إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > التربية > خطبة مكتوبة بعنوان: ” سؤال الرجل الناس أموالهم أعطوه أو منعوه “، ملف [ WORD – PDF] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” سؤال الرجل الناس أموالهم أعطوه أو منعوه “، ملف [ WORD – PDF] مع نسخة الموقع.

  • 13 فبراير 2025
  • 1٬791
  • إدارة الموقع

سؤال الرجل الناس أموالهم أعطوه أو منعوه

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ قَيومِ السماواتِ والأرَضِين، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العالمين، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أفضلُ المخلوقينَ، اللهمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليهِ وعلى كافةِ النَّبيينَ والمُرسَلينَ وآلٍ كلٍ وأصحابِهم أجمعين.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فإنَّ مِمَّا يُحزِنُ شديدًا: أنْ يَرى المسلمُ بعضَ إخوانِهِ مِمَّن آتاهُ اللهُ القوَّةَ والصِّحةَ في الأسواقِ أو الطُّرقاتِ أو المساجدِ يُذِلُ نفسَهُ ويُعرِّضُها لِلذُّلِ والهَوانِ بسؤالِ الناسِ أنْ يُعطوهُ مِن أوسَاخِهِمُ الماليَّةِ، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ ))، رواهُ مسلمٌ في “صحيحه”.

بلْ إنَّ بعضَهُم ــ أصلحَهُ اللهُ ــ: قد جَرَّأَ على مَذلَّةِ سُؤالِ الناسِ المالَ حتى نساءَهُ وأبناءَهُ وبناتَهُ وأُمَّهُ المُسِنَّة أو رَضيَهُ لهُم، والنَّفقةُ واجبةٌ عليهِ لهُم وليستْ لهُ عليهِم، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ))، رواه البُخاريُّ ومسلم.

فإنْ كانَ أيُّ إنسانٍ يُريدُ الخيرَ لِنفسِهِ وأهلِهِ: فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ ))، رواه البخاري.

وإنْ كانَ يُريدُ بركَةَ العيشِ والغِنَى: فلنْ يَجدَهُما في سُؤالِ الناسِ أموالَهُم أعطَوهُ أو منعوهُ، إذْ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لَا يُفْتَحُ إِنْسَانٌ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتْحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ ))، وثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ أَوْشَكَ اللَّهُ لَهُ بِالْغِنَى إِمَّا بِمَوْتٍ عَاجِلٍ أَوْ غِنًى عَاجِلٍ )).

أيُّها المسلمون:

لقدْ كرِهَ اللهُ لكُم كثرةَ السؤالِ، فكرهوهُ، وناهُكمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن كثرةِ السؤالِ فانتَهُوا، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ: كَثْرَةَ السُّؤَالِ ))، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: (( كَانَ يَنْهَى عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ ))، وقد أخرجهُما البُخاريُّ ومسلم.

ويَدخلُ في النَّهيِّ عن كثرةِ السؤالِ، وكراهتِهِ: كثرةُ سؤالِ الناسِ المالَ وأمورِ الدنيا مِن غيرِ حاجةٍ ولا ضَرورة أو استكثارًا.

بل قد أصبحَ السؤالُ في عصرنا هذا مِهنةً لِكثيرينَ للعيشِ والتكسُّب طُولَ الحياةِ، وسبيلًا تركوا لأجلِهِ المِهَنَ والعملَ والاكتسابَ المُباح، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ ــ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ــ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ))، رواهُ البخاري.

بلْ أصبحَ ما يُعرَفُ اليومَ “بالتَّسَوُّلِ”، الجسَديِّ أو الإلِكترونِيِّ تُديرُ كثيرًا مِنهُ عِصاباتُ إجراميَّةٌ، وشبكاتٌ إرهابيَّة، وجماعاتٌ ضالَّةٌ، ويُستَغَلُ فيهِ الصِّغارُ ذُكورًا وإناثًا والنِّساءُ وغيرُهُم.

أيُّها المسلمون:

اتقوا اللهَ ــ جلَّ وعلا ــ بالعملِ بما فرَضَ، واجتنابِ ما حرَّمَ، والتكميلِ بالسُّننِ، فهوَ أهلُ التقوى وأهلُ المغفرةِ، واعلموا أنَّ تقواهُ مِن أعظمِ أسبابِ جلْبِ الرِّزقِ وسَعتِهِ، وتيسيرِ طُرقِهِ، وتعدُّدِ مصادرِهِ المُباحَةِ، لِقولِ اللهِ سُبحانَهُ مُبشِّرًا: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }، واطلبوا الرِّزقَ بالحلالِ، ولا تطلبوهِ مِن حرامٍ، فذاكَ مِن عظيمِ تقواهُ، فقد ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ زاجِرًا: (( أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ )).

وسُبحانَ ربِّكَ، ربِّ العِزَّةِ عمَّا يَصِفون، وسلامٌ على المُرسَلِين.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ العظيمِ، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ المَيامين.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فإنَّنا قد نشاهدُ يومَ الجمعةِ الرابعِ عشرَ مِن شهرِ فِبراير مِن هذا العامِ: «الترويجَ الكبيرَ لِعيدٍ مِن أعيادِ الكفار، وموسِمِ احتفالٍ لَهم، يَزيدُ مِن الفسادِ والرَّذيلة، ويَنتشرُ فيه الفُجورُ أكثر، ويُضعِفُ الفضيلةَ والغَيرةَ والحياءَ والعِفَّة، وقد سَمَّوهُ تلبيسًا وخِداعًا باسمٍ يزيد في انتشاره، ويَدفعُ مَن لم يَقوَ دِينُه إلى فعلِه، أو التسهيلِ مِن أمْره، سَمَّوهُ: “عيد الحُّب”».

وحقيقةُ بداية هذا العيدِ وقِصَّتُهُ ــ كما لخَّصَه بعضُهم ــ أنَّهم زَعموا: «أنَّ الرُّومانَ الوثنيِّةَ كانت تَحتفلُ في اليومِ الخامسِ عشَر مِن شهرِ فبراير مِن كلِّ عام، وكان هذا اليومُ عندَهم يُوافِق عُطلةَ الرَّبيع، وفي تلكَ الآوِنةِ كانت النَّصرانيةُ في بدايةِ دعوتِها، فأصدرَ الإمبراطورُ كِلايدِيس الثاني قرارًا بمنعِ الزواجِ على الجنود، وكان حِينَها رجلٌ نصرانِيٌّ راهِبٌ يُدعَى فالَنتاين تَصدَّى لِهذا القرار، فكان يُبرِمُ عقودَ الزواج خُفيَة، فلما افتضَحَ أمرُه حُكمَ عليهِ بالإعدام، وفي السِّجن وقعَ في حُبِّ ابنةِ السَّجَّان، وكانَ هذا سِرًّا، لأنَّ شريعةَ النَّصارى تُحرِّمُ على القساوِسةِ والرُّهبانِ الزواجَ، ولكنْ شَفعَ له لَدَيِهم ثباتُه على النَّصرانية، حيثُ عرَضَ عليه الإمبراطورُ أنْ يَعفوَ عنه على أنْ يَترُكَ النَّصرانية ويَعبُدَ آلهةَ الرَّومانِ الوثنيَّة، ويكونَ لَدَيِهِ مِن المُقرَّبين، ويَجعلَه صِهرًا له، إلا أنَه رَفضَ هذا العرْض، وآثَرَ البقاءَ على النَّصرانية، فأُعْدِمَ يومَ الرابعِ عشَر مِن شهرِ فبراير مِن العام (270) ميلادي، ومِن حِينِها أُطْلِقَ عليه لقَبُ القدِّيسِ فلَنتاين، وبعدما انتشرتْ النَّصرانيةُ في أُورُبَّا أصبحَ العيدُ في يومِ الرابعِ عشَر مِن شهرِ فبراير مِن كل عام، وسُمِّيَ بعيدِ القِدِّيسِ فالَنتاين، إحياءً لِذكراه، لأنَّه في زعمِهم قد فَدَى النَّصرانيةَ بروحِه، وقامَ برعايةْ المُحِبِّينَ والعُشَّاق».

أيُّها المسلمون:

إنَّ ما يُسمَّى “بعيد الحُبٍّ”: لا يجوز لمسلمٍ ولا مسلمةٍ أنْ يَحتفلا بِه، ولا أنْ يُهنِّئا أحدًا بِه، ولا أنْ يَتهاديا لأجلِه، وبسببه، ولا أنْ يَخُصَّا يومَه بلباسِ أهلِه الأحمر، وورُدِه الحمراء، ولا بكلماتِ دُعاته وتبريكاتِهم ورسائِلِهم، ولا أنْ يُغيِّرا فُرُشَ البيت بالأغطية الحمراء، ولا أنْ يَنثُرا الورودَ على سُررِه، وفي ممرَّاته، ولا أنْ يُزَيِّنا جُدرانَه وسَقْفَه بالقلوب الحمراء، لأنَّ هذا العيد مِن سَنَن الكفار، وهَديهم، والتأثُّرِ بفعالهم، ونشرِ ما هُم عليه مِن ضَلال، وقد ثبَت أنَّ النَّبي ﷺ  قال زاجِرًا ومُرهِّبًا: (( وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )).

وإنَّ مِن الأمورِ المُحرَّمةِ جهةَ عيدِ الحُبِّ: «إعانةَ الناسِ مسلمينَ أو كفارًا على الاحتفالِ بِه، وتقويةَ نفوسِهم على القيامِ بمظاهِرهِ، كتهنئتِهم بِهِ، أو إهدائِهم شيئًا بمناسبتِهِ، أو طبعِ  كُروتٍ وأدواتٍ تتعلَّق بِهِ، أو رَسمِ شِعاراتِهِ، أو تصنيعِ أو بيعِ ألبستِهِ وقُبَّعاتِهِ وقُلوبِهِ وشاراتِهِ ومَعاطِفهِ ولُعَبِهِ وزُهورهِ، والمُتاجَرةِ بها، أو طبخِ أطعمتِهِ وبيعِها والتَّكسُّبِ مِنها»، لأنَّ هذا العيدَ مُحرَّمٌ في شريعةِ اللهِ، والإعانةُ على المُحرَّمِ حرامٌ، لِنهْيِ اللهِ الشديدِ عن ذلكَ وتهدِيدِهِ، حيثُ قالَ ــ جلَّ وعزَّ ــ:{ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }، وقد أصبحَ هذا العيدُ اليومَ مِن أكبرِ أبوابِ الماسونيَّةِ اللادِينيِّةِ لِنشرِ الإباحيَّة، والشُّذوذِ الجِنسِي، والمِثليَّةِ البَهيميَّة.

اللهمَّ: يسِّرْ لَنا في الأرزاقِ، وبارِكْ لَنا في أقواتِنا، وقنِّعنا بما رزَقتَنا، ولا تجعلِ الدُّنيا أكبرَ همِّنا، ولا تجعلْها تُلْهِنا عن آخِرَتِنا، اللهمَّ: اجعلْنا مِن الشاكرينَ لنعمَائِك، واجعلْ ما أنعمتَ بِه علينا معونةً لَنا على الخيرِ، اللهمَّ: ارفعِ الضُّرَ عن المُتضرِّرينَ مِن المسلمين في كلِ مكان، وأصلِحِ الولاةَ والجُندَ والرَّعيَّة ووفِّقهُم لِمراضِيك، واغفرْ لأمواتِنَا وأمواتِ المسلمينَ، إنَّكَ سميعُ الدُّعاء، وأقولُ هذا، وأستغفِرُ اللهَ لِي ولكُم.