إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > التربية > خطبة مكتوبة بعنوان: ” محاسن شريعة الإسلام في إصلاح دنيا الناس جميعًا وحياتهم “.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” محاسن شريعة الإسلام في إصلاح دنيا الناس جميعًا وحياتهم “.

  • 24 نوفمبر 2022
  • 2٬727
  • إدارة الموقع

محاسِن شريعة الإسلام في إصلاح دُنيا الناس جميعًا وحياتهم

الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ خالقِ الناسِ أجمعين، الذي وسِعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا وإليهِ تُرجَعون، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ الحقُّ المُبِين، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المَبعوثُ رحمةً للعالَمين، اللهمَّ فصَلِّ وسَلِّم عليهِ وعلى جميعِ النَّبيينَ، وآلِ كلٍّ وصحابتِهم وأتباعِهم المؤمنينَ، وعنَّا معَهم يا رَبَّ العالَمين.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:

فلَقدْ صحَّ أنَّ نَبِيَّ اللهِ محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: (( أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ أَوِ الْعَجَمِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ ))، وثبت أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ لِلْإِسْلَامِ ))، وقال اللهُ ــ جلَّ وعلا ــ مُمتنًّا على مَن أسلَمَ مِن عِبادِه: { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ }.

هذا الإسلامُ ــ يا عِبادَ اللهِ ــ الذي جاءَ بِه رسولُ اللهِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم مِن عندِ اللهِ رَبِّ الناسِ، وخالِقِهم أجمعينَ، قد حَوَى المَحاسِنَ كلَّها، وجمَعَ الفضائلَ كلَّها، وأتَى بالخيرِ العَميمِ للبشَريةِ جمْعاء، حيثُ جاءَ بأحكامٍ شرعيةٍ جليلةٍ تُصلِحُ دُنيا العِبادِ، وتُبعِدُ الشُّرورَ عنهم، وتُقَوِّي ترابُطَهُم وائتلافَهُم، وتَنشُرُ المَكارمَ بينَهُم، وتُرَسِّخ العدلَ في صُفوفِهِم، وتُباعِدُهُم عن الظُّلمِ والبَغْيِ والعُدوانِ والإجرامِ والإرهاب والأذيَّة للخلْق، وتَجعَلُهُم يَتعاشَرونَ بالمعروف، ويَتعامَلون بالصِّدقِ والنُّصحِ، ويَرحمون الضعيفَ صغيرًا أو كبيرًا، ذَكرًا كانَ أو أُنْثَى، فقيرًا أو غنيًّا، ويُعِينُ بعضُهُم بعضًا على الخيرِ والحقِّ والعدلِ والإحسانِ والمعروفِ، ويَتعاطفونَ ويَتراحمونَ ويتناصحون، ويَرفِقُونَ ببعضٍ، ويُحِبُّونَ الخيرَ لِغيرِهم كأنْفُسِهم، ويُواسِي بعضُهم بعضًا في الأحزانِ والمصائبِ والأمراضِ والكوارث.

بل إنَّ تتميمَ صالحَ الأخلاقِ ومكارِمَها لَمِن مقاصِدِ إرسالِ النبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعًا، حيثُ صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ))، وصحَّ أنه: (( قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً ))، وتصديقُ ذلكَ مِن القرآنِ قولُ اللهِ سبحانه: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }.

أيُّها الناس:

إنَّ محاسِنَ شريعةَ الإسلامِ، وما جاءت بِه مِن أحكامٍ وتشريعاتٍ لكثيرةٌ جدًّا، وجميلةٌ شديدًا، وكبيرةٌ نفعًا، وعامَّةٌ خيرًا، وإنَّ السعيدَ ــ واللهِ ــ في حياتِهِ وبعدَ مماتِه هوَ مَن آمَنَ بِها، وصدَّقها، وانقادَ لَهَا، وعملَ بِها، واستَمسَكَ بها حتى يَلقَى ربَّهُ وخالِقَهُ مَيِّتًا عليها.

ففِي جانبِ الحاكمِ مع رعيَّتِه وشَعبِهِ: صحَّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ، إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ ))، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ )).

وفي جانبِ الزَّوجةِ: صحَّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خطبَ الناسَ في حَجَّة الوداعِ، فكانَ مِمَّا قال صلى الله عليه وسلم في شأنِ الزَّوجة: (( اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ))، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَا يَفْرَكْ ــ أي: لا يَبْغَضْ ــ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ))، وقال اللهُ سبحانَه: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.

وفي جانبِ البناتِ والأخَوَات: صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ شَيْئًا، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، حَتَّى يَبِنَّ، أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ، كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ ــ وَأَشَارَ بِأُصْبَعِهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا ــ))، ومعنى (( مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ )) أي: قامَ عليهِما بالنفقةِ والتربيَة.

وفي جانبِ عُمومِ الأهلِ: صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لِأَهْلِهِ ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا )).

وفي جانبِ الأَبِ والأُمِّ: صحَّ أنَّه: (( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ» ))، ومعنى: (( مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي )) أي: مَن أولَى الناسِ بمعروفِي وبِرِّي ومُصاحبَتِي المَقرونةِ بلينِ الجانبِ، وطِيبِ الخُلقِ، وحُسنِ المُعاشرة، وصحَّ أنَّه: (( أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللهِ، قَالَ: «فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟» قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا، قَالَ: «فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا» ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: ((«رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ»، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ» ))، وصحَّ: (( أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ فَقَالَ: «ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا» ))، وقال اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ: { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا }، وقال سبحانَه: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا }، وقال تعالى: { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }.

وفي جانبِ عُمومِ القرَابَةِ والأقرِباء: قال اللهُ ــ جلَّ وعلا ــ: { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى }، وقال تعالى: { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ )).

وفي جانبِ الجِيرانِ: صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ كانَ يؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلا يُؤْذي جارَهُ ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، قِيلَ: مَن يَا رَسُوُلَ اللهِ؟ قَالَ: مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ))، وبوائِقُهُ هي: شُرورُهُ وأذَاه، وصحَّ عن ابنِ عمرٍو ــ رضي الله عنه ــ: (( أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةً، فَقَالَ: أَهْدَيْتُمْ لِجَارِي الْيَهُودِيِّ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» ))، وقال اللهُ سُبحانَه: { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ }.

وفي جانبِ مُعامَلَةِ الصِّغارِ وكِبار السِّن: ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا ))، وصحَّ عن أنسٍ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))، وفي حديثٍ حسَّنهُ الإمامُ الألبانيُ وغيرُهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إنَّ مِن إِجلال اللَّهِ: إِكرامُ ذِي الشَيبَة المُسلِم )).

وفي جانبِ رحمةِ الناسِ والحَيوَانِ: صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ))، وثبتَ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرْ اللَّهُ لَكُمْ ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ ))، وصحَّ: (( أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا، فَقَالَ: وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ ))، وثبت أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ رَحِمَ وَلَوْ ذَبِيحَةَ عُصْفُورٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )).

وفي جانبِ الضَّيفِ والضِّيافَةِ: صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( إِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ))، أي: لِضَيفِكَ وزائِرِك.

وفي جانبِ المُعاملَةِ مع مِن يَخدِّمِ: صحَّ عن أنسٍ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، لَا وَاللَّهُ مَا سَبَّنِي سَبَّةً قَطُّ، وَمَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ ))، وصحَّ أنَّه: (( كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( إِخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ )).

وفي جانبِ الإحسانِ إلى الضُّعفاءِ والمساكينِ والأيتامِ والأرامِلِ: صحَّ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ابْغُونِي الضُّعَفَاءَ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: ((«أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ» وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ ))، وقال اللهُ تعالى: { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ }.

وفي جانبِ تفريجِ كُرَبِ المُتضَرِّرينَ والمُصابين والمُحتاجين والمُعسِرين: صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ نَفَّسَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ، كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ ))، وقال تعالى: { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ }، وقال سبحانه: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا }.

بارَكَ اللهُ لكُم فيما سمِعتُم، ونفعَكُم بِه في الدُّنيا والآخِرة، إنَّه جوادٌ كريم.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهَ الرَّبِ العظيم، وصلّى الله على نبيِّه محمدٍ الأمينٍ الكريم، وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وسلَّمَ وبارَكَ وأنْعَمَ وأكرَم.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:

فاتقوا اللهَ ربَّكم بالعملِ بشرعِه القويمِ أمرًا ونهيًا، وفي أمورِ العقائدِ والعباداتِ والمُعاملاتِ مع الخَلق، وفي الآدابِ، فإنَّكم إنْ عملتُم به أصلَحَ لكم دُنياكم، وفُزتُم وسَعِدتُم في أُخْراكُم، حيثُ قال سبحانه: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }، وقال ــ عزَّ وجلَّ ــ: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ }، وتهدَّدَ اللهُ سبحانه مَن خالفَ ما شرَعَ، فقال سبحانه: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى )).

اللهمَّ إنَّكَ قُلتَ: { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ } وإنَّكَ لا تُخلِفُ المِيعاد، وإنَّا نسألُكَ كما هديتَنا للإسلامِ أنْ لا تنزِعَهُ مِنَّا حتى تتوفانا ونحنُ مسلمون، اللهمَّ يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّتْ قلوبَنا على دِينِك، اللهمَّ يا مُصرِّفَ القلوبِ صرِّفْ قلوبَنا على طاعتِك، ربَّنا لا تُزِغْ قلوبَنا بعدَ إذ هديتَنا، وهبْ لَنا مِن لَدُنْكَ رحمةً إنَّكَ أنتَ الوهاب، اللهمَّ أعنَّا على ذِكرِكَ، وشُكرِكَ، وحُسنِ عبادتِك، اللهمَّ أصلِحِ الحكامَ ونُوَّابَهُم وجُندَهُم، وسدِّدهُم في الأقوالِ والأفعالِ، إنَّكَ سميعُ الدُّعاء، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم، وقُومُوا إلى صلاتِكُم.