إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الردود > إلى القائلين بتقصير أهل السنة والحديث في الظهور عبر أجهزة الإعلام ومواقعه

إلى القائلين بتقصير أهل السنة والحديث في الظهور عبر أجهزة الإعلام ومواقعه

  • 10 أكتوبر 2014
  • 1٬549
  • إدارة الموقع

إلى القائلين بتقصير أهل السنة والحديث في الظهور عبر أجهزة الإعلام ومواقعه

الحمد لله الكريم الرحمن، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للإنس والجان، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، إلى آخر الزمان.

أما بعد، أيها الفضلاء النبهاء الحصفاء – كان الله لكم ومعكم في كل حين وحال -:

لا نزال نسمع بين الفينة والفينة، ومن حين إلى حين، وفي مناسبة وأخرى، وعند حضور بعض المجالس والمجامع، هذا الطرح:

[ إن العلماء وطلاب العلم السائرين على منهج السلف الصالح أهل السنة والحديث قد وقعوا في تقصير كبير، وخلل شديد، بقلة ظهورهم أو عدم ظهور عامتهم أو أكثرهم في القنوات الفضائية، والتحدث في الإذاعات، والكتابة في الجرائد والمجلات، لأجل دعوة الناس إلى التوحيد والسنة، وتحذيرهم من الشرك والبدعة، والرد على أهل البدع والأهواء، وكشف عوارهم للناس، بخلاف غيرهم فهم أشد ظهوراً وتحدثاً وكتابة في هذه المواقع الإعلامية ذات الإقبال الجماهيري الكثير من سائر فئات الناس ].

فأقول لأهل هذا الطرح أو اختلاج الصدر به – سددهم الله وقواهم -:

لقد كان بودي قبل طرح هذا الكلام وإنزاله للناس وبينهم أن يُتأنى فيه، ويُدرس واقعه جيداً، وينظر من جميع جوانبه، فلا تترك منه زاوية، حتى يستبين لصاحبه الأمر، ويطابق حكمه الواقع، ويكون الأمر كما قال أو ظن، إذا الحكم على الشيء فرع عن تصوره.

ودونك أخي – كفيت ووقيت وهديت – هذه الجوانب التي تساعدك في تأمل طرحك هذا، وهل وافقت فيه الصواب أو جانبته، وتأملته ببعد نظر ودقة فهم أم أنك لم تتنبه لأمور فيه عديدة؟:

الأول: إن عامة هذه القنوات والإذاعات والصحف والمجلات ليست بملك أو بأيدي هؤلاء الدعاة الفضلاء – سلمهم الله – بل هي ملك لغيرهم، وبأيدي أناس آخرين.

وما كان سبيله هذا فالأمر في الظهور والتحدث والكتابة إلى أصحابه والقائمين عليه لا إلى دعاة التوحيد والسنة السائرين على طريقة السلف الصالح أهل السنة والحديث.

ولا ريب أن ما كان لك كثر وجودك فيه وظهورك، وما كان لغيرك قل أو عُدم وجودك فيه وظهورك.

الثاني: إن أكثر القنوات والإذاعات والصحف والمجلات الدينية أصحابها أو من يقوم عليها لا يسيرون على منهج السلف الصالح أهل السنة والحديث، بل ينتمون إلى جماعات وأحزاب بدعية معروفة مشهورة.

وهؤلاء يضعف في حقهم أن يأتوا بدعاة إلى التوحيد والسنة ومنهج السلف الصالح، لأنهم يضادون منهجهم، ويخشون أن يبينوا للمشاهدين والمستمعين والقراء بدعهم وضلالاتهم، ويكشفوا عوار أحزابهم وجماعاتهم، ويهدموا بنيانهم وصروحهم، ويكسروا رؤوس كبارهم، ويكدِّروا عليهم صفوا أتباعهم والمتعاطفين معهم.

وأذكر أني قبل سنين كنت في ضيافة رجل فاضل على طعام الغداء، وحين وصلت إلى منزله وجدت عنده ضيفاً غيري، فعرفني هذا الضيف بنفسه، وأنه القائم على الملحق الديني في جريدة كذا، ثم حدثني حول ما يأتيه من مواضيع دينية إلى هذه الجريدة لتنشر فيها، وأبدى تضايقه من بعض هذه المواضيع وكتابها، وفي سياق الحديث سمى لي رجلاً، وقال عنه: إنه من السلفيين، وأنه أرسل إليه ثمانية مواضيع في مرات مختلفة لنشرها، فلم ينشرها.

وفي نفس هذا المجلس أخبرني عن اثنين من مشايخ الرافضة، وأنهما يرسلان إليه بعض مقالاتهم فينشرها في هذه الجريدة بعد مراجعتها وتعديل بعض عباراتها إن اقتضى الأمر.

فانظر إليه – أصلحه الله وأرشده – كيف حجب كتابات صاحب السنة السلفي، ولم يحجب كتابات أهل الرفض.

الثالث: إن كثيراً من هذه القنوات والإذاعات لا تخلوا من وجود محرمات ومنكرات من نساء كاسيات عاريات أو شاشات تعرض صورهن وأجسادهن، أو أصوات غناء أو آلات معازف.

فإن حصل وطُلب من الداعية إلى التوحيد والسنة في بعض الأحيان أن يخرج فيها، فإنه لا يجيبهم، لأنه يرى أنه لا يجوز له شرعاً حضور مثل هذه الأماكن، ويخشى على نفسه إن تواجد أن يرى أو يسمع شيئاً من هذه المحرمات والمنكرات.

ومن كانت هذه حاله فلا غضاضة ولا معرة ولا تبعة تلحقه، لا شرعاً، ولا عقلاً، ولا يليق بأحد تثريبه وإطلاق التقصير عليه.

الرابع: إن كثيراً إن لم يكن أكثر أهل السنة والحديث السائرين على طريقة السلف الصالح من علماء وطلاب علم يرون حرمة التصوير بكاميرات الفيديو وغيرها، ويقولون:

إن التصوير بالفيديو يعتبر تصويراً في اللغة والعرف، فيدخل في عموم النصوص الشرعية الناهية عنه، والمبينة لغلظ عقوبة فاعله، ثم إن هذه النصوص وحي من الله تعالى، والله تعالى يعلم حال التصوير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقبله وبعده، ويعلم أنه سيكون بكاميرات فتلغرافية وكاميرات فيديو وربما غيرها في ما يأتي من مستقبل الزمان، ومع هذا جاء نهيه سبحانه نهيا عاماً.

فإن حصل وطُلب منهم الظهور في هذه الفضائيات فإنهم لا يجيبون، لأنهم يخشون على أنفسهم الوقوع في الإثم بسبب إعانة المصور على تصويره لهم، فهم يريدون تخفيف السيئات عن هذا المصور ومن يعمل عندهم، ويرون أن مصلحة أنفسهم أولى بالتقديم من مصلحة غيرهم، ويخشون أن يتساهل الناس في هذا المحرم بسبب ظهور صورهم، ويحتجوا بصورهم ورضاهم بالتصوير على الجواز.

ومن كانت هذه حاله فلا غضاضة ولا معرة ولا تبعة تلحقه لا شرعاً، ولا عقلاً، ولا يليق بأحد تثريبه وإطلاق التقصير عليه.

الخامس: إن كثيراً من هذه القنوات الفضائية أو الإذاعات أو الصحف والمجلات الدينة أصحابها ومن يقوم عليها ليسوا على منهج السلف الصالح أهل السنة والحديث، بل ينتمون إلى أحزاب وجماعات بدعية معروفة، وكثير من الدعاة والوعاظ والخطباء والقصاص والمذكِّرين والقراء منهم، وعلى شاكلتهم، ويتعاضدون معها ومعهم، فلا غرو أن يبرزوهم دون غيرهم، ويشهروهم ولا يظهرون غيرهم.

السادس: إن كثيراً من الدعاة الذين يظهرون في الفضائيات أو يعظون ويذكِّرون ويقصون في الإذاعات أو يكتبون في الصحف والمجلات، لا سيما من أصبحت لهم شهرة، وذاع صيتهم، يتقاضون على ظهورهم وكتاباتهم أمولاً، ويأخذون عليها أجراً، ولهم مخصصات معروفة، ومن كانت هذه حاله ووصفه فلا عجب أن يتسابق إلى هذه القنوات والمواقع، وتسارع إليه، وتبحث عنه وترغِّبه.

ومعلوم أن غالب الناس أرغب في الوعظ والقصص منهم بالعلم، وانظر إلى أعدادهم في حلقة العالم وأعدادهم في حلقة الواعظ أو القَصَّاص أو المذكِّر يزداد وضوح الأمر لك.

السابع: لا ريب أن كثيراً من القنوات الفضائية الموجودة لا يحل وجودها بين المسلمين، ولا إيجادها من مسلم، لأنها لم تؤسس على تقوى من الله، بل أصبحت منابر لنشر القبائح والمنكرات، وأركاناً لإغراق الناس في الشهوات، وأضحت تزيد في ذنوب الناس وآثامهم، وتقربهم من الشيطان ودعاته، وتبارز ربها بالعصيان والإفساد، ويقوم عليها طلاب دنيا لا دين، وأصحاب مذاهب منحرفة، وأهل أديان محرفة، ففيها الصليبي، وفيها البعثي، وفيها العلماني، وفيها اللبرالي، وفيها الحداثي، وفيها وفيها.

وإذا كانت على مثل هذه الحالة، وبهذه المثابة، فكيف تأتي بمن يهدم بنيانها، ويتسبب في كساد سوقها، ويعري من يقوم عليها، وأنهم دعاة عذاب وشقاء لا رحمة وجنة عرضها السموات والأرض.

 

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.

4/ 7 / 1433هـ