إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > البدع > مقال مختصر بعنوان: ” ست إشارات نافعة للمحتفلين بالمولد النبوي وغيره مِن الموالد “. ملف: [ pdf و word] مع نسخة الموقع.

مقال مختصر بعنوان: ” ست إشارات نافعة للمحتفلين بالمولد النبوي وغيره مِن الموالد “. ملف: [ pdf و word] مع نسخة الموقع.

  • 7 نوفمبر 2019
  • 4٬232
  • إدارة الموقع

ست إشارات نافعة للمحتفلين بالمولد النبوي وغيره من الموالد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ست إشارات نافعة للمحتفلين بالمولد النبوي وغيره من الموالد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

سِتُّ إشارات نافعة للمحتفلين بالمولد النَّبوي وغيره مِن الموالد

 

الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

وبعدُ، أيُّها الفاضل النَّبيه ــ جمَّلك الله بالتوحيد والسُّنة إلى الممات ــ:

فهذه إشارات نافعة لِمَن يحتفل بالمولد النَّبوي، وغيره مِن الموالد، أو يدعو للاحتفال بِها، أو يُعين عليها بمال أو مكان أو كلام، أو يُهوِّن مِن خطورتها على دِين العبد وإسلامه، وأسأل الله النفع بِها للكاتب والقارئ والناشر لها، إنَّ ربِّي سميعٌ مُجيب.

الإشارة الأولى:

قُل للمحتفل بالمولد النبوي وغيره مِن الموالد  ــ سدَّده الله وأرشده ــ:

قال الله ــ عزَّ وجلَّ ــ آمِرًا لك ولجميع عباده: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ }.

والله سبحانه قد أنزل علينا وإلينا القرآن والسُّنة النَّبوية، وتارك الاحتفال بالموالد والناهي عنها قد نظر فيهما فلم يجد ذِكرًا للاحتفال بالموالد، لا أمْرًا، ولا ترغيبًا، فاتَّبَع ما فيهما، ولم يتَّبِع ما قاله أو فعله بعض العِباد، فلم يكن مِن أهل هذه الاحتفالات، ولا أعان عليها، ولا إليها دعا.

وقد قال الفقيه الفاكهاني المالكي ــ رحمه الله ــ عن الاحتفال بالمولد النبوي في رسالته “المورد في عمل المولد” (ص:20): «لا أعلم لهذا المولد أصلًا في كتاب ولا سُّنَّة، ولا يُنقل عمله عن أحد مِن علماء الأمَّة الذين هم القُدوة في الدِّين، المتمسكون بآثار المتقدِّمين».اهـ

الإشارة الثانية:

قُل للمحتفل بالمولد النِّبوي وغيره مِن الموالد ــ سدَّده الله وأرشده ــ:

الاحتفال بالمولد النَّبوي وغيره مِن الموالد لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه، ولا مَن بعدهم مِن سَلف الأمَّة الصالح مِن أهل القرون الثلاثة الأولى المُفضَّلة، الذين هُم خير الناس، وأعلمهم بنصوص الشرع، وأشدهم عملًا بها، وأكثرهم متابعة لها.

وتارك الاحتفال بالموالد، والمانع لنفسه وأهله ومَن تحت يده مِن الاحتفال، قد تابعهم فلم يَحتفل، لأنَّهم لم يحتفلوا، ولا دعا إليه، ولا أعان عليه، لأنَّهم لم يفعلوا، فكان بِهم ألصق، وإليهم أقرب، مِن المحتفل.

وقد قال فقيه بلاد اليمن الشوكاني ــ رحمه الله ــ عن الاحتفال بالمولد النَّبوي في “فتاويه” (2/ 1087): «لم أجد إلى الآن دليلًا يدُل على ثبوته مِن كتاب، ولا سُنَّة، ولا إجماع، ولا قياس، ولا استدلال، بل أجمع المسلمون أنَّه لم يُوجد في عصر خير القرون، ولا الذين يلونهم، ولا الذين يلونهم».اهـ

وقال الفقيه الفاكهاني المالكي ــ رحمه الله  ــ في رسالته “المورد في عمل المولد” (ص:22): «ولا فَعَله الصحابة، ولا التابعون، ولا العلماء المُتديِّنون فيما علِمت».اهـ

وقال الفقيه عبد الله بن عقيل الحنبلي ــ رحمه الله ــ في “فتاويه” (2/ 289): «الاحتفال بالمولد ليس بمشروع، ولم يَفعله السَّلف الصالح ــ رضوان الله عليهم ــ مع قيام المُقتضِي له، وعدم المانع مِنه، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، فهم أحق بالخير، وأشدُّ محبَّة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأبلغ تعظيمًا، وهم الذين هاجروا معه، وتركوا أوطانهم، وأهليهم، وجاهدوا معه حتى قُتلوا دونه، وفَدَوه بأنفسهم وأموالهم  ــ رضي الله عنهم وأرضاهم ــ».اهـ

وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال عن أهل القرون الثلاثة الأولى: (( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ )).

فهنيئًا لِمَن اتَّبع وتابع هؤلاء القوم ــ الذين هُم خير الناس ــ: في ترْك الاحتفال بالموالد، ولم يُخالفهم فيتَّبِع ويُتابع غيرهم.

الإشارة الثالثة:

قُل للمحتفل بالمولد النَّبوي وغيره مِن الموالد ــ سدَّده الله وأرشده ــ:

تارك الاحتفال بالمولد النَّبوي وغيره مِن الموالد مُتشبِّه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وباقي سَلف الأمَّة الصالح، وأئمة المذاهب الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وعلماء زمانهم مِن أهل الفقه والحديث في ترْك الاحتفال بالمولد النَّبوي وغيره مِن الموالد.

والمحتفل بالموالد مُتشبِّه بأعداء الله، وأعداء دِينه ورسوله، وأعداء الصحابة مِن الشِّيعة الرافضة العُبيدية الباطنية الفاطمية الخوارج.

فقد نصَّ كثير مِن العلماء والمؤرِّخين مِن مُختلف العصور والمذاهب والبلدان على أنَّ:

«ملوك الدولة العُبيدية الشِّيعية الرافضية الباطنية الخوارج هُم أوَّل مَن أحدَث الاحتفال بالمولد النَّبوي، وغيره مِن الموالد”.

ومِمَّن ذَكر هذا وأشار إليه:

1 ــ مؤرخ مصر العلامة الفقيه تقي الدِّين المَقرِيزي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المواعظ والاعتبار بِذكر الخِطَط والآثار” (1/ 490).

2 ــ أديب عصر المماليك أبو العباس القلقشندي ــ رحمه الله ــ في كتابه “صُبح الأعشى في صناعة الإنشاء” (3/ 498-499).

3 ــ الشيخ علي محفوظ الأزهري ــ رحمه الله ــ في كتابه “الإبداع في مضار الابتداع” (ص:126).

4 ــ الأستاذ والكاتب المشهور علي فكري ــ رحمه الله ــ في كتابه “المحاضرات الفكرية” (ص:84).

بل قال الفقيه المطيعى الحنفي مُفتي الديار المصرية في وقته ــ رحمه الله ــ في كتابه “أحسن الكلام” (ص:44-45):

«مِمَّا أُحْدِث وكثُر السؤال عنه الموالد، فنقول: إنَّ أوَّل مَن أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأوَّلهم المُعِز لدِين الله، توجَّه مِن المغرب إلى مصر في شوال سَنة إحدى وستين وثلاث مئة، ودخل القاهرة لِسبع خَلون مِن شهر رمضان في تلك السَّنة، فابتدعوا سِتة موالد: المولد النبوي، ومولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومولد السيِّدة فاطمة الزَّهراء، ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد الخليفة الحاضر، وبقيت هذه الموالد على رُسومها إلى أنْ أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش».اهـ

وهؤلاء العُبيدية الباطنية الشِّيعة الراوافض الفاطمية الخوارج الذين أحدثوا الاحتفال بالمولد النَّبوي، وغيره مِن الموالد في بلاد المسلمين.

قد قال عنهم الحافظ المؤرخ الذهبي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “سير أعلام النُّبلاء” (15/ 141) إنَّهم: «قلبوا الإسلام، وأعلنوا الرفض، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية».اهـ

وقال عنهم فقيه المالكية القاضي عياض ــ رحمه الله ــ في كتابه “ترتيب المدارك وتقريب المسالك” (7/ 277): «أجمَع علماء القيروان: أنَّ حال بَني عُبيد حال المُرتدِّين والزَّنادقة، بما أظهروه مِن خلاف الشريعة، فلا يُورَثون بالإجماع، وحال الزَّنادقة بمِا أخفوه مِن التعطيل، فيُقتلون بالزندقة».اهـ

إذن فالمحتفل بالمولد النَّبوي وغيره مِن الموالد مُقتد ومُتشبِّه ــ شاء أمْ أبى ــ بالشيعة الرافضة الباطنية العُبيدية الخوارج، فهُم أوُّل مَن أحدَثه وفعله، وليس بمُقتد ولا مُتشبِّه بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بأصحابه، ولا بأحد مِن سَلف الأمَّة الصالح، ولا بأئمة المذاهب الأربعة.

أفيرضَى مسلم سُنِّيٌّ حريص على دِينه وآخِرته بعد معرفته لهذا:

أنْ يكون هؤلاء القوم المنحرِفون الضالون المُجرمون هم قُدوته وسَلفه في الاحتفال بالمولد النَّبوي، وغيره؟

وإنَّك والله لتعجب شديدًا وتستغرب كثيرًا حين تسمع بعض الناس يقول:

«نحن مِن أتباع الأئمَّة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل ــ رحمهم الله ــ».

وإذا بِك تراه في أمْر المولد النَّبوي، والموالد الأُخْرى:

لا يَتَّبِعهم ولا يُتابعهم فيترك الاحتفال بِها، مثلما تركوه ولم يفعلوه، بل يُتابع ويُقلِّد أعداءهم مِن الشيعة الرافضة العُبيدية الخوارج الزنادقة.

الإشارة الرابعة:

قُل للمحتفل بالمولد النَّبوي وغيره مِن الموالد ــ سدَّده الله وأرشده ــ:

إنَّ الاحتفال بالمولد النَّبوي وغيره مِن الموالد أمْرٌ مُحدَثٌ في دِين الله بإجماع واتفاق العلماء مِن مختلِف المذاهب والبلدان والأزمان.

حيث قال فقيه بلاد اليمن الشوكاني ــ رحمه الله ــ عن الاحتفال بالمولد النبوي في “فتاويه” (2/ 1088): «ولم يُنكر أحد مِن المسلمين أنَّه بدعة».اهـ

وقال أيضًا (2/ 1091): «قد قرَّرنا لك الإجماع على أنَّه بدعة مِن جميع المسلمين».اهـ

وقال الفقيه محمد رشيد رِضا المصري ــ رحمه الله ــ في “مجلة المنار” (17/ 111): «هذه الموالد بدعة بلا نزاع».اهـ

وأوَّل مَن أحدَثه كما تقدَّم هُم العُبيديون الشيعة الرافضة الخوارج في القرْن الرابع الهجري بشهادة العلماء والمؤرِّخين وأهل السِّيَر.

وقد صحّت عدَّة أمور في شأن الأقوال والأفعال المُحْدَثة في الدِّين:

الأوَّل: أنَّها شرُّ وبدعة وضلالة.

حيث صحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في موعظته الوداعية زاجرًا أمَّته ومُحذَّرًا لهم: (( وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )).

الثاني: أنَّها مردودة على صاحبها وفاعلها لا يقبلها الله مِنه.

حيث صحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ )).

ويَعني النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (( أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا )) أي: أحدَث في دِيننا، وبقوله (( فَهُوَ رَدٌّ )) أي: مردود على فاعله غير مقبول مِنه.

الثالث: أنَّها في النَّار.

حيث صحَّ أنَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خطب بالناس: (( إِنَّ أَصَدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ )).

وصحَّ مِثله أيضًا: عن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ.

ولا ريب عند الجميع أنَّ ما وُصِف في الشرع بأنَّه شرٌّ، وبدعة، وضلالة، وفي النَّار، ومردود على صاحبه، يدخل في المُحرَّمات الشديدة، والمنكرات الغليظة، والآثام الشنيعة.

ومِن عجيب أمر بعضهم وغرابته، أنَّه يقول عن الاحتفال بالمولد النَّبوي أو غيره مِن الموالد:

«إنَّه بدعة حسَنة».

مع أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حَكم بأنَّ كل بدعة أُحْدِثَت في الدِّين بعده:

«ضلالة».

فصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقول في خطبه: (( وَشَرّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )).

وثبت عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل ــ رضي الله عنهم ــ أنَّهم قالوا: (( كُلّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )).

ولفظة: «كل» مِن صيغ العموم عند أهل اللغة والأصول والفقه وغيرهم، فتدُل على أنَّ جميع البدع: «ضلالات».

والضلالات لا حَسَن فيها أبدًا.

وقد صحَّ عن ابن عمر ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَإِنْ رَآهَا النَّاسُ حَسَنَةً )).

وصحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا )).

وقال العلامة الشريف صديق حسن القنوجي الهندي ــ رحمه الله ــ في كتابه “دليل الطالب على أرجح المطالب” (ص:646-647):

«يَعلم كلُّ عارف: أنَّ أهل العلم بالسُّنة وأصحاب المعرفة بالحديث متفقون على أنَّ البدعة ــ سواء كانت صغيرة أو كبيرة ومِن أين كانت ــ ضلالة، وكل ضلالة في النَّار، كما دلَّت الأدلة الصَّحيحة مِن السُّنة المُطهَّرة على ذلك، وبِه قال أهل الحق، ولا اعتداد بقول مَن قال بخلاف ذلك، مِن أُسَراء رِبْقة التقليد، فإنَّهم ليسوا مِن أهل العلم بإجماعٍ مِن أهله، كما صرَّح بذلك ابن عبد البَرِّ، وصاحب “الإيقاظ”، وغيره».اهـ

ولا ريب أنَّ المؤمن المُتَّبِع الرشيد:

سيأخذ بحكم رسول ربِّ العالمين صلى الله عليه وسلم، وحكم أصحابه ــ رضي الله  عنهم ــ، في شأن البدع جميعها وأنَّها ضلالات ومحرَّمة، سواء كانت مولدًا أو غيره، ولن يَعدِل عن قولهم وحُكمهم فيفارقه إلى قول وحُكم غيرهم .

الإشارة الخامسة:

قُل للمحتفل بالمولد النَّبوي وغيره مِن الموالد ــ سدَّده الله وأرشده ــ:

إنَّ بعضكم ــ أصلحه الله وسدَّده ــ لا يُغالط إلا نفسه، ولا يَضُر إلا بدِينه وآخِرته، حين تَسمعه يقول مسوِّغًا لنفسه ولغيره الاحتفال بالمولد النَّبوي:

«إنَّ معنا على الاحتفال بالمولد النَّبوي أكثر المسلمين اليوم».

فيقال له ــ هداه الله وأرشده ــ:

إنَّ مثل هذا الكلام والتَّبرير لا ينفع عند الله يوم القيامة، حين الجزاء والحساب، لأنك تعلم يقينًا أنَّ الله ــ عزَّ وجلَّ ــ ورسوله صلى الله عليه وسلم لم يجعلا الكثرة ميزانًا لمعرفة الحق، ولا دليلًا لصحَّة قول أو فعل أو ترك.

بل الميزان هو: قال الله تعالى، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم وفعَل وترَك، وقال الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ وفعلوا وتركوا.

بل إنَّ ربَّك وربَّ العالمين جميعًا سبحانه قد كشف للجميع في كتابه العزيز حال الأكثرية مِن الناس، فقال ــ جلَّ وعزَّ ــ: { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله }.

وبيَّن رسوله صلى الله عليه وسلم إليك وإلى الناس أنَّ أمَّته سَتفترِق في دِينها إلى فِرق كثيرة، وأنَّ جميع هذه الفِرق على ضَلال وانحراف، وفي النار، إلا واحدة، حيث صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ )).

ويُقال له أيضًا:

إنَّ مع مَن لا يحتفلون بالمولد النَّبوي وغيره مِن الموالد الرُّكن الأقوى، والجانب الأعلى، والدليل الأكبر.

معهم: الله ــ جلَّ وعلا ــ إذ لم يأمرهم بِها، ولا رغَّبهم فيها، ولا دعاهم إليها.

ومعهم: الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، وجميع أهل القرون الثلاثة الأولى، وأئمة المذاهب الأربعة وتلامذتهم، ومَن في أزمنتهم مِن أئمة الإسلام والسُّنة مِن فقهاء ومحدِّثين، في مختلف البلدان، حيث لم يحتفلوا، ولا دعوا الناس للاحتفال.

فهنيئًا لِمَن كان هؤلاء جميعًا في جانبه، ومعه فيما هو عليه، ولا ريب أنَّه المُحق والمُصيب وعلى الصراط السَّوي.

وقد قال الفقيه التِّزْمَنْتي الشافعي ــ رحمه الله ــ عن الاحتفال بالمولد النَّبوي كما في “السِّيرة الشامية” (1/ 442): «هذا الفِعل لم يقع في الصَّدر الأوَّل مِن السَّلف الصالح مع تعظيمهم وحُبِّهم له صلى الله عليه وسلم إعظامًا ومحبَّة لا يَبلغ جميعنا الواحد مِنهم».اهـ

بل قال فقيه بلاد اليمن الشوكاني ــ رحمه الله ــ في “فتاويه” (2/ 1095): «والحاصل أنَّ المُجوِّزين وهُم شٌذوذ بالنِّسبة للمانعين».اهـ

الإشارة السادسة:

قُل للمحتفل بالمولد النَّبوي وغيره مِن الموالد ــ سدَّده الله وأرشده ــ:

ماذا لو أدرَك رسول الله صلى الله عليه وسلم حال كثير جدًّا مِن المحتفلين بمولده اليوم وأبصرَهم، وهُم:

يُشركون بِه صلى الله عليه وسلم مع الله تعالى، فيصرفون له عبادة الدعاء، فهذا يدعوه قائلًا: «مَدد يا رسول الله»، وهذا يدعوه فيقول: «فرِّج عنِّا يا سيِّدي رسول الله»، وهذا يدعوه فيقول: «أغثنا يا رسول الله»، وهذه تدعوه فتقول: «أدرِكنا يا حبيب الله بالفرَج»، وأُخرى تدعوه فتقول: «أدخلنا في شفاعتك يا نبيَّ الله».

والله ــ جلَّ وعلا ــ قد نهاه صلى الله عليه وسلم، ونَهى الناس جميعًا عن دعاء أيِّ مخلوق معه سبحانه، حتى ولو كان ملَكًا مقرَّبًا أو نبيًّا مرسَلَا أو وليًّا صالحًا، فقال سبحانه: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لله فَلَا تَدْعُوا مَعَ الله أَحَدًا }.

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال مُخوِّفًا ومُحذِّرًا مِن دعاء غير الله: (( مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ الله نِدًّا دَخَلَ النَّارَ )).

ماذا لو أدرَك رسول الله صلى الله عليه وسلم حال كثير جدًّا مِن المحتفلين بمولده اليوم وأبصرَهم، وهُم:

يَرقصون ويتمايلون ويُغنُّون ويضربون بالدُّفوف أو الطبول أو غيرها مِن الآلات الموسيقية في بيوت الله المساجد، وما بنُيت المساجد لهذا، ولا يجوز عند أحد مِن أئمة الإسلام والسُّنة جميعًا أنْ يُفعل فيها مِثل ذلك.

وآلات المعازف أيضًا محرَّمة بنصِّ سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّحيحة المُتعدِّدة، وإجماع العلماء واتفاقهم، وقد نقله كثير مِن الفقهاء والمحدِّثين مِن مختلف المذاهب والبلدان والأزمان، وقد قفت على نَقل أكثر مِن ثلاثين عالمًا مِنهم.

ماذا لو أدرَك رسول الله صلى الله عليه وسلم حال كثير جدًّا مِن المحتفلين بمولده اليوم وأبصرَهم، وهُم:

يُلقون الأحاديث الباطلة المكذوبة والضعيفة في سيرته أو مدحه أو صفاته أو فضائله، وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ )).

ماذا لو أدرَك رسول الله صلى الله عليه وسلم حال كثير جدًّا مِن المحتفلين بمولده اليوم وأبصرَهم، وهُم:

يختلطون بالنساء أثناء الاحتفال في الطُّرقات، أو الزوايا، أو الخيام الكبيرة، أو غيرها مِن الأماكن، وهذه مُتبرِّجة سافرة مُتزيِّنة مُتطيِّبة، وهذه بجوار هذا الرَّجل الأجنبي تُحادثه وتُضاحكه، وهذه جسدها بجسد هذا ملتصِق، وهذه ترقص وتتمايل أمام الرِّجال، وهذه تُغنِّي وتُنشِد لهم.

وفي الختام أقول:

لئِن كانت في نفوس المحتفلين بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وغيره مِن الموالد رغبَة ونشاط وتحمُّس لفعل الطاعات، والمنافسة والمسابقة إلى الحسنات المنجيات، والاجتهاد في العبادات، والإكثار والزيادة في القُربات:

فلتَدَع عنها الاحتفال بيوم المولد النَّبوي وغيره مِن الموالد، لاسِيَّما بعدما عرَفت بدايته، ومَن أحدَثه، وحُكمه، ولا تخاطر بأنفسها في الاحتفال، والدعوة إليه، والمعاونة عليه بقول أو فِعل أو مال أو طعام، ناهيك عن الحُكم بإباحته أو مشروعيته.

ولتقل لها:

يا نفس كم مِن العبادات والطاعات التي جاءت في القرآن الكريم، وثبتت في السُّنة النَّبوية، وأنت لا تفعلينها، ولا تجتهدين في تحصيلها؟

يا نفس هَلُمّ إلى فعلها والإكثار مِنها، والتزوُّد قبل الوفاة، وقبل العرْض والجزاء.

يا نفس إنَّ مِن العيب الشديد أنْ تُقصِّري أو تتساهلي أو تَضعُفي أو تتكاسلي في عبادات كثيرة مِن أقوالٍ وأفعال قد ثبتت فيها النُّصوص الشرعية، وتنوَّعت وتعدَّدت، وجاء الوعيد على تركها، وعِظَم الأجر في فعلها، وأنت لا تقومين بِها، ولا تتحمَّسين لها.

ولِيَعْلَم كل أحد:

أنَّ مَن كان يُحب الله تعالى، فقد أرشده الله سبحانه لطريق وشاهد محبَّته، وامتحنه بِه، فقال ــ عزَّ وجلَّ ــ: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }.

وقد اتبعناه صلى الله عليه وسلم لتحصل لنا محبَّة ربِّنا فلم نحتفل بالمولد النبوي، وغيره مِن الموالد، لأنَّه صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بِها، ونرجو أنْ نَنال بذلك محبَّة الله لنا ومغفرته، وأنْ نكون مِمَّن يُحبُّه سبحانه.

وقد قال تلميذ الصحابة الحسن البصري ــ رحمه الله ــ في قوله تعالى: (( { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }، قَالَ: «وَكَانَ عَلَامَةُ حُبِّهِ إِيَّاهُمُ اتِّبَاعَ سُّنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» )).

 

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد