إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > التاريخ والسيرة > معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ في قلوب أهل السنة والحديث

معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ في قلوب أهل السنة والحديث

  • 15 سبتمبر 2014
  • 1٬851
  • إدارة الموقع

معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ في قلوب أهل السنة والحديث

الخطبة الأولى: 

الحمد لله الذي وسع كل شيءٍ رحمةً وعلمًا، ورفع بعض خلقه على بعض منةً منه وفضلًا، وإكرامًا وإعزازًا، وله الحجة البالغة، والحِكَم الباهرة فيما اختار، ومن اصطفى، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وأشهد أن لا إله إلا هو، الملك الكريم، الحكيم الخبير، السميع العليم، الرقيب الحفيظ.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي خُتمت به الأنبياء والمرسلون، وفَتح به ربه قلوبًا غلفًا، وعيونًا عميًا، وآذانًا صمًا، فصلى الله عليه وسلم وبارك، وعلى أزواجه وذريته وباقي آل بيته، وعلى أصحابه السادة الغُرر، الأئمة الكُبَر، البررة الأنجاب، السابقين إلى تصديقه ونصرته، والناقلين لسننه وأحكامه، وأقواله وأفعاله وأحواله، والباذلين أنفسهم وأموالهم وأوقاتهم لنشر دينه، وهداية الناس إليه، حتى كان جميعه راجعاً إلى نقلهم وتعليمهم، ومتلقى من جهتهم، فلهم مثل أجور كل من اهتدى بشيء منه على مر الأزمان، واختلاف البلدان، وتنوع الأجناس، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

أما بعد، أيها الناس:

إن جرأة الشيعة الرافضة والزيدية والخوارج على الصحابة بالقدح والطعن والتنفير والتشويه ليست بغريبة منهم، ولا جديدة على أهل السنة، وكتب أهل السنة والحديث من مختلف الأقطار وتعاقب الأزمان في الرد عليهم متكاثرة، ولا تزال في ازدياد، ومشهورة متداولة قريبة المنال، وذلك نصرة لله ولدينه ولرسوله وللمؤمنين.

وكذلك بغض أهل السنة لهم بسبب ما هم عليه من الباطل في جانب الصحابة وغيره، معروف ومستقر في النفوس، ولا تزال الأجيال تتوارثها، وتتقرب إلى الله بها، إلا من جهل عقيدتهم، أو لبَّس عليه دعاة البدع دينه، أو كان في قلبه شيء من دغش وهوى لا ترويه نصوص الوحي المنزل، وإنما العجب والغريب أمران:

أولهما: أن يتجرأ بعض الكتاب والمؤلفين والمتصدرين للناس في الفضائات ممن يعدون أنفسهم دعاة ومصلحين وموجهين للأمة إلى الطعن والقدح في بعض الصحابة الأخيار، لا سيما الأمير المبجل الموقر، والملك الصالح العادل، والمجاهد النبيل: معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه، وعن أبيه ـ.

وثانيهما: أن يخرج أقوام فيبجلون هذا الطاعن ويلقبونه بألقاب شريفةٍ أو يلتمسون له المعاذير والمخارج، ويبقى عندهم موَقرًا مبجَّلًا، مُكْرماً مقدماً، لا تتأثر مكانته، ولا تنزل رتبته.

أيها الناس:

إن القدح والعيب في الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ جريمة منكرة، وسيئة شنيعة، وقبيحة شديدة.

ومن قدحه أو عابه أو أطلق قلمه أو لسانه فيه فقد خالف القرآن العظيم، وعارض السنة النبوية، واهتدى بغير هداهما، وكان منحرفًا إلى هواه.

لأن كل نص فيهما قد جاء فيه فضل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ، ووجوب محبتهم، ولزوم توقيرهم واحترامهم وتبجيلهم، وحرمة سبهم والطعن فيهم، فمعاوية ـ رضي الله عنه ـ داخل فيه، وهو من أهله، لأنه من الصحابة، بل هو صحابي ابن صحابي وأخ لصحابة، بل أخ لأم المؤمنين زوج رسول الله أم حبيبة – رضي الله عن الجميع -.  

وقد قيل للإمام عبد الله بن المبارك  ـ رحمه الله ـ:

أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: لتراب في منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز.اهـ

وقيل للإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ:

أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: معاوية أفضل، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( خير الناس القرن الذي بعثت فيهم )).اهـ

وقيل للمعافى بن عمران ـ رحمه الله ـ:

أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز  فغضب على السائل وقال له: أتجعل رجلًا من الصحابة مثل رجل من التابعين، معاوية صاحبه ـ يعني: صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ـ وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله.اهـ

أيها الناس:

إن مناقب هذا الأمير المبجل، والصحابي الموقر، ملك أهل الإسلام، كثيرة مشهورة، ظاهرة غير خفية، وحسنٌ إمتاع قلوب أهل السنة، وتشنيف أسماعهم، وتنوير عقولهم بشيء منها.

فمن هذه المناقب:

أنه كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به وصدقوه، ونصروه وآزروه، وجاهدوا معه بأموالهم وأنفسهم لإقامة ونشر دين الله الإسلام، وتلقوا العلم على يديه، ولا ريب أن شرف الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعدله شرف.

ومن هذه المناقب:

أنه كان كاتبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يكتب عنه الوحي الذي أُنزل عليه هداية ورحمة للخلق أجمعين.

ومن المؤكد عند جميع أهل السنة والحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختار لكتابة الوحي عنه إلا من كان عنده أمينًا عدلًا مرضيًا.

ومن هذه المناقب:

أنه من الخلفاء الذين لا زال الإسلام في زمن حكمهم ودولتهم عزيزًا ظاهرًا على الأديان كلها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ )) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

ومعاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهما – أحد هؤلاء الخلفاء المُشار إليهم في هذا الحديث.

ومن هذه المناقب:

دخوله في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ البَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا )) رواه البخاري.

قال العلماء: ومعنى (( قد أوجبوا )) أي: فعلوا فعلًا وجبت لهم به الجنة أو أوجبوا لأنفسهم المغفرة والرحمة بذلك.اهـ

وأول ما ركب المسلمون البحر غزاة في سبيل الله مع معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنهما ـ، فقد كان أمير هذا الجيش المجاهد وقائده، وذلك في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ.

فهنيئًا له هذا الوعد الجميل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنيئًا له هذه البشارة العظيمة الطيبة.

ومن هذه المناقب:

تولية ثلاثة من الخلفاء الراشدين المهديين – رضي الله عنهم – له إبان خلافتهم وحكمهم.

حيث ولاه أبو بكر على بعض المدد الذي أرسله إلى بلاد الشام ناشرًا للإسلام، ومجاهدًا في سبيل الرحمن، ثم ولاه عمر على بعض أقاليم الشام بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان، ثم ولاه عثمان أميرًا على بلاد الشام كلها.

وهذا يدل على رضاهم به، وأنه ذو مكانة طيبة عندهم، وأهل وكفؤ أن يُولى.

ومن هذه المناقب:

اتساع رقعة الإسلام، وتوسع حدود المسلمين في عهده – رضي الله  عنه -، حتى وصلت إلى حدود القسطنطينية، وإلى شمال أفريقية، وإلى حدود روسيا.

ويا لله كم ترتب على كثرة الفتوح لأمصار الناس وبلدانهم في عهده – رضي الله عنه – من إسلام الألوف، ومئات الألوف، بل الملايين.

فهنيئًا له ما سيأتيه من الأجور الكثيرة، والثواب العظيم، بسب إسلام هؤلاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا )) رواه مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب – رضي الله عنه – حين أرسله مجاهدًا وداعيًا: (( عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ )) رواه البخاري.

أيها الناس:  

إن سبب الكلام عن هذا الصحابي الجليل، والمجاهد النبيل، والأمير الكبير، والحاكم العادل، والفقيه الصالح، ثلاثة أمور:

أولهما: ما عليه الشيعة الرافضة  والزيدية المخذولة من تشويه لصورته الطيبة، ونسف لتاريخه المشرق المضيء، وهدم لأعماله الجليلة البارزة في الأقطار، عبر كتب ومؤلفات ملاليهم ودعاتهم ومرشديهم، ووسائل إعلامهم المقروءة والمسموعة والمرئية، فمناسب أن يُدَافع عنه، وتُحيى فضائله، ويُذَكَّر أهل السنة بشيء من مناقبه.

وثانيهما: تجرأ بعض الدعاة الناسبين أنفسهم إلى أهل السنة، وليسوا من أهل السنة حقيقة، بل من أهل البدع والأهواء المتعاضدين مع الشيعة الروافض، والذين تصدروا لتوجيه الناس في بعض الفضائيات إلى الطعن والقدح في هذا الصحابي – رضي الله عنه -، والتشويه والتشويش على سيرته العطرة.

وثالثهما: أن هذا الصحابي ـ رضي الله عنه ـ بوابة الصحابة الباقين، فمن تجرأ عليه بعيب أو قدح أو تشويش وتشويه انطلق إلى غيره من الصحابة، فالدفاع عنه ونصرته – رضي الله عنه – غلق وسد للتوسع في جانب الصحابة بالقبيح أو تخفيف لشروره وأضراره على الناس.

وقد قال أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ـ رحمه الله ـ:

معاوية سترٌ لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه.اهـ

وقال الفضل بن زياد – رحمه الله -:

سمعت أبا عبد الله ـ يعني الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وقد سئل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له: رافضي؟.

 فقال: إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء، ما انتقص أحد أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وله داخلة سوء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( خير الناس قرني )).اهـ

وقال إبراهيم بن ميسرة – رحمه الله -:

ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنسانًا قط إلا إنسانًا شتم معاوية، فإنه ضربه أسواطًا.اهـ

وسئل الإمام مالك بن أنس – رحمه الله – عمن يشتم معاوية – رضي الله عنه – وغيره من الصحابة بالمشاتمات المعروفة بين الناس؟.

 فقال: إن شتمهم مشاتمة الناس نُكِّل نكالًا شديدًا.اهـ

وسئل الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – عن الذي يشتم معاوية أيصلى خلفه؟.

فقال: لا يصلى خلفه، ولا كرامة.اهـ

فإنا لله وإنا إليه راجعون، هو حسبنا وحسب أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وناصرهم ورافع ذكرهم في العالمين، والمخذول المهزوم الذي أردى بنفسه، وأزراها بين الناس، وأساء إليها في الدنيا والآخرة، هو من تعرض لجانبهم الكريم أو جناب أحد منهم، ودخلت في قلبه داخلة سوء عليهم أو على أحدهم.

وأما أهل السنة والحديث – طيب الله ذكرهم – فلن يستعملوا مع الصحابة – رضي الله عنهم – ولا جنابهم الكريم الشريف إلا الأدب الذي أدبهم الله به، ودعاهم إليه، ورغبهم في أن يكونوا من أهله بعد ذكره وثنائه على الصحابة الأخيار في سور الحشر، فقال سبحانه: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }.

بارك الله لي ولكم فيما سمعتم، وجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأحسنه الموافق للقرآن والسنة وما كان عليه السلف الصالح، ومنه حب معاوية – رضي الله عنه – وجميع الصحابة، والثناء عليهم، ونصرتهم والدفاع عنهم، وبغض معاديهم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله معز أوليائه، ومحب أهل طاعته، ومخزي شانئيهم ومن قلاهم، والصلاة والسلام على نبيه المؤيد بالبراهين والمعجزات، وعلى آل بيته، وعلى الصحابة الكرام المكرمين المرضيين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء والمصير.

أما بعد أيها الناس:

فإن من أعظم خصال التقوى، وأجل صفات أهل الإيمان، وأحسن خلال المسلم، ودلائل جميل الديانة، وشواهد صلاح الباطن، وعلامات وفور العقل وصحته، هو حب جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلامة القلوب والألسن جهتهم، وذكرهم بين الناس بالجميل، وإعزازهم وإجلالهم وتوقيرهم.

وعلى هذه العقيدة الطيبة الزاكية سار أهل السنة والحديث على مر الأزمان، وتباين الأقطار، واختلاف الأجناس والألوان واللغات، وسيستمرون عليها إلى قيام الساعة.

ومن قرأ القرآن المجيد فلن يجد إلا هذه العقيدة، ومن نظر أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه زادته إيماناً وتمسكاً بهذه العقيدة، ومن وقف على أقوال أجلة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة إليهم وجد أنهم لا يخرجون عن هذه العقيدة الطيبة المباركة، ومن قلب دواوين السنة المطولة والمختصرة زادته ثباتاً إلى ثبات على هذه العقيدة، وهذا الموقف من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ.

أيها الناس:

إن من المسائل التي قررها السلف الصالح أهل السنة والحديث وذكروها في كتب الاعتقاد والسنة على اختلاف عصورهم وبلدانهم ولغاتهم، هذه الثلاث مسائل:

المسألة الأولى:

الذم والقدح والتحذير والبغض والكراهية لكل من يذكر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أو أحدًا منهم بسوء وعيب وقدح وطعن، وأنه مبتدع.

وقد قال الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ:

من انتقص واحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبغضه لحدث كان منه، أو ذكر مساويه كان مبتدعًا، حتى يترحم عليهم جميعاً، ويكون قلبه لهم سليماً.اهـ

وقال الإمام أبو زرعة الرازي ـ رحمه الله ـ:

إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة.اهـ

المسألة الثانية:

السكوت عما شجر بين الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ من الخلاف بعد مقتل عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ حتى لا تنجر الألسن أو القلوب إلى ذم أو بغض أحد منهم فتضل وتهلك.

ولأن أكثر ما يروى من الأقاويل والقصص في ذلك كذب، ومنه ما زيد فيه أو نُقص حتى تغير عن معناه الصحيح، والصحيح منه قليل، وهم فيه إما مجتهدون مصيبون أو مجتهدون مخطئون، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم.

المسألة الثالثة:

وجوب لزوم ما كان عليه الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في سائر أبواب الدين في باب العقيدة، وفي باب العبادات، وفي باب المعاملات، وفي الفعل والترك، وفي العمل بالسنن واجتناب البدع، وفي فهم نصوص القرآن والسنة.

وقد قال الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ في مطلع رسالته المشهورة في “السُّنِّة”:

أصول السنة عندنا – يعني: عند أهل السنة والحديث – التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة.اهـ

فاللهم اجعلنا من المتبعين لنبييك صلى الله عليه وسلم، والمتمسكين بسنته وهديه، والسائرين على طريقه.

اللهم اجعلنا ممن يحب صحابة نبيك صلى الله عليه وسلم حبُا كثيرًا، وممن يتولاهم وينصرهم، ويجلهم ويوقرهم، ويترضى عنهم، ويعرف لهم سابقتهم وفضلهم، ويستغفر لهم، ويسير على طريقهم، ويقتدي بهم.

اللهم ارفع الضر عن المتضرين من المسلمين، وارفع عنهم القتل والاقتتال، وأزل ما بهم من خوف وجوع، وأعذهم من الفتن ما ظهر منها ومابطن، ووفق ولاة أمورهم للقضاء على الشرك والبدع والمعاصي، وإقامة الدين والعدل.

اللهم صل على عبدك ورسولك الكريم الموقر المبجل محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي العدناني، وعلى أزواجه وذريته، وجميع قرابته، وسائر أصحابه، ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، وسلم تسليماً كثيراً.

خطبة ألقاها:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد الحسيني الهاشمي القرشي.