إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة بعنوان: ” تراحم المسلمين أوقات الكروب من زلازل وغيرها ” ملف: [word] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” تراحم المسلمين أوقات الكروب من زلازل وغيرها ” ملف: [word] مع نسخة الموقع.

  • 9 فبراير 2023
  • 1٬868
  • إدارة الموقع

تراحُم المسلمين أوقات الكروب مِن زلازل وغيرها

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ ذِي الفواضِلِ الجليَّة، الذي خفَّفَ عن عبادِه بما قيَّضَهُ لهم مِن أرزاقٍ متنوعة، وخيراتٍ مُتتابِعَة، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أجودُ الناس، وأجودُ بالخير حتى مِن الريح المُرسَلة، اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليه وعلى آلِه وأصحابِه الشاكرينِ لربِّهم والذاكرين.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:

فاتقوا الله حقَّ تقواه، واخشوهُ حقَّ الخشية، وعظِّموهُ أحسنَ تعظيم، وأجِلُّوهُ أكبرَ إجلال، وقد قال ــ عزَّ وجلَّ ــ آمِرًا: { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ }.

واعلموا ــ سدَّدكمُ اللهُ ــ أنَّ مِن شواهد ذلك وصِدقِه، وعلاماتِ زيادتِه وقُوَّتِه هذه الأمور:

أوَّلًا: أنْ تكونوا كما قالَ نبيُّكًم صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصَّحيحِ: (( تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى )).

وهذا هو الحالُ الذي كانَ عليهِ رسولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ ــ رضي الله عنهم ــ، كما أخبَرَ عنهُم بذلكَ ربُّنا ــ جلَّ وعلا ــ فقال: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }.

وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ )).

وثانيًا: أنْ تعلموا أنَّكُم بإعانتِكُم لإخوانِكُم المسلمينَ المُتضرِّرين في أبدانِهِم وأهلِيهِم ومنازِلِهم وأموالِهم: المُستفيدُ الأكبر، والمُنتفِع الأعظم، وذلك لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ )).

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ )).

وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال آمِرًا ومُوصِيًا ومُبشِّرًا: (( ابْغُونِي الضُّعَفَاءَ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ )).

وقال اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ: { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ }.

 وثالثًا: أنْ تتصدَّقوا باستمرار، ولو بالقليلِ، وبِمَا تيسَّر، فقد صحَّ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (( الصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ ))، أي: برهانٌ على صِدق الإيمانِ وصِحَّتِه، ولِهذا تجدُ أكثرَ الناسِ إيمانًا باللهِ وبإخْلافِهِ أكثرُهم صدَقَة.

وصحَّ أنَّ أبَا الخيرِ سمعَ عُقبةَ بنَ عامرٍ ــ رضي الله عنه ــ يقول: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (( «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ»، قال يزيدُ: فَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ لَا يَتَصَدَّقُ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَعْكَةً، وَلَوْ بَصَلَةً )).

وثبتَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ، كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ )).

ورابعًا: أنْ يزدادَ جُودُكُم، وتزدادَ صدقاتُكُم وقتَ زيادةِ الكرْبِ على المسلمين، وحينَ يَعظُمُ نُزولُ الضَّررِ بِهِم، ويَتجدَّدَ حصولُه، فقد صحَّ عن المُنذِرِ بنِ جَريرٍ، عن أبيهِ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً } وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: { اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ }.

«تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».

فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ )).

وخامسًا: أنْ تعلموا أنَّ المُنْفِقَ على مَن تضرَّر واحتاجَ مُتسبِّبٌ في بَسْطِ رِزقِه، وزيادةِ مالِه، وحُلولِ البركةِ فيه، ودعاءِ الملا ئكةِ لهُ بالرِّزق، حيثُ قالَ اللهُ سبحانه: { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }، وصحَّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ))، وصحَّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا )).

وسادسًا: أنْ تعلموا أنَّ الجودَ والكرمَ والصدقةَ لا يَختصُ بها الغنيُّ وحدَه، وقد صحَّ أنَّه: (( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الْغِنَى )).

وصحَّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ )).

ألا فاتقوا النَّارَ ــ عِبادَ اللهِ ــ بالتراحُمِ والتعاطُفِ فيما بينِكُم، وبالصدقةِ، وبالإكثارِ مِن التَّصدُّق، ولو بشيءٍ قليلٍ ويسير، واستمروا ولا تنقطِعوا، لعلَّكُم تُفلحون.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكرُ لهُ على إنعامِه، والصلاةُ والسلامُ على رُسُلِهِ وأنبيائِه، وجميعِ مَن آمَن باللهِ والدَّارِ الآخِرَة.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فإنَّكُم تعلمون ما نَزَلَ بإخوانِكُم مِن المسلمينَ في سوريا وتُركيا مِن زلازلَ قويَّةٍ مُدَمِّرة، ماتَ فيها الآلافُ، وأُصِيبَ آلافٌ، حتى امتلأتِ المُستشفيات، وتهدَّمَتْ حينَها المنازِلُ والمتاجِرُ والمَزارعُ والطُرقاتُ والمَرافِقُ العامَّةُ والخاصَّة، وتشرَّدَ الكثيرُ مِن الصِّغارِ والكِبارِ والنساءِ والرِّجالِ ونَزحوا عن مناطِقِهم، وأصبَحوا تحتَ البَرْدِ والثلوج والجوع، وفي العَراءِ بِلا مأوى.

فاللهَ اللهَ في تعاطُفِ قلوبِكُم معَهم، ورحمَتِكُم بِهِم، والإكثارِ مِن الدعاءِ بالتفريجِ عنهُم، ورحمةِ موتاهُم، وِفاء المُصابينَ مِنهم، وإعانَتِهم قولًا وفِعلًا،  وإغاثتِهم بالمالِ والطعامِ واللباسِ والخيامِ والبطانيات، وما تستطيعونَ، ويَتيسَّرُ لكُم، ويَسهُلُ في أنظمةِ بلدِكُم.

هذا، وقد دعَتِ الدَّولةُ ــ شكرَ اللهُ لهَا وسدَّدها ــ إلى ذلكَ، والخُطبةِ عنه، وأعانتكُم بالإعلانِ عن القنواتِ الرَّسمية لِتبَرُعاتِكُم.

وتذَّكرُوا تلكَ العقبةَ الكئُودَ فاقتَحِمُوها، لِتكونوا مِن أصحابِ اليمين، الذينَ يُؤخذُ بِهِم يومَ القيامةِ ذاتَ اليمينِ إلى الجنَّة، إذ يقولُ ربُّكُم سبحانَهُ مُحرِّضًا لكُم على ذلك: { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ، فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ، ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ }.

اللهمَّ يا حَيُّ يا قيومُ ارفع الضُّرَ عن المُتضرِّرينَ مِن إخوانِنا المسلمينَ في كلِّ مكان، اللهمَّ سلِّم لهُم أنفسَهم وأهليهم وأموالَهم وديارَهم، وادفع عنهم هذا البلاءَ الذي نزلَ بِهِم فإنَّه لا يدفعُهُ أحدٌ سواك، اللهمَّ ارْحَم موتاهُم، واشفِ مرضاهُم وجرحاهُم، واربط على قلوبِهم فلا يقولوا ولا يفعلوا إلا ما يُرضيك، ومُنَّ علينا وعليهِم بالأمِنِ والرزقِ والعافيةِ وراحةِ النفسِ وطُمأنينةِ القلب، إنَّك سميعُ الدُّعاء، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم.