إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > مقال بعنوان: ” إسعاد الصُّحبة بأن السلف الصالح على أن للعيد خطبتين لا خطبة “.

مقال بعنوان: ” إسعاد الصُّحبة بأن السلف الصالح على أن للعيد خطبتين لا خطبة “.

  • 29 سبتمبر 2014
  • 5٬117
  • إدارة الموقع

إسعاد الصُّحبة بأنَّ السَّلف الصالح على أنَّ للعيد خطبتين لا خطبة

الحمد لله القوي المتين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه المهتدين، ومن تبعه إلى يوم الدين.

أما بعد، أيها القارئ السُّنِّي اللبيب – سدَّدك الله وزادك هدى -:

فهذه وريقات فقهية في تثبيت ما مشى عليه أسلافنا الماضون ـ رحمهم الله تعالى ـ في شأن العيد، وأن له خطبتين يُفصَل بينهما بجلوس لا خطبة واحدة.

وأسأل الله أن ينفع به، وأن يجعله أجرًا وفقهًا وأُنسًا للكاتب والقارئ، إنه جواد كريم.

وسوف يكون الكلام عن هذه المسألة في ثلاثة فروع:

الفرع الأول / عن أقوال أهل العلم – رحمهم الله – في تقرير جريان العمل على الخطبتين.

أولًا: قال ابن حزم الظاهري الأندلسي – رحمه الله – في كتابه “المحلى” (3/ 543 – مسألة رقم:543):

فإذا سلَّم الإمام قام فخطب الناس خطبتين يجلس بينهما جلسة، فإذا أتـمَّها افترق الناس، فإن خطب قبل الصلاة فليست خطبة، ولا يجبُ الإنصات له، كلُّ هذا لا خلاف فيه إلا في مواضع نذكرها إن شاء الله تعالى.اهـ

ثم لم يذكر بعد ذلك خلافـًا في الخطبتين.

فإذا لم يكن خلاف بين مَن تقدَّمنا مِن أهل العلم في الخطبتين، وأجمعوا عليهما، فينبغي أن لا يكون بيننا، والأسلم لنا متابعتهم وجعلهم قدوتنا في ذلك.

ثانيـًا: قال جمال الدين ابن عبد الهادي الحنبلي- رحمه الله- في كتابه “مغني ذوي الأفهام” (7/ 350 – مع شرحه “غاية المرام” للعبيكان):

وإذا فرغ مِن الصلاة يخطب (و) خطبتين كالجمعة.اهـ

قال شارحه – سدَّده الله -:

ش: فإذا سلَّم مِن الصلاة خطبهم خطبتين، وأشار المؤلف إلى أن ذلك باتفاق الأربعة.اهـ

وذلك لأن الواو (و)  تعني: اتفاق الحنابلة مع الحنفية والمالكية والشافعية في حكم المسألة.

ثالثـًا: قال العلامة محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في كتابه “الشرح الممتع على زاد المستقنع”(5/ 145):

هذا ما مشى عليه الفقهاء – رحمهم الله – أن خطبة العيد اثنتان…اهـ

رابعًـا: قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – كما في كتاب “مسائل الإمام ابن باز” (ص:82 ـــ تقييد وجمع: عبد الله بن مانع):

العلماء ألحقوا العيد بالجمعة في الخطبتين، فلا ينبغي العدول عنه.اهـ

وقال أيضًا:

وتتابع العلماء على ذلك.اهـ

وقال أيضًا كما في “فتاوى نور على الدرب” (13/ 364):

خطبة العيد خطبتان، يخطب خطبتين كالجمعة، هكذا قال أهل العلم.اهـ

رابعـًا: قال العلامة أحمد بن يحيى النجمي – رحمه الله – في كتابه “فتح الرب الودود في الفتاوى والرسائل والردود” (3/ 117):

عِلمًا بأن العمل الآن جارٍ على الخطبتين عند معظم الناس، وعامة الفقهاء، وفي الإتيان بخطبة واحدة جالب للبلبلة وكثرة النقاش والتساؤلات، فلو عمل الخطيب بما جرى عليه الفقهاء فهو أحسن في نظري قياسًا على الجمعة.اهـ

الفرع الثاني / عن الآثار التي تؤكد جريان العمل في زمن السلف الصالح على الخطبتين.

أولًا: أثر عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود  -رحمه الله -.

 فقد قال الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي – رحمه الله – في كتابه “الـمُغني” (2/ 239):

وقال سعيد – يعني: ابن منصور في”سننه”-:

حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال:

(( يُكَبِّرُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَخْطُبُ، وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ )).

وإسناد صحيح.

و(عبيد الله) هذا، قد قال عنه الحافظ ابن عبد البَرِّ النَّمري – رحمه الله – في كتابه “التمهيد” (9/ 7):

يُكنى أبا عبد الله، كان أحد الفقهاء العشرة ثم السبعة الذين عليهم كانت الفتوى تدور بالمدينة، وكان عالمًا فاضلًا، مُقدَّمُا في الفقه.اهـ

وقال الحافظ ابن حبان البُستي- رحمه الله – في كتابه “الثقات” (5/ 63):

أبو عبد الله مِن سادات التابعين، وكان يعد من الفقهاء السبعة.اهـ

وأخرجه ابن أبي شيبة – رحمه الله – في “مصنفه”(5866) فقال:

حدثنا وكيع، عن سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن القارىّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال:

(( مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، عَلَى الْعِيدَيْنِ، تِسْعًا قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَسَبْعًا بَعْدَهَا )).

وقال البيهقي – رحمه الله – في “سننه” (6216):

ورواه غيره عن إبراهيم عن عبيد الله:

(( تِسْعًا تَتْرَى إِذَا قَامَ فِي الْأُولَى وَسَبْعًا تَتْرَى إِذَا قَامَ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ )).اهـ

وأخرجه عبد الرزاق – رحمه الله – في”مصنفه” (3/ 290- رقم:5672) فقال:

عن معمر، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد القارىّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه قال:

((«يُكَبِّرُ الْإِمَامُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ تِسْعًا حِينَ يُرِيدُ الْقِيَامَ وَسَبْعًا فِي»عَالَجْتُهُ عَلَى أَنْ يُفَسِّرَ لِي أَحْسَنَ مِنْ هَذَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ – فَظَنَنْتُ أَنَّ قَوْلَهُ -: حِينَ يُرِيدُ الْقِيَامَ فِي الْخُطْبَةِ الْآخِرَةِ )).

ورجال إسناديهما أئمة ثقات غير محمد بن عبد القارئ، فقد ذكره الحافظ ابن حبان ـ رحمه الله ـ في كتابه “الثقات”، وروى عنه جمع، ومنهم: الزهري، وسفيان، ومعمر، وابنه عبد الرحمن.

وقد احتج بأثره هذا إمام أهل السنة والحديث أحمد بن حنبل – رحمه الله -.

فقال العلامة أبو عبد الله بن مفلح ـ رحمه الله ـ في كتابه “الفروع” (2/ 142):

قال أحمد: قال عبيد اللَّه بن عبد الله بن عتبة: (( إنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ )).اهـ

ثانيـًا: قال عبد الرزاق الصنعاني – رحمه الله – في “مصنفه”(3/290 – رقم:5671 – باب: التكبير في الخطبة):

عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، قال:

(( سَمِعْتُ أَنَّهُ يُكَبَّرُ فِي الْعِيدِ تِسْعًا وَسَبْعًا )).

وإسناده صحيح.

وإسماعيل بن أمية – رحمه الله – مِن أتباع التابعين.

وهذان الأثران يؤكدان الخطبتين، وجريان العمل في عهد السلف الصالح عليهما.

الفرع الثالث / عن الإجابة على القول بأن ظاهر الأحاديث والآثار يُشعر بخطبة واحدة.

ذهب بعض أهل العلم والفضل مِن المعاصرين – رفع الله قدرهم وأعلى ذكرهم وأكرمهم برضوانه والجنة – إلى أن للعيد خطبة واحدة، وقالوا:

ظاهر أحاديث خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في يوم العيد يُشعر بخطبة واحدة.

ومِن أمثلة هذه الأحاديث:

ما أخرجه البخاري (978) ومسلم (885) – رحمهما الله – عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أنه قال: 

(( إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ يَوْمَ الْفِطْرِ، فَصَلَّى، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ، وَأَتَى النِّسَاءَ، فَذَكَّرَهُنَّ…)).

وجوابًـا على هذا يُقال:

أولًا: إن ما ورد في الأحاديث النبوية محتمل وليس بصريح.

وذلك لأن هذه الأحاديث ليس فيها النَّص على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب يوم العيد إلا خطبة واحدة، وغاية ما ورد فيها:

أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس في يوم العيد.

ثانيًـا: إن هذا الفهم والاحتمال مدفوعٌ بالإجماع الذي نقله ابن حزم الظاهري الأندلسي – رحمه الله -.

ثالثـًا: ظواهر هذه الأحاديث معروف مشهور عند السلف الصالح، وأئمة السُّنَّة والحديث، ومع ذلك لم تكن الخطبة الواحدة قولهم وفقههم، وهم عند الجميع أعلم بالنصوص وأفهم وأتبع، ومتابعتهم وعدم الخروج عن فهمهم وفقههم أحقُّ وأسلم وألزم.

رابعًـا: إنه يَكْـبُر أن تكون السُّنَّة خطبة واحدة ثم يتتابع أئمة السُّنَّة والحديث مِن أهل القرون المفضلة على العمل على خلافها، بل ولا يكاد يُعرف بينهم مَن أنكر، وبيِّن السُّنَّة، لاسيما والخطبة ليست مِن دقائق المسائل التي لا يطلع عليها إلا الخواص، بل مِن المسائل الظاهرة التي يشهدها ويشاهدها ويدركها العالم والجاهل، والصغير والكبير، والذكر والأنثى، ومع ذلك فالذي أدركوه هو الخطبتين.

خامسًا: أن السُّنَّة قد تضافرت على أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب للجمعة خطبتين، ومع ذلك فيصح شرعًا ولغة أن يُخبر الحاضر لهما جميعًا فيقول: “شهدت خطبة الجمعة”، وليس “خطبتي الجمعة”.

فيكون قول جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما -: (( فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ )) وأشباهه مِن هذا القبيل، ومِن بابته، بدليل جريان عمل السلف الصالح – رحمهم الله – على الخطبتين.

وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.