إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة بعنوان: ” الترغيب في الصدقة والجود في رمضان والتذكير بالزكاة ” ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” الترغيب في الصدقة والجود في رمضان والتذكير بالزكاة ” ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

  • 14 مارس 2024
  • 2٬685
  • إدارة الموقع

الترغيب في الصدقة والجود في رمضان والتذكير بالزكاة

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ ذِي الفواضِلِ الجليَّة، والخيراتِ المُتتابِعَة، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أجودُ الناس بالخير حتى مِن الريح المُرسَلة، اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعه.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فاتقوا الله تعالى، واعلموا أنَّ الله تعالى جعل الليل والنهار خِلفَةً لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكورًا، فهما خزائنُ الأعمال، ومراحلُ الآجال، يُودعُهما الإنسان ما قام به فيهما مِن عمل، ويقطعُهما مرحلةً مرحلة حتى ينتهي به الأجل، فانظروا ماذا تودعونهما، فستجدُ كل نفسٍ ما عملت، وتعلمُ ما قدَّمت وأخرَّت في يوم لا تستطيع به الخلاصَ مِمَّا فات: { يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ }.

أيها المسلمون:

إن من أعظم القُرب، وأجلِّ أعمال البِر: الإنفاقَ في سبيل الله، والصدقةَ على المَحاويج، وإطعامَ الفقراء، وتسديدَ ديون العاجزين، وقد قال الله ــ عزَّ وجلَّ ــ مُبشِّرًا: { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }، وقال الله سبحانه: { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا }، وصحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ))، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ )).

أيها المسلمون:

أدُّوا زكاةَ أموالكم، فإن الزكاةَ قرينةُ الصلاة في كتاب الله، ومن جَحَد وجوبَها كفر، ومن منعها بُخلاً وتهاوناً فسَق، ومن أدَّاها معتقدًا وجوبَها راجيًا ثوابها، فليُبشر بالخير الكثير والخلَفِ العاجل والبركة.

أدَّوا الزكاةَ قبل أن تَفقدوا المالَ مُرتحلينَ عنه، أو مرتحلاً عنكم، فإنما أنتم في الدنيا غرباءُ مسافرون، والمالُ وديعةٌ بين أيديكم لا تدرونَ متى تَعدَمون، أدُّوا زكاةَ أموالِكم قبل أن يأتيَ اليومُ الذي يُحمَى عليه في نار جهنم، فتُكوى به الجِباهُ والجُنوبُ والظهورُ قبل أن يَمثُلَ لصاحبِه شُجاعًا أقرعَ، فيأخذ بِشدقَيهِ، ويقول: أنا مالُكَ أنا كنزُك.

أيها المسلمون:

إن الزكاةَ لا تنفع ولا تَبرأُ بها الذِّمةُ حتى يخرجَها العبدُ على الوجه المشروع بأن يصرفَها في مصارفها الشرعية في الأصناف الثمانية التي ذكرَها الله تعالى فقال: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }، فالفقراءُ والمساكينُ هم الذين لا يَجدونَ كفايتَهم، وكفاية َعائلتِهم في أمورهِم الضرورية، فمن كان له كفايةٌ من صنعةٍ أو حرفةٍ أو تجارةٍ أو راتبٍ أو عطاءٍ من بيت المالِ أو نفقةٍ ممن تجب عليه نفقتُه أو غيرُ ذلك، فإنه لا يجوزُ إعطاؤهُ من الزكاة، إلا أن يكون عليه دَينُ يطالبُه به الناسُ ولا يستطيعً وفاءَه، فيجوز أن تُعطيَه لوفاءِ دَينِه، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في شأن الصدقة: (( لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ ))، والأصلُ في الشريعة، وعندَ عمومِ العلماء: أنَّ الزكاةَ تُخرَجُ في مصارفها مِن أهلِ نفسِ المدينةِ أو القريةِ أو الرِّيفِ أو الباديةِ التي فيها المُزَّكِي ما داموا مُحتاجين.

أيها المسلمون:

لا تضعوا صدقاتكم وزكواتكم وتبرعاتكم إلا في أيدٍ أمينة، تتمتع بِدينٍ قويم، وخوفٍ مِن الله شديد، ومنهجٍ صحيح، ولا تُعرف بحزبٍ مُنحرف، ولا جماعةٍ ضالة، ولا فِكرٍ خارجي، ولا سفاهةٍ عقل، حتى لا يتقووا بأموالكم، وتكونوا شركاءهم في الإثم والإضلال والإفساد، واحذروا الجماعات والجمعيات والشخصيات التي تجمع الأموال باسم الزكوات والصدقات والأوقاف وغيرها، وهي معروفة بانحراف المُعتقد، وضلال المنهج، والسَّعيِّ وراءَ الحُكم، وسواء كانت لها مواقع حقيقية في أيِّ بلد، أو كانت لها مواقع في الإنترنت، أو تأتيكم رسائلها عبر برامج التواصل الاجتماعي، لأنكم بهذا تنصرونها، وتنصرون مذاهبَها وأفكارها، ولا تنصرون الفقراء، وتَسُدون حاجتَهم،، بل قد تتسببون لبلدانكم بأضرارٍ عديدة، وتكالب الأعداء عليها، واتِّهامها بالإرهاب وجرائِمه.

أيها المسلمون:

أنكُم في شهر رمضان، وقد صحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم: (( كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ ))، فاقتدُوا بنبيِّكُم صلى الله عليه وسلم، وجُودوا في رمضانَ كثيرًا، وأذهِبوا عن أنفسِكم لَهَفَ الدَّراهمِ، وخشيَتَها مِن الفقر أو الحاجَة، فقد قال اللهُ تعالى معاتبًا ومُرهِّبًا: { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ))، وإيَّاكُم أنْ تَحقِروا قليلَ الصدقة، فترُدَّكُم عن الإنفاق، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال مُحرِّضًا لكُم: (( فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ))، واعلموا أنَّ مِن أفضلِ الجُودِ في رمضان: تفطيرَ الصائمينَ مِن القرَابةِ والجِيرانِ والأصحابِ والفقراءِ والعُزَّابِ وغيرِهم، لِمَا ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ )).

وسبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكرُ لهُ على إنعامِه، والصلاةُ والسلامُ على رُسُلِهِ وأنبيائِه، وجميعِ مَن آمَن باللهِ والدَّارِ الآخِرَة.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فأقبِلوا على تلاوةِ القرآنِ في شهرِ رمضانَ كثيرًا، وازْدَادُوا مِنهُ شديدًا، فلَقد كان السَّلفُ الصالحُ ــ رحمهمُ اللهُ ــ يُقبِلونَ عليهِ في رمضانَ إقبالًا كبيرًا، ويَهتمُّونَ بِه اهتمامًا عظيمًا، ويتزوَّدونَ مِن تلاوتِه كثيرًا، فكانَ الشافعيُّ يَختمُ في اليومِ والليلةِ مِن رمضانَ خَتمتين، وكانَ البُخاريُّ يَقرأُ في كلِّ يومٍ وليلةٍ مِن رمضانَ ختمةً واحدة، وبعضُ السَّلفِ كانَ يَختمُ في كلَّ ثلاثةِ أيَّام، وبعضُهم كانَ يَختمُ كلَّ خمسةِ أيَّام، ومِنهم مَن يَختمُ كلَّ جُمعة، وكيفَ لا يكونُ هذا حالُهم مع القرآن، ورمضانُ هو شهرُ نُزولِه، وشهرُ مدارسةِ جِبريلَ له مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وزمَنُهُ أفضلُ الأزمان، والحسناتُ فيهِ مُضاعفة، وقد قال الله سبحانه:{  شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }، وصحَّ أنَّ ابنَ مسعودٍ ــ رضي اللهُ عنه ــ قال: (( تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَيُكَفَّرُ بِهِ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ: { الم } وَلَكِنْ أَقُولُ: أَلِفٌ عَشْرٌ، وَلَامٌ عَشْرٌ، وَمِيمٌ عَشْرٌ )).

هذا وأسألُ اللهَ الكريمَ: أنْ يبلِّغَنا رمضان بُلوغًا حسنًا، وأنْ يُعينَنا على صيامِه وقيامِه، وأنْ يجعلَنا فيه مِن الذَّاكِرينَ الشاكرينَ المُتقبَّلةِ أعمالُهم، اللهمَّ قِنَا شرَّ أنفسِنا والشيطان، واغفر لنَا ولوالِدينا وجميعِ أهلينا، اللهمَّ خفِّف عن المسلمينَ ما نزلَ بِهم مِن ضُرٍّ وبَلاء، وأعِذنا وإياهُم مِن الفتنِ ما ظهرَ مِنها وما بطَن، وأبعِدْ عن الفسادِ والمُفسِدينَ أبناءَنا وبناتَنَا، وسدِّد إلى الخيرِ ولاتَنا ونُوَّابَهم، إنَّكَ سميعُ الدَّعاء، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُم.