، وإيقاع المسلمين وبلدانهم في أوحال ومستنقعات اللادينية المتفسخة، وسككها الشهوانية القذرة، ونتنها الزاحف، وتفككها الأسري وتمردها، وتبعيتها لأهل الكفر والشرك، وصدورها عن رأيهم وأمرهم ومذاهبهم.

ألا وإن من صرخاتهم ومقالاتهم وكذباتهم وتلبيساتهم المشئومة عليهم وعلى الناس:

[ أن المنهج السلفي القائم على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه سلف الأمة الصالح من أهل القرون الثلاثة الأولى، وعلى رأسهم الصحابة – رضي الله علنهم -:

عائق عن مظاهر التطور الإنساني الكبير الحاصل في هذا العصر.

وسبب لِتَخَلُّف دولهم عن مصاف الدول الكبرى، ورجالاتهم عن عظماء الرجال ].

فأقول مستعيناً بالله – جل وعلا – لأهل هذا الفكر، ودعاة هذا المكر والكيد، وأبواقهم النائمة والمستيقظة، دونكم هذه الوقفات الأربع الفاضحات الكاسرات المزهقات:

الوقفة الأولى:

إن الله – جل وعلا – هو الذي اختار وارتضى هذا المنهج الطيب القويم السهل لعباده من العرب والعجم، وأمرهم أن يلتزموا به إلى مماتهم، وإلى أن تقوم الساعة.

ومعلوم ضرورة أن الله سبحانه لا يختار لعباده إلا الأصلح، الذي به تصلح دنياهم، ويتوافق مع صلاحها، ويزيد في تنميته، ويرفع من الاستفادة منه.

وهو – عز وجل – أعلم بما سيحدث في الأرض من حين خلَقَها وإلى أن يُنهي بقاءها وبقاء ساكنيها، ومع هذا فلم يشرع لعباده أن يتعاملوا فيها إلا على ضوء هذا المنهج الذي رسمه في شريعته التي أنزلها على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فمن قبله فهو الرابح الساعي في استصلاح الأرض وصلاحها، وهو من المصلحين في الأرض، ومن تنكب عنه فلا يضر إلا نفسه ومن تبعه، وهو من المفسدين في الأرض، الرادين لأفضل طرق الإصلاح، والمطيلين لعجلة الفساد وأمدها على الناس.

وصدق الله القائل مبكتاً لهؤلاء وأضرابهم وأشكالهم في كل الأرض، وجميع أزمان أهلها:

{ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ }.

{ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ }.

{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ }.

الوقفة الثانية:

إن حَمَلة الشريعة ودعاتها – سلمهم الله وسددهم – ليسوا بحاجة ولا مُطالَبين بأدلة تثبت أن الشريعة الإسلامية وما رسمته للناس من منهج يسيرون عليه – وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة الصالح وعلى رأسهم الصحابة – لا تنافي التطور والتقدم في بلاد المسلمين.

بل المطالب بالأدلة والإثباتات والبراهين والحجج على قيله وحديثه وهراء من قلد وتابع هو من طرح هذا القذر، وقذف بهذا الباطل، ورمى بهذا الفجور، وأزبد وأرعد بالافتراء والكذب والبهتان.

فيا هؤلاء:

إن شئتم قلنا لكم، بل يقول صغارنا:

هاتوا لنا آية قرآنية أو حديثاً نبوياً صحيحاً أو أثراً ثابتاً عن صحابي أو إجماعاً أو قاعدة شرعية تعارض التقدم والتطور الدنيوي المصلح لحياة العباد والبلاد، وتتنافي مع معطياته ومسبباته.

 ونمهلكم على هذا شهراً، وإن شئتم سنين، وإن شئتم أكثر، فلا ضير، حتى يستبين للناس فيمن المصيبة؟ ومن عنده الخلل والعوَر؟ ومن هو التَّبَع الإمعة الذي يُقاد فينقاد، ويُساق فيسمع ويطيع؟.

ولا ريب عندنا أنكم ستعجزون لا محالة ولا محيص، وأن المصاب فيكم، وفي أفهامكم وأهوائكم وعقولكم، ومن تسيرون على سَننه وتتبعونه من رجالات الشرق أو الغرب، فأنتم تريدون أن تُسَيِّروا ملايين العباد وعامة البلدان على ما تشاءون، وما يشاء أسيادكم، ومن تصدرون عنهم، ولا تصدرون لهم، وهذه لعمر الله إحدى الدكتاتوريات البغيظة الكالحة التي يقل نظيرها ومثيلها وأهلها عبر تأريخ البشر.

فهل من مدكر؟.

يا هؤلاء:

إن شئتم قلنا لكم، بل يقول صغارنا:

أرونا العلوم النافعة المثمرة المصلحة للعباد والبلاد كعلوم الطب أو الهندسة أو البيئة أو البحار أو الأرصاد أو البناء والتعمير أو الاقتصاد والتجارة أو الصناعة أو الزراعة أو الكيمياء أو الفيزياء أو الرياضيات أو الإحصاء التي ألغتها وعطلتها شريعة الله، أو وقفت ضدها، وحالت بين الناس وبين الانتفاع منها؟.

يا هؤلاء:

إن شئتم قلنا لكم، بل يقول صغارنا:

أرونا الطائرات والقطارات والسفن والبواخروالسيارات والشاحنات وغيرها من مراكب نقل الناس والممتلكات والبضائع، وأجهزة العمليات الجراحية، وآلات الطباعة والحسابات والتدريس، والكمبيوترات ووسائل الاتصالات والمعلومات التي ألغتها وعطلتها شريعة الله، أو وقفت ضدها، وحالت بين الناس وبين الانتفاع منها؟.
أرونا وأرونا وأرونا…..

ولكن الأمر كما قال السابق لنا ولكم من العرب:

” أسمع جَعْجعة ولا أرى طِحْناً “.

الوقفة الثالثة:

إن شريعة الله المطهرة والمنهج القويم الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة الصالح وعلى رأسهم أصحابه – رضي الله عنهم – لا يقفان ضد أي علم أو عمل أو سلاح أو مركبة أو آلة أو جهاز فيه نفع وصلاح للعباد والبلاد، وأنتم تعلمون ذلك علم اليقين.
وإنما ضبطت الشريعة أمور الدنيا ومستجداتها حتى تكثر فائدتها للعباد والبلاد، ويزدان نفعها، ويعظم إصلاحها، وتقل أضرارها، وتؤلف ولا تفرق، ويفتخر بها ولا يبكى من ويلاتها.
فنهت الناس عن الغش والخداع والتغرير والغبن فيها.
ونهت عما فيه ضرر وإضرار، وأكل لأموال الناس بالباطل.

ونهت عما فيه إفساد  للبيوت، وتدمير للأخلاق، وإضرار بالآداب والفضائل والأعراض.
ونهت عن  ما ينشر الفوضى، ويجلب الفتن ويزيدها، ويهلك الحرث والنسل، ويعين على الظلم والعداوات، ويكثر الخصومات.
ونهت عما يزيد في الأمراض، ويسبب الأوجاع التي لم تكن، وينشر الأوبئة.

ونهت عما يضر بالبيئة برية كانت أو بحرية أو جوية، ويضر بما فيها من أناس وثروات.
ولو نظرنا في الضوابط التي وضعتها الشريعة حول إصلاح دنيا الناس لوجدنا أن أكثرها يرجع إلى استعمالات الناس لهذه المنتجات العصرية لا إلى ذات المنتجات.

وأن الناس كلهم المؤمن بالله والكافر محتاجون إلى هذه الضوابط في صلاح أبدانهم، وصلاح أموالهم، واستصلاح أرضهم وما عليها من خيرات وثروات.

الوقفة الرابعة:

إننا لنعلم علماً يقيناً سبب حملاتكم هذه وتجددها وتكررها وتكاثرها ولو راوغتم ورغتم، وتبادلتم الأدوار، وكنتم أداة بيد من شئتم.

وهو أن هذا المنهج السديد الراقي والمرقي للعباد دنيا وأخرى، والذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة الصالح وعلى رأسهم الصحابة – رضوان الله عليهم – هو العقبة الكؤود الشموخ، والسَّد العتيد المنيع الذي يحول بين مذاهبكم وتياراتكم ومنابركم ومصادركم ودعاتكم ورموزكم ومن تتبعون وتتابعون من دول وأشخاص، وبين التبديل والتغيير والإفساد والتشويه لدين الله وشرعه القويم الذي كان عليه الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وزمن أصحابه – رضوان الله عليهم -، والذي إذا لزمه المسلمون اليوم صلح حالهم كما صلح حال سابقيهم، وعادت لهم العزة والتمكين، والقوة والمنعة، وأصبحوا القوة العظمى، واليد الفاعلة الراحمة المصلحة، وذَلَّ لهم كل معاند لله مكابر.

ولكن موتوا بغيظكم، وعيشوا مكدرين قلقين، فكيدكم في تباب، ومكركم إلى سفول، وسعيكم عليكم وعلى سادتكم المطاعين، فإن هذا المنهج السديد الراقي باق على رؤوسكم ورغم أنوفكم ما بقيت الدنيا، فقد صح عن نبينا سيد الآدمين جميعاً – صلوات ربي وسلامه عليه – أنه بشرنا وأنذركم فقال: (( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ )).

وقد حمل هذا المنهج العظيم المنير في كل زمن ومن كل خَلَفٍ عُدُولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وتلبيس الضالين، وفتن الحاقدين، وشبه المنافقين، ومكر المستترين، وكيد الكافرين، وغزو المشككين، وتحريض الفاجرين، فهم بالمرصاد للجميع، وفي وجه كل ماكر زنيم، باع دينه وأهله وبلاده، واشترى رضا أعداء دين الله وملته الحنيفية السمحة، يفلون أقواله، ويهدمون فعاله، ويسقطون ما كتبته وسطرته يده، ويزرون بتأريخه حياً وميتاً، فتذكره الأجيال بالبغض والذم، فلله درهم، كم لهم من جميل ظاهر على الأمة، ويد كريمة عند الصغير والكبير، وفضل متتابع على الذكر والأنثى، وأثر جليل وإحسان للبلاد بمدنها وقراها، وحاضرتها وباديتها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

وإن من هؤلاء الرجال العظماء، والأئمة الكبراء، والمصلحين النبلاء، والناصحين المشفقين في القرون المتأخرة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي، والإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والإمام محمد ناصر الدين الألباني – رحمهم الله تعالى -.

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد

13/ 11/ 1434هـ