إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > خطبة مكتوبة بعنوان: “المسائل والأحكام الفقهية الخاصة بزكاة الفطر “. ملف: [word] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: “المسائل والأحكام الفقهية الخاصة بزكاة الفطر “. ملف: [word] مع نسخة الموقع.

  • 7 يوليو 2015
  • 35٬209
  • إدارة الموقع

المسائل والأحكام الفقهية الخاصة بزكاة الفطر


 

المسائل والأحكام الفقهية الخاصة بزكاة الفطر

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ ربِّ كلِّ شيءٍ وملِيكِه، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على جميعِ أنبيائِه ورُسلِه، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وأتَرَضَّى على الصحابةِ أجمعينَ، وآلِ كلِّ النّبيين مِن المؤمنين.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فها قد قطعتُم الأكثرَ مِن شهرِ الصيامِ رمضان، ولم يَبقَّ مِنهُ إلا القليلُ جدًّا، فمَن كانَ مِنكُم مُحسِنًا فيما مَضَى فليَحمدِ اللهَ، وليَزْدَدْ مِن البِرِّ والإحسان، ومَن كانَ مُسِيئًا قد فرَّطَ وقصَّرَ، وتكاسلَ وتهاونَ، فليتقِّ اللهَ فيما بَقِيَ، ولِيتَداركَ نفسَهُ فيها فيُحسِنَ إليها بالتوبةِ النَّصوحِ، والإكثارِ مِن الطاعاتِ والقُرباتِ، فبابُ التوبةِ لا يَزالُ مفتوحًا، والله يُحِبُّ التوابين، وهو أرحَمُ بالعبادِ مِن أنفسِهم وأهلِيهم ومَن في الأرضِ جميعًا، ولا يَزالَ في زمَنٍ فاضلٍ مُباركٍ تُضاعَفُ فيه الحسناتُ، وتُكفَّرُ فيه الخطيئات، وقد قالَ اللهُ سبحانَه مُبشِّرًا ومُحَفِّزًا للتائبين إليه: { فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }، وقال تعالى: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: قالَ اللهُ تعالى: (( يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ )).

أيُّها المسلمون:

لقد دخلتُم أو أوشكتُم على الدخولِ في وقتِ عبادةٍ جليلةٍ واجبة، ألا وهيَ زكاةُ الفِطر، ودونَكم ــ فقَّهكمُ اللهُ ــ جملةً مِن مسائِلِها وأحكامِها:

المسألةُ الأولى: تجبُ زكاةُ الفِطرِ على المسلمِ الحَيِّ، سواء كانَ ذَكَرًا أو أُنْثى، صغيرًا أو كبيرًا، حُرًّا أو عبدًا، لِما صحَّ عن ابن عمر ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ ))، وإلى وجوبِها على هؤلاءِ جميعًا ذهبَ عامةُ فقهاءِ الأمصارِ مِن السَّلفِ الصالحِ، فمَن بعدَهم.

المسألةُ الثانيةُ: الجَنينُ الذي لا يَزالُ في بطنِ أُمِّهِ لا يَجبُ إخراجُ زكاةِ الفِطرِ عنه، وإنَّما يُستحبُ باتفاقِ المذاهب الأربعة، وقد كانَ السَّلفُ الصالحُ يُخرجونَها عنهم، فصحَّ عن تلميذِ الصحابةِ أبي قِلابَةَ ــ رحمه اللهُ ــ أنَّه قال: (( كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُعْطُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، حَتَّى عَلَى الْحَبَلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ )).

المسألةُ الثالثةُ: المجنونُ يَجبُ إخراجُ زكاةِ الفِطرٍ عنه، لِدخولِه في عُمومِ قولِه: (( فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ))، وهو مِن أنفُسِ المسلمين، وإلى هذا ذهبَ الأئمةُ الأربعةُ والظاهريةُ، وغيرُهم.

المسألةُ الرابعةُ: المسلمُ الفقيرُ لهُ حالان:

الحالُ الأوَّلُ: أنْ يكونَ مُعْدَمًا لا شيءَ عنده، وهذا لا تَجبُ عليهِ زكاةُ الفِطرِ باتفاقِ العلماء.

الحالُ الثاني: أنْ يَملِكَ طعامًا يزيدُ على ما يَكفيهِ ويَكفِي مَن تَلزمُهُ نفقتُهُ مِن أهلٍ وعِيالٍ ليلةَ العيدِ ويومَهُ، أو ما يَقومُ مقامَ الطعامِ مِن نُقود، وهذا تَجبُ عليه زكاةُ الفطرِ عندَ أكثرِ اللعماء.

المسألةُ الخامسةُ: زكاةُ الفِطرِ عندَ أكثرِ الفقهاءِ تُخرَجُ مِن غالبِ قُوتِ البلدِ الذي يُعملُ فيه بالكيلِ بالصاع، سواء كانَ تمرًا، أو شعيرًا، أو زبيبًا، أو بُرًّا، أو ذُرة، أو دُخنًا، أو عدسًا، أو فولًا، أو لوزًا، أو حُمُّصًا، أو كُسكسًا، أو أُرْزًا، أو غيرَ ذلك، ومِقدارُ ما يُخرَجُ في هذه الزكاة: صاعٌ، والصَّاعُ كَيلٌ معروفٌ في عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقبْلَهُ وبعدَه، وهو بالوزنِ المُعاصرِ ما بينَ الكيلوينِ وأربعِ مئةِ جرامٍ إلى الثلاثة.

المسألةُ السادسةُ: يجوزُ أنْ تُخرَجَ زكاةُ الفِطرِ قبْلَ العيدِ بيومٍ أو يومين، لِمَا صحَّ عن تلميذِ الصحابةِ نافعٍ ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( كَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ))، والأفضلُ باتفاقِ العلماءِ أنْ تُخرَجَ في يومِ عيدِ الفطرِ بعدَ صلاةِ فجْرهِ وقبْلَ صلاةِ العيد، لِمَا صحَّ أنَّ ابن عمر ــ رضي الله عنه ــ قال: (( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ ))، وذَكرَ الإمامُ مالكٌ ــ رحمه الله ــ: «أَنَّهُ رَأَى أَهْلَ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُخْرِجُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، قَبْلَ أَنْ يَغْدُوا إِلَى الْمُصَلَّى»، ولِيَحْذَرَ المسلمُ مِن تأخيرِها حتى تَنتهيَ صلاةُ العيد، فقد ثبتَ عن ابنِ عباسٍ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ ))، ومَن أخَّرَها عمدًا حتى انقضَى يومُ العيدِ فقد أثِمَ، وكانَ مُرتكبًا لِمحرَّمٍ باتفاق العلماء، ومَن أخَّرَها نسيانًا أو جهلًا أو بسببِ عُذرٍ حتى انتهت صلاةُ العيدِ ويومِه، كمَن يكونُ في سَفرٍ وليسَ عندَهُ ما يُخرِجُهُ أو لم يَجدْ مَن تُخرَجُ إليه، أو اعتمدَ على أهلِهِ أنْ يُخرِجوها واعتمدوا هُم عليه، فإنَّه يُخرِجها متى علِمَ أو تذكَّرَ، ولا إثْمَ عليه، وتُعتبَرُ زكاة.

المسألةُ السابعةُ: لا يجوزُ أنْ تُخرَجَ زكاةُ الفِطرِ نقودًا، بل يَجب أنْ تُخرَجَ طعامًا، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فرَضَها وأخرَجَها طعامًا، فلا يجوزُ العُدولُ عمَّا فرَضَ إلى غيرِه إلا بدليلٍ شرعِيٍّ ولا يُوجَد، وأيضًا: فالدراهِمُ والدَّنانيرُ كانت موجودةً في عهدِه صلى الله عليه وسلم، وعهدِ أصحابه مِن بعدِه، ومع ذلك لم يُخرِجوها إلا مِن الطعام، وخيرُ الهَديِ هَديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه، ومَن أخرجَها نقودًا بدَلَ الطعامِ لم تُجزِئهُ عندَ أكثرِ الفقهاء، ومِنهم: مالكٌ والشافعيُّ وأحمد، ومَن أخرجَها طعامًا أجزأَتهُ عندَ جميعِ العلماء، وبرِئَت ذِمَّتُه، وقال الفقيهان القاضِي عِياضٌ المالكي النَّوويُّ الشافعي ــ رحمهما الله ــ: «ولم يُجِز عامةُ العلماءِ إخراجَ القيمةِ في ذلك»، والحمدُ للهِ أوَّلًا وآخِرًا وظاهرًا وباطنًا، وبُكرةً وأصيلًا، وعلى كلِّ حال.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ وسلامٌ على عِبادِهِ الذين اصطَفى.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فلا يَزالُ الحديثُ مُتَّصِلًا عن مسائلِ زكاةِ الفِطر، فأقولُ مستعينًا باللهِ:

المسألةُ الثامنةُ: فقراءُ المسلمينَ مَصْرِفٌ لزكاةِ الفطرِ باتفاقِ العلماء، ولا يجوزُ أنْ تُعطَى لِغيرِ المسلمينَ حتى ولو كانوا فقراء، وإلى هذا ذهبَ أكثرُ الفقهاء، ومِنهم: مالكٌ والشافعيُ وأحمد، لأنَّ المنقولَ عملًا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه إخراجُها على فقراءِ المسلمين.

المسألةُ التاسعةُ: يُخرِجُ الرَّجلُ زكاةَ الفِطرِ عن نفسِه وعمَّن يَمُونُ مِن أهلِه ويُنْفِقُ عليهِم مِن زوجةٍ وأبناءٍ وبناتٍ، وغيرِهم، تبَعًا للنفقة، وقد صحَّ أنَّ أسماءَ بنتَ أبي بكرٍ ــ رضي الله عنها ــ: (( كَانَتْ تُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ مَنْ تَمُونُ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ))، وصحَّ أنَّ ابنَ عمر ــ رضي الله عنه ــ: (( كَانَ يُعْطِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ، عَمَّنْ يَعُولُ )).

المسألةُ العاشرةُ: يُخرِجُ العبدُ زكاةَ الفِطر في نفسِ المدينةِ أو القَريةِ أو الباديةِ التي هو موجودُ فيها وقتَ إخراجِ الزكاة، وعلى هذا جَرَى عملُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأصحابِه، وقال الإمام أبو عُبيدٍ ــ رحمه الله ــ: «والعلماءُ اليومَ مُجمِعون على: أنَّ أهلَ كلِّ بلدٍ مِن البلدان، أو ماءٍ مِن المياه، أحقُّ بصدقتِهم، ما دامَ فيهِم مِن ذَوي الحاجةِ واحدٌ، فما فوقَ ذلك»، وقال الفقيه ابن رُشدٍ المالكي ــ رحمه الله ــ: «وعندَ أكثرِهم: أنَّه لا يجوزُ تَنقيلُ الصَّدقةِ مِن بلدٍ إلى بلدٍ إلا مِن ضَرورة»، وعليهِ: فمَن كان يَسكنُ مدينةَ الرياضِ فليُخرجْ زكاتَهُ على فقرائِها، وليسَ على فقراءِ جُدَّة، ومَن كان يَسكنُ القاهرةَ فليُخرِجْ زكاتَهُ فيها وليسَ في الإسكندرية، ومَن كانَ يَسكنُ واشُنطن فليُخرِجْ زكاتَهُ على فقرائِها المسلمين، وليسَ على فقراءِ مدينةِ نُيويورك المسلمين، وهكذا.

اللهمَّ ارزُقنا توبةً نصوحًا، وقلوبًا تخشعُ لِذكرِك، وإقبالًا على طاعتِك، وبُعدًا عن المعاصي وأماكنِها وقنواتِها ودعاتِها، اللهمَّ ارفعِ الضُّرَّ عن المتضرِّرينَ مِن المسلمينَ في كلِّ أرض، اللهمَّ تقبَّل صيامَنا وقيامَنا وزكاتَنا، اللهمَّ ارحم موتانا، وأكرمْهُم بالنَّعيم في قبورهم، ورِضوانِكَ والجنَّة، وأصلِح أهلينا، واجعلهُم مِن عبادكَ الصالحين، إنَّكَ يا ربَّنا لسميعُ الدعاء، وأقولُ قولِي هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ