إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > مقال بعنوان: ” حكم تبرع الحي بالأضحية عن الميت وتنفيذ وصيته بالأضحية إذا أوصى وأكله مِنهما “. ــ ملف [word و pdf] مع نسخة الموقع.

مقال بعنوان: ” حكم تبرع الحي بالأضحية عن الميت وتنفيذ وصيته بالأضحية إذا أوصى وأكله مِنهما “. ــ ملف [word و pdf] مع نسخة الموقع.

  • 7 أغسطس 2019
  • 2٬695
  • إدارة الموقع

حُكم تبرُّع الحَي بالأضحية عن الميِّت وتنفيذ وصيَّته بالأضحية إذا أوصَى وأكله مِنهما

 

الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

وبعد:

فقد قال المحدِّث أبو العُلا المُباركفوري ــ رحمه الله ــ في كتابه “تُحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي” (5/ 66 – عند حديث رقم:1528):

«لم أجد في التضحية عن الميِّت مُنفردًا حديثًا مرفوعًا صحيحًا.

وأمَّا حديث علي المذكور في هذا الباب فضعيف كما عرَفت».اهـ

وقال الإمام أبو عيسى الترمذي ــ رحمه الله ــ في “سُننه” (1495):

«وقد رخَّص بعض أهل العلم: أنْ يُضحَّى عن الميِّت.

ولم يَر بعضهم: أنْ يُضحَّى عنه.

وقال عبد الله بن المبارك: “أحب إليَّ أنْ يُتصدَّق عنه، ولا يُضحَّى عنه، وإنْ ضَحَّى فلا يأكل مِنها شيئًا ويَتصدق بها كلها».اهـ

ودُونكم ــ سددكم الله وزادكم فقهًا ــ ما أشار إليه الإمام الترمذي ــ رحمه الله ــ مِن قولين في الأضحية عن الميِّت مع شيء مِن التفصيل:

القول الأوَّل:

أنَّه لا يُضَحَّى عن الميت.

وهو قول عند الحنفية، وقول مالك، والمشهور عند الشافعية.

وكلام أهل هذا القول دائر بين الكراهة والتحريم.

ودُونكم ــ سدَّدكم الله ــ نصّ كلامهم، مع قائله، ومصدره:

أوَّلًا: المذهب الحنفي.

 1 ــ قال الفقيه علاء الدِّين الكاساني الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع” (5/ 72):

«وإنْ كان أحد الشُّركاء مِمَّن يُضحِّي عن ميِّت جاز.

ورُوي عن أبي يوسف ــ رحمه الله ــ: أنَّه لا يجوز.

وذَكر في “الأصل”: إذا اشترَك سبعة في بَدنة فمات أحدهم قبل الذبح فرضِي ورثته أنْ يُذبح عن الميِّت جاز استحسانًا، والقياس: أنْ لا يجوز.

وجْه القياس: أنَّه لمَّا مات أحدهم فقد سقط عنه الذَّبح، وذَبح الوارث لا يقع عنه، إذ الأضحية عن الميِّت لا تجوز.

وجْه الاستحسان: أنَّ الموت لا يَمنع التقرُّب عن الميِّت، بدليل أنَّه يجوز أنْ يُتصدَّق عنه، ويُحجَّ عنه.

وقد صحَّ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحَّى بكبشين، أحدهما عن نفسه، والآخَر عمَّن لا يَذبح مِن أُمَّته، وإنْ كان مِنهم مَن قد مات قبل أنْ يَذبح.

فدَلَّ أنَّ الميت يجوز أنْ يُتَقَرَّب عنه، فإذا ذُبح عنه صار نصيبه للقُربة، فلا يَمنع جواز ذبح الباقين».اهـ

2 ــ وجاء في كتاب “البحر الرائق شرح كنز الدقائق” (8/ 202)، مِن كتب الحنفية:

«وفي “الكبرى”: لو ضحَّى عن الميت بغير أمْره: لا يجوز، وهو المُختار، وفي رواية: تجوز».اهـ

ثانيًا: المذهب المالكي.

1 ــ قال الإمام مالك بن أنس ــ رحمه الله ــ كما في “الجامع لمسائل المُدونة” (5/ 850)، للفقيه أبي بكر الصِّقلي المالكي ــ رحمه الله ــ:

«وليس العمل أنْ يُضحِّي عن أبويه وقد ماتا، ولا يُعجِبني ذلك».اهـ

2 ــ وجاء في كتاب “مواهب الجليل في شرح مختصر خليل” (3/ 247)، مِن كتب المالكية:

«قال في “التوضيح”: قال مالك في “المَوَّازِيَّة: ولا يُعجبني أنْ يُضحِّي عن أبويه الميِّتَين.انتهى.

قال الشارح في “الكبير”: إنَّما كَره أنْ يُضحِّي عن الميِّت، لأنَّه لم يَرد عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد مِن السَّلف.

وأيضًا فإنَّ المقصود بذلك غالبًا المُباهاة والمُفاخرة».اهـ

3 ــ وجاء في كتاب “شرح مختصر خليل” (3/ 42)، للفقيه الخرشي المالكي ــ رحمه الله ــ:

 «(ص) وفِعلها عن ميت.

(ش) يعني: أنَّه يُكره للشخص أنْ يُضحِّي عن الميت خوف الرِّياء والمُباهاة، ولِعدم الوارد في ذلك، وهذا إذا لم يَعدُّها الميت، وإلا فللوارث إنفاذها».اهـ

ثالثًا: المذهب الشافعي.

1 ــ قال الإمام أبو محمد البغوي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “التهذيب في فقه الإمام الشافعي” (8/ 45):

«ولو ضحَّى عن الغير بغير أمْره لا يجوز عنه، وكذلك عن ميِّت إلا أنْ يكون قد أوصَى بِه».اهـ

2 ــ وقال الفقيه أبو الحسين العمراني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “البيان في مذهب الإمام الشافعي” (4/ 449):

«قال الطبري في “العدة”: وكذلك لو ضحَّى عن ميِّت ولم يُوص بها لم يَجُز».اهـ

ووجه هذا القول:

أنَّ النصوص الواردة في الأضحية كلها في حق الأحياء، ولم يُنقل عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه ــ رضي الله عنهم ــ، أنَّهم ضَحوا عن ميِّت.

1 ــ وقد تقدَّم في كتاب “مواهب الجليل في شرح مختصر خليل” (3/ 247)، مِن كتب المالكية:

«قال الشارح في “الكبير”: إنَّما كَرِه أنْ يُضحِّي عن الميت، لأنَّه لم يَرد عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد مِن السَّلف».اهـ

2 ــ وقال الفقيه حمد بن ناصر ابن مُعمَّر الحنبلي ــ رحمه الله ــ كما في كتاب “الدُّرر السَّنية في الأجوبة النَّجدية” (5/ 401):

«لأنَّ التضحية عن الميت لم يكن معروفًا عن السَّلف».اهـ

3 ــ وقال العلامة العثيمين ــ رحمه الله ــ كما في كتاب “فتاوى نُور على الدَّرب” (8/ 338):

«والذي جاءت به السُّنة، هي: الأضحية عن الأحياء.

فالنَّبي صلى الله عليه وسلم مات له أقارب، ولم يُضحِّ عنهم، وكلُّ أولاده تَوفَّوا قبله إلا فاطمة ــ رضي الله عنها ــ، ومِنهم مَن بلغ الحُلم، ومِنهم مَن لم يَبلغ الحُلم، فأبناؤه ماتوا قبل أنْ يَبلغوا الحُلم، وبناته مُتن بعد أنْ بلغْن الحُلم إلا فاطمة، فقد بقيت بعده ــ رضي الله عنها ــ، وأيضًا ماتت له زوجتان خديجة وزينب بنت خزيمة، ولم يُضح عنهما، واستشهد عمُّه حمزة بن عبد المطلب، ولم يُضح عنه.

فهو لم يَشرع الأضحية عن الميِّت بنفسه، ولم يَدعُ أمَّته إلى ذلك.

وعلى هذا فنقول: ليس مِن السُّنة أنْ يُضحِّي عن الميِّت، لأنَّ ذلك لم يَرد عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا عَلمتُه واردًا عن الصحابة أيضًا.

وإذا أوصَى الميت أنْ يُضحِّي عنه، فهُنا تتبع وصيته، ويُضحِّي عنه اتباعًا لوصيته.

وكذلك إذا دخل الميِّت مع الأحياء ضِمنًا، كأن يُضحِّي الإنسان عنه وعن أهل بيته، ويَنوي بذلك الأحياء والأموات.

وأمَّا أنْ يُفرِد الميِّت بأضحية مِن عنده، فهذا ليس مِن السُّنة».اهـ

القول الثاني:

جواز الأضحية عن الميت.

وهو قول عند الحنفية، وقول بعض الشافعية، وقول طائفة مِن مُتأخِّري الحنابلة.

وبعض أهل هذا القول نصَّ على الجواز، وبعضهم ذهب إلى الاستحباب.

ودُونكم ــ سدَّدكم الله ــ نصّ كلامهم، مع قائله، ومصدره:

أوَّلًا: المذهب الحنفي.

 1 ــ تقدَّم أنَّه جاء في كتاب “البحر الرائق شرح كنز الدقائق” (8/ 202)، مِن كتب الحنفية:

«وفي “الكبرى”: لو ضحَّى عن الميت بغير أمْره: لا يجوز، وهو المُختار.

وفي رواية: تجوز».اهـ

2 ــ ولكن قال الفقيه السِّندي الحنفي ــ رحمه الله ــ كما في حاشيته على “مُسند الإمام أحمد” (2/ 205 ــ عند حديث رقم: 843 ــ طبعة: الرسالة):

«هذا وقد نَمق علماؤنا على الجواز.

ففي “الوَلْوالجية”: رجلٌ ضحَّى عن الميت، جاز إجماعًا.

وهل يَلزمه التصدُّق بالكل؟ تكلموا فيه، والمُختار أنَّه لا يَلزَمُه، لأنَّ الأجر للميِّت جارٍ إجماعًا، والمِلك للمُضحِّي».اهـ

3 ــ وجاء في كتاب “حاشية رَدِّ المُختار على الدّر المُختار شرح تنوير الأبصار” (6/ 326)، للفقيه ابن عابدين الحنفي ــ رحمه الله ــ:

«قال في “البدائع”: لأنَّ الموت لا يَمنع التقرُّب عن الميِّت، بدليل أنَّه يجوز أنْ يُتصدق عنه، ويُحج عنه.

وقد صحَّ أنَّ رسول الله ضحَّى بكبشين، أحدهما عن نفسه، والآخَر عمَّن لم يَذبح مِن أُمَّته، وإنْ كان مِنهم مَن قد مات قبل أنْ يذبح».اهـ

ثانيًا: المذهب الشافعي.

1 ــ جاء في كتاب “النَّجم الوهاج في شرح المِنهاج” (9/ 522)، للفقيه كمال الدِّين الدَّمِيري الشافعي ــ رحمه الله ــ:

« قال: [ ولا عن ميِّت إنْ لم يُوص بها ] لقوله تعالى: { وأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى }.

وجوَّزها: أبو الحسن العبادي، ومنعها: البغوي.

قال الرافعي: والقياس جوازها عنه، لأنَّها ضَربٌ مِن الصدقة، والصدقة تَصِح عن الميِّت، وتَصِل إليه بالإجماع».اهـ

2 ــ وجاء في كتاب “تُحفة المُحتاج في شرح المِنهاج وحواشي الشرواني والعبادي” (9/ 368 ــ حاشية الشرواني)، مِن كتب الشافعية:

«وقيل: تَصِح التضحية عن الميِّت، وإنْ لم يُوص، لأنَّه ضَربٌ مِن الصدقة، وهي تَصِح عن الميِّت وتنفعه».اهـ

ثالثًا: المذهب الحنبلي.

1 ــ جاء في كتاب “المُبدِع في شرح المُقنِع” (3/ 271)، للفقيه برهان الدِّين أبو إسحاق ابن مفلح الحنبلي ــ رحمه الله ــ:

«وهي عن ميِّت أفضل، ويُعمل بها كأضحية الحَيِّ».اهـ

2 ــ وقال الفقيه عثمان بن قائد الحنبلي النَّجدي ــ رحمه الله ــ في حاشيته على كتاب “مُنتهى الإرادات” (2/ 196):

«قوله: [ وعن ميِّت أفضل ] يَعني: أنَّ تضحية الإنسان عن ميِّت أفضل منها عن حَيٍّ، لِشدَّة حاجة الميت.

وقوله: [ كعَن حَيٍّ ] يعني: مِن أكل، وإهداء، وصدقة».اهـ

3 ــ وقال الفقيه عبد الرحمن ابن قاسم الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “حاشية الرَّوض المُربِع” (4/ 238):

«وهي عن ميِّت أفضل، لِعجزه، واحتياجه للثواب.

ويُعمل بها كأضحية الحَيِّ.

قال الشيخ وابن القيِّم وغيرهما: “التضحية عن الميِّت أفضل مِن الصدقة بثمنها”».اهـ

ــــ وقال أيضًا في كتابه “الإحكام شرح أصول الأحكام” (2/ 520):

«ورخَّص بعض أهل العلم: في الأضحية عن الميت، ومنَعه: بعضهم.

وقول مَن رخَّص مُطابِقٌ للأدلة، ولا حُجَّة مع مَن منَع».اهـ

4 ــ وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع الفتاوى” (26/ 306):

«وتجوز الأضحية عن الميت كما يجوز الحج عنه، والصدقة عنه».اهـ

5 ــ وقال العلامة عبد العزيز ابن باز ــ رحمه الله ــ كما في كتاب “فتاوى نُور على الدَّرب” (18/ 190):

«الضحية سُنَّة عن الحَيِّ والميِّت، والذي يقول: إنَّها بدعة، قد غلط، والصواب أنَّها سُنَّة عن الحَيِّ والميِّت.

قد ضحَّى النَّبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أحدهما عن محمد وآله، وفيهم الميِّت كبناته، وضحَّى بكبش ثانٍ عمَّن وحدَّ الله مِن أمَّة محمد، وفيهم الحَي والميت.

فالضحية عن الميِّت قُربة وطاعة كالحيِّ، فإذا ضحَّى عن أبيه الميِّت أو عن أمِّه الميِّتة، أو عن أخيه أو زوجته، كله قُربة، وكله طاعة».اهـ

واحتُج لهذا القول بأمرين:

الأمْر الأوَّل:

ما أخرجه مسلم (1967)، عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال حين ذَبح أضحيته:

(( بِاسْمِ اللهِ، اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ )).

وقالوا:

هذا يَشمل الحّيَّ والميِّت مِن أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم.

وأُجِيبَ عن هذا الاستدلال:

بأنَّ هذا الفعل خاصٌ بالنَّبي صلى الله عليه وسلم، بدليل عدم فِعل الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ له، كما نصَّ على ذلك عديد مِن أهل العلم.

وقد قال العلامة الألباني ــ رحمه الله ــ في كتابه “إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل” (4/ 354):

«ما جاء فى هذه الأحاديث مِن تضحيته صلى الله عليه وسلم عمَّن لم يُضح مِن أمَّته, هو مِن خصائصه صلى الله عليه وسلم كما ذَكره الحافظ فى “الفتح” (9/ 514) عن أهل العلم.

وعليه: فلا يجوز لأحد أنْ يَقتدى بِه صلى الله عليه وسلم فى التضحية عن الأُمَّة».اهـ

الأمْر الثاني:

القياس على الصدقة، وهي جائزة عن الميِّت بالإجماع.

وقالوا:

الأضحية ضَربٌ مِن ضُروب الصدقة، نوع مِنها.

وأُجِيبَ عن هذا الاستدلال:

بأنَّ القياس هنا لا يَنتظم.

لأنَّ مقصود الصدقة عن الميِّت بالشاة المُستقلَّة هو اللحم، فتُعطى للفقراء لِيذبحوها ويأكلوا لحمها، أو تُذبح ويُدفع إليهم لحمها.

وأمَّا شاة الأضحية، فمقصودها إراقة الدم في وقتٍ مخصوصٍ تقرُّبًا إلى الله تعالى، واللحم تبعًا، وسُنَّته التثليث.

وقد قال الفقيه السِّندي ــ رحمه الله ــ كما في حاشيته على “مُسند الإمام أحمد” (2/ 205 ــ عند حديث رقم: 843 ــ طبعة: الرسالة):

«القياس على الصدقة لا يَخلو عن خفاء، لأنَّ الأضحية تَحْصُل بإهراق الدم، ولا يُتوقِف على التَّصدق باللحم».اهـ

قلت:

وأمَّا ما أخرجه أحمد (843)، وأبو داود (2790) واللفظ له، والترمذي (1495)، وغيرهما، مِن طريق شَريك، عن أبي الحسناء، عن الحَكم، عن حَنَشٍ، قال:

(( رَأَيْتُ عَلِيًّا يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ» )).

فهو حديثٌ ضعيف، لا يَصح.

لأنَّ في إسناد شَريك بن عبد الله، وهو ضعيف، وفيه أيضًا جهالة أبي الحسناء.

وحَنشٌ، فيه كلام واختلاف.

حيث قال عنه المُحدِّث المُناوي الشافعي ــ رحمه الله ــ:

«تكلَّم فيه غير واحد، وقال ابن حِبَّان البُسْتي: “وكان كثير الوَهْم في الأخبار، تفرَّد عن عليٍّ بأشياء لا تُشبه حديث الثقات».اهـ

وقد أعَلَّ هذا الحديث:

الترمذي، والبيهقي، وعبد الحق الإشبيلي، والمُنذري، وابن القطان الفاسي، والدَّميري، وأبو العُلا المباركفوري، والألباني.

وقال العلامة العثيمين ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع فتاويه ورسائله” (25/ 27 أو 17/ 270):

«الحديث سنده ضعيف عند أهل العلم».اهـ

تنبيهان:

التنبيه الأوَّل:

إذا أوصَى الميِّت بأنْ يُضحَّى عنه، وتَرَك لذلك مالًا، فإنَّ وصيَّته تُنفَّذ.

ودُونكم ــ سدَّدكم الله ــ بعض ما وقفت عليه مِن كلام عن هذه المسألة، وما يُشبِهها.

أوَّلًا: المذهب الحنفي.

جاء في كتاب “حاشية ابن عابدين” (6/ 326)، مِن كتب الحنفية:

«فرع:

قوله: [ وعن ميِّت ] أي: لو ضحَّى عن ميِّت وارثه بأمْره ألزَمه بالتصدق بها، وعدم الأكل مِنها.

وإنْ تبرَّع بِها عنه له الأكل، لأنَّه يَقع على مِلك الذابح، والثواب للميت».اهـ

ثانيًا: المذهب المالكي.

1 ــ جاء في كتاب “شرح مختصر خليل” (3/ 42)، للفقيه الخرشي المالكي ــ رحمه الله ــ:

«(ص) وفِعلها عن ميِّت.

(ش) يعني: أنَّه يُكره للشخص أنْ يُضحِّي عن الميِّت، وهذا إذا لم يَعدّها الميِّت، وإلا فللوارث إنفاذها».اهـ

2 ــ وجاء في كتاب “حاشية العدوي” بهامش “شرح مُختصر خليل” (3/ 42)، للفقيه الخرشي المالكي ــ رحمه الله ــ:

«[ قوله: وفِعلها عن ميِّت ] ما لم يكن وقفَ وقفًا وشرَطها فيه، وإلا وجَب فِعلها عنه».اهـ

3 ــ وجاء في كتاب “الخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية” (ص: 265):

«مكروهاتها ثمانية: وفِعلها عن ميِّت إنْ لم يكن عيَّنها قبل موته، وإلا فَينْدب للوارث إنفاذها».اهـ

ثالثًا: المذهب الشافعي.

1 ــ قال الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “مِنهاج الطالبين وعُمدة المُفتين في الفقه” (ص: 321):

«ولا تَضحية عن الغير بغير إذنه، ولا عن ميٍّت إنْ لم يُوص بِها».اهـ

2 ــ وقال الفقيه شمس الدِّين الخطيب الشربيني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج” (6/ 137):

«فإنْ أوصَى بِها جاز».اهـ

رابعًا: المذهب الحنبلي.

1 ــ جاء في كتاب “مطالب أُولِي النُّهى في شرح غاية المُنتَهى” (2/ 472)، مِن كتب الحنابلة:

«[ ويُعمل بها ] أي: الأضحية عن ميِّت [ ك ] أضحية [ عن حَيٍّ ] مِن أكل، وصدقة، وهدية [ وتَجب ] التضحية [ بنذر ]».اهـ

2 ــ وقال العلامة عبد العزيز ابن باز ــ رحمه الله ــ كما في كتاب “مجموع فتاويه” (18/ 40):

«أمَّا الأضحية عن الميت، فإنْ كان أوصَى بها في ثلث ماله مثلًا، أو جعلها في وقفٍ له، وجَب على القائم على الوقف أو الوصية تنفيذها».اهـ

3 ــ وقال العلامة العثيمين ــ رحمه الله ــ في كتاب “فتاوى نُور على الدَّرب” (8/ 338):

«وإذا أوصَى الميت أنْ يُضحِّي عنه، فهُنا تتبع وصيِّته، ويُضحِّي عنه اتباعًا لوصيته».اهـ

التنبيه الثاني:

مَن ضحَّى عن ميِّت فهل يجوز له الأكل مِن هذه الأضحية؟

اختلف العلماء ــ رحمهم الله ــ في هذه المسألة على أقوال عِدَّة.

فمِنهم مَن قال: يأكل ويتصدق ويهدي.

وهذا هو الأظهر.

لأنَّ الأكل والتَّصدُّق والإهداء سُنَّة عبادة الأضحية في حقِّ الحيِّ، فتكون كذلك في حقِّ الميِّت.

ومِنهم مَن قال: إنْ كانت الأضحية تبرُّعًا مِن الحَيِّ عن الميت أكل، وإنْ كانت مِن مال الميت لم يأكل.

وهذا تفريق يحتاج إلى دليل، إذ هي أُضحية، ولا تخرج عن هذا الحُكم باختلاف صاحب المال.

ومِنهم مَن قال: لا يأكل، ويَتصدق بجميع لحمها.

وبعضهم: جعل التَّصدُّق بجميع اللحم مِن باب الأفضل.

ودونكم ــ سدَّدكم الله ــ بعض كلامهم، مع قائله، ومصدره:

أوَّلًا: قال الإمام أبو عيسى الترمذي ــ رحمه الله ــ في “سُننه” (1495):

«وقال عبد الله بن المبارك: “أحَبُّ إليَّ أنْ يُتصدق عنه، ولا يُضحَّى عنه، وإنْ ضحَّى فلا يأكل مِنها شيئًا، ويَتصدق بِها كلها».اهـ

ثانيًا: قال الفقيه ابن العربي المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي” (5/ 290-291)، في شرح كلام ابن الإمام عبد الله المبارك ــ رحمه الله ـ هذا:

«وإنَّما قال: “لا يأكل مِنها شيئًا” لأنَّ الذابح لم يَتقرَّب بها عن نفسه، وإنَّما تَقرَّب بها عن غيره، فلم يَجز له أنْ يأكل مِن حق الغير شيئًا».اهـ

ثالثًا: جاء في كتاب “حاشية ابن عابدين” (6/ 326)، مِن كتب الحنفية:

«فرع:

قوله: [ وعن ميِّت ] أي: لو ضحَّى عن ميِّت وارثُه بأمْره ألزَمه بالتصدق بها، وعدم الأكل مِنها، وإنْ تبرَّع بها عنه، له الأكل، لأنَّه يقع على مِلك الذابح، والثواب للميت».اهـ

رابعًا: جاء في كتاب “النَّجم الوهَّاج في شرح المِنهاج” (9/ 523)، مِن كتب الشافعية:

«قال القفال: إذا جوَّزنا الأضحية عن الميِّت، لا يجوز الأكل مِنها لأحد، بل يَجب أنْ يُتصدق بجميعها، لأنَّ الأضحية وُضِعَت عنه، فلا يجوز الأكل مِنها إلا بإذنه، وهو مُتعذِّر، فوجَب التصدق بها عنه».اهـ

خامسًا: جاء في كتاب “شرح مُنتَهى الإرادات” (1/ 612)، مِن كتب الحنابلة:

«[ ويُعمل بها ] أي: الأضحية عن ميِّت [ ك ] أضحية [ عن حَيٍّ ] مِن أكل، وصدقة، وهدية».اهـ

سادسًا: وقال الفقيه عثمان بن قائد الحنبلي النَّجدي ــ رحمه الله ــ في حاشيته على كتاب “مُنتهى الإرادات” (2/ 196):

«قوله: [ وعن ميِّت أفضل ] يَعني: أنَّ تضحية الإنسان عن ميِّت أفضل منها عن حَيٍّ، لِشدَّة حاجة الميت.

وقوله: [ كعَن حَيٍّ ] يعني: مِن أكل، وإهداء، وصدقة».اهـ

سابعًا ــ وقال الفقيه عبد الرحمن ابن قاسم الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “حاشية الرَّوض المُربِع” (4/ 238):

«وهي عن ميِّت أفضل، لِعجزه، واحتياجه للثواب.

ويُعمل بها كأضحية الحَيِّ».اهـ

 

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.