إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > العقيدة > مقال بعنوان: ” أهل السُّنَّة السلفيون أنفع الناس ردًّا وأعلاهم فضحًا لطرح وأُطروحات التغريبيين “.

مقال بعنوان: ” أهل السُّنَّة السلفيون أنفع الناس ردًّا وأعلاهم فضحًا لطرح وأُطروحات التغريبيين “.

  • 10 يوليو 2017
  • 4٬733
  • إدارة الموقع

أهل السُّنَّة السلفيون أنفع الناس ردًّا وأعلاهم فضحًا لطرح وأُطروحات التغريبيين

الحمد وسلام على عباده الذين اصطفى.

وبعد:

فإن التغريبيين الذين تأثروا بمبادئ وأُطْروحات وأفكار وأحوال وأقوال وأفعال وأشخاص أهل الكفر في بلاد الغرب وغيرها شرُّهم على أمة الإسلام ودينها عظيم وخطير، وضررهم مُحْدِق وشديد، ومكرهم كُبَّار ومُستعِر، وكيدهم مُتنوِّع وباستمرار، يتعاقبون عليه وفيه، ويتعاضدون لنفث سمومه ويتناصرون، ومُكِّنوا أو تمكَّنوا مِن قنوات بثه صوتًا وصورة ومشاهدة، ومواضع كتاباته وطباعته ونشره، وتدعمهم دوَلٌ ومراكز ومعاهد مختلفة، وتقوِّيهم جهات مشبوهة، بل ظاهرة العداء والعُدوان. 

ولا يُستغرب تأثرهم بهم، وذوبانهم معهم، وتبعيتهم لهم، وانجرارهم إليهم، فعند عوامِّنا عِلمه قبل ألفٍ وأربعمئة مِن السنين، إذ صحَّ عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ»)).

ومرادهم مِن هذا التغريب إفساد دين المسلمين الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر السَّلف الصالح، وإبعاد المسلمين عن تعاليمه وأحكامه، التي لا صلاح لهم ولدنياهم وآخرتهم إلا بها، وإعاقة حلول رحمة الله لهم بالاستمساك بدينه وشرعه، وقد قال – عزَّ وجل -: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }.

وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً )) رواه مسلم.

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أيضًا أنه قال: (( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ )) رواه أحمد وغيره.

فولجوا باب العقيدة هدمًا للأصول، وتجهيلًا للسَّلف الماضين، وتظليمًا للقرون الزاهرة الأولى، وتشويهًا وتلبيسًا لمعالم الدين، وتمكينًا لمشيخة ودعاة ورموز أهل البدع والأهواء مِن: الرافضة والصوفية والمعتزلة والإباضية والإخوانية والتحريرية وأترابهم، عبر قنواتهم ونواديهم ومجلاتهم وصُحفهم ومواقعهم الإلكترونية ومؤتمراتهم.

وولجوا باب الحكم وولاية أمر المسلمين، فشوَّهوا الحدود الشرعية، وكرَّهوا السياسة الشرعية إلى الخليقة، وافتاتوا على ربهم بأنَّ أحكامه إنما هي للعصر الذي نزلت فيه وما بعده، ولا تُناسب عصرنا هذا، ولا تتناسب مع مُجرياته، وجرفوا الناس عن شريعة ربهم إلى تشريعات وتحسينات عقولٍ بشرية، وفتحوا عليهم ديمقراطية أهل الكفر والتعددية الحزبية والملكية الدستورية والعلمانية، وأفسدوا بهذه المسميات وغيرها علاقة الحاكم بشعبه وتعاملهم معه وِفْقَ نصوص شريعة ربهم، حتى كثُر سَبُّ الولاة والقدح فيهم والطعن، وانتشر التحريض عليهم، فقامت المظاهرات فالاعتصامات ثم الثورات، فحصل القتل والاقتتال، وتقسَّمت البلدان، وافترق وتفارق أهلها، وضعف الاقتصاد، وانتشر الفقر والمجاعات والأوبئة، وقُتِل وهُجِّر مئات الآلاف، بل أكثر.

واستعملوا أيضًا لذلك رموزًا ذات مسميات تتعلق بالدين، بل تعاضدوا معهم، وحوَّلوا طاقات وعقولاً شبابية غفيرة مِن الذكور والإناث إلى ما أراد الأعداء، واستعانوا على هذا بمحطات إعلامية وفضائيات متعددة ومتنوعة.

وولجوا باب المرأة لباسًا واختلاطًا وسَفَرًا وحُقوقًا ومشابهة ووظيفة وحُرِّية ووِلاية ومنصبًا حتى أبعدوا الكثيرات عن تعاليم دينهن، وعن حيائهن وحشمتهن، ورجعن على أحكام الإسلام وأهله بما يُحزِن ويُتأسف له، وأصبحت لا تُفرِّق بين كثيرات منهن وبين الكافرات أو الفاجرات في اللباس والشعر والهيئة والمنظر، ولا بينهن وبين الرجال في الجرأة والمعاملة والمخاطبة والاختلاط والمرافقة، وحتى في الشكل.

وولجوا في أبواب أخرى عديدة ومختلفة، وهرجوا ومرجوا وماجوا فيها بأسماء بني جلدتنا، وعقولِ وفهوم وأفكار ومكر وكيد ومخططات أعدائنا.

والحُرُّ تكفيه الإشارة، هكذا قال أهل الأمثال، وصدقوا. 

وبعد هذا أقول حتى لا نُخدَع أو نُستَغفل أو نَظلِم أو نُظلَم:

إن التغريب فساد ديني وأخلاقي ومجتمعي.

ولئن كان المراد هو مجابهته وحماية الدين والعباد والبلاد مِن شروره وأضراره وإفساده، فإن أهل السُّنّة السلفيين علماء وطلبة علم قد جابهوه شديدًا، وقاوموه كثيرًا، ولا يزالون، وحذَّروا الناس مِنه، ومِن أهله ودعاته، وقنواته وكُتّابه وكُتبه، وبيَّنوا مخالفته للشريعة، وكشفوا عن ما نُسِج حوله من شُبَه وتلبيس، وكل هذا بقال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال الصحابة – رضي الله عنهم -.

وهم خير مَن قام به، وحمل رايته، لشدَّة حرصهم وغيرتهم على العقيدة، وعلى دين المسلمين ومجتمعاتهم وبلدانهم.

ولأنهم أكثر الناس اجتهادًا في طلب العلم الشرعي، ونشرًا له بين الناس، وتحرِّيًا لصحَّة أدلَّته، وصريح دلالته، وموافقته لفهوم وطريقة السَّلف الصالح مِن الصحابة والتابعين فمَن بعدهم.

وكتبهم وخطبهم ومحاضراتهم ودروسهم ومقالاتهم وأشرطتهم ومواقعهم الإلكترونية وبرامج التواصل الاجتماعي والمعلوماتي شاهدة بذلك، بل حافلة وغزيرة، لا تُحجب عن طالبٍ لها مِن صغير أو كبير، أو ذكر أو أنثى، إلا مَن حَجَبه غيره عنها، وصرَفه إلى غيرها، وأصبح يُقاد ويوجَّه فينقاد ويُسَلِّم ويَتَّكِل. 

وفي نفس الوقت واجهوا وجابهوا وجاهدوا بالعلم والبيان مَن تأثر بأُطروحات التغريبيين ومخالطتهم ومناقشاتهم أو استخدموه لفترة أو حاجة مِمَّن تدثَّر بلباس العلم والفقه فأصبح يستدل لبعض طرْح التغريبيين بالدين، وفُهومٍ مغلوطة أو شاذة لنُصوصه، أو أخذٍ لنُصوص مع تركٍ لما يُفَسِّرها ويُقَيِّدها ويُخَصِّصها، ناهيك عن إيرادهم وتقوِّيهم بما لا يصحُّ منها ولا يجوز الاحتجاج به، أو إظهارٍ لمسائل إجماع واتفاق من العلماء على أنها مسائل خلاف، أو احتجاجٍ بخلافٍ بعضُ أهله قولهم مصادمٌ للنصوص الشرعية الثابتة.

مِمَّا يزيد في رواج هذه الأُطروحات، ووقوع الكثيرين في شباكها وشُبهاتها، وتأثرهم بأهلها، ولَبْس الحق بالباطل، وأهل الحق والهدى والسُّنَّة والرحمة بأهل الباطل والضلال والانحراف.

وإن كان المراد هو شُخوص التغريبيين لتحقيق مكاسب جماهيرية، واستعطاف عوام الناس، وتعويض ما فُقد مِن أتباع بسبب تبيُّن الناس حال كثير مِن الأحزاب ذات المسميات المتعلقة بالدين، والرُّموز، والدَّعوات.

أو المراد تهييج الناس على وليَّ أمرهم، وجعل قلوبهم تغلي عليه دومًا، وبُغضهم له يتوسع، وطعنهم عليه يَكثُر ويكبُر، بأن الدَّولة أو الحاكم يُمكِّن ويفتح الباب لأهل التغريب وسُمومهم، فيبقى بهذا مذهبهم السِّياسي القائم باسم الدين، وأنه الأصلح والأغير، والحَلُّ الوحيد.

أو يُراد الأمرين جميعًا.

فأهل السُّنَّة السلفيون مِن أبعد الناس عن هذا المراد والمقصد، لأنهم لا يدعون إلى أنفسهم ولا إلى حزب وجماعة، بل يدعون إلى الله، عملًا بشريعته، ومتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، حيث قال الله سبحانه في شأنه وشأن أتباعه: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي }.

ولأنهم لا يريدون أن يفتحوا باب شرٍّ على الأمة مِن جهة باب الولاية، عملًا بالشريعة، واتباعًا للسَّلف الصالح.

وقد رأى الناس اليوم وقرؤوا في التاريخ عاقبة فتح هذا الباب وكيف جرَّ إلى الثورات، فالقتل والاقتتال والدَّمار والتَّشرد والفقر وتقسُّم أهل البلد الواحد.

وقد صحَّ عن أبي وائل – رحمه الله – أنه قال: (( قِيلَ لِأُسَامَةَ لَوْ أَتَيْتَ فُلاَنًا فَكَلَّمْتَهُ، قَالَ: إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لاَ أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ، إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ )) رواه البخاري.

وفُلانٌ هذا هو أمير المؤمنين العادل الصالح التَّقي الزاهد المُبَشَّر بالجنة وثالث أفضل الأمة عثمان بن عفان – رضي الله عنه -.

وقد نشروا عنه علنًا ما هو كذب وباطل وافتراء، فكان أنْ ثارت طائفة وخرجت عليه حتى قتلوه، فتتابعت الفتن والشرور على الأمة بسبب فعلتهم النكراء هذه، ولا تزال آثارها مُمتدة إلى اليوم، فكيف إذا كان الحاكم عنده شيء مِن النقص والتقصير وما لا يحِلّ.

وفي باب تسمية الأشخاص فأهل السُّنَّة السلفيون يراعون باب المصالح والمفاسد على الدين والعباد والبلاد، لا الناس، ولا الجماهيرية، ولا العُلوَّ، ولا الشهرة، ولا السُّمعة.

 فتراهم يُسمُّون أحيانًا، ويتركون التسمية في أحيان أخرى، ويُعلنون أحيانًا، وينصحون في السِّر أحيانًا أخرى، ويدرسون دلالة الألفاظ الصادرة، حتى يحكموا عليها بمقتضى الشريعة، لا بمقتضى الأهواء أو الأحزاب، ويتثبَّتون في الحكم على مُعيَّنٍ بعلمانية أو ليبرالية أو حداثية أو تغريب، لأن بعضًا مِمَّن نُسب إليهم ليس كذلك، ولأننا عبر الأيام، وصوتًا وصورة وسماعًا قد رأينا رموزًا عدة لهم شهرة جماهيرية قد حكموا على أشخاص بذلك حين كانوا متنافرين سياسيًا أو حزبيًا، ثم لمَّا توافقوا في أمور وتصالحوا، إذا بهم يجالسونهم، ويمدحونهم، ويدافعون عنهم، ويُبجِّلونهم، ويتزاورون، ويتعاضدون، بل ويُكذِّبون ما قد قالوه في أيام خلَت.

مع تفطُّنهم وتنبُّههم إلى عدم إشهار بعض طرح التغرييين وأفرادٍ منهم، وقومٍ قد يكونوا تأثروا بشيء منه فأعلنوه، فتغافلوا عنهم وعنه، حتى لا ينتشر الطرح، ويشتهر الطارح، لأنه حين أنزل مقاله أو غرَّد به أو نطق، لم يطلع عليه إلا قِلَّة، وكان نِطاق دوِّيه صغيرًا، وحجم تأثيره ضيِّقًا، أو كان الطرح يَحمل شبهًا، ويحتوي تدليسًا، وقد يَروج على مَن قصر فهمه، وضعف فقهه، وصغر سِنُّه، وهذا التغافل مِن مُقتضى الشرع، ورجاحة العقل، ومِن الحكمة.

وردود أهل السُّنَّة السلفيين على أشخاص مُعيَّنين بأسمائهم مِن التغريبيين والعلمانيين والليبراليين والبعثيين والشيوعيين والاشتراكيين والماركسيين والقوميين واللينيين والاستاليين وأضرابهم ذكورًا أو إناثًا مشهورة ومعروفة، وموجودة في المكتبات، والمواقع الإلكترونية في الإنترنت، ناهيك عن المقاطع الصوتية الكثيرة.

وكذلك ردودهم على مَن تأثَّر بطرحهم، وروَّج لهم ولأطروحاتهم، ودلَّلَّ لشذوذاتهم، ونشَر خروقاتهم لسفينة نجاة العباد والبلاد.

وهم لا يحملون وِزْرَ مَن لم يعرفها، أو حُجِب عنها، أو غطَّاها عن المتأثرين به، والمتعاطفين معه، لقول الله سبحانه: { وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }.

مع نُصحهم المستمر وبقدر استطاعتهم مشافهة وتوصية ومكاتبة لأهل الولاية والسلطان، والنُّواب وأهل المسؤولية وبالطُّرق الشرعية، عملًا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ نَصِيحَةٌ لِذِي سُلْطَانٍ فَلْيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَنْصَحْهُ، فَإِنْ قَبِلَهَا، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ )) رواه ابن أبي عاصم في “السنة”، وغيره.

ولِمَا ثبت عن سعيد بن جبير – رحمه الله – أنه قال: (( قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: آمُرُ إِمَامِي بِالْمَعْرُوفِ؟ قَالَ: إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَقْتُلَكَ فَلَا، فَإِنْ كُنْتَ وَلَا بُدَّ فَاعِلًا، فَفِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، وَلَا تَغْتَبْ إِمَامَك)) رواه سعيد بن منصور في “سننه”، وغيره.

هذا الذي يستطيعونه، وفي مقدرتهم فعله، وقد قال الله – جلَّ وعلا -: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }.

وقال تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }.

وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) رواه البخاري.

وقال سبحانه: { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ }.

وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

 

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.