إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > التربية > خطبة مكتوبة بعنوان: ” حب المساكين ومنافع وجودهم في الناس ” ملف: [word] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” حب المساكين ومنافع وجودهم في الناس ” ملف: [word] مع نسخة الموقع.

  • 25 نوفمبر 2021
  • 7٬644
  • إدارة الموقع

حب المساكين ومنافع وجودهم في الناس

 

حب المساكين ومنافع وجودهم في الناس

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ على ما منَحَ مِن نِعمِ الدِّين والدنيا، وأكرمَ فجعلَ اتِّباعَ القرآنِ والسُّنةِ طريقَ الاهتداء، خلقَ فأحْيَا بالإيمانِ مَن شاء، وحكَمَ على خلقِه بالموتِ والفَناء، والبعثِ إلى دارِ الفصلِ والجزاء، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الكريمِ محمدٍ سيِّدِ ولدِ آدمَ جَمعاء، والمبعوثِ للعالَمينَ رحمةً وهُدًى، فمَن أطاعَهُ ووالاهُ فقد رَشَدَ ونجَا، ومَن عَصَا وناوأَهُ فقد ضَلَّ وغَوَى، وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه دَومًا وأبدًا.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:

فإنَّ الفقرَ والغِنَى بابُ ابتلاءٍ مِن اللهِ للعِبادِ في حياتِهمُ الدُّنيا، حيثُ قال اللهُ سبحانَه: { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ }.

وإنَّ شُّكرَ النِّعَمِ بابُ المزيدِ في العطاء، وكُفرانَها بابُ زوالِها والعذابِ مع الشَّقاء، لِقولِ اللهِ ــ جلَّ وعلا ــ: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }، وقولِه تعالى: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }.

وأرزاقُ العِبادِ مُقدَّرةٌ ومكتوبة، ولنْ يعيشَ أحدٌ مِنهم إلا برزقٍ يَقتاتُ مِنهُ شاءَ أمْ أبَى، ولنْ يُغادرَ الدُّنيا إلا وقد أخذَ رزقَهُ كاملًا غيرَ منقوص، حيثُ ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال مُطمئِنًا الناسَ ذُكورًا وإناثًا، صغارًا وكِبارًا: (( إِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ كَمَا يَطْلُبُهُ أَجَلُهُ ))

ومَن كانَ في خوفٍ فلا يَخافُ مِن الفقر، ومَن كانَ في قلَقٍ فلا تَقلقُ نفسُهُ مِن الفقر، ولكنْ لِيَخَفْ ويَجعلْ خوفَهُ الشديدَ مِن أنْ تُبسَطَ عليه الدُّنيا، ويَتوسَّعَ فيها، ويَتنافسَ عليها، ويَلتهِيَ بها، ويَهلكَ بسببها، إذ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ )).

والدُّنيا تُعطَى للبَرِّ والفاجرِ، والضَّالِ والمُهتدِي، والمؤمنِ والكافر، بخلافِ الإيمانِ والصلاحِ والتقوى، وقد صحَّ عن ابنِ مسعودٍ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ, وَلَا يُعْطِي الْإِيمَانَ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ, فَإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا أَعْطَاهُ الْإِيمَانَ )).

فاجعلوا الإيمانَ مَطْلَبَكُم، والآخِرَةَ همَّكُم، ووحِّدوا هُمومَكُم، تُفلِحوا وتَسْعَدوا، وتَطمئِنَّ قلوبُكم، وتَهدأُ نُفوسُكم، فقد ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا كَفَاهُ اللَّهُ مَا هَمَّهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ تَشَاعَبَتْ بِهِ الْهُمُومُ لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَةِ الدُّنْيَا هَلَكَ )).

ولَسْنَا ــ واللهِ ــ بأحبَّ إلى اللهِ مِن رسولِه صلى الله عليه وسلم، ولا أكرمَ وأعظمَ منزلةً عندَهُ مِنه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فقد قَبضَ رُوحَهُ إليهِ وهو في عيشٍ يَسير، ورِزْقٍ كفَاف، حيثُ صحَّ عن أمِّ المؤمنينَ عائشةَ ــ رضي اللهُ عنها ــ أنَّها قالت: (( لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا شَبِعَ مِنْ خُبْزٍ وَزَيْتٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ ))، وثبتَ عنها أيضًا أنَّها قالت: (( كَانَ يَمُرُّ بِنَا هِلَالٌ وَهِلَالٌ مَا يُوقَدُ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَارٌ، فَقَالَ لَهَا عُرْوَةُ: قُلْتُ: يَا خَالَةُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعِيشُونَ؟ قَالَتْ: عَلَى الْأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ )).

بل ماذا على الفقيرِ والمِسكينِ مِن ضَير، وماذا يَلحقُهُ مِن كَدَر، لو عاشَ بينَ الناسِ في دُنياهُ فقيرًا مُحتاجًا، وعندَ اللهِ في آخرتِهِ عزيزًا مَسرورًا، مُنعَّمًا مُكرَمًا، أمَا يَسُرُّهُ قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّحيحِ: (( قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الجَدِّ ــ أي: الغِنَى والوجاهَة ــ مَحْبُوسُونَ ))، أمَا يُسْكِنُ خَنينَ فؤاده، ويَقطعُ تَلهُّفَ نفسِه، ويُوقِفُ تَقلُّبَ نظرِه إلى ما عندَ الناس، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الثابتِ: (( يدخلُ الفقراءُ الجنةَ قبلَ الأغنياءِ بخمسِ مائةِ عامٍ ))، بل إنَّه قد صحَّ أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال في شأنِ أنْعَمِ وأبْئَسِ أهلِ الدُّنيا: (( يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ )).

فاتقوا اللهَ ــ عِبادَ اللهِ ـ باتقاءِ فِتنةِ وفِتَنِ الدُّنيا والنِّساءِ، ولا تَنحرِفوا وتَهلَكوا بسببهِما، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَكُم بذلك وحذَّرَكُم، فقال صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ )).

فاللهُمَّ لا تجعلْ مُصيبَتَنا في دِينِنا, ولا تجعلِ الدُّنيا أكبرَ همِّنا, ولا مبلغَ عِلمِنا، واجعلنَا مِن المُتَّعِظِينَ المُعتَبِرِين.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ ذِي الطَّولِ والآلاء، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ أهلُ المغفرةِ والرَّجاء، وأشهدُّ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه خاتَمُ الرُّسلِ والأنبياء، والصلاةُ والسلامُ عليهِ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه الأتقياء النُّجَباء.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:

فإنَّه لا يوجدُ في الدُّنيا كُلِّها كدِين اللهِ الإسلامِ في مُعاملةِ الفقراءِ والمساكينِ: برحمَتِهم، ومَحبَّتِهم، وسَدِّ حاجَتِهم، وإعانَتِهم، والإعتناءِ بِهِم، والرِّفقِ معَهُم، والإحسانِ القولِى والفِعلِي إليهِم.

وقد قال الإمامُ الزاهدُ الفُضيلُ بنُ عياضٍ ــ رحمه الله ــ: «إذا أحَبَّ اللهُ عَبْدًا وَفَّقَهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ، فَتَقَرَّبُوا إلَى اللهِ: بِحُبِّ المَسَاكِيِن».

وثبتَ عن أبي ذَرٍّ ــ رض الله عنه ــ أنَّه قال: (( أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ ))، وكانَ مِن دعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الثابتِ عنه: (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ المَسَاكِينِ، وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ ))، وصحَّ عن نافع ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( كَانَ ابْنُ عُمَرَ  ــ رضي الله عنه ــ لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ )).

بل وجعَلَتْ شريعةُ الإسلامِ: لهُم حقًّا في أموالِ الناسِ ــ إذا بلَغَتِ النِّصابَ والحَولَ ــ وأسْمَتْهُ: الزَّكاة، وجعلَتِ الزَّكاةَ رُكنًا مِن أركانِ الإسلامِ الخمسةِ، فقال اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ )).(( بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ )).

ورَغَّبَت أيضًا: في الصدقةِ التطوعيةِ عليهم، والإكثارِ مِنها، والاستمرار فيها، بآيات قرآنيةٍ مُتعدِّدةٍ، وأحاديثَ نَبويَّةٍ كثيرة.

بل إنَّ العبدَ يومَ القيامةِ حينَ تَدنو الشمسُ مِن الرُّؤوسِ يكونُ في ظِلِ صدقتِه، حيثُ صحَّ أنَّ أبا الخيرِ سمعَ عُقبةَ بنِ عامرٍ ــ رضي الله عنه ــ يقول -: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (( «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ»، قال يزيدُ: فَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ لَا يَتَصَدَّقُ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَعْكَةً، وَلَوْ بَصَلَةً ))، وتُطْفِئُ الصدقةُ على المساكينِ خطايا المُتصدِّق، لِمَا ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ، كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ )).

وقال الله ــ جلَّ وعزَّ ــ مُتكرِّمًا بالرِّزق وآمِرًا بالإحسان فيه إلى المساكين: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }.

وقال تعالى عن أسبابِ عذابِ المُجرمِين في النّار: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ  قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ }، وقال سبحانَه عن الآخِذِ كتابَهُ بشمالِه: { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ }.

وجعلَتِ شريعةُ الإسلامِ أيضًا للفقراءِ والمساكينَ: حظًا ونصيبًا في الكفارات، ككفارةِ اليمين، والقتلِ الخطأِ، والظِّهار، والجِماعِ في نهارِ رمضان، والعجْزِ عن صومِ رمضان، ومحظورات الإحرام، وفي الذبائحِ كالهَديِ والأُضحيةِ والعقيقةِ، وفي غنائمِ الحربِ والفَيء، وفي زكاة الفطر.

بل وكانَ طعامُ الوليمةِ شَرَّ الطعامِ إذا لم يكنْ للمساكين فيه نَصيب، حيثُ صحَّ عن أبي هريرةَ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُدْعَى إِلَيْهِ الْأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَرَسُولَهُ )).

والضُّعفاءُ ــ ومِن جُملَتِهم: الفقراءُ والمساكينُ ــ: مِن أعظمِ أسبابِ رِزقِ الخلقِ، والانتصارِ على الأعداءِ في الحروب، بدعوتِهم وصلاتِهم وإخلاصِهم، فالضُّعفاءُ أشدُّ إخلاصًا في الدعاء، وأكثرُ خشوعًا في العبادة، لِخلاءِ قلوبِهم عن التعلُّقِ بالدُّنيا، حيث صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( ابْغُونِي الضُّعَفَاءَ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ ))، وصحَّ أنَّ رجلًا مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ظنَّ أنَّ له فضلًا على غيرِه في انتصارِ المسلمينَ في إحدَى الغزَوات، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم له: (( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ )).

هذا وأسألُ اللهَ العليَّ العظيم: أنْ يجعلَنا وجميعَ المسلمينَ مِن المُنفقينَ ابتغاءَ وجهِه في السَّراءِ والضَّراء، والشاكرينَ لِنعمَائِه، والصابرينَ على أقدارِه، اللهمَّ اجعل ما أنعمْتَ بِه علينا معونةً لنا على الخير، وبارِك لنَا في أقواتِنا ومساكنِنا ومراكِبنا، وقنِّعنا بما رزقتَنا، ولا تحرِمنا خيرَ ما عندكَ مِن الإحسانِ بشرِّ ما عندنا مِن الإساءةِ والعصيان، وادفع عنَّا وعن المسلمينَ كل شرٍّ ومكروه، وأصلح فسادَ قلوبِنا، وسدِّدنا في الأقوالِ والأفعال، وأجرْنا مِن خِزيِ الدنيا والآخرة، إنَّك سميعُ الدعاء، وأقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكم.