إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > خطبة مكتوبة بعنوان: ” المتكاسلون والغافلون عن الحج مع وجوبه عليهم وعظيم فضله ” ملف [word] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” المتكاسلون والغافلون عن الحج مع وجوبه عليهم وعظيم فضله ” ملف [word] مع نسخة الموقع.

  • 12 مايو 2022
  • 1٬729
  • إدارة الموقع

المتكاسلون والغافلون عن الحج مع وجوبه عليهم وعظيم فضله

الخطبة الأولى:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الكريمِ القدير، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ الأمينُ، اللهمَّ فصَلِّ وسَلِّم عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الأبرار.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:

فاتقوا اللهَ ربَّكُمُ الذي يُحيي العظامَ وهيَ رَميم، واخشوا يومًا تُعرضونَ فيهِ عليهِ لا تَخفَى مِنكُم خافيةً، يومَ يحُصَّلُ ما في الصُّدور، ويَكونُ الناسُ إلى جنَّةٍ وتكريمٍ أو نارٍ تَسْتعِرُ وتعذيبٍ، حيثُ قالَ اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ آمِرًا لكُم ومُرَهِّبًا: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ }.

واعلَموا أنَّ مِن تقواهُ وخشيَتِهِ ــ جلَّ وعلا ــ المبادرةَ إلى حجِّ بيتِهِ الحرام، امتثالًا لأمرِهِ، وتعظيمًا لَهُ، وإحسانًا لأنفُسِكُم، ورِفعةً لِدرجاتِكُم، وأداءً لِمَا وجَبَ عليكُم، فإنَّهُ سُبحانَهُ قد أوجَبَ عليكُمُ الحجَ وفرَضَهُ في كتابِهِ العزيزِ فقالَ ــ عزَّ وجلَّ ــ: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا }، وصحَّ أنَّ نبيَّكُم صلى الله عليه وسلم وقفَ خطيبًا في الناسِ فقالَ لهُم: (( أَيُّهَا النَّاسُ: قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا )).

إلَا وإنَّ مِن دلائلِ تكريمِهِ سبحانَهُ لكُم، ورحمتِهِ الشِّديدةِ بكُم، وإِفْضَالِهِ لكُم، وإنعامِهِ عليكم في بابِ الحجِ إلى بيتِهِ الحرامِ، هذهِ الأمورَ السَّبعة:

ألأوَّل: أنَّ اللهَ ــ جلَّ وعزَّ ــ قد جعلَ فريضةَ الحجِ إلى بيتِهِ الحرامِ إحدى الدعائمِ الخمسِ التي بُنِيَ عليها دِينُهُ الإسلام، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ )).

الثاني: أنَّ اللهَ ــ تبارَكَ وتقدَّسَ ــ لم يُوجِبِ الحجَ عليكُم في العُمُرِ كُلِّهِ إلا مرَّةً واحدةً، رحمةً بكُم، وتخفيفًا عليكُم، حيثُ ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ: كُتِبَ عَلَيْكُمِ الْحَجُّ، فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا، وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، الْحَجُّ مَرَّةٌ، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ )).

الثالث: أنَّ اللهَ ــ تبارَكَ اسمُهُ ــ جعلَ الحجَ مِن أسبابِ مغفرةِ الذُّنوبِ الكثيرةِ، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ))، والرَّفَثُ هوَ: الجِماعُ في حالِ الإحرامِ ومُقدِّماتِهِ مِن مُباشرةٍ للنساءِ أو تَقبيلٍ أو نظرٍ بشهوةٍ أو استمناءٍ، والنُّطقُ بفاحشِ الكلامِ وقبيحِهِ، والفُسُوقُ: يَشملُ المعاصيَ كلَّها، معاصي القلبِ واللسانِ والجوارحِ مِن أيْدٍ وأقدامٍ وعيونٍ وآذانٍ وفُروجٍ، وغيرِها، وثبتَ عن شَقيقِ بنِ سَلَمةَ ــ رحمهُ اللهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( أَرَدْتُ الْحَجَّ فَسَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ ــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ــ فَقَالَ: إِنْ تَكُنْ نِيَّتُكَ صَادِقَةً، وَأَصْلُ نَفَقَتِكَ طَيِّبَةً، وَصُرِفَ عَنْكَ الشَّيْطَانُ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ عَقْدِ حَجِّكَ، عُدْتَ مِنْ سَيِّئَاتِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أَمُّكَ )).

الرابع: أنَّ اللهَ ــ عزَّ شأنُهُ ــ جعلَ الحجَ المَبرورَ مِن أعظمِ أسبابِ دخولِ الجنَّةِ، والتَّنعُّمِ بما فيها مِن خيراتٍ حِسان، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ ))، والحجُ المَبْرُورُ هوَ: الحجُ الذي ليسَ فيهِ ما يُبطِلُهُ مِن محظوراتِ الإحرام، ولا ما يُنقِصُ ثوابَهُ مِن فِعلِ محظوراتٍ أو ذُنوبٍ قوليةٍ أو فِعليةٍ أو قلبيَّة.

الخامس: أنَّ اللهَ سُبحانَهُ جعلَ الحجَ مِن أسبابِ العِتقِ مِن النَّارِ، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ )).

السادس: أنَّ اللهَ ــ جلَّ وعزَّ ــ جعلَ الحجَ مِن أحسنِ وأجملِ الجهادِ في سبيلِهِ، حيثُ صحَّ أنَّ عائشةَ ــ رضيَ اللهُ عنها ــ قالت: (( قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نُجَاهِدُ مَعَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكِ أَحْسَنُ الْجِهَادِ وَأَجْمَلُهُ: الْحَجُّ حَجٌّ مَبْرُورٌ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَا أَدَعُ الْحَجَّ أَبَدًا بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ )).

السابع: أنَّ اللهَ تعالى جعلَ مُتابَعةَ الحجِّ والعُمرَةِ مِن أسبابِ سَعةِ الرِّزقِ، وذهابِ الفقرِ، ومَحْوِ الذُّنوبِ وتكفيرِها، حيثُ ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا: يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ )).

فماذا نُريدُ ــ معاشِرَ المسلمينَ ــ بعدَ هذا الفضلِ مِن فضْلٍ؟ وبعدَ هذا الإكرامِ مِن إكرامٍ؟ وبعدَ هذهِ الأجورِ مِن أُجورٍ؟ وصدَق اللهُ القائلُ في كتابِهِ العزيزِ مُمتنًّا على عِبادِهِ المؤمنينَ: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }.

وسُبحانَ اللهِ وبحمدِهِ بُكرةً وأصيلًا، ولهُ الحمدُ على كلِّ حال.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الكبيرِ المُتَعَالِ، والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً مِن ولدِ عدنان، وعلى الصَّحبِ الكرامِ لهُ والآل.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:

فماذا يَنتظرُ مَن لم يَحجَّ فريضتَهُ بعدَما سمِعَ ما تقدَّم مِن الأحاديثِ النبويَّةِ الثابتةِ؟ أيَنتظِرُ أنْ يَفجَأَهُ الموتُ وهوَ لم يُؤدِّ فريضتَهُ بعْد، أمْ يَنَتظِرُ حتى يُبتلَى بمرضٍ أو كِبَرٍ يُقعدانِهِ عن الحجِّ، أو يَنتظِرُ الفقرَ والحاجةَ بعدَ وجودِ النَّفقةِ والمالِ؟

ألم يَسمعْ قولَ ربَّهِ ــ جلَّ وعلا ــ آمِرًا ومُرغِّبًا: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }، وامتثالُ أمْرِ اللهِ بالمسارعةِ إلى المغفرةِ والجنَّةِ إنَّما يكونُ بالمُبادَرةِ والعجَلةِ إلى فعلِ الطاعاتِ مِن فرائضَ ومُستحبَّاتٍ قبلَ نُزولِ الموتِ وحُصولِ ما يَعوقُ مِن مرضٍ أو كِبَرٍ أو حبْسٍ أو فِتنٍ أو حُروبٍ أو فقرٍ أو غيرِ ذلك.

ألم يَسمعْ قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّحيحِ آمِرًا ومُرهِّبًا: (( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا )).

وثبتَ عن غُنيمِ بنِ قيسٍ ــ رحمهُ اللهُ ــ أنَّهُ قالَ مُبينًّا لَنَا حالَ سَلفِنا الصالحِ مِن الصحابةِ والتابعينَ مع نُصْحِ بعضِهِم لِبعضٍ: (( كُنَّا نَتَوَاعَظُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بِأَرْبَعٍ، كُنَّا نَقُولُ: اعْمَلْ فِي شَبَابِكَ لِكِبَرِكَ، وَاعْمَلْ فِي فَرَاغِكَ لشُغْلِكَ، وَاعْمَلْ فِي صِحَّتِكَ لِسَقَمِكَ، وَاعْمَلْ فِي حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ )).

فالحَذَرَ الحذرَ ــ عبادَ اللهِ ــ مِن التكاسلِ عن أداءِ فريضةِ الحجِّ، مع وجودِ الصِّحةِ والعافيةِ، وحصولِ الميسَرةِ في الرِّزقِ، وتوفُّرِ الأمْنِ في الطريقِ والمناسِكِ، فقد ثبتَ أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ قالَ: (( لِيَمُتْ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا رَجُلٌ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، وَجَدَ لِذَلِكَ سَعَةً، وَخُلِّيَتْ سَبِيلُهُ، لَحِجَّةٌ أَحُجُّهَا وَأَنَا صَرُورَةٌ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سِتِّ غَزَوَاتٍ أَوْ سَبْعٍ ))، والصَّرورَةُ هوَ: الذي لم يَحجَّ حَجَّةَ الفريضةِ بعْد.

وثبتَ عن الأسودِ بنِ يزيدٍ ــ رحمهُ اللهُ ــ أنَّهُ قالَ لِرَجُلٍ مِن قومِهِ مُوسِرٍ قادرٍ على الحجِ: (( لَوْ مِتَّ وَلَمْ تَحُجَّ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْكَ ))، وثبتَ عن عبدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ ــ رحمهُ اللهُ ــ أنَّهُ سُئِلَ عن رَجُل ماتَ ولم يَحجَّ وهوَ مُوسِرٌ؟ فقالَ: (( مَاتَ وَهُوَ لِلَّهِ عَاصٍ ))، وثبتَ عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ ــ رحمهُ اللهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( لَوْ كَانَ لِي جَارٌ مُوسِرٌ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ )).

وذهبَ أكثرُ العلماءِ، مِنهُم: أبو حنيفةَ ومالكٌ وأحمدُ إلى أنَّ الحجَّ واجبٌ على المُكلَّفِ على الفورِ إذا توفَّرَتِ الاستطاعةُ، ومَن أخَّرَهُ عصَى وأثِمَ.

اللهمَّ يا جوادُ يا كريمُ: إنَّا نعوذُ بكَ مِن قلبٍ لا يَخشع، وعلمٍ لا يَنفع، وعينٍ لا تَدمع، ودعوةٍ لا يُستجابُ لها، اللهمَّ يا مقلِّبَ القلوبَ ثبِّت قلوبَنا على دِينِك، اللهمَّ يا مُصرِّفَ القلوبِ صَرِّف قلوبَنا على طاعتِك، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ مُتابعةَ القرآنِ والسُّنةِ في أقوالِنا وأفعالِنا واعتقاداتِنا، اللهمَّ أرفع الضُّرَ عن المُتضرِّرينَ مِن المسلمينَ في كلِ مكان، اللهم َّقرِّب عبادَكَ إلى التوحيدِ وأبعِدْهُم عن الشِّركِ، وقرِّبهُم إلى السُّنةِ وأبعِدهُم عن البدعِ، وقرِّبهُم مِن الطاعةِ وأبعِدهُم عن المعاصي، إنَّكَ سميعُ الدُّعاءِ، وأقولُ هذا، واستغفرُ اللهَ لِي ولكُم.