إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > تفقيه الأمة بالإجماع الوارد في جواز الاستسقاء بعد صلاة الفريضة

تفقيه الأمة بالإجماع الوارد في جواز الاستسقاء بعد صلاة الفريضة

  • 1 سبتمبر 2014
  • 1٬668
  • إدارة الموقع

تفقيه الأمة بالإجماع الوارد في جواز الاستسقاء بعد صلاة الفريضة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبد ورسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد، أيها الإخوة الفضلاء – سدَّدكم الله ورفع ذِكركم -:

فهذه إحدى صور الاستسقاء التي ذكرها أهل العلم والفقه في الدين – رحمهم الله – في كتبهم، وقد أحببتُ طرحها بين أيديكم لأمرين:

الأوَّل: الفائدة والمدارسة.

الثاني: الاستزادة مِن الفقه.

وليس لي في هذا الطرح إلا نَقل ما وقفت عليه مِن كلام لهم حولها، وأسأل الله لي ولكم النفع بها دنيا وأخرى، وأنْ يجعلنا مِمَّن إذا قرأ القول اتبع أحسنه، إنَّه سميع مجيب.

ودونكم – سلَّمكم الله – ما وقفت عليه مِن كلامهم، مع ذِكر لفظه، وقائله ومصدره:

أولًا: كلام الإمام ابن تيمية الحرَّاني – رحمه الله –.

إذ قال – رحمه الله – كما في “مجموع الفتاوى” (27/ 154):

وقد كانوا يستسقون على ثلاثة أوجه:

تارةً يدعون عقب الصلوات، وتارةً يخرجون إلى المُصلَّى فيدعون مِن غير صلاة، وتارةً يصلون ويدعون.

والوجهان الأوَّلان مشروعان باتفاق الأمة.

والوجه الثالث مشروع عند الجمهور كمالك والشافعي وأحمد، ولم يعرفه أبو حنيفة، وقد أمروا في الاستسقاء بأنْ يستسقوا بأهل الصلاح، لا سيما بأقارب النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل الصحابة. اهـ

 وقال أيضًا كما في “مجموع الفتاوى” (24/ 32):

ويجوِّزون الاستسقاء بالدعاء تبعًا للصلوات الراتبة، كخطبة الجمعة، ونحوها، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ

ثانيًا: كلام الإمام الشافعي – رحمه الله – وأصحابه.

قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي – رحمه الله – في كتابه “الأم” (1/ 412):

ويَستسقي الإمام بغير صلاة، مثل أنْ يَستسقي بصلاة وبعد خطبته وصلاته، وخلف صلاته، وقد رأيتُ مَن يُقيم مؤذنًا فيأمره بعد صلاة الصبح والمغرب أنْ يستسقي ويحضّ الناس على الدعاء فما كَرِهتُ ما  صنع مِن ذلك. اهـ

وقال فقيه الشافعية ومحدثهم أبو زكريا النووي – رحمه الله – في كتابه “المجموع” (5/ 68-69):

قال في “الأم” وأصحابنا: والاستسقاء أنواع:

أدناها: الدعاء بلا صلاة، ولا خلف صلاة فرادى ومجتمعين لذلك في مسجد أو غيره، وأحسنه ما كان مِن أهل الخير.

النوع الثاني: وهو أوسطها الدعاء خلف صلاة الجمعة أو غيرها مِن الصلوات، وفى خطبة الجمعة، ونحو ذلك.

قال الشافعي في”الأم”:

وقد رأيتُ مَن يقيم مؤذنًا فيأمره بعد صلاة الصبح والمغرب أنْ يَستسقى ويحضَّ الناس علي الدعاء فما كرهتُ ما صنع مِن ذلك.

النوع الثالث: أفضلها وهو الاستسقاء بصلاة ركعتين وخطبتين وتأهب لها قبل ذلك.

ويستوي في استحباب هذه الأنواع أهل القرى والأمصار والبوادي والمسافرون. اهـ

وقال في”شرح صحيح مسلم” (6/ 439 – عند حديث رقم:894):

قال أصحابنا الاستسقاء ثلاثة أنواع:

أحدها: الاستسقاء بالدعاء مِن غير صلاة.

الثاني: الاستسقاء في خطبة الجمعة أو في أثر صلاة مفروضة، وهو أفضل مِن النوع الذي قبله.

والثالث: وهو أكملها أن يكون بصلاة ركعتين وخطبتين. اهـ

ثالثـًا: كلام الحنابلة – رحمهم الله –.

 قال الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل” (1/ 243-244):

والاستسقاء على ثلاثة أضرب:

أحدها: مثل ما وصفنا.

والثاني: أنْ يستسقي الإمام يوم الجمعة على المنبر، كما روى أنس أنَّ رجلًا دخل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم، ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السُّبل، فادع الله يُغيثنا، فرفع رسول الله يديه فقال: (( اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا ))، وذكر الحديث متفق عليه.

الثالث: أنْ يدعو عقيب الصلوات. اهـ

وقال علاء الدين المرداوي الدمشقي الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “الإنصاف” (2/ 460):

قال القاضي وتبعه في “المغني” و “الشرح”: والاستسقاء ثلاثة أضرب:

أحدها: الخروج والصلاة كما وصفنا.

الثاني: استسقاء الإمام يوم الجمعة على المنبر.

الثالث: أنْ يدعو الله عقيب صلواتهم، وفي خلواتهم.

قال في “المستوعب” وغيره: الاستسقاء على ثلاثة أضرب:

أكملها الاستسقاء على ما وصفنا.

الثاني: بل الأولى في الاستحباب وهو أنْ يستسقوا عقيب صلواتهم، وفي خطبة الجمعة، فإذا فرغ صلَّى الجمعة،.

الثالث: وهو أقربها أن يخرج ويدعو بغير صلاة. اهـ

رابعًا: كلام المالكية – رحمهم الله –.

 جاء في كتاب “التاج والإكليل لشرح مختصر خليل” (2/ 310):

وكذا قوله أيضًا في سماع أَشهب: “لا بأس بالاستسقاء بعد المغرب والصبح”، إنَّما يريد بِه الدعاء لا البروز إلى المصلَّى، لأنَّ السُّنة في ذلك لا تكون إلا في الضُّحى. اهـ

وقال التتائي – رحمه الله – في “تنوير المقالة” (1/ 539):

ففي “العتبية”: لا بأس بالاستسقاء بعد المغرب وبعد الصبح، وقد فُعِل عندنا، وليس مِن الأمر القديم، وحَمَله ابن رُشد على الدعاء لا البروز إلى المصلَّى؛ لأنَّ السُّنة في ذلك أنْ لا يكون إلا في الصحراء، يعني: وليس هذا الوقت وقت خروج. اهـ

وقال ابن بطال المالكي – رحمه الله – في “شرح صحيح البخاري” (3/ 8):

 وفيه أنَّ الخروج إلى الاستسقاء والاجتماع والبروز لا يكون إلا بإذن الإمام، وهذه سُنن الأمم السالفة، قال الله تعالى: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ }.

وأمَّا الدعاء في أعقاب الصلوات في الاستسقاء فجائز بغير إذن الإمام. اهـ

خامسًا: كلام الحنفية – رحمهم الله –.

 قال ابن الهُمام الحنفي – رحمه الله – في “شرح فتح القدير” (2/ 91):

لذا قال شيخ الإسلام فيه دليلٌ على الجواز، عندنا يجوز لو صلُّوا بجماعة لكن ليس بسُنَّة، وبِه أيضًا يبطل قول ابن العز: الذين قالوا بمشروعية صلاة الاستسقاء لم يقولوا بتعينها، بل هي على ثلاثة أوجه:

تارةً يدعون عقيب الصلوات، وتارةً يخرجون إلى المصلَّى فيدعون مِن غير صلاة، وتارةً يصلون جماعة ويدعون، وأبو حنيفة لم يبلغه الوجه الثالث، فلم يقل بِه، والعجب أنَّه قاله بعد نقله قول المصنف، قلنا: فعله مرَّة وتركه أخرى، فلم يكن سُنَّة، وهو مصرِّح بعلمهم بفعله، وكذا قول غير المصنف: المروي فيه شاذ، فيما تعم بِه البلوى، وهو ظاهر جواب الرواية، فإنَّ عبارته في “الكافي” الذي هو جمع كلام محمد، قال: لا صلاة في الاستسقاء إنَّما فيه الدعاء.اهـ

سادسًا: كلام الظاهرية – رحمهم الله –.

قال ابن حزم الظاهري – رحمه الله – في كتابه “المحلى” (3/ 309 – مسألة رقم:554):

إنْ قَحِط الناس أو أشتد المطر حتى يُؤذي فليدع المسلمون في أدبار صلواتهم، وسجودهم، وعلى كلِّ حال، ويدعو الإمام في خطبة الجمعة، قال ــ عزَّ وجلَّ: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }.

وقال تعالى: { فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ }.

فإنْ أراد الإمام البروز في الاستسقاء خاصة لا فيما سواه فليخرج متبذلًا متواضعًا إلى موضع المصلَّى والناس معه، فيبدأ فيخطب بهم خطبة يُكثر فيها مِن الاستغفار، ويدعو الله ــ عزَّ وجلَّ ــ.اهـ

وجمعه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد