إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > رسالة بعنوان: ” تقوية النجباء بأسماء ونصوص الفقهاء الناقلين للإجماع على نجاسة الدماء “. ــ ملف [word – pdf] مع نسخة الموقع.

رسالة بعنوان: ” تقوية النجباء بأسماء ونصوص الفقهاء الناقلين للإجماع على نجاسة الدماء “. ــ ملف [word – pdf] مع نسخة الموقع.

  • 7 سبتمبر 2014
  • 2٬236
  • إدارة الموقع

تقوية النُّجباء بأسماء ونصوص الفقهاء الناقلين للإجماع على نجاسة الدِّماء

 

الحمد لله العلي الأعلَى، والصلاة والسلام على سيِّد ولد آدم في الآخِرة والأُولى، وعلى آله وأصحابه وأتباعه أهل التُّقى.

أمَّا بعد، أيُّها الفاضل النَّبيل ــ جمَّلك الله بالفقه في أحكام شريعته ــ:

فإنَّ بين يدَيك وأمام عَينَيك جزءً فقهيًّا يَحمِل هذا العنوان:

«تقوية النُّجباء بأسماء ونصوص الفقهاء الناقلين للإجماع على نجاسة الدِّماء».

وقد كتبته ونشرته قبل ما يقرُب مِن ثلاثين سَنة، وفي آخِر يومين مِن هذا العام (1444هـ) أُعيد مُراجعتَه ونشرَه.

وأسأل الله ــ جلَّ وعلا ــ: أنْ ينفع بِه الكاتب والقارئ ومَن ينشره، إنَّه جواد كريم.

وما كان فيه مِن صواب وتسديد، فمِن الله وحدَه، هو المَانُّ بِه المُتفضِّل.

وما كان فيه مِن خطأ وتقصير، فمنِّي، ومِن الشيطان، وليس الله ورسوله ودِينه وشريعته في شيء مِنه، وحسْبي أنِّي لم أتقصَّده.

وقد جعلت الكلام عن مسألة نجاسة الدَّم في خمس وقفات، تسهيلًا لِضبطِها، وإعانة على حفظِها وفهمِها، وتيسيرًا للإلمام بها، وإدراكها بوضوح.

فأقول مستعينًا بالله ــ عزَّ وجلَّ ــ القوي العزيز:

الوقفة الأولى:

عن أسماء الفقهاء الناقلين الإجماع على نجاسة الدَّم مِن آدَمِيٍّ أو حيوان، ونصِّ كلامهم، ومصْدَره.

الأوَّل: إمام أهل السُّنة والحديث أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ــ رحمه الله ــ.

حيث قال الإمام ابن قيِّم الجوزية ــ رحمه الله ــ في كتابه “إغاثة اللهفان مِن مصايد الشيطان” (1/ 273- طبعة: دار عالم الفوائد):

«وسُئل أحمد ــ رحمه الله ــ: الدَّم والقَيح عندك سواء؟

فقال: “لا، الدَّم لم يَختلف الناس فيه، والقيح قد اختلف الناس فيه”».اهـ

ونقله عنه أيضًا:

الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ في شرحه على كتاب “عُمدة في الفقه” (1/ 150- طبعة: مكتبة العبيكان).

الثاني: الحافظ أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الحنفي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “شرح مشكل الآثار” (10/ 108 ــ عند حديث رقم:3953 – طبعة: مؤسسة الرسالة):

«ثم رجعنا إلى طلب الأَوْلى مِن هذين القولين بالنظر الصَّحيح المرجوع إلى مِثله عند عدم وجود حُكم الأشياء المُختلَف فيها في الكتاب والسُّنة وإجماع الأُمَّة، فوجدْنا الأصل المُتفَق عليه:

أنَّ دماء الأنعام المأكولة لحومها نجسة، وأن وقوعها في المياه يُفسدها، وإنْ أصابتها الثياب نجَّستها كدماء بنِي آدم في ذلك».اهـ

الثالث: الفقيه أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطابي البًستي الشافعي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال الحافظ ابن حجَر العسقلاني ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (1/ 395 ــ عند رقم:227- طبعة: دار الريان والمكتبة السلفية):

«قال الخطابي: في هذا الحديث دليل على أنَّ النَّجاسات إنَّما تُزال بالماء دون غيره مِن المائعات، لأنَّ جميع النجاسات بمَثابة الدَّم لا فرق بينَه وبينها إجماعً.

وهو قول الجمهور، أي: يتعيَّن الماء لإزالة النجاسة».اهـ

الرابع: الفقيه أبو محمد علي بن أحمد ابن حزم الظاهري ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات” (ص:19- طبعة: دار الكتب العلمية):

«واتفقوا على أنَّ الكثير مِن الدم أيِّ دم كان ــ حاشا دم السَّمك وما لا يَسيل دمه ــ نجس».اهـ

ـــــ وقال أيضًا في كتابه “المُحلِّى” (6/ 57 – طبعة: دار الفكر):

«فإنَّ الدَّم الذي في أعلَى القِدر إنْ كان أحمر ظاهرًا، فهو بلا شَك مسفوح، ولا خلاف في تحريمه».اهـ

الخامس: الإمام أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البَر النَّمري المالكي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “الاستذكار” (3/ 204- طبعة: مؤسسة الرسالة):

«ولا خلاف أنَّ الدَّم المسفوح رِجْس نجس، وأنَّ القليل مِن الدَّم الذي لا يكون جاريًا مسفوحًا مُتَجَاوَزٌ عنه، وليس الدِّم كسائر النجاسات التي قليلها رِجس مِثل كثيرها».اهـ

ـــــ وقال أيضًا (3/ 211):

«وإجماع العلماء: على أنَّ مَن صلَّى وثوبه الذي يَستر عورته قد امتلأ بولًا أو عَذِرَة أو دمًا وهو عامد فلا صلاة له، وعليه الإعادة في الوقت وبعده، وهذا كله دليل عندهم على أن غسل النجاسات فرض واجب».اهـ

وقال أيضًافي كتابه “التمهيد” (22/ 230- تحقيق: سعيد أحمد أعراب):

«وهذا إجماع مِن المسلمين أنَّ الدَّم المسفوح رِجْس نجس».اهـ

السادس: الفقيه أبو بكر علاء الدِّين محمد بن أحمد السَّمرقندي الحنفي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “تحفة الفقهاء” (1/ 49- طبعة: دار الكتب العلمية):

«أمَّا الأوَّل: وهو بيان أنواع النجاسات.

فمِن ذلك: أنَّ كل ما يَخرج مِن بدَن الإنسان مِمَّا يتعلَّق بخروجه وجوب الوضوء أو الغسل فهو نجس، نحو: الغائط والبول والدَّم والصديد، والقيء مِلء الفم، ودم الحيض، والنفاس والاستحاضة، والودْي، والمذي، والمَني.

ولا خلاف في هذه الجُملة إلا في المَني، فإنَّ عند الشافعي هو طاهر».اهـ

السابع: القاضي أبو بكر بن محمد بن عبد الله بن العربي المعافري المالكي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “أحكام القرآن” (1/ 79- توزيع: مكتبة عباس البَاز):

«اتفق العلماء على أنَّ الدَّم حرام نجس لا يُؤكل ولا يُنتفع بِه».اهـ

الثامن: الفقيه علاء الدِّين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع” (1/ 63- طبعة: دار الكتب العلمية):

«والثاني: أنَّ نجاسة الميتات ليست لأعيانها بل لِما فيها مِن الدِّماء السائلة والرُّطوبات النِّجسة ولم توجد في هذه الأشياء.

وعلى هذا ما أُبِينَ من الحَي مِن هذه الأجزاء، وإنْ كان الْمُبَان جزءً فيه دَم كاليد والأذن والأنف ونحوها، فهو نجس بالإجماع.

وإن لم يكن فيه دم كالشعر والصوف والظّفر ونحوِها، فهو على الاختلاف».اهـ

التاسع: الفقيه أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رُشد الحفيد القرطبي الأندلسي المالكي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “بداية المُجتهِد ونهاية المُقتصِد” (1/ 193- طبعة: مكتبة ابن تيمية):

«وأمَّا أنواع النجاسات، فإنَّ العلماء اتفقوا مِن أعيانها على أربعة:

ميتة الحيوان ذي الدِّم الذي ليس بمائي.

وعلى لحم الخنزير بأيِّ سبب اتفق أنْ تذهب حياته.

وعلى الدَّم نفسه مِن الحيوان الذي ليس بمائي انفصل مِن الحَي أو المَيت إذا كان مسفوحًا، ــ أعني: كثيرًا ــ.

وعلى بول ابن آدم ورجيعه».اهـ

ـــــ وقال أيضًا (1/ 199):

«اتفق العلماء على أنَّ دم الحيوان البَري نجس».اهـ

العاشر: الفقيه أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المالكي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “الجامع لأحكام القرآن” (2/ 149- طبعة: دار الكتب العلمية):

«اتفق العلماء على أنَّ الدَّم حرام نجس».اهـ

ـــــ وقال أيضًا (2/ 222):

«ذَكر الله سبحانه وتعالى الدَّم هاهُنا مُطلَقًا، وقيَّده في الأنعام بقوله: { مَسْفُوحًا } وحمَل العلماء هاهُنا المُطلَق على المُقيَّد إجماعًا.

فالدَّم هُنا يُراد بِه المسفوح، لأنَّ ما خالط اللحم فغير مُحرَّم بإجماع، وكذلك الكبد والطحال مُجمَع عليه.

وفي دَم الحُوت المزايل له اختلاف، ورُوي عن القابسي: أنَّه طاهر، ويَلزم على طهارته أنَّه غير مُحرَّم، وهو اختيار ابن العربي، قال: “لأنَّه لو كان دم السَّمك نجسًا لشُرِعَت ذكاته”.

قلت: وهو مذهب أبي حنيفة في دم الحوت، سمعت بعض الحنفية يقول: “الدليل على أنَّه طاهر أنَّه إذا يبس ابيَضَّ بخلاف سائر الدِّماء فإنَه يَسْوَدّ.

وهذه النُّكتة لهم في الاحتجاج على الشافعية».اهـ

الحادي عشر: الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في شرحه على كتاب “صحيح مسلم” (3/ 204- عند حديث رقم:291- طبعة: مكتبة المعارف):

«وفيه: أنَّ الدَّم نجس، وهو بإجماع المسلمين».اهـ

ـــــ وقال أيضًا في كتابه “المجموع شرح المُهذَّب” (2/ 576- طبعة: دار إحياء التراث العربي):

«والدلائل على نجاسة الدَّم متظاهرة، ولا أعلم فيه خلافًا عن أحد مِن المسلمين إلا ما حكاه صاحب “الحاوي” عن بعض المُتكلِّمين أنَّه قال: “هو طاهر”.

ولكن المُتكلِّمين لا يُعتد بِهم في الإجماع والخلاف، على المذهب الصَّحيح الذي عليه جمهور أهل الأصول مِن أصحابنا وغيرهم لاسيَّما في المسائل الفقهيات».اهـ

الثاني عشر: الفقيه عبد الله بن محمود بن مَودود الموصلي الحنفي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “الاختيار لِتعليل المُختار” (1/ 42 – طبعة: دار المعرفة):

«لأنَّ قليل النجاسة عفو بالإجماع، كالتي لا يُدركها البصر، ودَم البعوض والبراغيث، والكثير مُعتبَر بالإجماع».اهـ

ـــــ وقال أيضًا (1 /43) مُعلِّقًا على ما جاء في المَتن: “وكل ما يَخرج مِن بدَن الإنسان وهو مُوجب للتطهير فنجاسته غليظة”:

«كالغائط والبول والدَّم والصديد والقيء، ولا خلاف فيه».اهـ

الثالث عشر: الفقيه أبو العباس شهاب الدِّين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن القَرافي المالكي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “الذَّخيرة” ( 1/185- طبعة: دار الغرب الإسلامي):

«والدَّم المسفوح نجس إجماعًا».اهـ

ـــــ وقال أيضًا في كتابه “الفروق” (1/ 229- الفرق رقم:84- طبعة: دار الرسالة):

«فالدم لم أرَ أحداً قضَى عليه بالطهارة».اهـ

الرابع عشر: الفقيه أبو زيد أو أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي المالكي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “إرشاد السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك” (ص:4):

«ولا خلاف في نجاسة الدَّم المسفوح».اهـ

الخامس عشر: الفقيه علاء الدِّين علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيحي المعروف بالخازن ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “لباب التأويل في معاني التنزيل” (1/ 103- طبعة: دار الكتب العلمية):

«اتفق العلماء على أنَّ الدَّم حرام نجس لا يُؤكل، ولا يُنتفع بِه».اهـ

السادس عشر: الفقيه شمس الدِّين محمد بن عبد الله الزَّركشي المصري الحنبلي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال الفقيه ابن قاسم ــ رحمه الله ــ في كتابه “حاشية الرَّوض المُربِع شرح زاد المُستقنِع” (1/ 358):

«فإنَّ العفو مُختَص باليسير مِن دَم الطاهر، وأمَّا الدَّم الكثير مِنه فلا نزاع في نجاسته، حكاه الزَّركشي، وغيره».اهـ

السابع عشر: الفقيه أبو حفص عمر بن إسحاق بن أحمد الهندي الغزنوي، الحنفي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “الغُرَّة المُنِيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة” (ص:25-26):

«والجواب عنه من وجوه:

الأوَّل: أنَّ الدِّماء التي خرَجت مِن ثلاثة أسهم أصابت ثوبه وبدَنه بلا شك، ولا تجوز الصلاة معها بالاتفاق.

ولا يمكن إنكار ذلك، فإنَّه قد رآه المُهاجِري بالليل حتى هاله ما رَأى مِن الدماء، فلما لم يدُل مُضِيُّه في الصلاة على جواز الصلاة مع النجاسة، كذلك لم يدل على أنَّ الدَّم لا ينقض الوضوء».اهـ

الثامن عشر: الفقيه أبو حفص سراج الدِّين عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النُّعماني ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “اللباب في علوم الكتاب” (3/ 172- طبعة: دار الكتب العلمية):

«واتفق العلماء على أنَّ الدَّم حرام نجس».اهـ

التاسع عشر: الفقيه سراج الدِّين أبو حفص عمر بن علي الأنصاري الشافعي المعروف بابن المُلقِّن ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “التوضيح لِشرح الجامع الصَّحيح” (4/ 431- طبعة: دار غراس):

«الأول: نجاسة الدَّم، وهو إجماع».اهـ

ـــــ وقال أيضًا في كتابه “الإعلام بفوائد عمدة الأحكام” (2/ 183- طبعة: دار العاصمة):

«السادسة: نجاسة الدَّم، وهو إجماع إلا مَن شَذ».اهـ

ومُراده ــ رحمه الله ــ بمَن شَذَّ: بعض أهل الكلام الذين أشار إليهم صاحب كتاب “الحاوي” مِن الشافعية.

العشرون: الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حَجَر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (1/ 420 ــ عند حديث رقم:240- طبعة: دار الريان):

«والدَّم نجس اتفاقًا».اهـ

الحادي والعشرون: الفقيه بدر الدِّين العَيني محمود بن أحمد بن موسى العَيْنتَابي الحنفي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في  كتابه “عُمدة القاري شرح صحيح البخاري” (3/ 281- طبعة: دار إحياء التراث العربي):

«فإنَّ الدم نَجس، وهو إجماع المسلمين».اهـ

ـــــ وقال أيضًا (3/141):

« الدَّم نجس بالإجماع».اهـ

ـــــ وقال أيضًا في كتابه “شرح سُنن أبي داود” (2/ 187- طبعة: مكتبة الرُّشد):

«ويُستفاد مِن الحديث فوائد:

الأولى: فيه أنَّ الدَّم نجس، وهو إجماع المسلمين».اهـ

ـــــ وقال أيضًا في كتابه “البَناية شرح الهداية” (1/ 727- طبعة: دار الكتب العلمية):

«كالدَّم مثلًا، فإنَّه حرَّمه، فأشبَه بنص القرآن.

ونجاسته مُجمَع عليها بلا خلاف، وهو حُجَّة قطعية.

والمُراد مِن الدَّم: الدَّم المسفوح».اهـ

الثاني والعشرون: الفقيه زَين الدِّين بن إبراهيم بن محمد، المعروف بابن نُجيم المصري الحنفي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “البحر الرائق شرح كنز الدقائق” (1/ 21- طبعة: دار الكتاب الإسلامي):

«وعلَّلَه السِّرَاج الهندي في “شرحِ الهداية”: بأنه إذا استاك للصلاة رُبَّما يخرج مِنه دَم، وهو نجس بالإجماع».اهـ

الثالث والعشرون: الفقيه أحمد بن محمد بن علي بن حَجَر الهَيتمي الشافعي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “تُحفة المُحتاج في شرح المِنهاج” (1/ 294):

« [ وَدَمٌ ] إجماعًا حتى ما يَبقى على العظام، ومَن صرَّح بطهارته أراد أنَّه يُعفَى عنه، واستَثنى مِنه الكبد والطحال والمِسك».اهـ

الرابع والعشرون: الفقيه عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم العاصمي الحنبلي النجدي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “حاشية الرَّوض المُربِع” (1/ 358):

«فإنَّ العفو مُختَص باليسير مِن دَم الطاهر.

وأمَّا الدَّم الكثير مِنه، فلا نزاع في نجاسته، حكاه الزَّركشي، وغيره.

وقال النَّووي: “الدلائل على نجاسة الدَّم مُتظاهرة، ولا أعلم فيه خلافًا عن أحد مِن المسلمين”.

وقال: “القيح نجس بلا خلاف، وكذا ماء القروح نجس بالاتفاق”».اهـ

الخامس والعشرون: الفقيه محمد الأمين الشنقيطي الجنكي المالكي  ــ رحمه الله ــ.

حيث قال في كتابه “أضواء البيان” (2/399 – طبعة: دار الفكر):

«والدَّم نجس بلا خلاف».اهـ

تنبيه:

عامة النصوص المذكورة صريحة في نقل أو حكاية الإجماع، وفي بعضها القليل مفهوم مِن السِّياق.

الوقفة الثانية:

عن الآثار الواردة عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ في أنَّ الدَّم نجس، وأنَّ الصلاة لا تَصِح مع كثيرة.

ومن هذه الآثار:

أوَّلاً: أثر عبد الله بن العباس ــ رضي الله عنهما ــ.

حيث قال الحافظ ابن المُنذر النيسابوري ــ رحمه الله ــ في كتابه “الأوسط” (1/ 277 ــ رقم:708):

حدثنا يحيى بن محمد، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا أبو عبد الصَّمد العَمِّي، ثنا سليمان، عن عمَّار بن أبي عمار، عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ قال:

(( إِذَا كَانَ الدَّمُ فَاحِشًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ )).

وإسناده صحيح.

وأخرجه أيضًا:

البيهقي في كتابه “السُّنن الكبرى” (4100)، في “باب: ما يجب غسله مَن الدَّم”، مِن طريق أبي عبد الصَّمد العَمِّي، ثنا سليمان التيمي، بِه.

ثانيًا: أثر عبد الله بن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنهما ــ.

حيث قال الحافظ عبد الرزاق الصَّنعاني ــ رحمه الله ــ في “مُصنَّفه” (1453 و 3701):

عن مَعْمَر قال: قلت للزُّهري: الرَّجل يَرى في ثوبه الدَّم القليل أو الكثير فقال: أخبرني سالم:

(( أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَنْصَرِفُ لِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى مَا قَدْ صَلَّى إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ فَيُعِيدُ )).

وإسناده صحيح.

ـــــ وقال الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ في “صحيحه” جازمًا:

(( وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ دَمًا وَهُوَ يُصَلِّي وَضَعَهُ وَمَضَى فِي صَلاَتِهِ )).

ـــــ وقال الحافظ ابن أبي شيبة ــ رحمه الله ــ في “مُصنَّفه” (7286):

حدثنا حاتم بن وَرْدَان، عن بُرْد، عن نافع، عن ابن عمر:

(( أَنَّهُ كَانَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَرَأَى فِي ثَوْبِهِ دَمًا، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَضَعَهُ وَضَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَضَعَهُ خَرَجَ فَغَسَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ فَبَنَى عَلَى مَا كَانَ صَلَّى )).

وقال الحافظ ابن حجَر العسقلاني ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري” (1/ 348)، عقبه:

«وإسناده صحيح».اهـ

وأخرجه أيضًا:

أبو عُبيد القاسم بن سلَّام في كتابه “الطهور” (418)، والبَغوي في”الجعديات” ( 2355)، وابن المُنذر في كتابه “الأوسط” (2/ 287 ــ رقم:727)، والبيهقي في كتابه “معرفة الآثار” ( 4897).

قلت:

وهذان الأثران عن ابن عباس وابن عمر ــ رضي الله عنهم ــ:

صريحان في نجاسة الدَّم، وأنَّ الصلاة لا تصح مع كثيرة.

الوقفة الثالثة:

عن بعض مَن نَقل مِن العلماء الإجماع علي العفو عن الدَّم اليسير، وبعض أمثلته، وأنَّ الصلاة معه تَصح ولا تَبطل.

أوَّلًا ــ قال الحافظ ابن المُنذر النيسابوري ــ رحمه الله ــ في كتابه “الأوسط” (2/ 277-278 – طبعة: قطر):

«وذلك أنَّهم قد أجمعوا في قليل الدَّم إنْ صلَّى فصلاته فيه جائزة».اهـ

ثانيًا ــ قال الحافظ ابن عبد البَر المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الاستذكار” (3/ 204- طبعة مؤسسة الرسالة):

«ولا خلاف:

أنَّ الدَّم المسفوح رِجْس نجس:

وأنَّ القليل مِن الدَّم الذي لا يكون جاريًا مسفوحًا مُتَجاوَز عنه.

وليس الدَّم كسائر النجاسات التي قليلها رِجس مِثل كثيرها».اهـ

ـــــ وقال أيضًا في كتابه “التمهيد” (22/ 232):

«قد أجمع العلماء على التجاوز والعفو عن دَم البراغيث ما لم يَتفاحش».اهـ

ثالثًا ــ قال الفقيه ابن مَودود الموصلي الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الاختيار” (1/ 42 – طبعة: دار المعرفة):

«لأنَّ قليل النجاسة عفو بالإجماع، كالتي لا يُدركها البصر، ودَم البعوض والبراغيث.

والكثير مُعتَبر بالإجماع».اهـ

رابعًا ــ قال الإمام ابن جَرير الطبري ــ رحمه الله ــ في “تفسيره” (8/ 54 – طبعة: دار هجر):

«وأمَّا الدَّم: فإنَّه الدَّم المسفوح دون ما كان مَنه غير مسفوح, لأنَّ الله ــ جلَّ ثناؤه ــ قال: { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ}.

فأمَّا ما كان قد صار في معنى اللحم، كالكبد والطحال, وما كان في اللحم غير مُنسفِح , فإنَّ ذلك غير حرام, لإجماع الجميع على ذلك ».اهـ

خامسًا ــ قال الفقيه أبو الحسن الماوردي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الحاوي الكبير” (1/ 259 – طبعة: دار الكتب العلمية):

«وأمَّا المعفو عن يسيره مِن النجاسات، فدَم البراغيث لإجماع السَّلف عليه».اهـ

سادسًا ــ قال الفقيه أبو عبد الله القرطبي المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الجامع لأحكام القرآن” (8/ 262 – طبعة: دار الكتب المصرية):

«واختلف العلماء مِن هذا الباب في إزالة النجاسة مِن الأبدان والثياب، بعد إجماعهم على التجاوز والعفو عن دَم البراغيث ما لم يتفاحش».اهـ

سابعًا ــ قال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع الفتاوى” (21/ 523-524):

« كما تقدَّم مِن أنَّ الله إنَّما حرَّم الدَّم المسفوح.

وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل أحدهم أصبعه في خيشومه فيُلوِّث أصابعه بالدَّم فيَمضي في صلاته.

وكذلك كانت أيديهم تُصيب الدَّماميل والجراح.

ولم يُنقل عنهم أنَّهم كانوا يتحرَّجون مِن مباشرة المائعات حتى يغسلوا أيديهم.

وقد ثبت أنَّهم كانوا يَضعون اللحم بالقدْر فيَبقَى الدَّم في الماء خطوطُا.

وهذا لا أعلم بين العلماء خلافًا في العفو عنه، وأنَّه لا يُنجِّس باتفاقهم».اهـ

ومِن باب الزِّيادة:

قال الحافظ أبو جعفر الطحاوي الحنفي ــ رحمه الله ــ كما في كتاب “مُختصَر اختلاف العلماء” (1/ 132 ــ مسألة رقم:20 – طبعة: دار البشائر):

«وقال ــ يَعني: الإمام الليث بن سعد ــ:

سمعت الناس لا يَرون في يسير الدَّم يُصلِّي وهو في ثوبه بأسًا، ويرون أنْ تُعاد الصلاة في الوقت مِن الدَّم الكثير، والقيح مِثل الدَّم».اهـ

قلت:

وبعض أهل العلم يَنسِب العفو عن يسير الدَّم إلى أكثر العلماء ــ رحمهم الله ــ.

حيث قال الفقيه ابن رُشد المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “بداية المُجتهِد” (1/ 199- طبعة: مكتبة ابن تيمية):

«وكذلك قال قوم: إنَّ قليل الدِّماء مَعفو عنه.

وقال قوم: بل القليل مِنها والكثير حُكمه واحد، والأوَّل عليه الجمهور».اهـ

وقال الفقيه أبو محمد ابن قدامة المقدسي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المغني” (2/ 481-482 – طبعة: هجر):

«أكثر أهل العلم يَرون العفو عن يسير الدَّم والقيح.

ومِمَّن رُوي عنه:

ابن عباس، وأبو هريرة، وجابر، وابن أبي أوفَى، وسعيد بن المُسيب، وسعيد بن جُبير، وطاوس، ومجاهد، وعُروة، ومحمد بن كنانة، والنَّخعي وقتادة، والأوزاعي، والشافعي في أحد قوليه، وأصحاب الرَّأي.

وكان ابن عمر ينصرف مِن قليله وكثيره، وقال الحسن: “كثيره وقليله سواء”، ونحوه عن سليمان التيمي.

لأنَّه نجاسة فأشبَه البول».اهـ

ـــــ ومِن حُجَّة العفو عن يَسير الدَّم، وأنَّه لا يُفسِد صلاة المُصلِّي إذا صلَّى بِه وهو على ثوبه أو بدَنه:

الآثار الوارد عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في صِحَّة الصلاة مع الدَّم القليل غير الفاحش، وعدم الانصراف مِنها.

ومن هذه الآثار:

أوَّلاً: أثر عبد الله بن عباس ــ رضي الله عنهما ــ الصَّحيح المُتقدِّم ذِكرًا وتخريجًا، بلفظ:

 (( إِذَا كَانَ الدَّمُ فَاحِشًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ )).

ثانيًا: أثر أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ:

حيث قال الحافظ الدولابي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الكُنى والأسماء” (1176):

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَهدي قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن توبة أبي صدَقة:

(( أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَقْتُلُ الْقُمَّلَ وَالْبَرَاغِيثَ فِي الصَّلَاةِ )).

وإسناده حسن.

وتوبَة أبو صدَقة أو صدَقة أبو توبَة هذا، هو مولى أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ، وسمِع مِنه.

وقد رَوى عنه شُعبة بن الحجَّاج، وهو مِمَّن قيل عنه: “إنَّه لا يُحدِّث إلا عن ثقة”.

ووثقه الحافظ الذهبي ــ رحمه الله ــ.

وقال الحافظ ابن حجَر العسقلاني ــ رحمه الله ــ في كتابه “تهذيب التهذيب” (961):

«وقال أبو الفتح الأزدي: “لا يُحتَج بِه”.

وقرأت بخط الذهبي: “بل هو ثقة”، رَوى عنه شُعبة، يعنى: وروايته عنه: “توثيق له”».اهـ

وذَكره الحافظ ابن حِبَّان في كتابه “الثقات”.

ورَوى عنه جمع مِن الثقات.

ثالثًا: أثر عبد الله بن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنهما ــ.

حيث قال الحافظ ابن أبي شيبة ــ رحمه الله ــ في “مُصنَّفه” (1469):

حدثنا عبد الوهاب، عن التَّيمِي، عن بَكر، قال:

(( رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ عَصَرَ بَثْرَةً فِي وَجْهِهِ فَخَرَجَ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ، فَحَكَّهُ بَيْنَ إصْبَعَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ )).

وإسناده صحيح.

وقد علقه الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ في “صحيحه” ( قبل حديث رقم: 176) جازمًا به، فقال:

(( وَعَصَرَ ابْنُ عُمَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ )).

وصحَّحه:

1 ــ ابن دقيق العيد ــ رحمه الله ــ كما في كتاب “خلاصة البَدر المنير” (541)، لابن المُلقِّن.

2 ــ وابن حجَر العسقلاني ــ رحمه الله ــ في كتابيه “تغليق التعليق” (2/ 120) و “فتح الباري” (1/ 282).

3 ــ وبدر الدِّين العَيني ــ رحمه الله ــ في كتابه “عُمدة القاري” (3/ 52).

4 ــ والألباني ــ رحمه الله ــ في كتابه “سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة” (1/ 683 – عند حديث رقم:470).

وأخرجه:

عبد الرزاق ــ رحمه الله ــ في “مُصنَّفه” ( 553)، بنحوه:

عن ابن التيمي، عن أبيه وحُميد الطويل قالا: حدثنا بَكر بن عبد الله المُزَنِي.

وقال الحافظ أبو بكر الأثرم ــ رحمه الله ــ في “سُننه” (113):

حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حمَّاد، أخبرنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر:

(( أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ فَيُخْرِجُ يَدَيْهِ فَيَضَعُهُمَا عَلَى الأَرْضِ وَهُمَا يَقْطُرَانِ دَمًا مِنْ شِقَاقٍ كَانَ فِي يَدَيْهِ )).

وإسناده حسن أو صحيح.

وأخرجه أيضًا بنحوه:

حرْب الكرماني في “مسائله” (81)، فقال:

حدثنا إسحاق بن عمرو بن سليط، قال: ثنا حمَّاد بن سلمة، عن حُميد، عن بَكر بن عبد لله.

رابعًا: أثر أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ.

حيث قال الحافظ عبد الرزاق ــ رحمه الله ــ في “مُصنَّفه” ( 556):

عن مَعْمَر، عن جعفر بن بُرْقان، قال: أخبرني ميمون بن مِهران، قال:

(( رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ أَدْخَلَ إِصْبَعَهُ فِي أَنْفِهِ فَخَرَجَتْ مُخَضَّبَةً دَمًا فَفَتَّهُ، ثُمَّ صَلَّى فَلَمْ يَتَوَضَّأْ )).

وإسناده صحيح.

وصحَّحه:

ابن حزم ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُحلى” (1/ 239).

خامسًا: أثر عبد الله ابن أبي أَوْفَى ــ رضي الله عنه ــ.

حيث قال الحافظ أبو بكر الأثرم  ــ رحمه الله ــ – في”سُننه” (111):

حدثنا معاوية بن عمرو، عن سفيان بن عُيينة، عن عطاء بن السائب:

(( أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى يَتَنَخَّمُ دَمًا عَبِيطًا وَهُوَ يُصَلِّي )).

وتابع معاوية:

يَعلى بن عُبيد، عن سفيان بِه.

أخرجه:

ابن المنذر ــ رحمه الله ــ في كتابه “الأوسط” (64).

وعلَّقه الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ جازمًا بِه في “صحيحه” (قبل حديث رقم:176) فقال:

(( وَبَزَقَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى دَمًا فَمَضَى فِي صَلاَتِهِ )).

وأخرجه:

ابن أبي شيبة في “مُصنَّفه” ( 1343)، فقال:

حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن عطاء السائب، بنحوه.

وصحَّحه:

1 ــ ابن حجَر العسقلاني ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري” (1/ 282).

1 ــ والألباني ــ رحمه الله ــ في كتابه “سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة” (1/ 683 – عند حديث رقم:470).

وجوَّد إسناده:

بدر الدِّين العَيني ــ رحمه الله ــ في كتابه “عُمدة القاري” (3/ 52).

سادسًا: أثر معاذ بن جبل ــ رضي الله عنه ــ.

حيث قال الحافظ عبد الرزاق ــ رحمه الله ــ في “مُصنَّفه” (1752):

عن ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد، عن مالك بن يُخامِر، قال:

(( رَأَيْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَقْتُلُ الْقَمْلَةَ وَالْبَرَاغِيثَ فِي الصَّلاَة )).

وأخرجه أيضًا:

ابن أبي شيبة في “مُصنَّفه” (7560)، عن وكيع، عن ثور، بنحوه.

وقال ــ رحمه الله ــ:

«قال ثور مَرَّةً: راشد بن سعد أو غيره».اهـ

وقال الحافظ العلائي ــ رحمه الله ــ كتابه في “جامع التحصيل” (83):

«ثور بن يزيد الكلاعي، عن راشد بن سعد، عن مالك بن يخامر، قال:

(( رأيت مُعاذُا يَقتل القمل والبراغيث في الصلاة )).

قال أحمد بن حنبل: لم يَسمع ثور مِن راشد شيئًا».اهـ

وأخرجه أيضًا:

ابن أبي شيبة في “مُصنَّفه” (7555)، فقال:

حدثنا عبد الله بن نُمير، عن الأوزاعي، عن حسَّان بن عطية، قال:

(( كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَأْخُذُ الْبُرْغُوثَ فِي الصَّلاَة فَيَفْرُكُهُ بِيَدِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ، ثُمَّ يَبْزُقُ عَلَيْهِ )).

وحسان بن عطية، لم يُدرِك معاذ بن جبل ــ رضي الله عنه ــ.

قلت:

ولا يُعلم لهؤلاء مِن الصحابة مُخالِفًا لهُم مِنهم في عدم إعادة الصلاة مع وجود الدَّم القليل غير الفاحش، فيكون إجماعًا.

حيث قال الإمام أبو محمد ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (2/ 482 – طبعة: دار هجر)، في تقوية هذا القول بآثار الصحابة:

«ولَنَا: ما رُوي عن عائشة، قالت: (( قد كان يكون لإحدانا الدِّرع فيه تحيض، وفيه تُصيبها الجنابة، ثم تَرى فيه قطرة مِن دَم فتقصَعه بريقها )).

وفي لفظ: (( ما كان لإحدانا إلا ثوب فيه تحيض، فإنْ أصابه شيء مِن دمها بلَّته بريقِها ثم قصَعته بظفرها ))، رواه أبو داود.

وهذا يدُل على العفو عنه، لأنَّ الرِّيق لا يُطَهَّر بِه، ويَتنجَّس به ظفرها.

وهو إخبار عن داوم الفعل، ومِثل هذا لا يَخفَى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يَصْدر إلا عن أمرْه.

ولأنَّه: قول مَن سَمَّينا من الصحابة، ولا مُخالِف لهم في عصرهم، فيكون إجماعًا».اهـ

وقال الفقيه بهاء الدِّين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي ــ رحمه الله ــ في كتابه “العُدَّة في شرح الُعمدة” (1/ 14 – طبعة: قطر):

«ورُوي عن جماعة مِن الصحابة الصلاة مع الدَّم، ولم يُعرَف لهم مُخالِف».اهـ

وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ في شرحه على كتاب “عُمدة الفقه” (ص:420 – طبعة: دار العاصمة)، عن حال الصحابة:

«وكانوا إذا وجدوا يَسير الدَّم مضَوا في صلاتهم، فعُلِم أنَّ حمْل شيء مِن البصاق ونحوه، وحمِل شيء مِن يسير النجاسة المَعفو عن يسيرها، لا كراهة فيه، ولا يُشرع لإزالته شيء مِن العمل».اهـ

فإن قيل:

قد ثبت عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ إتمام الصلاة مع قليل الدَّم، والخروج مِن الصلاة مِن قليل الدَّم وكثيره.

فيُجاب عنه:

بما قاله الإمام ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (2/ 481-482 – طبعة: هجر):

«أكثر أهل العلم يَرون العفو عن يسير الدَّم والقيح.

ولأنَّه قول مَن سمَّينا مِن الصحابة ولا مُخالِف لهم في عصرهم فيكون إجماعًا.

وما حُكي عن ابن عمر، فقد رُوي عنه خلافه، فرَوى الأثرم بإسناده عن نافع: (( أنَّ ابن عمر كان يسجد فيُخرج يديه فيضعهما بالأرض وهُما يَقطران دمُا مِن شِقاق كان في يديه، وعصَر بثْرَة فخرج مِنها شيء مِن دَم وقيح فمسَحه بيده وصلَّى ولم يتوضأ )).

وانصرافه مِنه في بعض الحالات لا يُنافي ما رَويناه عنه، فقد يتورَّع الإنسان عن بعض ما يَرى جوازه».اهـ

وإنْ قال قائل آخَر:

إنَّه يَلزَم مَن يقول بالعفو عن يسير الدَّم أنْ يقول بطهارته وليس نجاسته.

فيقال له ــ سددك الله ــ:

إلزامك هذا ليس في محلِّه، ولا إمام لك فيه مِن السَّلف الصالح، ولا مَن بعدهم مِن أئمة الحديث والفقه.

ووقوفك في الاستدلال والفَهم حيث وقفوا خير لك وأسلَم وأصوَب وأوجَب.

وقد قال الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المجموع” (2/ 576- طبعة: دار إحياء التراث العربي):

«والدلائل على نجاسة الدَّم مُتظاهرة، ولا أعلم فيه خلافًا عن أحد مِن المسلمين إلا ما حكاه صاحب “الحاوي” عن بعض المُتكلِّمين أنَّه قال: “هو طاهر”.

ولكن المُتكلِّمين لا يُعتد بِهم في الإجماع والخلاف، على المذهب الصَّحيح الذي عليه جمهور أهل الأصول مِن أصحابنا وغيرهم، لاسيَّما في المسائل الفقهيات».اهـ

تنبيه مُهِم:

قد يَرد في عبارات بعض مُتأخِّري الفقهاء ــ رحمهم الله ــ:

«أنَّ الدَّم اليسير طاهر».

ومُرادهم بهذا اللفظ:

أنَّ يسير الدَّم يُعفَى عنه في العمل، فيُعامَل معاملة الطاهر، بأن تَصح الصلاة معه.

وقد قال الفقيه ابن حجَر الهَيتمي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “تًحفة المُحتاج في شرح المِنهاج” (1/ 294):

[ وَدَمٌ ] إجماعًا حتى ما يَبقَى على العظام، ومَن صرَّح بطهارته أراد أنَّه يُعفَى عنه».اهـ

الوقفة الرابعة:

عن ضابط التفريق بين القليل والكثير مِن الدَّم عند الفقهاء.

قال الإمام الشافعي ــ رحمه الله ــ كما في “مُختصر المُزَني” (9/ 22 – مع كتاب “الأُم” – طبعة: دار الكتب العلمية):

«ولو صلَّى رجل وفي ثوبه نجاسة مِن دَم أو قيح وكان قليلًا مِثل دَم البراغيث وما يتعافاه الناس لم يُعِد».اهـ

وقال الحافظ ابن المُنذر النيسابوري ــ رحمه الله ــ في كتابه “الأوسط”(2/ 278- 297- طبعة: قطر)، تحت باب: “ذِكر اختلاف أهل العلم في المِقدار مِن الدَّم الذي يجب مِنه إعادة الصلاة”:

«واختلفوا في المِقدار مِن الدَّم الذي يكون فاحشًا؟

فحُكِي عن مالك: أنَّه قال ــ وقد سُئل عن الكثير ــ، فقال: “نصف الثوب وأكثر”.

واختلف فيه عن أحمد:

فحَكَى إسحاق بن منصور أنَّه قال وقد سُئل عن الكثير، فقال: “إذا كان شِبرًا في شِبر”.

وحكاه يحيى بن محمد بن يحيى أنَّه قال وقد ذُكِر له شِبر، فقال: “هذا كثير”.

وحَكَى الأثرم عنه: أنَّه لم يوقت في الفاحش وقتًا، ولكنه قال: “على ما تستفحِشه في نفسك”.

وقال قتادة مرَّة: “موضع الدرهم فاحش”، وقال مرَّة: “مِثل الظفر”.

وقالت طائفة: إذا كان الدَّم مقدار الدِّينار أو الدرهم يُعيد الصلاة، رُوي هذا القول عن النَّخعي.

وقال حمَّاد بن أبي سليمان: إذا كان موضع الدرهم في ثوبك فأعِد الصلاة.

ورُوي هذا القول عن: ابن المُسيب أنَّه قال ذلك، وكذلك قال الأوزاعي.

وقالت طائفة: إذا كان قدْر الدرهم لا يَضُره، وإنْ كان أكثر مِن ذلك أعاد، ورُوي هذا القول عن النَّخعي.

وقال سعيد بن جُبير: إذا كان أكثر مِن قدْر الدرهم فانصرف.

وقال حمَّاد: إذا كان أكثر مِن درهم يُعيد صلاته.

وفي كتاب محمد بن الحسن: إذا كان أكثر مِن قدْر الدرهم أعاد، قال: بلغني عن النَّخعي أنَّه قال: “قدْر الدرهم”، والدرهم قد يكون أكبر مِن الدرهم، فوضعناه على أكثر ما يكون فيها، استحسن ذلك، قلت: فإنْ كان قدْر مثقال، قال: لا يعيد حتى يكون أكثر مِن ذلك».اهـ

الوقفة الخامسة:

عن الإجابة عن بعض ما ورَد عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ والتابعين لهم  مِن آثار احتَجَّ بها بعض أهل العلم والفضل مِن المُعاصرين ــ أكرمهم الله برضاه والجنَّة ــ على طهارة الدَّم.

ودُونكم ــ سدَّدكم الله ــ هذه الآثار التي وقفت عليها واسْتُدِلَ بِها على طهارة الدَّم مع الإجابة عنها:

الدليل الأوَّل:

قال الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ في “صحيحه” ( عند حديث رقم: 176) وتحت باب: “من لم يرَ الوضوء إِلا من المَخْرَجين من القُبُل والدُّبُر” مُعلِّقاً بصيغة التمريض:

«ويُذكَر عن جابر: (( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَرَكَعَ، وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلاَتِهِ ))».اهـ

قلت:

أثر جابر بن عبد الله ــ رضي الله عنهما ــ هذا قد وصَلَه:

ابن المُبارك في كتابه “الجهاد” (189) وابن هشام في كتابه “السِّيرة” (2/ 208)، وأحمد (14704 و 14865)، وأبو داود (198)، وابن خُزيمة (36)، ومحمد بن نصر المَروزي كما في كتاب “مُختصر قيام الليل” (ص:152)، والدارقطني (869)، والحاكم (557)، وابن حِبَّان (1096)، وابن جَرير الطبري في “تاريخه” (2/ 558)، وابن بشكوال في كتابه “غوامض الأسماء المُبهَمة” (1/ 438)، جميعهم:

مِن طريق ابن إسحاق، عن صدقة بن يَسار، عن عَقيل بن جابر، عن جابر ــ رضي الله عنه ــ.

وفي بعض طرقه تصريح ابن إسحاق بالتحديث.

وصحَّحه: ابن خُزيمة، وابن حِبَّان، والحاكم، والذهبي، والعَيني، وأبو العُلا المُبارَكفوري.

وحسَّنه: النَّووي، والألباني، وابن قاسم.

وقال العلامة الشوكاني ــ رحمه الله ــ: «ثبَت».اهـ

وقال الحافظ  ابن عبد الهادي ــ رحمه الله ــ في كتابه “تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق” (1/ 293 – مسألة:48 ــ عند حديث رقم:324):

«والدارقطني وقال: إسناده صالح».اهـ

وقال مُحقِّقا  كتاب “سُنن الدارقطني”:

«لم نقف على كلامه في مطبوعة “السُّنن” ولا في “إتحاف المَهرة”، فلعله في رواية أُخْرى أو نُسخة أُخْرى».اهـ

ونَسَب هؤلاء الحُفاظ الزَّيلعي، وابن حجَر العسقلاني، والعَيني ــ رحمهم الله ــ ، وغيرهم، هذا الأثر إلى الإمام الدارقطني ــ رحمه الله ــ، ولم يَذكروا كلامه على إسناده، بأنَّه صالح.

ووجْه استدلالهم مِن هذا الأثر على طهارة الدَّم:

أنَّ دَم هذا الصحابي ــ رضي الله عنه ــ قد نزَف على بدَنه وثيابه، ولو كان نجسًا لأُمِر بإعادة الصلاة، إذ يَبعد أنْ لا يَطَّلِع النبي صلى الله عليه وسلم على واقعته.

وقد أُجِيب عن أثر جابر ــ رضي الله عنه ــ هذا، وعدم صلاحية الاستدلال بِه على طهارة الدَّم مِن عدَّة أوجْه:

الوجْه الأوَّل:

أنَّ إسناده ضعيف، لأنَّ فيه عَقيل بن جابر، وهو مجهول لا يُعرف.

حيث قال الحافظ ابن أبي حاتم ــ رحمه الله ــ في كتابه “الجرح والتعديل” (1206):

«سمعت أبى يقول: عقيل بن جابر لا أعرفه».اهـ

وقال الحافظ الذهبي ــ رحمه الله ــ في كتابه “ميزان الاعتدال” (5702):

«عقيل بن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن أبيه، فيه جهالة، ما رَوى عنه غير صدقة بن يسار».اهـ

وقال الحافظ ابن عبد الهادي ــ رحمه الله ــ في كتابه “تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق” (234):

«وعَقيل بن جابر: فيه جهالة».اهـ

وقال الحافظ ابن حجَر العسقلاني ــ رحمه الله ــ في كتابه “تغليق التعليق على صحيح البخاري” (2/ 116):

«وعَقيل بن جابر لم يَرو عنه سوى صدقة».اهـ

ـــــ وقال أيضًا:

«وتعليق أبي عبد الله ــ يَعني: البخاري ــ له بصيغة التمريض:

إمَّا لكونه اختصَره، وإمَّا للاختلاف في ابن إسحاق، وما انضَاف إليه مِن عدم العلم بعدالة عقيل».اهـ

ـــــ وقال أيضًا في كتابه “فتح الباري” (1/ 281):

«وعَقيل ــ بفتح العين ــ لا أعرف راويًا عنه غير صَدَقة».اهـ

وبنحوه قال أيضًا:

المُحدِّث بدر الدِّين العَيني ــ رحمه الله ــ في كتابه “عُمدة القاري شرح صحيح البخاري” (3/ 50).

وقد ذُكِر أنَّه لم يوجد لعقيل بن جابر غير هذا الحديث، لا في “السُّنن”،  ولا في “المسانيد”، ولا في “المعاجم”،  ولا في “الصِّحاح”، و لا في “الطبقات”، ولا في كتب “السِّيرة”، ولا في غيرها.

وقد ذَكره الحافظ ابن حِبَّان ــ رحمه الله ــ في كتابه “الثقات” ( 4797)، وهو مشهور عند العلماء بتوثيق المجاهيل.

الوجْه الثاني:

أنَّ ابن إسحاق ــ رحمه الله ــ قد تفرَّد بِه عن عَقيل بن جابر، وعَقيل بن جابر تفرَّد بِه عن أبيه جابر ــ رضي الله عنه ــ.

وقد تكلم غير واحد مِن الأئمة على تفرُّدات ابن إسحاق، وأشد مِنها تفرُّدات المجاهيل ومَن لا يُعرَف.

الوجْه الثالث:

أنَّ الأئمة الماضين ــ رحمهم الله ــ لم يُنقل عن واحد مِنهم أنَّه استدَل بِه على نجاسة الدَّم، وإنَّما يُوردونه في باب نواقض الوضوء وأشباهه، عند الكلام على خروج الدَّم مِن غير السبيلين هل يَنقض الوضوء أمْ لا؟

منهم:

1 ــ الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ــ رحمه الله ــ في “صحيحه” (عند حديث: 176).

حيث أورَده تحت باب: «من لم يَر الوضوء إلا من المَخْرَجَين من القُبُل والدُّبُر».

2 ــ الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث السّجِسْتاني ــ رحمه الله ــ في “سُننه” (198).

حيث أورَده تحت باب: «الوضوء مِن الدَّم».

3 ــ الإمام محمد بن إسحاق ابن خُزيمة ــ رحمه الله ــ في “صحيحه” (36).

حيث أورَده تحت باب: «ذِكْرِ الخبر الدَّالِّ على أنَّ خروج الدَّم مِن غير مَخْرَج الحَدَث لا يُوجب الوضوء».

4 ــ الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني ــ رحمه الله ــ في “سُننه” (869).

حيث أورَده تحت باب: «جواز الصلاة مع خروج الدم السائل مِن البدَن».

5 ــ الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ــ رحمه الله ــ.

حيث ذَكره في كتابه “المستدرك” (557) في باب الطهارة، وقال عقبه:

«وهذه سُنَّة ضَيِّقة قد اعتقد أئمتنا بهذا الحديث أنَّ خروج الدَّم مِن غير مَخرَج الحدَث لا يُوجِب الوضوء».اهـ

6 ــ الحافظ أبو حاتم ابن حِبَّان البُستي ــ رحمه الله ــ في “صحيحه” (1096).

حيث ذَكره تحت باب: «نواقض الوضوء».

7 ــ الحافظ أبو بكر البيهقي ــ رحمه الله ــ في كتابه “السُّنن الكبرى” (663).

حيث ذَكره تحت باب: «تَرْك الوضوء مِن خروج الدَّم مِن غير مَخْرَج الحَدَث”.

8 ــ الإمام أبو محمد البغوي الفرَّاء ــ رحمه الله ــ في كتابه “شرح السُّنة” (1/328).

حيث ذَكره تحت باب: «مَا يُوجِب الوضوء».

وهكذا فعل:

أصحاب المذاهب الفقهية المعروفة.

1 ــ كما في كتاب “البَناية شرح الهداية” (1/ 260-261)، مِن كتب الحنفية.

2 ــ وكتابي “الحاوي الكبير” (1/ 201)، و “المجموع شرح المُهذَّب” (2/ 55)، مِن كتب الشافعية.

3 ــ وكتاب “حاشية الرَّوض المُرْبِع شرح زاد المُستقنِع” (1/ 242)، مِن كتب الحنابلة.

وغيرها مِن الكتب.

ويقوي ذلك:

نَقل كثير مِن العلماء الإجماع على نجاسة الدَّم.

الدليل الثاني:

ما قاله عبد الرزاق الصنعاني في “مُصنَّفه” (459)، ومِن طريقه الطبراني في كتابه “المُعجم الكبير” (9219)، وابن المُنذر في كتابه “الأوسط” (142):

عن مَعْمَر، عن قتادة، عن ابن سيرين، عن يحيى بن الجزَّار، أنَّه قال:

(( صَلَّى ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَلَى بَطْنِهِ فَرْثٌ وَدَمٌ مِنْ جَزُورٍ نَحَرَهَا، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ )).

وقال العلامة الألباني ــ رحمه الله ــ في كتابه “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (1/ 606 ــ عندحديث  رقم:300):

«إسناده صحيح».اهـ

وأخرجه أيضًا:

ابن أبي شيبة في “مصنَّفه” (3954)، فقال:

حدثنا هُشيم، قال: أخبرنا خالد ومنصور، عن ابن سيرين، عن يحيى بن الجزَّار:

(( أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى وَعَلَى بَطْنِهِ فَرَثٌ وَدَمٌ، قَالَ: فَلَمْ يُعِدَّ الصَّلَاةَ )).

وأخرجه أيضًا:

ابن المُنذر في كتابه “الأوسط” (714)، فقال:

حدثنا محمد بن علي، نا سعيد بن منصور، أنبأ هشام بن حسَّان، عن محمد بن سيرين، عن يحيى بن الجزَّار:

(( أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ نَحَرَ جَزُورًا فَأَصَابَهُ مِنْ قَرْشِهَا وَدَمِهَا فَصَلَّى وَلَمْ يَغْسِلْهُ )).

ووجْه استدلالهم مِن هذا الأثر على طهارة الدَّم:

أنَّ ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ صلَّى وعلى بطنِه دَم من ناقة جَزور كان قد نحرَها، ولو كان الدَّم نجسًا لغسَله قبل أنْ يُصلِّي، أو لم يُصلِّي فيه.

وقد أُجِيب عن أثر ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ هذا، وعدم صلاحية الاستدلال بِه على طهارة الدَّم مِن عدَّة أوجْه:

الوجْه الأوَّل:

أنَّ الدَّم الذي كان على بطنِه وصلَّى فيه محمول على أنَّه كان قليلًا، والقليل مَعفو عنه، ولا تبطل صلاة المَرء بِه، ولا يَلزمه غسله قبل الصلاة.

والذي يَنحر أو يذبح عن معرفة ومَهارة، ومع قلَّة ثياب، يَعرف كيف يُجَنِّب بدَنه وثيابه كثرة دَم ذبيحته.

وقد أشار الحافظ أبو جعفر الطحاوي ــ رحمه الله ــ إلى هذا الجواب في كتابه “شرح مشكل الآثار” (10/ 106)، فقال:

«وأمَّا ما رُوي فيه عن ابن مسعود مِن حديث يحيى بن الجزَّار، فقد يَحتمل أنْ يكون ذلك لم يكن له مِن المِقدار ما يَفسُد بِه الصلاة، إذ كان قليل الدَّم في ذلك خِلافَ كثيره عند كثير مِن أهل العلم».اهـ

الوجْه الثاني:

أنَّ هذا الأثر قد أمسَك عن التحديث بِه أحد رواته الثقات الأثبات، وهو فقيه التابعين محمد بن سيرين ــ رحمه الله ــ، وذَكر أنَّه قد أُنْكِر.

حيث قال الحافظ  ابن أبي شيبة ــ رحمه الله ــ في “مُصنَّفه” (3954):

حدثنا هُشيم قال: أخبرنا خالد ومنصور، عن ابن سيرين، عن يحيى بن الجزَّار:

(( أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى وَعَلَى بَطْنِهِ فَرَثٌ وَدَمٌ، قَالَ: فَلَمْ يُعِدَّ الصَّلَاةَ )).

ثم قال أعقبه (3955) بقوله:

حدثنا هُشيم قال: أخبرنا يونس، عن ابن سيرين:

(( أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدُ وَلَمْ يُعْجِبْهُ )).

وإسناده صحيح.

وقال الحافظ أبو جعفر العُقيلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الضُّعفاء” (2016):

حدثنا يحيى بن عثمان، قال: حدثنا نُعيم، حثنا حسين بن حسن، عن ابن عَون، قال:

(( قَالَ لِي مُحَمَّدٌ: إِنِّي أَعْرِضُ حَدِيثِي عَلَيْكَ, وَعَلَى أَيُّوبَ, فَعَرَضَ عَلَيْنَا, فَمَرَّ بِحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ: «أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى وَعَلَى بَطْنِهِ فَرْثٌ وَدَمٌ » فَقَالَ: أُنْكِرُ هَذَا )).

والإمساك عن التحديث بِه، والإخبار بأنَّه أُنكِر، يدُل على أنَّه قد أُعِلَّ بشيء.

الوجْه الثالث:

أنَّه لم يَنص أحد مِن العلماء على أنَّ مذهب ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ هو طهارة الدَّم.

ويُؤكد ذلك أيضًا:

نَقل كثير مِن العلماء ــ رحمهم الله ــ الإجماع على نجاسة الدَّم.

الوجْه الرابع:

أنَّ المشهورين بالأخذ عن ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ مِن أصحابه وتلامذته مذهبهم نجاسة الدَّم.

كما نُقِل عند بعضهم.

تنبيه مُهم:

ابن الجزَّار راوي هذا الأثر عن ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ قد ذَكر بعض مَن تَرجم له أنَّه يَروي عن ابن مسعود.

وقد تتبَّعت في كتب عديدة ما رواه عن ابن مسعود -، فرأيته في جميعها يَروي عنه بواسطة.

ويحتاج هذا الأمر إلى تتبع أكثر، فلعلَّ مُتوسِع بالبحث يُفيدني مشكورًا، أو يتيسر لي في وقت لاحِق.

وقد قال الإمام شُعبة بن الحَجاَّج ــ رحمه الله ــ:

«لم يَسمع يحيى بن الجزَّار مِن علي إلا ثلاثة أحاديث».اهـ

وقيل للإمام أحمد بن حنبل ــ رحمه الله ــ:

«هل سمع مِن علي؟ قال: لا».اهـ.

وابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ كانت وفاته سَنة (32هـ).

وعلى بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ كانت وفاته سَنة (40هـ).

الدليل الثالث:

ما قاله الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ في “صحيحه” مُعلَّقًا بصيغة الجزم:

«قال الحسن:  (( مَا زَالَ المُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ ))».اهـ

والحسن، هو: البَصْري، مِن التابعين.

ووجْه استدلالهم مِن هذا الأثر على طهارة الدَّم:

أنَّ الحسن البَصْري ــ رحمه الله ــ يَحكِي صلاة المسلمين بدِماء جراحاتهم، ولو كانت نجسة لَمَا صلَّوا فيها.

وقد أُجِيب عن هذا الأثر، وعدم صلاحية الاستدلال بِه على طهارة الدَّم مِن عدَّة أوجْه:

الوجْه الأوَّل:

أنَّ صلاة الإنسان في جراحه التي تَثعَب حالة ضرورة، كما كان عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ يُصلِّي وجُرحه يَثعَب دمًا بعد أنْ طعنه أبو لؤلؤة المجوسي.

وقد قال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع الفتاوى” (21/ 221):

«مِثل: الاستحاضة، وسَلس البول، والمَذي، والجُرح الذي لا يَرقأ، ونحو ذلك.

فمَن لم يُمكِنه حِفظ الطهارة مِقدار الصلاة، فإنَّه يتوضأ ويُصلِّي ولا يَضُرّه ما خرَج مِنه في الصلاة، ولا يَنتقض وضوؤه بذلك باتفاق الأئمة.

وأكثر ما عليه أنْ يتوضأ لكل صلاة».اهـ

وقال (21/ 221)، أيضًا:

«وأمَّا مَا يَخرج في الصلاة دائمًا، فهذا لا يَنقض الوضوء باتفاق العلماء.

وقد ثبَت في الصَّحيح: (( أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبي كَانَتْ تُصَلِّي وَالدَّمُ يَقْطُرُ مِنها، فَيُوضَعُ لَهَا طَسْتٌ يَقْطُرُ فِيهِ الدَّمُ )).

وثبَت في الصَّحيح: (( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ــ صَلَّى وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا ))».اهـ

الوجْه الثاني:

أنَّ الأئمة الماضين ــ رحمهم الله ــ لم يُنقل عن أحد مِنهم مع شهرة هذا الأثر أنَّه استدَل بِه على طهارة الدَّم.

ويقوي ذلك:

نَقل كثير مِن العلماء الإجماع على نجاسة الدَّم.

والإمام البخاري ــ رحمه الله ــ حين أورده في “صحيحه” أورَّده في باب:

«مَنْ لَمْ يَرَ الوُضُوءَ إِلَّا مِنَ المَخْرَجَيْنِ: مِنَ القُبُلِ وَالدُّبُرِ».

الوجْه الثالث:

أنَّ الحسن البَصْري ــ رحمه الله ــ قد يكون أراد بِكلامه هذا دَم الجراح اليسير.

وقد أورَد الإمام ابن قيِّم الجوزية ــ رحمه الله ــ أثر الحسن البَصْري هذا في كتابه “إغاثة اللهفان” تحت فصلٍ عنوانه:

«فصل: ومِن ذلك: الصلاة مع يسير الدَّم ولا يُعيد».اهـ

الوجْه الرابع:

أنَّ الحسن البَصْري ــ رحمه الله ــ مَذكور في مَن يَرى نجاسة الدَّم.

ولو كان فقه أثرِه هذا هو طهارة الدَّم، لكن أولَى الناس بالأخذ بِه، والعمل بما دلَّ عليه، ولَمَا خالَف فقهه.

 

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفهارس

الوقفة الأولى: عن أسماء الفقهاء الناقلين الإجماع على نجاسة الدَّم مِن آدَمِيٍّ أو حيوان، ونصِّ كلامهم، ومصْدَره.

[1 ــ 11]

الوقفة الثانية: عن الآثار الواردة عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ في أنَّ الدَّم نجس، وأنَّ الصلاة لا تَصِح مع كثيرة.

[11 ــ 13]

الوقفة الثالثة: عن بعض مَن نَقل مِن العلماء الإجماع علي العفو عن الدَّم اليسير، وبعض أمثلته، وأنَّ الصلاة معه تَصح ولا تَبطل.

[13 ــ 23]

الوقفة الرابعة: عن ضابط التفريق بين القليل والكثير مِن الدَّم عند الفقهاء.

[23 ــ 25]

الوقفة الخامسة: عن الإجابة عن بعض ما ورَد عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ والتابعين لهم  مِن آثار احتَجَّ بها بعض أهل العلم والفضل مِن المُعاصرين ــ أكرمهم الله برضاه والجنَّة ــ على طهارة الدَّم.

[25 ــ 35]

الدليل الأوَّل: قول جابر: (( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَرَكَعَ، وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلاَتِهِ )).

[25 ــ 30]

الدليل الثاني: قول ابن الجزَّار: (( صَلَّى ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَلَى بَطْنِهِ فَرْثٌ وَدَمٌ مِنْ جَزُورٍ نَحَرَهَا، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ )).

[30 ــ 33]

الدليل الثالث: قول الحسن:  (( مَا زَالَ المُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ )).

[33 ــ 35]