إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة بعنوان: « الترغيب في صيام شعبان وفضل صيام التطوع وأحكام قضاء رمضان ». ملف: [word] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: « الترغيب في صيام شعبان وفضل صيام التطوع وأحكام قضاء رمضان ». ملف: [word] مع نسخة الموقع.

  • 3 مارس 2022
  • 2٬568
  • إدارة الموقع

الترغيب في صيام شعبان وفضل صيام التطوع وأحكام قضاء رمضان

 

الترغيب في صيام شعبان وفضل صيام التطوع وأحكام قضاء رمضان

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ المُوفِّقِ مَن شاءَ مِن عبادِه لطاعتِه، والمُكرِمِ بالإيمانِ بوحيهِ، وله الفضلُ والحُكمُ وإليه تُرجعون، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على النبيِّ الكريمِ محمدٍ الصادقِ الأمين، وعلى آلِه وأصحابِه والتابعين.

أمَّا بعدُ، فيَا عِبادَ الله:

أُوصِيكم ونفسِي بتقوى اللهِ ــ عزَّ وجلَّ ــ فاتقوا اللهَ في السِّر والعلن، وراقبوه مُراقبةَ أصحابِ القلوبِ الخاشية، وإيَّاكُم والأمنَ مِن مَكْرِه، والقُنوطَ مِن بِرِّه، وتعرَّضُوا لأسبابِ رحمتِه ومغفرتِه، واعملوا كلَّ سببٍ يُوصلُكم إلى رضوانِه، ويُقرِّبُكم مِن جنَّتِه، ويُباعدُكم عن نارِه، فإنَّ رحمةَ اللهِ قريبٌ مِن المُحسنين، وقد قال سبحانَه آمِرًا لكُم بتقواه، ومُذَكِّرًا بمحاسبةِ النَّفْسِ، ومُحذَّرًا مِن نسيانِه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.

واعلموا أنَّ مِن أعظم ما تقرَّبَ به المُتقرِّبونَ إلى الله، وأوصلَهم المنازلَ العاليةَ، وهذّبَ نفوسَهم وأخلاقَهم، ورقّقَ قلوبَهم وأصلحَها، وأعفَّ عن الحرامِ فروجَهم وألسنَتهم: “عبادةَ الصيام”، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في تعظيمِ شأنِها: (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ – عَزَّ وَجَلَّ -: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ))، وثبتَ عن أبي أُمَامَةَ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (( مُرْنِي بِعَمَلٍ لِعَلِيِّ أَنْتَفِعُ بِهِ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ», فَمَا رُئِيَ أَبُو أُمَامَةَ وَلَا امْرَأَتُهُ وَلَا خَادِمُهُ إِلَّا صِيَامًا، فَكَانَ إِذَا رُئِيَ فِي دَارِهِ الدُّخَانُ بِالنَّهَارِ قِيلَ: اعْتَرَاهُمْ ضَيْفٌ )).

عِبادَ الله:

إنَّكم قد دخلتُم في شهرِ شعبان، وما أدراكُم ما شهرُ شعبان؟ إنَّه شهرٌ قد جاءَ فيه حديثٌ حسَّنهُ عديدٌ مِن العلماء، عن أسامةَ بنِ زيدٍ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ تَصُومُ فِي شَعْبَانَ صَوْمًا لَا تَصُومُ فِي شَيْءٍ مِنَ الشُّهُورِ، إِلَّا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فّقَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ، وَشَهْرِ رَمَضَانَ، تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ النَّاسِ، فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُرْفَعَ لِي عَمَلٌ، إِلَّا وَأَنَا صَائِمٌ ))، وصحَّ عن عائشةَ ــ رضي الله عنها ــ أنَّها سُئلَت عن صيامِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالت: (( لَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا))، فبادِروا ــ سدَّدكُم اللهُ وقوَّاكُم ــ إلى الاقتداءِ بنبيِّكم صلى الله عليه وسلم بالصيامِ في شهرِ شعبان، والإكثارِ مِنه، لعلَّكُم تُفلِحون.

وقال الإمامُ ابن قيِّمِ الجَوزيَّةِ ــ رحمهُ اللهُ ــ عن رفعِ أعمالِ العبادِ إلى اللهِ ربِّهِم، وعرْضِها عليهِ سبحانَه: «ونَظيرُ هذا رفْعُ الأعمالِ وعرْضُها على اللهِ تعالى، فإنَّ عملَ العامِ يُرفعُ في شعبانَ، كما أخبَرَ به الصادقُ المصدُوقُ صلى الله عليه وسلم، أنَّه: (( شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِم ))، ويُعرَضُ عملُ الأُسبوعِ يومَ الاثنينِ والخميس، كما ثبتَ ذلك عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم في “صحيح مسلم”، ويُعرَضُ عملُ اليومِ في آخِرِه، والليلةِ في آخِرها، كما في حديثِ أبِي موسى الذى رواهُ مسلمٌ عن النبىَّ صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ ))، ثم إذا انقضَى الأجلُ رُفِعَ العملُ كلُّه، وعُرِضَ على الله، وطُويَت الصُّحف، وهذا عَرْضٌ آخَر».اهـ

عِبادَ الله:

لقد تكاسلَ وتشاغلَ أكثرُنا عن صيامِ التطوع، مع عِظَمِ ما ورَدَ في شأنه مِن أحاديثَ نبويَّةٍ كثيرةٍ مُبيِّنةٍ لأنواعِه، ومُرغِّبةٍ فيه، ومُعدِّدةٍ لِثمارِه، وما فيه مِن الحسناتِ الكثيرات، والأجورِ العاليات، والمكاسبِ الطيبةِ التي تنفعُ العبدَ في دُنياهُ وأُخْرَاه، ولأنَّ النُّفوسَ تَتُوقُ وتَتشوَّقُ لِما لهُ فضائل، وتتزايدُ أُجُورُه، وتعلو بسببِهِ منزلةُ أهله،  فدونَكم ــ سلَّمَكم اللهُ ــ جُملةً مِن فضائلِ صيامِ التطوعِ، والتَّنفلِ بالصيام.

فَمِن هذهِ الفضائلِ: أنَّه مِن أسبابِ تكفيرِ الذُّنوب، لِمَا صحَّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (( فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ )).

ومِن هذهِ الفضائلِ أيضًا: أنَّه مِن أسبابِ البُعدِ والعِفَّةِ عن الحرام وأسبابِه، لِمَا صحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )).

ومِن هذهِ الفضائلِ أيضًا: أنَّه يُسَدُّ بِه يومَ القيامةِ النَّقصُ والخلَلُ الذي وقعَ مِن العبدِ في صيامِ الفريضة، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى نحو ذَلِكَ )).

ومِن هذهِ الفضائلِ أيضًا: أنَّه مِن أسبابِ نَيلِ العبدِ محبَّةَ ربِّه سبحانَه له، ودَفْعِهِ ودِفَاعِه عنه، وتوفِيقهِ وتسديده، وإجابةِ دعوتِه، حيثُ صحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ )).

أعوذُ باللهِ مِن الشيطانِ الرِّجيم: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }.

هذا وأسألُ اللهَ أنْ يُعينَنا على الإكثارِ مِن صيامِ شعبانَ، إنَّه سميعٌ مُجِيب.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الذي بنعمتِهِ تَتِمُّ الصالحات، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وباللهِ ــ جلَّ وعلا ــ أستعِين.

أمَّا بعُد، فيَا عِبادَ الله:

مَن كانَ مِنكُم أو مِن أهليكُم قد بَقِيَتْ عليهِ أيَّامٌ مِن شهرِ رمضانَ الماضي لم يَصُمْها، فليُبادِرْ إلى قضائِها وجوبًا قبلَ أنْ يَدخلَ عليه شهرُ رمضانَ الجديد إنْ كانَ قادرًا على ذلك، ولم يَمنعْهُ مِنهُ مانعٌ شَرعِي، وقد صحَّ عن عائشةَ ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت: (( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ ))، وأمَّا مَن فرَّطَ فأخَّرَ القضاءَ بعدَ تَمكُنِّه مِنهُ حتى دَخلَ عليهِ رمضانُ آخَرُ أو رمضاناتٌ عديدة، فإنَّه آثِمٌ، ويجبُ عليهِ ثلاثةُ أمورٍ، وهي: التوبةُ والاستغفارُ مِن هذا التفريطِ في تأخيرِ القضاء، وقضاءُ هذهِ الأيامِ التي لم يَصُمْها، والكفارةُ بإطعامُ مسكينٍ عن كلِّ يومٍ أخَّرَ قضاءَهُ تفريطًا وتكاسلًا، وبهذا قالَ أكثرُ الفقهاءِ، وصحَّتِ به الفتوى عن جمعٍ مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وحكاهُ العلماءُ إجماعًا مِن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ.

وكذلكَ تجبُ هذهِ الأمورُ الثلاثةُ على مَن تكاسَل وتهاونَ بعدَ البلوغِ فتَركَ شيئًا مِن صيامِ شهرِ رمضان، حتى ولو مرَّتْ على ترْكِهِ هذا سِنواتٌ عديدة، وأفطرَ فيها أيَّامًا كثيرة، فإنَّ نَسِيَ عددَ هذهِ الأيامِ بَنَى على غالبِ ظنِّه في عددِها، وصامَ أيَامًا بقدْرِ ما غلَبَ على ظنِّه أنَّه ترَك.

والمرأةُ الحامِلُ أو المُرضِعُ التي بقيَتْ عليها أيامٌ مِن شهرِ رمضانَ السابقِ لم تصُمْها، فإنَّها تَقضِي قبْل دخولِ رمضانَ الجديد إذا كانَ بدنُها قويًا، وتتغذَّى تغذيةً جيَّدةً مُفيدة، وكان الصومُ لا يَضُرُّ بِها، ولا بالجَنينِ الذي في بطنِها أو الطفلِ الذي تُرضِع، لأنَّها في حُكمِ الصَّحيح المُعافَى، وأمَّا إذا خافت على نفسِها أو على ولدِها مِن صومِ القضاء، فإنَّها تَقضِي بعدَ رمضانَ، وزَوالِ عُذرِ حملِها ورضَاعِها.

هذا وأسألُ اللهَ الكريمَ أنْ يشرحَ صدورَنا بالسُّنةِ والاتِّباع، وأنْ يُسدِّدَ إلى الخيرِ والهُدى ولاتَنا وجُندَنا وأهلينا وأولادَنا وجيرانَنا، اللهم ثبِّتنا في الحياةِ على طاعتِك، وعندَ المماتِ على قولِ لا إله إلا الله، وفي القبور عندَ سؤالِ مُنكَرٍ ونَكِير، اللهم ليِّن قلوبَنا قبلَ أنْ يُليِّنَها الموت، وارحَم موتانا وموتى المسلمين، وارفعِ الضُّرَ عن عبادِكَ المؤمنين، وأقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.