إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > التربية > لِبَاسُ المَرْأَةِ بَيْنَ اَلشَّرِيعَةِ وَكَيْدِ المُفْسِدِينَ

لِبَاسُ المَرْأَةِ بَيْنَ اَلشَّرِيعَةِ وَكَيْدِ المُفْسِدِينَ

  • 14 نوفمبر 2016
  • 8٬919
  • إدارة الموقع

لِبَاسُ الـمَرْأَةِ بَيْنَ اَلشَّرِيعَةِ وَكَيْدِ الـمُفْسِدِينَ

الحمدُ لله العزيز الحكيم، الجليل العليم، الذي منَّ على المؤمنين والمؤمنات بدينه القويم، وشرعه الطيِّب الجميل، الذي يُهذِّب نفوسهم، ويجمِّل أخلاقهم، ويُزيِّن صُورتهم، ويُعلِي تعاملهم مع غيرهم، ويُصلِح ما تنطقُ به ألسنتهم، وتفعله جوارحهم.

فَله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحُكم وإليه ترجعون.

والصَّلاة والسَّلام على خاتم أنبيائه، ومبعوثه رحمةً للعالمين، أَحسن النَّاس منطقًا، وأتمِّهم خُلُقًا، وأفضلهم طَبعًا، وأجملهم تعاملًا، وأزكاهم حالًا.

وعلى أزواجه المصُونات المُكرَمات، الطَّيبات الطَّاهرات، العابدات القانتات، الزَّاكيات العفيفات.

وعلى باقي أهل بيته وذرِّيَّته، وأصحابه الأكابر الأفاضل، النَّاصرين لله ولرسوله ولدِينه، وعلى السَّائرين والسَّائرات على طريقه وهديه إلى يوم الحشر والمئاب.

أمَّا بعدُ، فيا معاشر المؤمنات – أسعدكُنَّ اللَّه بالسَّير في مراضيه ، وزادكُنَّ منه قُربًا ، ومَنَّ عليكُنَّ بِحبِّه وحِفظه وسِتره – :

أسألُ الله – جلَّ وعلَا – أن يَمُنَّ عليكنَّ بالصَّلاح في أنفسكنَّ، وبالإصلاح لِأهْلِكُنَّ، وأن يُسلِّمكنَّ من شرِّ أنفسكنَّ، ومن شرِّ الشَّيطان، وشرِّ جُنده وأتباعه من الجنِّ والأنس، وأن يُعيذُكنَّ من مُنكرات الأخلاق والأعمال والأهواء.

وأن يصرف عنكُنَّ كَيد الكفَّار، و مَكر الفجَّار، وإضلال المبتدِعة، وتزيِين الفاسقين، وأن يدفع عنكنَّ مُنكرات الأفراح والأحزان والأسواق، وشرور المجالس والجلِيسَات، وفِتن الفضائيَّات ومواقع (الإنترنت)، ومكائد مُرَاسَلات ومُكاتبات الهواتِف النَّقَّالة والثَّابتة، وألبسة الكاسيات العاريات المميلات المائلات، إنَّه سميع الدُّعاء، وأهل الرَّجاء، وهو حسبنا ونِعم الوكيل.

أيـُّها الأخوات والبنَات الكريمات المصُونات – جمَّلكنَّ اللَّه بالتَّوحيد والسُّنة ، وزيَّنكنَّ بِلبَاس التَّقوى – :

هذه وقفاتٌ متعدِّدة، وتنبيهاتٌ متنوِّعة، ووصايا نافعة، ونصائحُ مهمَّة، وإرشاداتٌ عزيزة، تحتجنَ إليها في شَبابِكُنَّ وكهولَتِكنَّ وشَيخُوختِكنَّ، وفي سفَركنَّ وإقامتكنَّ، وفي أماكن تواجدِكنَّ واجتماعكنَّ، وفي مناسبتكنَّ وأفراحكنَّ، تتعلَّقُ باللِّباس والألبسة، والزيِّ والتَّزيِّ، والسِّتر والتَّستُّر؛ عسى الله تعالى أن ينفع بها أَمَةً مؤمنة، ويزيد به في فضلها وحياءها، ويُطيِّبها في الدُّنيا وفي الأخرة.

وقد عَنونتُ لها بهذا العنوان:

” لباسُ المرأةِ بين الشريعة وكَيد المُفسدِين “.

فأقولُ مُستعينًا باللَّه – عزَّ وجلَّ – ربِّي وربِّكُنَّ العزِيز الرَّحيم:

لقد أصبح باب اللِّباس والزِّينة في هذه الأيام وهذا الزمان من أَوسع وأشرِّ وأخطر الأبواب التي يَلِجُ منها أعداء الدِّين والملَّة، ودُعاة المجُون والخلاعَة، وتجَّار الأعراض والرَّذيلة، وأهل الفساد والإفساد، ومدمِّرُو الأخلاق والفضائل، ومفسِدُو الذُّكور والإناث، وماحِقُو عِفَّة المجتمعات والملتقيات.

وَلَـجُوا من هذا الباب:

لِيحُولُوا بين المسلمين وبين الدِّين الذي ارتضاه لهم ربُّهم، ويضعِفوه في نفوسهم، ويقلِّلوا من تمسُّكهم وعملِهم به.

وَلَـجُوا من هذا الباب:

ليهدموا أخلاق المسلمين والمسلمات، وينزعِوا مظاهر العِفَّة والفضيلة، والحياء والغَيرة من بواطنهم وظواهرهم.

وَلَـجُوا من هذا الباب:

ليفسدوا مجتمعات المسلمين وبلادهم، ويملؤُوها بالمنكرات والقبائح، والرَّذائل والفجور.

وَلَـجُوا من هذا الباب:

طواعيةً ومتابعةً لمن تأثَّروا بهم، وتربَّوا على أيديهم، ودرَّبوهم من اليهود والنَّصارى وأشياعهم، وأضرابهم من الشُّيوعيِّين، والبعثيِّين، والماسُونيِّين، والعِلمَانِيِّين، والحَدَاثِيِّين، واللِّبراليِّين.

وَلَـجُوا من هذا الباب:

إشباعًا لشهوات نفوسهم ومَيلِها إلى الرَّذيلة والفجور، وتسهيلًا لحصوله، وتقريبًا من الوصول إليه.

حيث تراهم يحاربون لباس السِّتر..

و حِجاب العِفَّة..

و كساء الحياء..

و غطاء الفضيلة..

ورداء السَّلامة..

وثَوب الأَمن والطُّهر..

يحاربونه وينفِّرون عنه، ويبغِّضونه، ويضعِفونه بأشكالٍ مختلفة، وصورٍ متنوِّعة، وأساليب متزايِدة، وقنوات متعدِّدة.

تراه منهم في شاشات الفضائيَّات، وعبر الإذاعات، وفي مواقع الشَّبكة العنكبوتية (الإنترنت)، وفي برامج التواصل كتويتر والتلغرام والفيس بوك وسناب شات، وفي الصُّحف والمجلَّات، وفي الكُتب والمقالات، وفي القَصَص والرِّوايات، وفي النَّوادي والملتقيات، وفي النَّدوات والحوارات، وفي الأغاني والأشعار.

تراهم تارةً يهاجمونه بالرَّجعيَّة، وينعتونه بفِعل العصور الحَجَريَّة، و يقبِّحونه بتقييد حُريَّة المرأة، وتغيُّر الزَّمن، وتطوُّر وتَثقُّف نسائه عن سابقاتهنَّ.

وتراهم يحاربونه بالإعلانات والدَّعايات التي تزيِّن وتجمِّل في النُّفوس نقِيضَه من الألبسة، وذلك عبر شاشات الفضائيات، وعبر المجلَّات العامة والمتخصِّصة بالمرأة أو لباسها، وعبر بيوت الأزياء، ومسابقات عروض الأزياء ومَلِكات الجمال.

وتارةً يبغِّضُونه ويُنفِّرون عنه بإضفاء الهَالَة والبَهْرَجَة عبر قنوات ووسائل الإعلام – المرئيَّة والمسموعة – على الكاسيات العاريات المُمِيلات المائلات، ووَصفهنَّ بالتَّقدُّم والنُّضوج، والثَّقافة وسَعَة الأفق، والتَّطوُّر ومواكبة العصر، وبلوغ وتحقيق ما لم يصل إليه كثيرٌ من دُهَاة و عظماء الرِّجال.

وتارةً يُضيِّقُون عليه الخِنَاق بالتَّقليل من تصنيعه وبَيعه، والإكثار من غَيره ومُغَايِره، وإغراق الأسواق وبيوت الأزياء به.

ولقد حقَّقوا في هذا الباب تقدُّمًا مشهورًا مُتزايدًا يلحظه صغيرُ السِّنِّ والعقل؛ فكيف بكبير السِّنِّ ناضج العقل؟!

وأثَّروا على نساء المسلمين تأثيرًا بالغًا شديدًا..

تنسكِبُ لِـهَولِه العَبَرات..

و تحزنُ من كِبَرِه القلوب..

وتَحَارُ من توسُّعه وانتشاره العقول..

فقد سقطت في بَراثِنِه مسلماتٌ كثيرات، ووقعنَ في حَبَائل دُعاتِه وشِباكِهم، وانخدعت أعدادٌ كبيرةٌ بتَضليلَاتِهم ومَكرِهم ومكائدِهم.

ولا تزالُ – وللأسف!- ضحاياهُم من نِساء المُسلمين تزِيد ولا تقِلُّ، تتَّسع ولا تضِيق، تفشُو ولا تضمحِل.

فإلى الله المُشتكَى!!

وإليه المُلتَجأ، ومنه المُستمَد، وعليه المُستَند؛ وهو خيرٌ ناصِرًا وخيرٌ عُقبًا.

ولـمَّا كان الواقِعُ على هذا الوصفِ المَرير، والحالِ المُحزِن المُوجِع، والواقِع الفظيعِ الشَّنِيع؛ فإنَّ المرأة الحريصَة على دِينها ألَّا يضعُف، وعلى آخِرتها ألَّا تتكدَّر فيها، وعلى بِلادِها ومُجتمعِها ألَّا يتلطَّخ ويفسُد، وعلى أن تكون من المَرحُومين المُكرَمين لا المُعذَّبين المُهانِين:

ينبغي لها أن تنظُر إلى باب اللِّباس والسِّتر بِجِدِّيةٍ واهتِمامٍ بالغ، وحِرصٍ ومسؤوليةٍ جديرة، وعِلمٍ وإدراكٍ كبير، وعِنايةٍ وانتباهٍ شديد، وخَوفٍ من الله وخَشيةٍ عظيمة؛ حتَّى لا يدخل عليها الفسادُ والمُفسِدُون من جِهته، ولا على حبِيبَاتِها وعضِيداتِها من بناتِها وقريباتها، وصاحِباتِها ومُجالِساتِها.

ولِتكُون يَدًا شامِخةً قوِيَّةً ضِدَّ أعداء الملَّة والشَّريعة، ودُعاةِ الفسَاد والرَّذيلة؛ لا يَدًا من أيدِهم، ومِعولًا من مَعاوِلِهم، في إفساد نفسِها الضَّعيفة، وإفساد إخوانِها وأخواتِها من المسلمين والمسلمات، وإفساد مجتمعها وبلادها، ومُجتمعَاتهم وبِلادِهم.

فالله! الله!

أيُّها المُؤمِنات الكرِيمات!

أيُّها العفيفات المصُونات!

أيُّها الغيُورات الفاضِلَات!

لا يُؤتَى الإسلام ولا أهل الإسلام ولا بِلادُ الإسلام ولا مُجتمعات المسلمين، ويدخُل عليها الفَساد والإفساد، وتحِلّ فيها الفِتن، ويقوَى الفاسِقون، وتنتَشِرُ بها الرَّذائل والقبائح، مِن قِبَلِكُنَّ، ولا من جِهَتِكُنَّ، ولا بِسببِكُنَّ؛ فتَحمِلنَ أوزاركُنَّ، وأوزارًا مع أوزارِكُنَّ، وتلقَينَ الله وهو ساخِطٌ عليكُنَّ.

تلقَينهُ بِصحِيفة أعمالٍ تُسوِّد وجُوهكُنَّ، وتُورِدُكُنَّ الهَلكَةَ والبوار، والخُسران والإهانة، والعذاب الأليم في النَّار، وبئس مصير مَن كان مِن أهلها.

أيـُّها الأخوات والبنَات – رزقكُنَّ اللَّه السِّتر والعَفاف والفضِيلة والطُّهر والجنَّة والتَّنعُّم بِطيِّباتِها – :

هذه وقفاتٌ عِدَّة تتعلَّقُ بِباب اللِّباس والتستُّر، وعلى وجه الاختِصار لا البَسط؛ لعلَّها تُسهم في توسيع إلمامكنَّ ببعض أحكام هذا الباب، وتتنبَّهنَّ بها أكثر من ذِي قبل، والأمر كلُّه بيد الله – عزَّ وجلَّ -:

الوَقفَةُ الأولَى:

إنَّ المرأة بلباسها السَّاتِر لبدنها، وحرصها عليه واهتمامها به، إنَّما تطيعُ الله ربَّها، وتتقرَّب إليه بما يعود عليها بالنَّفع والخير في الدُّنيا، وفي القبر، ويَوم يقومُ النَّاس لربِّ العالمين، ويصيرون إلى نعيمٍ أو عذاب؛ حيث تُكثِّر به من أجورها، وتُثقِّل ميزان حسناتها، وتُجمِّل صحيفة أعمالها، وتُبيِّض وجهَها، وتُجمِّل صُورتها، وتُظهر فضلها، وتُبرز جميل خصالها، وتُطيِّب مَعدِنها، وتُزيد في تنقية مَن حولها ومجتمعها من الرَّذائل والقبائح، والمخزيات والموجعات، وتقف في وجه الفتن والفاتنين، وتُضعف الفساد والمفسدين.

فِللَّه درُّها !

ما أطيب أثرها!

وما أجمل عوائدها!

فلتُدرِك هذا المعنَى، ولتلتفت إليه.

الوَقفَةُ الثانِيَة:

إنَّ اللِّباس الفاتِن الذي يؤدِّي إلى فتنة الرِّجال والنِّساء بِلابِسَتِه، وجَرِّهِم إلى النَّظر المحرَّم المنكر، وقَودِهم إلى الأقوال والأفعال المحرَّمة المشِينة؛ لا يجوزُ لها أن تظهر به بمَحضَرِهم، ولا في صفوفهم وأمام أعينهم؛ وذلك لأنَّ الله-جلَّ وعلَا-قد نهَى عبادَه المؤمنين ذكورًا وإناثًا عن تعاطي جميع الأسباب التي تُعين على الوقوع في الإثم، فقال سبحانه في أوَائل سورة المائدة:

{ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } .

ولتنتبه المرأة – سدَّدها الله -، وتتنبَّه إلى أنَّ فتنة لباسها قد لا تقتصر على الرِّجال الأجانب عنها والذين ليسوا لها بمحارم؛ فقد تفتِن به بعض قريباتها أو مُجالِسَاتها، وتُثير غَائِلة الشَّهوة في نفوسهنَّ، وتجرُّهنَّ إلى النَّظر المحرَّم المذموم، أو القَول المحرَّم الفاحش، أو الأفعال المحرَّمة المنكرة.

وكما تقع بعض الفواحش والقبائح بين الرِّجال مع بعضهم؛ فقد تقع بين النِّساء؛ بل قد تكثُر، لا سيِّما في هذا الزَّمان الذي انتشر فيه المثلِيُّون جِنسيًّا، وأصبح لهم ظهورٌ وبروزٌ في المجتمعات، ولهم هيئات ومؤسَّسات، وأعياد ومناسبات، وقنوات ومواقع، وتدعَمُهم كثيرٌ من الجهاتِ والمنظَّمات، وتُسنُّ في تسهيل بروزهم وانتشارهم القوانين.

والمطلوبُ من المؤمنة عند تزايد الشرِّ وأهله، وتكاثر الفساد والمفسدين، وظهور الفتن والفاتنين والمفتونين، هو تضيقُ أبواب الشرِّ والفساد والفتن؛ لا أن تُوسِّع أو تتساهل معها، أو تتجاوب لها.

الوَقفَةُ الثالِثة:

إنَّ من أسباب تحريم بعض الألبسة على نساء المؤمنين هو وجودُ المشابهة بينها وبين ثلاثِ جهات:

الجِهةُ الأُولَى: المشابهةُ بينها وبين ألبسةِ الرِّجال.

فقد أخرج البخاريُّ – رحمه الله – في «صحيحه»([1]) عن ابن عباسٍ- رضى الله عنهما -، أنَّه قال:

«لَعَنَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ».

وأخرج أبو داود – رحمه الله – في «سُنَنه»([2]) عن ابن أبى مُلَيكة، أنَّه قال:

قِيلَ لِعَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: إِنَّ امْرَأَةً تَلْبَسُ النَّعْلَ، فَقَالَتْ:

«لَعَنَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الرَّجُلَةَ مِنَ النِّسَاءِ».

وقد قال بثبوته: المناوي، والألباني.

ولَعْنُ رسولِ الله-صلَّى الله عليه وسلَّم -لمن هذا حالهم يدلُّ على أنَّ فِعلهم من كبائرِ الذُّنوب، وعظائم السيِّئات.

و «الرَّجُلَةَ مِنَ النِّسَاءِ»: هي المُتَرجِّلة التي تتشبَّه بالرِّجال في زيِّهم ولباسهم، وأفعالهم وحركاتهم، وأصواتهم ومَشيِهم .

ومن أمثلة تشبُّه النِّساء بالرِّجال في بَاب اللِّباس:

لُبْسُ النِّساء للبِنطَال.

وقد أفتَى بتحريمهِ جمعٌ كثيرٌ من أهل العِلم، الذين عُرفوا بغزارةِ العِلم ورسوخهم فيه، ومتابعتهم للقرآنِ والسُّنَّة، وما كان عليه الصَّحابة-رضى الله عنهم-، وباقي أهل القرون الثَّلاثة الأُولى المفضَّلة.

ولُبسها القُمُص البيضاء في الحجِّ والعُمرة.

ولُبسها الأحذية الرِّياضيَّة الرِّجاليَّة.

الجِهةُ الثَّانِيَة: المشابَهَة بينها وبين الألبسة التي تختصُّ بها النِّساء الكافرات، حتَّى ولو كانت ساترةً للعورة.

فقد أَخرج الإمام أحمد في «مسنده»، وأبو داود، وغيرهم، عن النبيِّ- صلَّي الله عليه وسلَّم -، أنَّه قال:

«مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم»([3]).

وقد قال بثبوته جمعٌ مِن أهل العِلم، منهم: ابنُ تيمية، وزينُ الدِّين العراقي، وابنُ حجر العسقلاني، ومحمَّد بن عبد الوهَّاب، والألباني، وابنُ باز.

ومعنى قوله «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم»؛ أي: مَن تَزَيَّ في ظاهره بِزِيِّ ولباسِ قومٍ فهو منهم.

وهذا نصٌّ عامٌّ فيدخلُ فيه التَّشبُّه برجالات أهل الكفر أو نسائهم مِن سائر مِلَلِهِم ونِحَلِهِم.

وقد قال الحافظُ بنُ كثير – رحمه الله – في «تفسيره»([4]) عند هذا الحديث:

ففيه دلالةٌ على النَّهى الشَّديد والتَّهديدِ والوَعِيد على التَّشبُّهِ بالكفَّار في أقوالهِم وأفعالهِم، ولباسهِم وأعيادهم وعباداتهم، وغير ذلك مِن أمورهم التي لم تُشرع لنا، ولا نُقَرُّ عليها.اهـ

وأخرج الإمام مسلمٌ – رحِمَه الله – في «صحيحه»([5])، أنَّ عمر بن الخطَّاب -رضي اللهُ عنه – كتب إلى عُمَّاله بأَذَرْبِيجَان يَنهاهُم:

«وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ».

ويعني بـ: «زِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ»: لباسُهم.

بل قد أُمِرَ المسلمون ودُعُوا إلى مُخالفتهِم في أشياء عديدة، وتتعلَّق بأبوابٍ مختلفة، ممَّا يدلُّ على حرص الشَّريعة على أن نُبَايِنَهُم ونُفَارِقَهُم، ونبتعد عن مُشابهتِهِم ومُماثلتهِم في أقوالهِم وأفعالهِم، وعاداتهِم وألبستهِم.

الجِهةُ الثَّالِثَة: المُشابهة بينها وبين ألبسة المشهوراتِ بالفِسق والفساد والفُجور مِن النِّساء، مسلمات كُنَّ أو كافرات.

وذلك لعموم قول النَّبيِّ – صلَّي اللهُ عليه وسلَّم – الثَّابتِ عنه: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم»؛ إذ يدخلُ فيه التَّشبه بالكفَّارِ بجميعِ مِلَلِهِم ونِحَلِهِم، ويدخلُ فيه التَّشبُّه بالمنافقين بجميعِ أطيافهِم ومذاهبهِم، ويدخلُ فيه التَّشبُّه بالفسَّاقِ وأهلِ الفجورِ من المسلمين ذكورهم وإناثهم.

وقد قال العلَّامة الشَّريف ابن الأمير الصنعاني – رحمه الله – في كتابه «سُبُل السَّلام»([6]) عند هذا الحديث:

والحديثُ دالٌّ على أنَّ مَن تشبَّه بالفسَّاق كان منهم أو بالكفار أو المبتدعة في أي شيءٍ ممَّا يختصُّون به من ملبوسٍ أو مركوبٍ أو هيئة.اهـ

ومن أمثلة ألبسة المشهُورات بالفِسق والفسَاد والفُجور:

الألبسة القصيرة الكاشفة للعورات التي يحرُم رؤيتها.

والألبسة المُحجِّمة لأعضاء الجسد ومفاتنه المُبدِيَة لها.

والألبسة الرَّقيقة الخفيفة الشَّفافة.

والألبسة الجالبة للإثارة والفتنة والرَّذيلة، والتي إذا رأيتها لم تخطر ببالِك العِفَّة والفضيلة، ولا الحِشمة والحياء، وذكرتَ حينها التَّبعيَّة والتَّقليد للكافرات والفاسقات، ونجاحَ أهلِ المكر والفساد والرَّذيلة، وتجَّار الأعراض والفواحش.

فعلَى المؤمنة باللَّه واليَوم الأخر:

أن تنتبه على نَفْسِها الضَّعيفة شديدًا، وألَّا تتهاون وتتساهل، وتتعامَى وتتغافل وتتغابَى؛ حتَّى لا تقع في مراتب باب التَّشبُّه بالكافرات ولا الفاسقات؛ فتدخل في الوعيد الشَّديد والذَّم القبيح، وتصبح واحدةً من ضحايا أهله ودُعاته.

لأنَّ النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قد أخبر مُقسِمًا بأنَّه سيقعُ طوائف من أمَّته في الاقتداء والمتابعة والموافقة لأعدائها، وأعداء دِينها، وأعداء كتابها، وأعداء رسولها من اليهود وإخوانهم من النَّصارى، في كلِّ شيءٍ، وكلِّ أمرٍ نهى عنه الله ورسوله وزجرَا، وجاء في الشَّريعة ذمُّ فاعليه، وتقبيح أهله، وتحذير مرتكبيه.

بل إنَّ شدَّة هذا الاقتداء وكِبَر هذه التَّبعية وغِلَظ الموافقة لهم قد وصلت إلى حدِّ أنَّ أحدهم لو أراد أن يُدخِل جسدَه الطَّويل العريض في جُحر ضَبٍّ؛ لكان في هذه الأمَّة الخاتمة للأمم مَن يفعلُ فِعله، ويسلُك سبِيله، ويمشِي على طريقته، ويسِيرُ سَيْره، ويقتفِي أثره.

فقد أخرج البخاريُّ ومسلمٌ في «صححيهما»([7]) عن أبي سعيدٍ الخدري- رضي الله عنه -، أنَّ النَّبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال:

«لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قَالَ: «فَمَنْ».

فالله! الله!

يا مؤمنة!

لا يضعُف إيمانك من باب التَّشبُّه بالكافرات ولا الفاسقات، ولا تلتحقين برَكب الفساد والمُفسدات من هذا الباب، ولا تضُرِّي بأهلك ومجتمعك وبلدك من هذه الجهة ومن هذا الباب.

الوَقفَةُ الرَّابِعَة:

لا تغفلْ المرأةُ – كبيرةً كانت أو شابَّة – إذا جاءت الأعياد، وحلَّ وقت الأعراس، ودُعِيت إلى المناسبات، أنَّها أُمٌّ ووالدةٌ.

لا تنسَ أنَّها قُدْوةٌ.

لا تنسَ أنَّ الله قد مَنَّ عليها وأكرمها بالإسلام وطُهره ونقائِه.

لا تنسَ أنَّ بناتها يتأثرنَّ بطباعها وأفعالها وعاداتها.

فلا تَلبِس الفاضح من الثِّياب، ولا تَلبِس ما يُنقص حياءها، ويُقلِّل من حشمتها، لا تَلبِس ما يجاري مُوضَة بيوت الأزياء، وعارضات الأزياء وملكات الجمال، ولا ما يعجب ويُفرح شاشات الفضائيات، وصدور الصُّحف والمجلَّات وبطونها، ومواقع الشَّبكة العنكبوتية (الإنترنت)، ولا الإعلانات والدِّعايات التِّجارية، ولا الصَّاحبات ولا الجليسات.

لا تَلبِس اللِّباس الذي إذا رُئِيَ عليها تَذكَّر مَن يراه لباسَ الكافرات أو الفاسقات، وتَذكَّر لباس المغنيات والممثِّلات والرَّاقصات.

لا تَلبِس اللِّباس الذي يدعُو إلى الكلام فيها، وتكرير الأنظار إليها، وتكاثُر الإشارات جِهَتَها.

ولتُجمِّل نَفْسَها باللِّباس المجمِّل منظرًا، والمجمِّل دينًا، والمجمِّل خُلُقًا، والمجمِّل في القبر، والمجمِّل يوم الحشر والجزاء.

ولتحذر أشدَّ الحذر أن يدخل عليها الشَّيطان فتقول لنَفْسِها: إن ابنتي ما زالت صغيرةً لا تدرك، صغيرةً لا تميِّز، صغيرةً لا تنتبه لما ألبس!!

فإنَّ كثيرًا من الصَّغيرات يلتقطنَ ويتنبهَّنَ ويتفطَّنَّ إلى أمورٍ هي أكبرُ من أعمارهنَّ، وأعلَى مِن مدارك أسنانِهنَّ؛ حتَّى إنَّه ليُتعجَّب حين سماع بعض ما يَلتقِطنه مِن الكلام والأفعال والحركات تعجُّبًا شديدًا، ويُستغرب منهُنَّ استغرابًا كبيرًا؛ فكيف لا يُدركنَ الأمور الظَّاهرة؟! وكيف لا ترسخ في أذهانهنَّ؟! لاسيَّما مع الاستمرار والتَّكرار من الوالدة.

الوَقفَةُ الخَامِسَة:

لا يُعرف هذا التَّكشُّف وهذا التَّعرِّي الذي يقع من كثيرٍ من المسلمات اليَوم في لباسهنَّ عند اجتماعهنَّ ببعضٍ في البيوت أو الأعراس أو المناسبات، أو عند خروجهنَّ إلى الأسواق أو الأعمال، أو عند اختلاطهنَّ بالرِّجال، أو رؤيتهم لهنَّ، أو عند محارمهنَّ من غير الأزواج, لا يُعرف عن نساء المؤمنين في صدر الإسلام وقد بلغنَ الغاية في الطُّهر والعفَّة والحياء والحِشمة, وعلى هذا التَّستُّرِ جرَى عملُ نساء المؤمنين قرنًا بعد قرن.

ولم يُعرف ما عليه نساء اليَوم من التَّساهل في باب اللِّباس إلَّا بعد أن دخل الاستعمار الكافر إلى بلاد المسلمين، فالمستجيبة لدعواتهم، والمُطاوِعَة لرغباتهم، والماشِيَة والمُنقادة لِـمَا أرادوا, متشبِّهةٌ بهم وبأهل الفسقِ والرَّذيلة منهم، وليست مُتشبِّهةً بنساءِ المؤمنين وعلى رأسهنَّ نساء الصَّحابة-رضي الله تعالى عنهنَّ-.

الوَقفَةُ السَّادِسَة:

إذا قال الفُقَهَاء – رحمهم الله – بأنَّ حدَّ عورة المرأة المسلمة مع المرأة المسلمة هي ما بين السُّرَّةِ والرُّكبة، فلا يُفهم من كلامهم هذا أنَّ المرأةَ تتعرَّى وتتكشَّف وتَفْتِن غيرها بهذه الألبسة وتظهر بها بين النِّساء؛ وإنَّما ذكروا هذا الحدَّ حتَّى تُعرَف بعض الأحكام الشَّرعيَّة لا سيَّما المتعلِّقة بالصَّلاة، وبالطَّواف حَول البَيت في حجٍّ أو عمرة.

وهُم – رحمهم الله – يستقبِحُون ويستهجٍنُون ويذمُّون ظهور المرأة بهذه الألبسة الفاضحة المتهتِّكة المخزية أمام مثيلاتها، ويرونه من خَوَارِم المروءة، ونقص العدالة, وضعف الدِّين, وقِلَّة الحياء.

وكذلك عندما ذكروا – رحمهم الله – حدَّ عَورة الرَّجُل وأنَّها ما بين السُّرَّة والرُّكبة، فهم أيضًا يستقبحون ويستهجنون ويذمُّون جلوسه أمام النَّاس في أماكن العمل، أو في المناسبات والملتقيات, أو رؤيته في الطُّرقات بلباسٍ لا يغطِّي إلَّا ما بين السُّرَّة والرُّكبة؛ مع أنَّه رَجُل, والفتنة به أقلُّ بكثيرٍ من الفتنة بالنِّساء، وما يُستقبَح فِعله من الرَّجُل؛ فهو من المرأة أكثرُ قبحًا وأشد.

وللأسف أنَّ الرِّجال في هذا الزَّمان قد أصبحوا أستر من كثيرٍ من النِّساء!!

فتجد الرَّجُل يلبِس سروالًا قصيرًا، وفوقَه طويلًا، وفانيلةً، وثوبًا، وغطاءً لرأسه, ولا يبدو منه إلَّا وجهه وقدماه وكفَّاه, وثوبه فَضفَاضٌ واسع؛ بينما النِّساء بخلاف ذلك, أو تجده يلبس بنطالًا طويلًا إلى أسفل قدميه، وقميصًا يغطِّي نصفه الأعلى إلى كفَّيه، فلا يظهر منه إلَّا القدمان والكفَّان والرَّأس والوجه؛ وهذا بخلاف كثيرٍ من النَّساء؛ مع أنَّ المرأةَ أحقُّ بالتَّغطِية!!!

هذا، وأسألُ الله العظيم أن يُصلح نساء المسلمين صلاحًا يتنعمن به في جنَّات النَّعيم، ويترقَّين به في الدَّرجات العالية من الجنَّة, وأن يحفظ عليهنَّ دِينهنَّ وخُلُقهنَّ وعِفَّتهنَّ وفضيلتهنَّ، وأن يدخلهنَّ في عِداد القانتات الخاشعات الحافظات لفروجهنَّ, وأن يجنبهنَّ مُنكرات الأخلاق والأعمال والأهواء، وأن يجمِّلهنَّ بالسِّتر والحشمة، ويكسُهنَّ بالحياء والغَيرة، إنَّه جوادٌ كريم، واسع العطاء، كثير الإحسان.

وسُبحانَك اللَّهم وبحمدِك، أشهدُ أن لَا إلَه إلَّا أنت، أستغفرُك وأتوبُ إليك.

تنبيه:

هذه كانت محاضرةٌ ثم قامت إحدى الأخوات – زيَّنها الله بطاعته- بتفريغها من التسجل، ثم عرضها على مُلقيها لطباعتها ومراجعتها، فأصلح ما تيسَّر له على عجلٍ واعتذار، لأن القول ليس كالتحرير، والوقت ليس فيه سعة وفسحة، وأذن بطبعها، ثم دفعها إلينا.

ونسأل الله الكريم أن ينفع بها القائل والقارئ والناشر، إنه سميعٌ مجيب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) برقم: (5885).

([2]) برقم: (4099).

([3]) أخرجه أحمد (5114 و5115 و5667)، وأبو داود (4031).

([4]) (1/374).

([5]) برقم: (2069).

([6]) (2/646و647).

([7]) البخاري (3456 و7320)، ومسلم (2669).