إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > رسالة مختصر بعنوان: “الرجل يرى هلال رمضان وحده فترد شهادته هل يصوم وحده ” ملف: [pdf] مع نسخة الموقع.

رسالة مختصر بعنوان: “الرجل يرى هلال رمضان وحده فترد شهادته هل يصوم وحده ” ملف: [pdf] مع نسخة الموقع.

  • 20 أغسطس 2014
  • 4٬059
  • إدارة الموقع

الرجل يرى هلال رمضان فترد شهادته هل يصوم وحده

 

الرَّجل يَرى هلال رمضان فتُرَدّ شهادته هل يصوم وحْدَه

 

الحمد لله، وسلام على عباده المُرسلين، وأتباعهم مِن المؤمنين..

أمَّا بعد:

فقد اختلف العلماء ــ رحمهم الله تعالى ــ في صوم الرَّجل وحْدَه إذا رَأى هلال شهر رمضان، ثم شهِد عند الحاكم، ورُدَّتْ شهادته ولم تُقبْل، على قولين:

القول الأوَّل:

أنَّه يجب عليه الصوم.

وهو قول أكثر أهل العلم.

1 ــ حيث قال الإمام البغوي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “شرح السُّنة” (6/ 248):

«واختلف أهل العلم فيمَن رَأى الهلال وحدَه، فذهب أكثرهم إلى أنَّ عليه الصوم والفطر».اهـ

2 ــ وقال الحافظ ابن عبد البَرِّ المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه  “الاستذكار” (10/ 24):

«فلا أعلم خلافًا في هلال رمضان أنَّه مَن رآه يَلزمه الصوم إلا عطاء بن أبي رباح فإنَّه قال: لا يصوم وحدَه، ولا يُفطِر وحدَه وإنْ رآه.

واتَّفق مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابهم، فيمَن رأى هلال رمضان وحدَه: أنَّه يصوم.

وهو قول الثَّوري، والحسن بن حَيَ، وأحمد بن حنبل، لا يَسعه عندهم غير ذلك، وهو قول أبي ثور».اهـ

وقال بنحوه أيضًا في كتابه “التمهيد” (14/ 455).

3 ــ وقال الحافظ البيهقي الشافعي ــ رحمه الله ــ كما في “مختصر الخلافيات” (2/ 66 ــ مسألة:10):

«مَن رأى الهلال وحدَه وشَهِد بِه، فرُدَّت شهادته كان عليه أنْ يصوم إجماعًا».اهـ

قلت:

وهذا الإجماع مُنتقِض، بما سيأتي في القول الثاني.

وحُجَّة هذا القول:

قول النَّبي صلى الله عليه وسلم الصَّحيح: (( إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا )).

وهو مُخرَّج في “الصحيحين” مِن حديث أبي هريرة، وحديث ابن عمر ــ رضي الله عنهم ــ.

ووجْه الاستدلال مِن هذا الحديث:

أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم علَّق الصيام برُؤية الهلال، وهذا قد رآه، وقد قال الله تعالى: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }.

وقال الفقيه وليُّ الدِّين العراقي الشافعي ــ رحمه الله ــ في “طرح التثريب” (4/ 1090)، معلِّقًا على هذا الحديث:

«اسْتُدِلَّ بِه على وجوب الصوم على المُنفرد برُؤية هلال رمضان.

وعلى وجوب الإفطار على المُنفرد برؤية هلال شوال، وإنْ لم يَثبُت ذلك بقوله.

وهو قول الأئمة الأربعة في هلال رمضان.

واختلفوا في الإفطار برؤية هلال شوال وحدَه.

فقال الثلاثة: لا يُفطِر بل يَستمر صائمًا احتياطًا للصوم.

وقال الشافعي: يَلزمه الفِطر، ولكن يُخفِيه لِئَلَّا يُتَّهم، وهو مُقتضَى قوله: (( ولا تُفطروا حتى تَروه ))».اهـ

وأُجِيب عن هذا الاستدلال:

بأنَّ خطاب هذا الحديث خرَج لجماعة الناس لا آحادهم.

القول الثاني:

أنَّه لا يصوم وحْدَه، بل يصوم مع جماعة الناس.

وبِه قال عطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وابن سيرين، مِن التابعين، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل في رواية.

1 ــ حيث قال الفقيه وليُّ الدِّين العراقي الشافعي ــ رحمه الله ــ في “طرح التثريب” (4/ 1090):

«وذهب عطاء بن أبي رباح، وإسحاق بن راهويه: إلى أنَّه لا يصوم برؤيته وحدَه.

وعن أحمد: أنَّه لا يصوم إلا في جماعة الناس، ورُوي نحوه عن الحسن، وابن سيرين».اهـ

2 ــ وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “أحكام الاختلاف في رُؤية الهلال” (ص:54-56):

«والمَنقول عن الصحابة كابن عمر، وعن كثيرٍ مِن التابعين كالشَّعبي والنَّخعي والحسن وابن سيرين وغيرهم يَقتضي أنْ لا يَنفرِد عن الجماعة لا بصيام ولا فِطر.

وأحمد: يَرى أنَّه لا يَنفرد عن الجماعة بالفِطر كمَن رأى هلال شوال وحدَه.

وأمَّا الانفراد عن الجماعة بالصيام فعنه فيه روايتان، مِثل صيام يوم الغَيم إذا لم يَصمه الإمام والجماعة معه.

ومِثل مَن رأى هلال رمضان وحدَه، ورُدَّت شهادته، فإنَّ في وجوب صيامه على الرَّائي عن أحمد روايتين، والمنصوص عنه في رواية حنبل: أنَّه لا يصوم، وهو قول طائفة مِن السَّلف كعطاء، والحسن، وابن سيرين، ومذهب إسحاق».اهـ

وقال الحافظ ابن أبي شيبة ــ رحمه الله ــ في “مصنَّفه” (9471):

حدثنا أبو إسامة، عن هشام، عن الحسن، أنَّه كان يقول في الرَّجل يَرى الهلال وحدَه قبْل الناس:

(( لَا يَصُومُ إِلَّا مَعَ النَّاسِ وَلَا يُفْطِرُ إِلَّا مَعَ النَّاسِ )).

وفي رواية هشام عن الحسن كلام، وبعضهم يُحسِّنها.

واختاره هذا القول:

ابن تيمية، وابن رجب الحنبلي، وابن باز، والألباني.

واحتُجَّ لهذا القول بأمرين:

الأمر الأوَّل:

ما أخرجه الإمام الترمذي ــ رحمه الله ــ في “سُننه” (697)، عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ )).

وقال الترمذي ــ رحمه الله ــ عقبه:

«هذا حديث حَسن غريب، وفسَّر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: “إنَّما معنى هذا: أنَّ الصوم والفِطر مع الجماعة وعُظْم الناس”».اهـ

وقال العلامة ابن مُفلح الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الفروع” (3/ 18):

«والإسناد جيد».اهـ

وقال العلامة ابن باز ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع فتاويه” (15/ 89):

«أخرجه الترمذي بإسناد جيد».اهـ

وقال العلامة الألباني ــ رحمه الله ــ في كتابه “إرواء الغليل” (4/ 13 ــ عند حديث رقم:905):

«وإسناده حسن، رجاله كلهم ثقات معروفون، وفي عثمان وهو ابن المُغيرة بن الأخْنَس كلام يَسير لا يُنزِل حديثه عن رُتبة الحسَن، وقال ابن حَجَر في “التقريب”: صدوق له أوهام».اهـ

وصحَّحه: النَّووي، وأحمد شاكر.

وذَكره العلامة الوادعي ــ رحمه الله ــ في كتابه:

“الجامع الصَّحيح ممَّا ليس في الصحيحين” (2/ 418)، ونَقل كلام الترمذي، ولم يتعقبه بشيء.

ونُقِل تصحيحه عن: السُّبكِي، والسيوطي، والعظيم آبادي.

الأمر الثاني:

بالآثار الواردة عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ.

ومِن هذه الآثار:

أولًا ــ ما نقله الإمام ابن قيِّم الجَوزِيَّة ــ رحمه الله ــ في كتابه “زاد المَعاد” (2/ 49)، عن حنْبل في “مسائله عن الإمام أحمد” أنَّه قال:

حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عُبيدة، قال: أخبرنا عبد العزيز بن حكيم، قال: سألوا ابن عمر قالوا: نَستبِق قبْل رمضان حتى لا يَفوتنا شيء؟ فقال:

(( أُف أُف صوموا مع الجماعة )).

وإسناده حسن.

وزاد فيه الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ في شرحه على كتاب “عُمدة الفقه” (1/ 78 ــ قسم الصيام):

(( وأفطِروا مع الجماعة )).

ثانيًا ــ ما أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل ــ رحمهما الله ــ في “مسائله عن أبيه” كما في كتاب “رؤية الهلال” (ص:33-35) لابن رجب، واللفظ له، وابن أبي شيبة (2/ 305)، وعبد الرزاق (4/ 157) في “مصنَّفيهما”، عن أمِّ المؤمنين عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت:

(( الأضحى يوم يُضحي الناس، والفطر يوم يُفطِر الناس )).

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ عن هذا الأثر في كتابه “رؤية الهلال” (ص: 36):

«فهذا الأثر صحيح عن عائشة، إسناده في غاية الصحة، ولا يُعرَف لعائشة مُخالف مِن الصحابة».اهـ

وقال الإمام موفَّق الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (1/ 421)، عقب أثَر عائشة وأثرٍ لابن عمر ــ رضي الله عنهم ــ:

«ولم يُعرَف لهُما مُخالِف في عصرهما، فكان إجماعًا».اهـ

قلت:

وهذه النصوص ظاهرة في أنَّ الصوم والفِطر والأضحى إنّما يكون مع الجماعة.

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.