خطبة عيد الأضحى لِلعام 1446 هـ
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــ
[ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبر. ]
الحمدُ للهِ مُعيدِ الجُمَعِ والأعيادِ، ومُبيدِ الأُمَمِ والأجنادِ، وجامعِ الناسِ يومَ التَّنَادِ، وصلاتُهُ وسلامُهُ على المبعوثِ رحمةً للعِبادِ، وعلى آلِهِ والأصحابِ.
أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمونَ:
فاتقوا اللهَ حقَّ التقوى، فقد قالَ سبحانَهُ آمِرًا لَكُم: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }، واعلموا أنَّ تقواهُ إنَّما تكونُ بفِعلِ الحسناتِ وترْكِ الخطيئاتِ قبلَ انصِرامِ العُمُرِ وحُلولِ الموتِ والمُثولِ بين يديِّ اللهِ للحسابِ والجزاءِ: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا }.
أيُّها المسلمونَ:
إنَّ مِن الشِّركِ الأكبرِ والكُفرِ باللهِ: صَرفَ عبادةِ الدُّعاءِ لِغيرِهِ، كقولِ بعضِهِم: «فرِّجْ عنَّا يا رسولَ اللهِ، مَدَد يا بَدَوي، أغِثنا يا جَيلَانِي، شيئًا للهِ يا رِفاعِي»، وقد قالَ اللهُ زاجِرًا عن ذلك:{ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }.
أيُّها المسلمونَ:
لا تحلِفوا بغيرِ اللهِ، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ )).
أيُّها المسلمونَ:
حافِظوا على الصَّلواتِ الخمسِ، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ )).
أيُّها المسلمونَ:
إيَّاكُم وإحداثَ البدعِ في الدِّينِ أو فِعلَها أو دعوةَ الناسِ إليها أو نشرَها بينَهُم فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )).
أيُّها المسلمونَ:
لا تتفرَّقُوا في الدِّينِ إلى أحزابٍ وجماعاتٍ وطُرقٍ صُوفيةٍ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ مُتوعِّدًا: (( لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ )).
أيُّها المسلمونَ:
تَجنَّبوا دُعاةَ العَلمانيةِ واللبراليةِ واللادِينيةِ والإلحادِ والتَّغريبِ والشُّذوذِ الجِنسيِّ والمِثليةِ، لأنَّ مِن أهدافِهِمُ الكُبرى سَلْخَكُم عن الإسلامِ وتشريعاتِهِ، وإبعادَكُم عن الارتباطِ بأُمَّتِكُم وبُلدانِكُم وعاداتِ مُجتَمَعِكُم وقبائِلِكُم وأُسَرِكُم القويمَة، وسيرَكُم وراءَ العُهرِ والفُجورِ والشهوانيةِ والتَّبَعِيَّةِ للغيرِ، وقد قالَ اللهُ آمْرًا لكُم وزاجِرًا: { وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ }.
أيُّها المسلمونَ:
إنَّ مصالحَ الدِّينِ والدُّنيا والعِبادِ والبلادِ، وإضعافَ شُرورِ الإجرامِ والإرهابِ والإفسادِ والمُفسدينَ والعِرْقِياتِ والعصبيَّاتِ والحِزبياتِ والتسلُّطِ لا تستقيمُ إلَّا بالسَّمعِ والطاعةِ لِحُكَّامِكُم في غيرِ معصيةِ اللهِ، والصَّبرِ على جَورِهِم واستِئثارِهِم، وترْكِ الخُروجِ عليهم تحتَ أيِّ مُسمًّى كان، ثوراتٍ أو مُظاهراتٍ أو مظلومِياتٍ أو دِيمقراطِيَّةٍّ، وقد صحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )).
عِبادَ اللهِ:
إياكُم والتشبُّهَ بأهلِ الكُفرِ أو أهلِ البدعِ أو أهلِ الفسادِ والفُجورِ أو أهلِ التغريبِ في عاداتِهم أو أقوالِهم أو أفعالِهم أو ألبِسَتِهم أو شِعاراتِهِم، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رهَّبَكُم مِن ذلكَ فقالَ: (( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )).
عِبادَ اللهِ:
تجنَّبوا جميعَ المُحرَّماتِ المُتعلِّقَةِ بالقلبِ والِّلسانِ والبَصرِ والسَّمعِ والبطنِ والفرْجِ والشَّهوةِ والبيعِ والشِّراء والجيرانِ والعُمَّالِ والأنسابِ وأذِيَّةِ وظُلمِ الخلقِ وإفسادِ الناسِ والمُجتمعاتِ والجهرِ بالمعاصي، لأنَّها مِن أعظمِ أسبابِ العُقوباتِ الخاصَّةِ والعامَّة، لِقولِ اللهِ سبحانَهُ: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }، وقولِهِ تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }.
أيُّها النَّاسُ:
لا تَخشَوا الفقرَ فأرزاقُكُم عندَ اللهِ وعليهِ ومِنهُ، ولكنْ اخشَوا مِن الدُّنيا ومَلذَّاتِها، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طمأنَكُم وحذَّركُم، فقالَ: (( فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ )).
أيُّها النَّاسُ:
تَرَفَّقُوا في أُمورِكُم، ومعَ الناسِ، وكُونوا مِن أهلِ الرِّفقِ والرَّحمةِ والِّلينِ والُّلطفِ والسُّهولةِ والسَّماحةِ، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ ))، وثبتَ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ: عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ )).
أيُّها النَّاسُ:
اترُكُوا الخوضَ والسَّماعَ والتفتيشَ والتَّتبُّعَ لِمَا لا يَعنِيكُم مِن أمورِ الناسِ، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ )).
أيُّها النّاسُ:
حسِّنوا أخلاقَكُم معَ الناسِ، وطيِّبُوا كلامَكُم معَهُم، وجنِّبوا قلوبَكُم الحِقدَ والغِلَ والحسدَ، وأبعِدُوا أفعالَكُم وأقوالَكُم عن العُنفِ والغِلظةِ والغضَبِ، فقد قالَ اللهُ آمِرًا: { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا }، وثبَتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ))، وثبتَ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، فَلْيَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وحُسْنُ الخُلُقِ ))، وصحَّ أنَّهُ قِيلَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: (( أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ»، قَالُوا: فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ» )).
أيُّها النَّاسُ:
اجعلوا هَمَّكُم الأكبرَ والمُستمِرَّ والوحيدَ هَمَّ آخِرَتِكُم، ولا يُضْعِفْكُم نصيبُكُم مِن الدُّنيا عنهُ، فقد ثبَت أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا كَفَاهُ اللَّهُ مَا هَمَّهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )).
معاشِرَ الرِّجالِ:
استَوصُوا بنسائِكُم مِن أُمَّهاتٍ وأخواتٍ وبناتٍ وزوجاتٍ خيرًا، وكونوا مَعهُنَّ مِن أهلِ العِشرَةِ الحسَنَةِ، وعالِجوا ما لا يُحمَدُ بالحِلْمِ والأناةِ والصَّبرِ والرِّفقِ والرَّحمةِ والعطفِ، واكسِروهُ بجميلِ الفِعالِ والأقوالِ والمواقفِ، مع عقلٍ رشيدٍ لا يُستَفَزُ وحِكمَةِ بصِيرٍ وبُعدِ نظَرٍ، فقد صحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لِأَهْلِهِ ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لَا يَفْرَكْ ــ أَيْ: لَا يُبْغِض ــ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ )).
معاشِرَ النساءِ:
تجنَّبنَ التبرُّجَ والسُّفورَ والاختلاطَ، ولا تنخَدِعْنَ بالدُّعاةِ إلى ذلكَ فمَا وراءَهُم إلا النَّارَ والفسادَ، والْزَمْنَ الحِجابَ والحياءَ والفضيلَةَ، فقد صحَّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رهَّبَكُنَّ فقالَ: (( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ))، وأكْثِرْنَ الصدقةَ واحذَرْنَ اللَّعنَ وابْتَعِدْنَ عن مُقابَلَةِ إحسانِ الأزواجِ بالجُحودِ، فذلكُنَّ مِن أسبابِ كثْرةِ دخولِ النساءِ النَّارَ، إذ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ للنساءِ في مُصَلَّى العيدِ: (( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ: تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّار، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ ))، أي: الزَّوج.
عِبادَ اللهِ:
لا تكونوا مِمَّن أفسدَتْ برامجُ التواصلِ الاجتماعيِّ دِينَهُم، فأصبَحتْ مرْتَعًا لهُم لِرُؤيَةِ الفسادِ وفِعلِ ما لا يَحِلُ ونشْرِ الحرامِ والطعنِ في الحُكَّامِ والتحريضِ عليهِم، وتشويهِ صُورةِ بُلدانِهِم وغِشِ الناسِ في دعاياتِهِم للبضائعِ والأماكنِ، وقد قالَ اللهُ سبحانَهُ مُرَهِّبًا: { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا }، { إِنَّ رَبَّكَ لَبِل الْمِرْصَادِ }.
عِبادَ اللهِ:
تُوبوا إلى اللهِ مِن جميعِ الذُّنوبِ مِن شِركياتٍ وبدعٍ، ومِن كبارِ وصِغارِ المعاصِي، قبلَ بُلوغِ الرُّوحِ التراقِي، فالموتُ لا يَخُصُّ صغيرًا ولا شابًّا ولا مُسِنًّا، وقد قالَ ربُّكُم في ترغِيبِهِ لَكُم وترهِيبِهِ: { فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ }.
واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــ
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر.
الحمدُ للهِ الخالقِ وما سِواهُ مَخلوقٌ، وصلاتُهُ وسلامُهُ على الرُّسلِ الكِرام.
أمَّا بعدُ، فيَا عِبادَ اللهِ:
إنَّ الأضحيةَ بالإبلِ والبقرِ والجامُوسِ والضَّأنِ والمَعْزِ ذُكورًا وإناثًا كِباشًا ونِعاجًا وتُيوسًا ومَعْزًا لَمِن أعظمِ شعائِر الإسلام، وهيَ النُّسُكُ العامُّ في جميع البُلدانِ، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: (( ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ ))، ولم يأتِ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ ترْكَ الأضحيةَ قطُّ، فلا يَنبغِي لِقادرٍ عليها تَرْكُها.
واعلَموا: أنَّ تخصيصَ يومَ العيدِ بزيارةِ القبورِ بعدَ صلاتِهِ مُباشَرةً، لم يُنقلْ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابتِهِ ولا مَن بعدَهُم ولا ذكرَهُ واستحسَنَهُ أئمةُ المذاهبِ الأربعةِ وتلامذتُهم في كُتبِهِم.
واعلموا: إنَّ التهنئةَ بالعيدِ قد جَرَى عليها عملُ الصحابةِ ــ رضيَ اللهُ عنهُم ــ، فقد ثبتَ: (( أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانوا إِذَا الْتَقَوْا يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ» )).
واعلموا: أنَّ السُّنَّةَ لِمَن خرجَ إلى صلاةِ العيدِ مِن طريقٍ أنْ يَرجعَ مِن طريقٍ آخَرٍ، لِمَا صحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم: (( كَانَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ )).
أيَّها المسلمونَ:
إنَّ هذهِ الجُمعةَ قد وافقَتْ يومَ عيدِ الأضحَى، وإنَّ السُّنَّةَ الواجِبَةَ عند الأئمةِ الأربعةِ وغيرِهِم أنْ يُقيمَ الإمامُ بالناسِ صلاةَ الجمعةِ وخُطبَتَها، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُقيمُ الجمعةَ بالناسِ يومَ العيدِ، كما جاءَ عنه صلى الله عليه وسلم في “صحيحِ مُسلمٍ”، وأقامَها في يومِ العيدِ عثمانُ بنُ عفَّانٍ ــ رضِيَ اللهُ عنهُ ــ بمَحضَر الصحابة، كما في “صحيحِ البُخارِيِّ”.
وأمَّا المَأمُومونَ الذين صَلَّوا العيدَ معَ الإمامِ: فالمُستحَبُّ عندَ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ وجماعةٍ مِن فُقهاءِ السَّلف الصَّالحِ أنْ يَشهدُوا صلاةَ الجمعةِ، فإنْ لم يَحضُروها فلا جُناحَ عليهِم، ويُصلُّونَ في بيوتِهم ظهرًا وجوبًا، لِحديثِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: (( صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: «مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ» ))، وقد صحَّحه جمْعٌ مِن المُحدِّثينَ، وقالَ أكثرُ العُلماءِ، ومِنهُم الأئمَّةُ أبو حنيفةَ ومالكٌ والشافعيُّ: يجبُ على مَن صلَّى العيدَ أنْ يَشهدَ صلاةَ الجُمعةَ أيضًا، وضَعَّفُوا الحديثَ السابقَ في الرُّخْصَة بعدمِ حضورِ الجُمعةِ.
وأمَّا مَن لم يَشهدْ صلاةَ العيدِ معَ الإمامِ: فيجب عليه باتفاقِ العلماءِ أنْ يَشهدَ صلاةَ الجُمعةٍ، فإنْ لم يَشهدْها أثِمَ، وكانَ لِربِّهِ عاصيًا.
واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللُهُ، واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.
اللهمَّ: إِنَّا نسألُكَ عِيشَةً نَقِيَّةً ومِيتَةً سَوِيَّةً ومَرَدًّا غَيْرَ مُخْزٍ وَلَا فَاضِح، اللهمَّ: آتِ نُفوسَنا تقواها وزَكِّها أنتَ خيرُ مَن زكَّاها أنتَ ولِيُّها ومولَاها، اللهمَّ: إِنَّا نعوذُ بِكَ مِن علمٍ لا يَنفع وقلبٍ لا يَخشع ونَفْسٍ لا تَشبَع ودعوةٍ لا يُستجابُ لهَا، اللهمَّ: اهدِنا لأحسنِ الأخلاقِ لا يَهدِي لأحسنِها إلا أنت واصرِفْ عنَّا سيِّئَها لا يَصرِفُ عنَّا سيِّئَها إلا أنت، واجعلنَا لكَ ذاكرينَ شاكرينَ وإليكَ أوَّاهينَ مُنِيبينَ، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم.
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــ
[ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبر. ]
الحمدُ للهِ مُعيدِ الجُمَعِ والأعيادِ، ومُبيدِ الأُمَمِ والأجنادِ، وجامعِ الناسِ يومَ التَّنَادِ، وصلاتُهُ وسلامُهُ على المبعوثِ رحمةً للعِبادِ، وعلى آلِهِ والأصحابِ.
أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمونَ:
فاتقوا اللهَ حقَّ التقوى، فقد قالَ سبحانَهُ آمِرًا لَكُم: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }، واعلموا أنَّ تقواهُ إنَّما تكونُ بفِعلِ الحسناتِ وترْكِ الخطيئاتِ قبلَ انصِرامِ العُمُرِ وحُلولِ الموتِ والمُثولِ بين يديِّ اللهِ للحسابِ والجزاءِ: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا }.
أيُّها المسلمونَ:
إنَّ مِن الشِّركِ الأكبرِ والكُفرِ باللهِ: صَرفَ عبادةِ الدُّعاءِ لِغيرِهِ، كقولِ بعضِهِم: «فرِّجْ عنَّا يا رسولَ اللهِ، مَدَد يا بَدَوي، أغِثنا يا جَيلَانِي، شيئًا للهِ يا رِفاعِي»، وقد قالَ اللهُ زاجِرًا عن ذلك:{ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }.
أيُّها المسلمونَ:
لا تحلِفوا بغيرِ اللهِ، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ )).
أيُّها المسلمونَ:
حافِظوا على الصَّلواتِ الخمسِ، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ )).
أيُّها المسلمونَ:
إيَّاكُم وإحداثَ البدعِ في الدِّينِ أو فِعلَها أو دعوةَ الناسِ إليها أو نشرَها بينَهُم فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )).
أيُّها المسلمونَ:
لا تتفرَّقُوا في الدِّينِ إلى أحزابٍ وجماعاتٍ وطُرقٍ صُوفيةٍ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ مُتوعِّدًا: (( لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ )).
أيُّها المسلمونَ:
تَجنَّبوا دُعاةَ العَلمانيةِ واللبراليةِ واللادِينيةِ والإلحادِ والتَّغريبِ والشُّذوذِ الجِنسيِّ والمِثليةِ، لأنَّ مِن أهدافِهِمُ الكُبرى سَلْخَكُم عن الإسلامِ وتشريعاتِهِ، وإبعادَكُم عن الارتباطِ بأُمَّتِكُم وبُلدانِكُم وعاداتِ مُجتَمَعِكُم وقبائِلِكُم وأُسَرِكُم القويمَة، وسيرَكُم وراءَ العُهرِ والفُجورِ والشهوانيةِ والتَّبَعِيَّةِ للغيرِ، وقد قالَ اللهُ آمْرًا لكُم وزاجِرًا: { وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ }.
أيُّها المسلمونَ:
إنَّ مصالحَ الدِّينِ والدُّنيا والعِبادِ والبلادِ، وإضعافَ شُرورِ الإجرامِ والإرهابِ والإفسادِ والمُفسدينَ والعِرْقِياتِ والعصبيَّاتِ والحِزبياتِ والتسلُّطِ لا تستقيمُ إلَّا بالسَّمعِ والطاعةِ لِحُكَّامِكُم في غيرِ معصيةِ اللهِ، والصَّبرِ على جَورِهِم واستِئثارِهِم، وترْكِ الخُروجِ عليهم تحتَ أيِّ مُسمًّى كان، ثوراتٍ أو مُظاهراتٍ أو مظلومِياتٍ أو دِيمقراطِيَّةٍّ، وقد صحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )).
عِبادَ اللهِ:
إياكُم والتشبُّهَ بأهلِ الكُفرِ أو أهلِ البدعِ أو أهلِ الفسادِ والفُجورِ أو أهلِ التغريبِ في عاداتِهم أو أقوالِهم أو أفعالِهم أو ألبِسَتِهم أو شِعاراتِهِم، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رهَّبَكُم مِن ذلكَ فقالَ: (( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )).
عِبادَ اللهِ:
تجنَّبوا جميعَ المُحرَّماتِ المُتعلِّقَةِ بالقلبِ والِّلسانِ والبَصرِ والسَّمعِ والبطنِ والفرْجِ والشَّهوةِ والبيعِ والشِّراء والجيرانِ والعُمَّالِ والأنسابِ وأذِيَّةِ وظُلمِ الخلقِ وإفسادِ الناسِ والمُجتمعاتِ والجهرِ بالمعاصي، لأنَّها مِن أعظمِ أسبابِ العُقوباتِ الخاصَّةِ والعامَّة، لِقولِ اللهِ سبحانَهُ: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }، وقولِهِ تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }.
أيُّها النَّاسُ:
لا تَخشَوا الفقرَ فأرزاقُكُم عندَ اللهِ وعليهِ ومِنهُ، ولكنْ اخشَوا مِن الدُّنيا ومَلذَّاتِها، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طمأنَكُم وحذَّركُم، فقالَ: (( فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ )).
أيُّها النَّاسُ:
تَرَفَّقُوا في أُمورِكُم، ومعَ الناسِ، وكُونوا مِن أهلِ الرِّفقِ والرَّحمةِ والِّلينِ والُّلطفِ والسُّهولةِ والسَّماحةِ، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ ))، وثبتَ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ: عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ )).
أيُّها النَّاسُ:
اترُكُوا الخوضَ والسَّماعَ والتفتيشَ والتَّتبُّعَ لِمَا لا يَعنِيكُم مِن أمورِ الناسِ، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ )).
أيُّها النّاسُ:
حسِّنوا أخلاقَكُم معَ الناسِ، وطيِّبُوا كلامَكُم معَهُم، وجنِّبوا قلوبَكُم الحِقدَ والغِلَ والحسدَ، وأبعِدُوا أفعالَكُم وأقوالَكُم عن العُنفِ والغِلظةِ والغضَبِ، فقد قالَ اللهُ آمِرًا: { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا }، وثبَتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ))، وثبتَ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، فَلْيَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وحُسْنُ الخُلُقِ ))، وصحَّ أنَّهُ قِيلَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: (( أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ»، قَالُوا: فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ» )).
أيُّها النَّاسُ:
اجعلوا هَمَّكُم الأكبرَ والمُستمِرَّ والوحيدَ هَمَّ آخِرَتِكُم، ولا يُضْعِفْكُم نصيبُكُم مِن الدُّنيا عنهُ، فقد ثبَت أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا كَفَاهُ اللَّهُ مَا هَمَّهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )).
معاشِرَ الرِّجالِ:
استَوصُوا بنسائِكُم مِن أُمَّهاتٍ وأخواتٍ وبناتٍ وزوجاتٍ خيرًا، وكونوا مَعهُنَّ مِن أهلِ العِشرَةِ الحسَنَةِ، وعالِجوا ما لا يُحمَدُ بالحِلْمِ والأناةِ والصَّبرِ والرِّفقِ والرَّحمةِ والعطفِ، واكسِروهُ بجميلِ الفِعالِ والأقوالِ والمواقفِ، مع عقلٍ رشيدٍ لا يُستَفَزُ وحِكمَةِ بصِيرٍ وبُعدِ نظَرٍ، فقد صحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لِأَهْلِهِ ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لَا يَفْرَكْ ــ أَيْ: لَا يُبْغِض ــ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ )).
معاشِرَ النساءِ:
تجنَّبنَ التبرُّجَ والسُّفورَ والاختلاطَ، ولا تنخَدِعْنَ بالدُّعاةِ إلى ذلكَ فمَا وراءَهُم إلا النَّارَ والفسادَ، والْزَمْنَ الحِجابَ والحياءَ والفضيلَةَ، فقد صحَّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رهَّبَكُنَّ فقالَ: (( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ))، وأكْثِرْنَ الصدقةَ واحذَرْنَ اللَّعنَ وابْتَعِدْنَ عن مُقابَلَةِ إحسانِ الأزواجِ بالجُحودِ، فذلكُنَّ مِن أسبابِ كثْرةِ دخولِ النساءِ النَّارَ، إذ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ للنساءِ في مُصَلَّى العيدِ: (( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ: تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّار، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ ))، أي: الزَّوج.
عِبادَ اللهِ:
لا تكونوا مِمَّن أفسدَتْ برامجُ التواصلِ الاجتماعيِّ دِينَهُم، فأصبَحتْ مرْتَعًا لهُم لِرُؤيَةِ الفسادِ وفِعلِ ما لا يَحِلُ ونشْرِ الحرامِ والطعنِ في الحُكَّامِ والتحريضِ عليهِم، وتشويهِ صُورةِ بُلدانِهِم وغِشِ الناسِ في دعاياتِهِم للبضائعِ والأماكنِ، وقد قالَ اللهُ سبحانَهُ مُرَهِّبًا: { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا }، { إِنَّ رَبَّكَ لَبِل الْمِرْصَادِ }.
عِبادَ اللهِ:
تُوبوا إلى اللهِ مِن جميعِ الذُّنوبِ مِن شِركياتٍ وبدعٍ، ومِن كبارِ وصِغارِ المعاصِي، قبلَ بُلوغِ الرُّوحِ التراقِي، فالموتُ لا يَخُصُّ صغيرًا ولا شابًّا ولا مُسِنًّا، وقد قالَ ربُّكُم في ترغِيبِهِ لَكُم وترهِيبِهِ: { فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ }.
واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــ
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر.
الحمدُ للهِ الخالقِ وما سِواهُ مَخلوقٌ، وصلاتُهُ وسلامُهُ على الرُّسلِ الكِرام.
أمَّا بعدُ، فيَا عِبادَ اللهِ:
إنَّ الأضحيةَ بالإبلِ والبقرِ والجامُوسِ والضَّأنِ والمَعْزِ ذُكورًا وإناثًا كِباشًا ونِعاجًا وتُيوسًا ومَعْزًا لَمِن أعظمِ شعائِر الإسلام، وهيَ النُّسُكُ العامُّ في جميع البُلدانِ، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: (( ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ ))، ولم يأتِ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ ترْكَ الأضحيةَ قطُّ، فلا يَنبغِي لِقادرٍ عليها تَرْكُها.
واعلَموا: أنَّ تخصيصَ يومَ العيدِ بزيارةِ القبورِ بعدَ صلاتِهِ مُباشَرةً، لم يُنقلْ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابتِهِ ولا مَن بعدَهُم ولا ذكرَهُ واستحسَنَهُ أئمةُ المذاهبِ الأربعةِ وتلامذتُهم في كُتبِهِم.
واعلموا: إنَّ التهنئةَ بالعيدِ قد جَرَى عليها عملُ الصحابةِ ــ رضيَ اللهُ عنهُم ــ، فقد ثبتَ: (( أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانوا إِذَا الْتَقَوْا يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ» )).
واعلموا: أنَّ السُّنَّةَ لِمَن خرجَ إلى صلاةِ العيدِ مِن طريقٍ أنْ يَرجعَ مِن طريقٍ آخَرٍ، لِمَا صحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم: (( كَانَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ )).
أيَّها المسلمونَ:
إنَّ هذهِ الجُمعةَ قد وافقَتْ يومَ عيدِ الأضحَى، وإنَّ السُّنَّةَ الواجِبَةَ عند الأئمةِ الأربعةِ وغيرِهِم أنْ يُقيمَ الإمامُ بالناسِ صلاةَ الجمعةِ وخُطبَتَها، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُقيمُ الجمعةَ بالناسِ يومَ العيدِ، كما جاءَ عنه صلى الله عليه وسلم في “صحيحِ مُسلمٍ”، وأقامَها في يومِ العيدِ عثمانُ بنُ عفَّانٍ ــ رضِيَ اللهُ عنهُ ــ بمَحضَر الصحابة، كما في “صحيحِ البُخارِيِّ”.
وأمَّا المَأمُومونَ الذين صَلَّوا العيدَ معَ الإمامِ: فالمُستحَبُّ عندَ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ وجماعةٍ مِن فُقهاءِ السَّلف الصَّالحِ أنْ يَشهدُوا صلاةَ الجمعةِ، فإنْ لم يَحضُروها فلا جُناحَ عليهِم، ويُصلُّونَ في بيوتِهم ظهرًا وجوبًا، لِحديثِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: (( صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: «مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ» ))، وقد صحَّحه جمْعٌ مِن المُحدِّثينَ، وقالَ أكثرُ العُلماءِ، ومِنهُم الأئمَّةُ أبو حنيفةَ ومالكٌ والشافعيُّ: يجبُ على مَن صلَّى العيدَ أنْ يَشهدَ صلاةَ الجُمعةَ أيضًا، وضَعَّفُوا الحديثَ السابقَ في الرُّخْصَة بعدمِ حضورِ الجُمعةِ.
وأمَّا مَن لم يَشهدْ صلاةَ العيدِ معَ الإمامِ: فيجب عليه باتفاقِ العلماءِ أنْ يَشهدَ صلاةَ الجُمعةٍ، فإنْ لم يَشهدْها أثِمَ، وكانَ لِربِّهِ عاصيًا.
واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللُهُ، واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.
اللهمَّ: إِنَّا نسألُكَ عِيشَةً نَقِيَّةً ومِيتَةً سَوِيَّةً ومَرَدًّا غَيْرَ مُخْزٍ وَلَا فَاضِح، اللهمَّ: آتِ نُفوسَنا تقواها وزَكِّها أنتَ خيرُ مَن زكَّاها أنتَ ولِيُّها ومولَاها، اللهمَّ: إِنَّا نعوذُ بِكَ مِن علمٍ لا يَنفع وقلبٍ لا يَخشع ونَفْسٍ لا تَشبَع ودعوةٍ لا يُستجابُ لهَا، اللهمَّ: اهدِنا لأحسنِ الأخلاقِ لا يَهدِي لأحسنِها إلا أنت واصرِفْ عنَّا سيِّئَها لا يَصرِفُ عنَّا سيِّئَها إلا أنت، واجعلنَا لكَ ذاكرينَ شاكرينَ وإليكَ أوَّاهينَ مُنِيبينَ، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم.