إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > البدع > خطبة مكتوبة عن: “يوم عاشوراء: صيامه، وبدعه، والمخالفين للشرع فيه، وما يستفاد مِن أحاديثه “.

خطبة مكتوبة عن: “يوم عاشوراء: صيامه، وبدعه، والمخالفين للشرع فيه، وما يستفاد مِن أحاديثه “.

  • 3 أكتوبر 2016
  • 51٬328
  • إدارة الموقع

يوم عاشوراء، صيامه، وبدعه، والمخالفين للشريعة فيه، وما يُستفاد مِن أحاديثه

الخطبة الأولى:ـــــــــــــــــ

الحمد لله الحكيم الخبير، الذي وفَّق مَن شاء مِن عباده لتحصيل المكاسب والأجور، يَرجون تجارة لن تبور، وأشهد أنْ لا إله إلا هُوَ وإليه المصير، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله ومصطفاه، بلَّغ شريعة ربِّه إلى الخلق كاملة، ودعاهم إلى التمسك بالسُّنَّة، وحذَّرهم مِن البدعة، فصلَّى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آل بيته وأصحابه السائرين على هديه في كل حالاته وأفعاله وأقواله وأوقاته.

أمَّا بعد، عباد الله:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ــ جلَّ وعزَّ ــ فاتقوا الله في السِّر والعلن، وراقبوه مراقبة أصحاب القلوب الخاشية، وإيَّاكم والأمْن مِن مَكره، والقُنوط مِن بِرِّه، وتعرَّضوا لأسباب رحمته ومغفرته، واعملوا كل سبب يوصلكم إلى رضوانه وفضله، ويُقربكم مِن جنته، ويُباعدكم عن ناره، فإنَّ رحمة الله قريب مِن المحسنين، فقد قال سبحانه آمرًا لكم بذلك: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.

عباد الله:

لقد تكاسل وتشاغل أكثرنا عن صيام التَّطَوع، رغم ما ورد في شأنه مِن أحاديث نبوية عديدة، مبيِّنةٍ لأنواعه، ومرغِّبةٍ فيه، ومعدِّدةٍ لثماره، وما فيه مِن حسنات كثيرة، وأجور كبيرة، وتكفير للسيئات، ومكاسب طيبة تنفع العبد في دنياه وأُخْراه.

وإنَّكم الآن لتنعمون بالعيش في أحد الأربعة الأشهر الحُرم، بل في أوائل شهر الله المحرم الذي هو أفضل شهور السّنة صيامًا بعد شهر رمضان، إذ صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ )).

فأكثروا الصيام في هذا الشهر، واحرصوا شديدًا على  العاشر مِنه، والذي يُعرف بيوم عاشوراء، فصوموه، وصَوِّمُوا معكم أهليكم صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثًا، فإنَّ في صيامه تكفير ذُنوب سَنة كاملة، حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ )).

وصحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه سُئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: (( مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الْأَيَّامِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ )).

وصحَّ عن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت: (( أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: «مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ» فَكُنَّا، بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَنَصْنَعُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَنَذْهَبُ بِهِ مَعَنَا، فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ، أَعْطَيْنَاهُمُ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ )).

وإنْ كان دخول شهر الله المُحرَّم ثابتًا، فيُستحب أنْ يُصام مع يوم عاشوراء يوم التاسع مُخالفة لليهود، حيث يقتصرون على صيام العاشر فقط، لِمَا صحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» )).

وصحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( خَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ )).

وإنْ كان دخول الشهر مشكوكًا فيه، فيُستحب أنْ يُصام ثلاثة أيَّام، يوم العاشر، واليوم الذي قبله وهو التاسع، واليوم الذي بعده وهو الحادي عشر، ليتحقق العبد أنَّه قد صام يوم عاشوراء، ونَال أجر تكفير ذُنوب سَنة كاملة، وهو المنقول عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ مِن الصحابة، وقول الأئمة: ابن سيرين، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم.

عباد الله:

إنَّ مِمَّا يدُل على عِظم شأن شهر الله المُحرَّم، وشأن يوم عاشوراء، هذه الأمور الأربعة:

الأوَّل: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سمَّى المحرم شهر الله، وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، لأن الله لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته، قاله الحافظ ابن رجب – رحمه الله -.

والثاني: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جعَل الصيام في شهر الله المحرم أفضلَ الصيام بعد شهر رمضان.

والثالث: أنَّ صيام يوم عاشوراء كان واجبًا في أوَّل الإسلام، قبْل أنْ يُفرَض صيام شهر رمضان على الناس، فلما فُرِض رمضان نُسِخ الوجوب، وأصبح صيام عاشوراء سُنَّة.

والرابع: عِظَم الأجر على صيام يوم واحد مِنه، ألا وهو يوم عاشوراء، حيث يُكفِّر ذنوب سَنة كاملة، وهي السَّنَة التي قبله.

عباد الله:

إنَّه لا علاقة بين صوم يوم عاشوراء ومقتل الحسين بن علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنهما ــ، والذي كان في عام واحد وسِتين مِن الهجرة، بل صيام يوم عاشوراء كان معروفًا منذ زمن الجاهلية قبْل مبعَث النبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّما نَصومه شكرًا لله تعالى على نجاة نبي الله وكليمه موسى ــ عليه السلام ــ مِن عدو الله فرعون وجُنده، والذي شَرَعَ لنا صيامه شكرًا لله هو النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يَشْرَعْهُ لَمَا صُمناه، وقد صحَّ عن أمِّ المؤمنين عائشة ــ رضي الله عنهما ــ أنَّها قالت: (( كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ )).

وصحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ: (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ» )).

نفعني الله وإيَّاكم بما سمعتم، وبارك لنا فيه، إنَّه سميع مُجيب.

الخطبة الثانية:ـــــــــــــــــ

الحمد لله أوَّلِ كلِّ مَقَال، ولله الْمَنُّ والإِفْضَال، وصلَّى الله على محمد النَّبي المُختار، وعلى آله وأصحابه الطيبين الأخيار، وسلَّم تسليمًا، وبالله نستعين، وهو حسبنا ونِعْم الوكيل.

أمَّا بعد، عباد الله:

فإنَّ أحاديث صوم يوم عاشوراء كثيرة، بل قد بلغت مبْلغ التواتُر كما ذَكر غير واحد مِن أهل العلم، وإنَّ الدروس المستفادة مِنها لعديدة:

فمِن هذه الدروس:

حرص الشريعة الإسلامية على تَمايز المسلم عن الكافر في أحواله، وأقواله، وأفعاله، حيث دعته لمخالفة اليهود في الصيام، باستحباب صيام يوم التاسع مع العاشر، وقد صحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( خَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ )).

ولمَّا أُخْبِرَ النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ اليهود تصوم اليوم العاشر قال فيما صحَّ عنه: (( فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ )).

أي: مع العاشر، مخالفة لليهود.

ونحن اليوم نَرى أمرًا سيِّئًا جدًّا مِن جموع غفيرة مِن المسلمين في شتَّى الأقطار، حيث نَرى مسارعتهم إلى مشابهة الكفار في أقوالهم، وأفعالهم، ولباسهم، وأعيادهم، وعباداتهم، وعاداتهم، ومدارسهم، وزواجاتهم، وشركاتهم، وغير ذلك مِن أمورهم وأماكنهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم )).

نَرى هذا في الصغار والشباب والكِبار، والذُّكور والإناث.

ومِن هذه الدروس:

أنَّ الأحداث والوقائع والانتصارات الحاصلة لأهل الإسلام قديمًا وحديثًا لا تُتخذ أعيادًا ولا مأتمًا، فما اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم نجاة نبي الله موسى ــ عليه السلام ــ، وهلاك فرعون وجُنده، يوم عيد واحتفال، ولا يوم فتح مكة، وغيرها مِن الانتصارات، ولا اتخذ الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ وبَقِيَّة السَّلف الصالح يوم مقتل الأئمة: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، ولا غيرهم مأتمًا، ولا صاموا يوم عاشوراء شكرًا لله تعالى على نجاة نبيه وكليمه موسى ــ عليه السلام ــ إلا لأنَّ نبيَّهم صلى الله عليه وسلم شَرَع لهم صيامه شكرًا لله، ولو لم يَشرعه لَمَا صاموه.

وإنَّما جاءتنا هذه العادات المخالفة للشريعة عن  أهل الكُفر بجميع مللهم، وعن أهل الضلال والانحراف مِن الباطنية والنُّصيرية والرافضة وغلاة الصوفية وأضرابهم، فهم مَن جَرَت عادتهم على إقامة الاحتفالات والمآتم بِحُلول الحوادث، ووقائع الأيام، وتَغَيُّرات الأحوال.

عباد الله:

لقد ضَلَّ في التعامل مع يوم عاشوراء طائفتان:

الطائفة الأولى: الذين جعلوا يوم عاشوراء يوم مولدٍ وفرَحٍ وتوسعة على الناس والعِيال بالأطعمة والمال والحلويات والألبسة، وكأنَّه يوم عيد، كما هو فِعْل أعداد مِن الصوفية، ومَن قلَّدهم مِن جهلة أهل السُّنَّة.

ولا ريب في حُرمة هذا الفعل، وأنَّه بدعة قبيحة وضلالة، وتشبه بأهل الكفر كاليهود، إذ لم يثبت مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، وعُرِف عن اليهود، وقد صحَّ عن أبي موسى الأشعري ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَصُومُوهُ أَنْتُمْ» )).

وأهل خيبر كانوا حينها يهودًا.

وقد ذكر أهل العلم بالحديث النَّبوي الشريف: أنَّه لا يصح حديث في التوسعة على العيال في يوم عاشوراء.

الطائفة الثانية: وهُم الذين جعلوا يوم عاشوراء يوم حُزْن وضَرْب على الصُّدور والظهور والجِباه، فأسالوا الدماء، وأضحكوا عليهم العقلاء، بل وجعلوه يوم شِرك وكُفر بالله، وغلو في آل بيت النُّبوة، يَدْعونهم مع الله، ويَذبحون لهم، ويَنذرون، ويَصفونهم بما لا يُوصَف بِه إلا الله وحده، وهؤلاء هم الشِّيعة الرافضة.

والواجب أنْ نكون وسطًا على الصراط المستقيم، فلا نَخُصّ يوم عاشوراء إلا بالصيام، متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، واهتداء بِسنَّته.

هذا وأسأل الله أنْ يُجنِّبنا الشِّرك والبِدع، وأنْ يشرح صدورنا بالسُّنة والاتباع، اللهم يسِّر لنا ولأهلينا صيام يوم عاشوراء، وتقبَّله مِنَّا يا ربَّ العالمين، اللهم أعذنا وجميع المسلمين مِن الفتن ما ظهر مِنها وما بطن، اللهم، اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين وعمَّالَهم وجُندَهم إلى نُصرة التوحيد والسُّنة، وإعزاز المسلمين، وحفظ البلاد وحمايتها، وكبْح أهل الشَّر والفساد والإجرام، اللهم أكرمنا برضوانك والجنَّة، واغفر لموتانا، وجميع موتى المسلمين، إنك سميع الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.