إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة بعنوان: ” هكذا دمرت المظاهرات بلاد المسلمين وأحرقت وأفقرت وشردت أهلها “. ملف [word] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” هكذا دمرت المظاهرات بلاد المسلمين وأحرقت وأفقرت وشردت أهلها “. ملف [word] مع نسخة الموقع.

  • 10 نوفمبر 2016
  • 12٬894
  • إدارة الموقع

هكذا دمرت المظاهرات بلاد المسلمين وأحرقت وأفقرت وشردت أهلها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

هكذا دمَّرَت المظاهرات بلاد المسلمين وأحرَقت وأفقرَت وشرَّدَت أهلها

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الصادقِ وعدُه بنصرِ مَن نصَرَه، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، بيَّن للناسِ ما يُصلِحُ دِينَهم ودُنياهُم، ويُعِزُّهُم دُنيًا وآخِرَة، اللهمَّ فصلِّ وسلِّم عليه، وعلى آلِه الأخيار، وصحابتِه الأبرار.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:

فاتقوا اللهَ ــ جلَّ وعلا ــ بلُزومِ شرعِه، والعملِ بأحكامِه، يَحِقُّ لكم رضوانُه، وتسلَموا مِن شُرورِ الدُّنيا والآخِرة، وإيَّاكُم ومعصيتَهُ والعدولَ عن حُكمِه وشرعِه، فإنَّما هلاكُ الدُّنيا والآخِرةِ عِصيانُه في أمْرِهِ ونهيِه، وقد قال سبحانه آمرًا لكُم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.

أيَّها الناس:

إنَّكم اليومَ لتَسمعونَ وترونَ وتُعايشونَ واقعًا مُرًّا أليمًا، وحالًا بئِيسًا نَكِدًا، ومظهرًا مُرعِبًا مُكدِّرًا، ووضعًا حرِجًا عسيرًا، يَجتاحُ بعضَ بلادَ المسلمين، حيثُ اجتاحَتْها أمواجٌ عاتيةٌ مِن الفتن، فتنٌ تَحرِقُ الدِّين، وفتنٌ تَحرِقُ العقل، وفتنٌ تَحرِقُ البَدن، وفتنٌ أشعلَت الحُروب، وزادَت الكُروب، واجتالَت الأنفسَ والثمرات، وملأت المُستشفياتِ والبيوتَ بالمصابينَ وأهلِ العاهات، وأذهبَت الأموالَ والمُمتلكات، وأحرَقَت المُدُنَ والقُرى والأرياف، ودمَّرت البيوتَ والمراكبَ والمساجد، وأتلَفَت الزُّروع والثمار، وأفزَعَت الرِّجال والنساء، والصِّغارَ والكبار، والحاضِرَ والمُسافِرَ والبَاد، والغنيَّ والفقير، والصالحَ والفاسِد، فتنٌ قسَمَت الدولةَ الواحدةَ إلى دُويلات، وأجَّجَت بينَ سُكانِها العداوات، فتنٌ أزالَت الأمْنَ والاستقرار، وأدخلَت الرُّعبَ والخوف، وأضعَفت الجُندَ والجيوشَ حُماةَ الأوطان، وكثَّرَت الأراملَ والأيتام، فتنٌ أضعَفت الاقتصاد، وأهدرَت الثرَوات، وزادَت الفقرَ وجوعَ الناس، ووسَّعَت البطالةَ والحاجَة، وقلَّلَت الوظائفَ والأعمال، وأيقظَت أهلَ الإفسادِ والإجرامِ والإرهابِ، فزَادت السِّرقات والاعتداءات، وانتشَرَ القتلُ والاقتتال.

أتدرونَ ــ يا عبادَ اللهِ ــ لِمَا أصابِنا ذلك، وما سببُ ما نحنُ فيه، ولماذا حَلَّ بِنَا؟ إنَّه بسببِ: كثرةِ ذُنوبِنا مِن شركياتٍ وبدعٍ ومعاصي، حيثُ قال الله سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }، وقال تعالى: { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }، وبسببِ: مُخالفةِ شرعِ اللهِ ودِينِه البيِّنِ الواضحِ القويمِ في التعاملِ مع الحُكَّامِ إذا حصلَ مِنهم ظلمٌ وجَورٌ واستئثارٌ بأموالِ ومناصِب الدُّنيا، ووقعوا في تقصيرٍ جهةَ البلد، وظهرَت أمورٌ تُخالِف شريعةَ الإسلام.

حيثُ أمرَت شريعةُ اللهِ المُصلِحةُ للعبادِ والبلادِ: بالصَّبرِ على جورِهم وظُلمِهم واستئثارِهم، وبالسَّمعِ والطاعةِ لهُم في غيرِ معصيةِ الله، وأنْ تكونَ نصيحَتُنا لهُم سِرًّا لا علانية، ولا في غَيبَتِهم، ونَهَت عن نَزْعِ اليدِ مِن طاعتِهم وبيعَتِهم، وحرَّمَت الخروجَ عليهم بقولٍ أو فعل، بسلاحٍ أو بدونِ سلاح، وزَجَرَت عن سَبِّهم وتحريضِ الناسِ وتأليبِهم عليهم، ومَنعَت إهانتَهم بالقولِ أو الفِعل.

لأنَّ هذا السَّبيلَ الذي جاءَنا مِن عندِ اللهِ في التعامُلِ معهم: يُقلِّلُ الفتنَ والشُّرورَ عن الناسِ وبلادِهم، ويُضعِفُ المفاسدَ والمصائب، ويَدفعُ الأضرارَ والغوائِل، ويُقوِّي اللُّحْمَةَ وتماسُكَ البلاد، ويُخفِّفُ الفُرْقةَ والتناحُر، ويُبقِي على الأُلفَةَ والتآلفِ والائتلاف، ويكثِّرُ المصالحَ والخيرات، ويزيدُ في الأمْنِ والرَّخاءِ والاقتصاد، ويحفظُ الدِّينَ والدُّنيا والنفوسَ والأعراضَ والأموال، ويُوهِنُ كيدَ ومَكرَ وخُططَ الأعداءِ وأعوانِهم وأذنابِهم، وكيفَ لا يكونُ كذلكَ، وهو حُكمُ اللهِ وشرعُهُ بينَ الرَّعِيةِ وحاكمِهم، واللهُ سبحانه هوَ خالقُ المحكومينَ وحُكَّامِهم، وأعلمُ بما يُصلحُ دِينَهم ودُنياهُم، فشَرَعَ لهُم هذه الطريقَة، وأكرمَهم بهذهِ المُعاملَة، وفرَّجَ عنهم بهذا العلاجَ الفعَّالِ السريعِ الأكيد.

ولكنْ ــ وا أسَفَاهُ وَوَا ندَمَاهُ ــ: لقد أبَتْ وتَنكَّبَت جُموعٌ غفيرةٌ، وأعدادٌ هائلةٌ مِن شبابِ أُمَّتِنا وشابَّاتِها، أنْ تنقادَ لِحُكم اللهِ هذا، وتعملَ بِه، إمَّا جهلًا بِه، أو اتِّباعًا لِهوِى النفوس، أو اعتِدادًا بآراءِ العقول، أو طَمَعًا في مناصبِ الدُّنيا وجَاهِها ومالِها، أو حُبًّا في الشُّهرةِ والتصدُّر، أو تضليلًا مِن قِبلِ دُعاةِ ووعاظِ ورُموزِ جماعاتٍ دِينيةٍ سياسيةٍ أو أحزابٍ لِبرالية وعلمانيةٍ وتغريبيةٍ تُريدُ الوصولَ للحُكمِ والسُّلطةِ عن طريقِهم، أو تقليدًا لأهلِ الكفرِ في بلادِ الغربِ والشرق، أو انخداعًا بالمُحلِّلينَ السياسينَ وأقوالِهم عبْرَ أجهزةِ الإعلامِ وصُحفِها وقنواتِها الفضائيةِ وبرامِجِها التواصُليَّة.

أبَوا ــ أصلحَهمُ اللهُ وسدَّدهُم ــ: أنْ يُعالِجوا ما يَحصلُ مِن حُكامِهم إلا بطريقِ المَظاهراتِ والمَسيراتِ والاحتجَاجاتِ والاعتصامَات.

فجَرَّهُم هذا التعامُلُ، وآلَت بِهِم هذهِ الطريقةُ: إلى المواجهةِ مع حُكامِهم، والثورةِ عليهم، والسِّعي في إزالَتِهم.

جاءتْهُم فتاوى أكابرُ أهلِ العلمِ مِن أئمةِ أهلِ السُّنةِ الراسخينَ، كابنِ بازٍ والألبانيِّ والعُثيمين والفَوزانِ والوادِعيِّ والعَبَّادِ والمَدخَليِّ والنَّجمِيِّ والجامِيِّ والجابِريِّ وآلِ الشيخِ والغُدَيَّان والغُصُون واللُّحَيدَان والسُّبَيِّلِ: بأنَّ هذهِ المظاهراتِ وتوابعَها لا تجوزُ شرعًا، وأنَّها سَتجُرُّ على العِبادِ والبلادِ شُرورًا أكبر، ومفاسدَ أعظم، وفقرًا أشَد، ومصائبَ أكثر، وسَتجلِبُ الحُروب، وتُزيلُ الأمْن، وبيَّنوا لهُم أدلَّةَ ذلك مِن القرآنِ والسُّنةِ النَّبويةِ وأقوالِ الصحابةِ وكُتبِ اعتقادِ السَّلفِ الصالح، وأكدُّوهُ لهُم بِذِكرِ صُورِ التاريخِ البعيدةِ والقريبةِ والعديدةِ بآثارِ الثوراتِ على الحُكام، وأنها مُرَّةٌ وأليمةٌ وبَئيسةٌ وفظيعة، لعلَّهم يَتعِظونَ ويَعتبِرونَ، فيَرجِعوا عن ذلك، ولا يَقرُبوا مِن أهلِه ودُعاتِه، ولكن لا فائدةَ في القوم، ولا جَدوَى مِنهم، إنْ نصَحتَ فكأنَّما تُشاهدُ عقولًا قد سُلِبت، وفِطرًا قد مُسِخَت، ونفوسًا قد تَحجَّرَت، وأفهامًا قد لُوِّثَت، حيثُ سَلبَتْها ومسخَتْها وحجَّرَتْها ولوثَتْها وجَرفَتْها وأعمَتْها قنواتٌ إعلاميةٌ عديدة، وأحزابٌ وجماعاتٌ مُختلِفة، ورُموزٌ ودُعاةٌ ومُفكِّرونَ مُضِلُّون، ومُحلِّلونَ سياسيونَ وعسكريونَ واقتصاديونَ وإعلاميونَ ماكرون، حتى خرجوا عن نصوصِ وحُكمِ شرعِ ربِّ العالمين، ولم يَقبلوا نُصحَ أئمةِ أهلِ العلمِ والدِّين الأثباتِ الراسِخين السُنِّيين، واستساغُوا واتَّبعوا مُخططاتِ ومَكرِ وكيدِ أعداءِ الأُمَّةِ والدِّين، وطلابِ الحُكمِ والرِّئاسة.

 وها هوَ الإمامُ الكبيرُ ابنُ تيميَّةَ الدِّمشقِيُّ ــ رحمه الله ــ قد استقرأَ وسَبَرَ لَنا تاريخَ الثورات على الحُكامِ وشُرورَها، فقال: «وقلَّ مَن خرجَ على إمامٍ ذِي سلطانٍ إلا كانَ ما تَوَلَّدَ على فِعلِه مِن الشَّرِ أعظمَ مِمَّا تولَّدَ مِن الخيرِ، ولعلَّهُ لا يَكادُ يُعرَفُ طائفةً خرَجَت على ذي سلطانٍ إلا وكانَ في خُروجِها مِن الفسادِ ما هو أعظمُ مِن الفسادِ الذي أزَالَتْه».

فيَا مَن دعوتُم إلى المظاهراتِ والمَسيراتِ والاعتصاماتِ والاحتجاجاتِ حتى قامت بسبِبها الثوراتُ والحروبُ المهلكةُ المُفزعة، والفتنُ والمطاحنُ العِظام، والنَّكَباتُ والبلايا الشِّداد، والمِحَنُ والرَّزايا الغِلاظ، والخُطوبُ والكُروبُ الكِبار، والضَّعفُ والهوانُ المُزْرِي، والفقرُ والفاقةُ البَئِيسَة، والتَّفرُّقُ والانقسامُ الشَّنيع، والتشرُّدُ والنُّزوحُ إلى بلادِ الغير، والفسادُ العريضُ للدِّين والدُّنيا والعِبادِ والبلاد: لا تنسوا السؤالَ يومَ القيامةِ والوِزْرَ الكبيرَ والإثمَ الشديدَ بسببِ ما أُرِيقَ مِن دِماء، وسُلِبَ ونُهِبَ وأُتلِفَ ودُمِّرَ وأُحرِقَ مِن أموالٍ وأبنيةٍ ومراكب ومُمتلكاتٍ عامَّةِ وخاصة، وحصلَ مِن فسادٍ عريضٍ وفتنٍ وشُرورٍ وآلامٍ وكُروبٍ، لأنَّ دعوتَكُم وتحريضَكُم هي سببُ وجودِها وحصولِها أو كثرَتِها، ولو لم تُشعِلوا قلوبَ الناسِ إليها لكانوا مع البلاد في سلامَةٍ مِن شُرورِها وعافيَة.

ويا مَن تحمَّستُم مع هذهِ الدعواتِ، وهؤلاءِ الدُّعاةِ إلى المظاهراتِ، فتظاهرتُم واعتصمتُم حتى اشتعلَت المواجهاتُ والثوراتُ بينَ الحاكمَ والناس: كيفَ يَطيبُ لكُم عيشٌ ومُظاهراتُكم قد آلَت إلى سَفكِ دماءِ نفوسٍ بمئاتِ الآلاف؟ وتسبَّبت في ترميلِ نساءٍ وتيتيمِ أطفالٍ كُثرٍ جدًا؟ وأدخلَت الحُزنَ والكرْبَ والمُصابَ على بيوتٍ كثيرةٍ جدًّا، فُجِعَت بقتلِ أو جَرحِ عزيزِها ومَن يَرعاهَا ويُنفقُ عليها؟ كيفَ ستَنسَونَ أنَّ مُظاهراتِكُم قد دمَّرَت البلاد، وأوجعَت العِباد، وأضعَفت الاقتصاد، وأذهبَت الأمن؟

هذا، وأسألُ اللهَ أنْ يجعلَنا مِن المُتَّعِظِينَ المُعتبِرين، إنَّ ربِّي لسميعُ الدُّعاء.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ المَحمودِ على كلِّ حال، الكبيرِ المُتَعال، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ محمدٍ عظيمِ الخِصَال، ثُمَّ الرِّضوانُ على الأصحابِ له والآل.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:

فإنَّ  أكثرَ الأمورِ استخدامًا لِتأجِيجِ الناسٍ على حُكامِهم بالمُظاهراتِ والاعتصاماتِ والعِصياناتِ هيَ هذهِ الثلاثة:

الأمرُ الأوَّل: الاقتصاد، أي: حُطام الدُّنيا الزائِل، حيثُ يَرونَ الاستئثارَ بالمال، ويُشاهدونَ زيادةَ الفقر، وكثرةً في العاطلِينَ عن العمل، مع وجُودِ خيراتٍ عديدةٍ في البلاد.

الأمرُ الثاني: الضَّعف أو التقصير في الخدماتِ العامَّة، في الصِّحة، والتعليمِ، والطُّرقِ، والمُواصلاتِ، وغيرِها.

الأمرُ الثالث: وقوع جهاتٍ في الدَّولةِ في شيء مِن المظالمِ والتقصيرِ والتَّجاوُزِ والإهمال.

وهذا الاستئثارُ والتقصيرُ والظلمُ لا يُمكنِ تَغطِيتُه، ولا يَسعُ أحدًا حَجَبَ أعيُنِ الناسِ عنه، ولكنَّ الشريعةَ الإسلاميةِ الرحيمةِ ــ وهذا هو الأهَمُ ــ لم تَتركِ الناسَ هملًا مع هذا الواقع، بل بيَّنَت لهُم بوضوحٍ تامٍّ أنَّه سيَحصلُ مِن بعض الحُكَّامِ أو نُوابِهِم أوعُمَّالِهم شيءٌ مِن ذلك، وبيَّنَت لهُم مع ذلكَ كيفَ يُعالِجونَه، ويتعاملونَ معَ حُكَّامِهم حينَ وجودِه، وأوجَبَت عليهِم لُزومَ العلاجِ الذي جاءت بَه، فصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِى أَثَرَةٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ ))، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ، فقال حذيفة ــ رضي الله عنه ــ: قُلْتُ؟ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ))، وصحَّ أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ ــ رضي الله عنه ــ قال: (( أَطِعِ الإِمَامَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، إِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ أَمَرَكَ بِأَمْرٍ فَاصْبِرْ، وَإِنْ حَرَمَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ ظَلَمَكَ فَاصْبِرْ ))، وصحَّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ))، وثبتَ عن أنسٍ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( نَهَانَا كُبْرَاؤُنا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا لَنَا: لَا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكُمْ، وَلَا تَغْشَوْهُمْ، وَلَا تَعْصُوهُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاصْبِرُوا، فَإِنَّ الْأَمْرَ قَرِيبٌ )).

فالعلاجُ والحَلُّ في شريعةِ اللهِ القويمةِ، هوَ: أداءُ الناسِ الحُقوقَ التي أوجبَها اللهُ عليهِم جِهةَ الحاكِم، مِن السَّمعِ والطاعةِ له في غيرِ معصيةِ الله، وترْكِ الخروجِ عليه، وعدمِ نَزْع اليدِ مِن طاعتِه وبيعَتِه، وأنْ لا نَسُبَّهُ أو نُحرِّضَ عليه، وسؤالِ اللهِ الكريمِ حقوقَنا التي وجَبَت على الحاكمِ جِهتَنا، والصَّبرِ على ظلمِه وجُورِه واستئثارِه علينا، وحِرمَانِه لَنا، ومَن عمِلَ بهذا التشريعِ الإلاهيِّ العظيم، ولَزِمَ علاجَ هذهِ الشريعةِ السَّديد، فالفرَجُ قريب، والإصلاحُ سريع، والتَّحسُّنُ أكيد، ومَن تَنكَّبَ عنه، واستبدَلهُ بغيرِهِ زادَ في الفتن، وأكثرَ الشَّرَ، وأضرَّ بالعبادِ والبلاد، والدِّينِ والدُّنيا، وأطالَ في أمَدِ حُصولِ التفريج، لأنَّ مَن رَكَنَ إلى علاجِ شريعةِ ربِّه، وعمِلَ به، ليسَ كمَن رَكَنَ إلى حُلولِ نفسِه، فكيف بمَن رَكَنَ إلى العلاجِ بما حرَّمَهُ عليه ربُّه، وبما جاء به الكفار، هذا ضَرَرُهُ أكبر، والشَّر بسبَبِهِ أكثر، وقد قال الله ُسبحانه: { وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا }، وقال تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.

هذا، وأسألُ اللهَ: أنْ يَحقِنَ دماءَ المسلمينَ في كلِّ مكان، وأنْ يُجنِّبَهم القتلَ والاقتتال، ويُزيلَ عنهم الخوفَ والجوعَ والدَّمارَ والتشريدَ في الأرض، اللهمَّ أعذْنا وإيَّاهُم مِن الشُّرورِ والفتنِ وتآمُرِ الأعداءِ ومكْرِهم، اللهمَّ وفِّق حُكامَ المسلمين لِما يُرضِيك، واجعلهُم عاملينَ بشريعتِك، مُعظِّمينَ لَها، مُدافِعينَ عنها، ناصرينَ لأهلِها، وأزِل بِهمُ الشِّركَ والبدعَ والآثامَ والظلمَ والعُدوانَ والفسادَ والفجورَ والإرهابَ والتغريبَ والإلحادَ والحاجَةَ والفقر، اللهمَّ احفظ رجالَ أمْنِ البلادِ في سائرِ القطاعاتِ والجهاتِ بالإسلامِ قائمينَ وقاعدينَ وراقدينَ، إنَّكَ سميعٌ مُجِيب، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُم.