إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > مقال صغير بعنوان: ” لا خلاف بين العلماء في جواز غناء الرُّكبان، وغناء النَّصب، والحِداء!”.

مقال صغير بعنوان: ” لا خلاف بين العلماء في جواز غناء الرُّكبان، وغناء النَّصب، والحِداء!”.

  • 4 مارس 2019
  • 2٬349
  • إدارة الموقع

لا خلاف بين العلماء في جواز غناء الرُّكبان، وغناء النَّصب، والحِداء! 

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.

وبعد:

فقد أخرج البخاري في “صحيحه” (٥٦٧٧) عن أمَّ المؤمنين عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت: 
(( لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ وَيَا بِلَالُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ: 
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ.
وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ فَيَقُولُ
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ 
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ 
فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: 
“اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ” )).
وقال الحافظ ابن عبد البَرِّ المالكي ــ رحمه الله ــ عقب هذا الحديث في كتابه “التمهيد” (٢٢/ ١٩٦-١٩٧):
ﻭﺃﻣَّﺎ ﻗﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﺎﻟﻚ: ((ﻓﺮﻓﻊ ﺑﻼﻝ ﻋﻘﻴﺮﺗﻪ )) ﻓﻤﻌﻨﺎﻩ: 
ﺭﻓﻊ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ﺻﻮﺗﻪ ﻛﺎﻟﻤﺘﻐﻨِّﻲ ﺑِﻪ ﺗﺮﻧُّﻤًﺎ.
ﻭﺃﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻝ اﻟﻌﺮﺏ “ﺭﻓﻊ ﻋَﻘﻴﺮﺗﻪ” ﻟﻤَﻦ ﺭﻓﻊ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء ﺻﻮﺗﻪ. 
ﻭﻫﺬا اﻟﺒﺎﺏ ﻣِﻦ اﻟﻐﻨﺎء ﻗﺪ ﺃﺟﺎﺯﻩ اﻟﻌﻠﻤﺎء. 
ﻭﻭﺭﺩﺕ اﻵﺛﺎﺭ ﻋﻦ اﻟﺴَّﻠﻒ ﺑﺈﺟﺎﺯﺗﻪ. 
ﻭﻫﻮ ﻳُﺴﻤَّﻰ ﻏﻨﺎء اﻟﺮُّﻛﺒﺎﻥ، ﻭﻏﻨﺎء اﻟﻨَّﺼﺐ، ﻭاﻟﺤِﺬاء. 
وﻫﺬﻩ اﻷﻭﺟﻪ ﻣِﻦ اﻟﻐﻨﺎء ﻻ ﺧﻼﻑ ﻓﻲ ﺟﻮاﺯﻫﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء.اهـ
ثم ذَكر جملة مِن الآثار الواردة عن السَّلف الصالح مِن الصحابة فمَن بعدهم في جواز ذلك، وما ذمَّوه مِن الغناء. 
وقال في كتابه “الاستذكار” (٢٦/ ٥٠) عقب هذا الحديث أيضًا:
ﻭﻓﻲ ﺫﻟﻚ: 
ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﻮاﺯ ﺇﻧﺸﺎﺩ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺮﻗﻴﻖ اﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﺧَﻨﻰ ﻓﻴﻪ ﻭﻻ ﻓُﺤﺶ. 
ﻭﻓﻴﻪ: 
ﺭﻓﻊ اﻟﻌَﻴﻘﺮﺓ ﺑﺎﻟﺸِّﻌﺮ. 
ﻭﺭﻓﻊ اﻟﻌَﻘﻴﺮﺓ ﻫﻮ:
اﻟﻐﻨﺎء اﻟﺬﻱ ﻳُﺴﻤُّﻮﻧﻪ ﻏﻨﺎء اﻟﺮﻛﺒﺎﻥ، ﻭﻏﻨﺎء اﻟﻨَّﺼﺐ، ﻭاﻟﺤِﺪاء، ﻭﻣﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﺫﻟﻚ. 
ﻭاﻟﻌﻘﻴﺮﺓ:
ﺻﻮﺕ اﻹﻧﺸﺎﺩ، ﻗﺎﻟﻪ ﺻﺎﺣﺐ “اﻟﻌﻴﻦ”.اهـ
وقال الفقيه أبو الحسن ابن بطَّال المالكي ــ رحمه الله ــ في  “شرح صحيح البخاري” (٤/ ٥٥٩-٥٦٠) عقب هذا الحديث:
ففيه مِن المعاني: 
جواز هذا النوع مِن الغناء، وهو نشيد الأعراب للشعر بصوت رفيع. 
قال الطبري:
وهذا النوع مِن الغناء هو المُطلق المباح بإجماع الحُجِّة، وهو الذي غُنِّي بِه في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يَنه عنه، وهو الذي كان السَّلف يُجيزون ويَسمعون. 
وإنَّما تُسمِّيه العرب “النَّصب” لنصَب المتغنِّي بِه بصوته، وهو الإنشاد له بصوت رفيع.اهـ
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (٦/ ٨٢-٨٣):
فأمَّا الغناء بغير ضرب دُف، فإنْ كان على وجه الحِداء والنَّصب فهو جائز، وقد رويت الرخصة فيه عن كثير من الصحابة.
والنِّصب شَبيه الحِداء، قاله الهَروي، وغيره.
وهذا مِن باب المباحات التي تُفعل أحيانًا للراحة.
وأمَّا اﻟﻐﻨﺎء اﻟﻤﻬﻴِّﺞ ﻟﻠﻄﺒﺎﻉ، اﻟﻤُﺜﻴﺮ ﻟﻠﻬﻮﻯ، ﻓﻼ ﻳُﺒﺎﺡ ﻟﺮﺟﻞ ﻭﻻ ﻻﻣﺮﺃﺓ ﻓِﻌﻠﻪ، ﻭﻻ اﺳﺘﻤﺎﻋﻪ، ﻓﺈﻧَّﻪ ﺩاﻉ ﺇﻟﻰ اﻟﻔِﺴﻖ ﻭاﻟﻔﺘﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻭاﻟﻔﺠﻮﺭ ﻓﻴﺤﺮُﻡ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺮُﻡ اﻟﻨﻈﺮ ﺑﺸﻬﻮﺓ ﺇﻟﻰ اﻟﺼﻮﺭ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﻓﺈﻥَّ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﺗﺤﺼﻞ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻭﺑﺎﻟﺴﻤﺎﻉ، ﻭﻟﻬﺬا ﺟﻌﻞ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺯﻧﺎ اﻟﻌﻴﻨﻴﻦ اﻟﻨﻈﺮ، ﻭﺯﻧﺎ اﻷﺫﻥ اﻻﺳﺘﻤﺎﻉ. 
ﻭﻻ ﺧﻼﻑ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻤﻌﺘﺒﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻛﺮاﻫﺔ اﻟﻐﻨﺎء، ﻭﺫﻣِّﻪ، ﻭﺫﻡِّ اﺳﺘﻤﺎﻋﻪ، ﻭﻟﻢ ﻳﺮﺧِّﺺ ﻓﻴﻪ ﺃﺣﺪ ﻳُﻌﺘﺪ ﺑِﻪ.
وﻗﺎﻝ ﺃﺣﻤﺪ:
اﻟﻐﻨﺎء اﻟﺬﻱ ﻭﺭﺩﺕ ﻓﻴﻪ اﻟﺮُّﺧﺼﺔ ﻫﻮ ﻏﻨﺎء اﻟﺮاﻛﺐ: ”ﺃﺗﻴﻨﺎﻛﻢ ﺃﺗﻴﻨﺎﻛﻢ”. 
ﻭﺃﻣَّﺎ اﺳﺘﻤﺎﻉ ﺁﻻﺕ اﻟﻤﻼﻫﻲ اﻟﻤﻄﺮﺑﺔ اﻟﻤُﺘﻠﻘَّﺎﺓ ﻣِﻦ ﻭﺿﻊ اﻷﻋﺎﺟﻢ، ﻓﻤﺤﺮَّﻡ ﻣُﺠﻤﻊ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺮﻳﻤﻪ، ﻭﻻ ﻳُﻌﻠﻢ ﻋﻦ ﺃﺣﺪٍ مِنهم اﻟﺮُّﺧﺼﺔ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣِﻦ ﺫﻟﻚ. 
ﻭﻣَﻦ ﻧَﻘﻞ اﻟﺮُّﺧﺼﺔ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﺇﻣﺎﻡ ﻳُﻌﺘﺪ ﺑِﻪ ﻓﻘﺪ ﻛﺬﺏ ﻭاﻓﺘﺮﻯ.اهـ

 

جمع وانتقاء:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.