الأحكام الشرعية التي يُحتاج إليها وقت نُزول الأمطار
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــ
الحمد لله المُنعِمِ بالخيرات، المُفيضِ لعظيم البركات، السابغةِ نِعمُه على جميع المخلوقات، أحمدُه على نِعَمٍ لا تُعَدّ، وأشكره على تفضُّلات لا تُحَدّ، وأشهد أنْ لا إله إلا الله الأحَد الصَّمد، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله المُتحلِّيِّ بأفضل الخِلال، والهادي إلى طيِّب الأقوال والأعمال، وعلى الصَّحب والآل، ما تعاقبت الأيَّام والليال.
أمَّا بعد، أيُّها المسلمون:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ــ جلَّ وعزَّ ــ، بِشُكر نِعَمِه، والتفقهِ في أحكام شريعته، والعملِ بما يُقربكم مِن جنَّته، ويُباعدكم عن ناره، فقد قال سبحانه مبشِّرًا لكم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ }.
أيُّها المسلمون:
إنَّ الأمطار ونزولَها على الأرض وما فيها مِن مخلوقات لَمِن أجلِّ نِعم الله، وأعظمِ ما وهَب، فبالماء الذي نزَّله الله مِن السماء أحيا كلَّ شيء، فقال سبحانه: { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ }، وقال ــ عزَّ وجلَّ ــ مُمتنًّا: { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا }، وقال تعالى مُتفضِّلًا: { وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ }.
أيُّها المسلمون:
إنَّنا نعيش أيامًا نَنْعَم فيها بنزول الأمطار، وإنَّ الأحكام المتعلِّقةَ بنزول المطرِ عديدة، وتدخل في أبوابٍ عدَّة مِن الدِّين والشريعة.
فَمِن أحكامِه المتعلقة بباب العقيدة: أنَّ الله هو المتفضِّل على عباده بالمطر، رحمةً مِنه لهم، وجُودًا به عليهم، وإحسانًا إليهم، لدفعِ حاجتهم، وسدِّ ضروراتهم، وإصلاحِ معيشتهم، ونِسبَتُه إليه وحدَه إيمانٌ، ونِسبتُه إلى غيره كالنجوم والكواكب كُفرٌ، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( قَالَ اللَّهُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا، فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي ))، ونِسبته إلى غيره سبحانه مِن عقائد أهل الكُفر والجاهلية الأولى، حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ ــ وذَكَر منها ــ: الْاسْتِسْقَاء بِالنُّجُومِ ))، أي: اعتقادُ نزول المطر بسبب سقوط نجمٍ في جهة، وطلوع آخَر في الجهة التي تُقابله، ولا ريب أنَّ النجوم لا علاقة لها بنزول الأمطار، لا في اجتماعها ولا افتراقها، ولا في طلوعها ولا غروبها؛ ولا في سقوطها، بل هي سائرة كما أمرها الله، وكما سيَّرها، ولِـمَا سيَّرها.
ومِن أحكامِه المتعلقة بباب العقيدة أيضًا: أنَّ العلم بوقت نزول المطر إلى الأرض خاصٌّ بالله وحدَه؛ فلا يعلمه أحد، لا مِن الأنبياء، ولا مِن الصالحين، ولا مِن أهل الفَلِك، ولا مِن أهل الأرصاد، ولا مِن الكُهَّان والمنجِّمين والسَّحرة، ولا مِن غيرهم؛ لِما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَفَاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ ــ وذَكر منها ــ: وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي المَطَرُ أَحَدٌ إِلَّا اللهُ ))، ويُخالِفُ هذا الحديثَ النَّبويَّ، ويَضلُّ في هذا الأمْر، فريقان:
الأوَّل: أعدادٌ مِن الصوفية، حيث يزعمون أنَّ بعض الأولياء والصالحين يعلمون وقت نزول المطر.
والثاني: بعض أهلِ الأرصاد، حيث نسمع مِنهم أو نقرأ لهم الجزمَ بنزول المطر في وقت كذا.
وهذا الحديث يُبطل ما هُم عليه، لأنَّه خصَّ علم ذلك بالله وحده، وقد قال القاضي ابنُ الطيِّبِ المالكي ــ رحمه الله ــ: ومَن قال: “غدًا يَنزل الغيث”، ضُرب، وسُجن، واستُتيب مِن ذلك، على هذا نصَّ أهل العلم مِن أهل السُّنَّة والجماعة.اهـ
ومِن أحكامِه المتعلقة بباب الطهارة: أنَّ ماءَ المطر طاهرٌ في نفسه، ومُطهِّرٌ لغيرة، فهو يَرفع الحدَث الأصغر والأكبر، ويُطهِّرُ الأبدانَ والثياب وأماكنَ الصلاة مِن النجاسة والقذَر، حيث قال الله سبحانه مُمتنًّا على عباده: { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ }، وقال تعالى: { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا }.
ومِن أحكامِه المتعلقة بباب الأذان: أنَّه يُشرَع للمؤذن وقت نزول المطر أنْ يقول في أذانه: «الصَّلاةُ فِي الرِّحَال» أو «صَلُّوا فِي رِحَالِكُم»؛ لثبوت ذلك في عدِّة أحاديث، وقد صحَّ عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ: (( أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ المُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ فِي السَّفَرِ، أَنْ يَقُولَ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ ))، أي: صلُّوا في أماكنكم التي أنتم فيها مِن بيوتٍ وغيرها، ومَحلّ قَول «صَلُّوا فِي رِحَالِكُم» بعد آخِر كلمةٍ مِن الأذان، لِمَا صحَّ في حديث ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه: (( قَالَ فِي آخِرِ نِدَائِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ))، أو يقوله بعد الانتهاء مِن قول: “حيَّ على الفلاح”، لِمَا صحَّ عن رجُل مِن ثقيف: (( أَنَّهُ سَمِعَ مُنَادِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ )).
ومِن أحكامِه المتعلقة بباب الصلاة: سقوط وجوبِ شُهود صلاةِ الجمعة والجماعة عن المأمومين وقت نزول المطر الذي يَبُلُّ الثياب، ويُتأذَّى به، وهو قول أكثر الفقهاء، وإنْ حضروا فهو أعظم في الأجْر، لِمَا صحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال لِمؤذنه في يوم جمعة مَطير: (( إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلاَ تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ، فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي ــ يَعْنِي: النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ــ ))، وصحَّ عن جابر ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَمُطِرْنَا، فَقَالَ: لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فِي رَحْلِهِ ))، وأمَّا الإمام فإنَّه يَحضُر ويُصلِّي الجمعةَ والجماعةَ بمَن حضَر مِن الناس، لحديث ابن عباس السابق، وغيره، ولِمَا صحَّ عن أبي سعيدٍ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ السَّقْفُ، وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ، فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي المَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ )).
ومِن أحكامِه المتعلقة بباب الصلاة أيضًا: أنَّه يُباح للإمام أنْ يَجمَع العشاءَ مع المغرب في الليلة المَطيرة، وهو قول أكثر الفقهاء، لثبوته عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حيث صحَّ: (( أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ، فَيُصَلِّي مَعَهُمُ ابْنُ عُمَرَ، لَا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ))، وأمَّا جَمْع الإمام العصر مع الظهر بسبب المطر فأكثر الفقهاء يقولون: لا يجوز، لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، ولا عن التابعين، مع كثرة الأمطار في زمانهم، وذهب الشافعيُّ وجماعةٌ إلى جوازه، وأيضًا لا يجوز جمْعُ العصر مع الجمعة، لا في مطر، ولا سفر، ولا غير ذلك، لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، والتابعين.
وهنا تنبيهان:
الأوَّل: أنَّ بعض الأئمة يَجمعون لِمجرد نزول المطر، حتى ولو كان قليلًا، لا تقع مِنه مشقةٌ على الناس، لا في أبدانهم، ولا ثيابهم، ولا يتأذَّون به، وهذا لا يجوز، وعلى مِن فعَله إعادة الصلاة الثانية في وقتها، وقد نصَّ الفقهاء على أنَّه لا بُدَّ لِجواز الجمع مِن أنْ يَبُلَّ المطرُ الثياب، وتَلحقَ المشقَّةُ بالخروج فيه.
والثاني: أنَّ الجمْعَ بين الصلاتين بسبب المطر إنَّما أُبِيح لأجْل دفع المشقَّة الحاصلة على أبدان الناس وثيابهم إذا خرجوا إلى المسجد في وقت الصلاة الثانية، وعليه فلا يَجوز أنْ يَجمع: مَن كان في مكان لا يَخرج منه إلى المسجد، كالذي في البيت، أو خيمة في البَّر، أو سِجن، وأشباه ذلك، لأنَّه لا مشقَّة ولا أذى يَلحقه.
ومِن أحكامِه المتعلقة بباب الزكاة: أنَّ ما سُقِيَ مِن الحبوب والثمار بماء المطر فزكاتُه العُشر، لأنَّه لا كُلفة في سَقيه، وما سُقِيَ بكُلفةٍ ومشَقَّة فزكاته نصف العُشر، لِمَا صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ ))، والعُشر هو: عشرةٌ مِن المئة، ونِصف العشر: خمسةٌ مِن المئة.
ومِن أحكامه المتعلقة بباب الزكاة أيضًا: أنَّ منعَ النَّاسِ زكاةَ أموالهم مِن أسباب مَنْعِ المطر عنهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ))، وقد صحَّحه: الحاكم، والذهبي، وحسَّنه: الألباني.
بارك الله لكم فيما سمعتم، ونفعنا بِه، وزادنا فقهًا بديِنه، إنَّه سميع مجيب.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــ
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على محمدٍ النبيِّ الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أمَّا بعد، أيُّها المسلمون:
فلا يزال الحديث معَكم متواصلًا عن الأحكام الشرعية المتعلقة بنزول المطر، فأقول مستعينًا بالله ــ جلَّ وعزَّ ــ:
ومِن أحكامِه المتعلقة بباب الأذكار: أنَّه يُستحَبُّ للعبد أنْ يقول إذا رَأى المطرَ: «اللهم صيِّبًا نافعًا»، لِمَا صحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رَأى المطر قال: (( اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا ))، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه: (( كَانَ يَقُولُ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ: «رَحْمَةٌ» ))، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أيضًا أنَّه قال: (( قَالَ اللهُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ )).
ومِن أحكامِه المتعلقة بباب الأذكار أيضًا: أنَّه يُستحَبُّ أنْ يُقال عند سماع الرَّعد ما صحَّ عن ابن الزبير ــ رضي الله عنه ــ: (( أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ قَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ))، وثبت عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( مَنْ سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ مَنْ سبَّحْتَ لَهُ )).
ومِن أحكامِه المتعلقة بباب التَّيَمُّنِ: أنَّه يُستحب التَّيَمُّنَ بالمطر بكشفِ شيء مِن اللباس عن البَدن كالذراع أو الرأس أو غيرهما لِيصيبَه المطر، وتعريضَ شيء مِن الثياب له، لِمَا صحَّ عن أنس ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَطَرٌ، فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى ))، وصحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ: (( أَنَّهُ كَانَ إِذَا مَطَرَتِ السَّمَاءُ يَقُولُ: يَا جَارِيَةُ أَخْرِجِي سَرْجِي أَخْرِجِي ثِيَابِي، وَيَقُولُ: { وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا } )).
ومِن أحكامِه المتعلقة بباب الدعاء: أنَّه يجوز لخطيب الجمعة أنْ يدعوَ في الخطبة بنزول المطر إذا احتاج الناس، ويَرفع يديه في هذا الدعاء، ويَرفع الناس أيضًا أيديهم معه، ويؤمِّنوا على دعائه، لِمَا صحَّ: (( أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ المَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» ))، وفي لفظٍ صحيحٍ أيضًا: (( فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ )).
ومِن أحكامِه المتعلقة بباب الدعاء أيضًا: أنَّه نُقِلَ عن جماعةٍ مِن السَّلف الصالح الدعاءُ عند نزول المطر، فقال الإمام الشافعيُّ ــ رحمه الله ــ: «وَقَدْ حَفِظْت عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ طَلَبَ الْإِجَابَةِ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ»، وثبت عن عطاء ــ رحمه الله ــ وهو مِن تلامذة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( ثَلَاثُ خِلَالٍ تُفَتَّحُ فِيهِنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَاغْتَنِمُوا الدُّعَاءَ فِيهِنَّ: عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ، وَعِنْدَ الْتِقَاءِ الرَّجْفَيْنِ، وَعِنْدَ الْأَذَانِ ))، وقد ورَد في ذلك بعض الأحاديث النَّبوية، ولكن لا يَصحُّ مِنها شيء.
هذا وأسألُ الله لِي ولكم المغفرة والرَّحمة ودخولَ الجنة، اللهم أعنَّا على ذِكرك وشكرك وحُسن عبادتك، ربَّنا هب لنا مِن أزواجنا وذرياتنا قُرة أعين، واجعلنا للمتقين إمامًا، ربَّنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهَب لنا مِن لدُنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم إنا نعوذ بك مِن دعاءٍ لا يُسمع، وعلمِ لا يَنفع، وقلبٍ لا يَخشع، ونفسٍ لا تَشبع، اللهم إنا نعوذ بك مِن شرِّ هؤلاء الأربع، اللهم إنا نسألك عِيشةً سَوية، ومِيتتةً نقية، ومَردًّا غير مُخزٍ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمَّن سواك، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لِي ولكم، وقوموا إلى صلاتكم.