إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > رسالة مختصرة بعنوان: « المقنع في وجوب قضاء صوم رمضان على الحامل والمرضع ». ــ ملف: [ pdf – word ] مع نسخة الموقع.

رسالة مختصرة بعنوان: « المقنع في وجوب قضاء صوم رمضان على الحامل والمرضع ». ــ ملف: [ pdf – word ] مع نسخة الموقع.

  • 27 مارس 2023
  • 3٬441
  • إدارة الموقع

المُقنِع في وجوب قضاء صوم رمضان على الحَامِل والمُرضِع

 

الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى.

وبعد، أيُّها الحريص على زيادة العلم، والتدقيق في مسائله ــ سدَّدك الله وسلَّمك ورضِي عنك ــ:

فهذه مسائل مُهمَّة ذكرتها في كتابي: «المُمتِع في أحكام صوم المرأة الحَامِل والمُرضِع».

وقد استللتها مِنه وأفردتها لِعظم حاجة طلاب العلم إليها، ولِضيق وقتي في شهر رمضان عن مراجعة جميع مسائل الكتاب.

وأسأل الله ــ جلَّ وعلا ــ النفع بها للكاتب، والقارئ، إنَّه سميع مُجيب.

ثمَّ فأقول مُستعينًا بالله ــ عزَّ وجلَّ ــ:

المسألة الخامسة:

المرأة الحامل والمُرضع مع صيام شهر رمضان على حالين:

الحال الأوَّل:

أنْ تُفطر الحامل والمُرضِع في شهر رمضان بسبب الخوف على نفسيهما.

وفي هذا الحال: يجب عليهما القضاء عند عامَّة أهل العلم، الأئمة الأربعة، وغيرهم.

بل حكاه جمعٌ مِن أهل العلم إجماعًا.

وذَكر بعضهم أنَّ الخلاف في عدم القضاء قد زال، وأجمعوا بعده على وجوب القضاء.

1 ــ فقال الحافظ البيهقي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الخلافيات” (5/ 75 ــ بعد رقم:3542):

«فالفدية وجبَت: بقول ابن عمر، وابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ.

والقضاء واجب:

ــــ بقوله ــ عزَّ وجلَّ ــ: { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }.

ــــ وبإجماع مَن بعدهما على وجوب القضاء على الحامل والمُرضِع».اهــ

2 ــ وقال القاضي عياض المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “إكمال المَعلم بفوائد مسلم” (4/ 100):

«قال ابن القصَّار: وهذا كله إذا كان الخوف على ولديهما.

فأمَّا إنْ خافا على أنفسهما، فلا يَختلف المذهب فى ذلك.

قالوا:وهو: الإجماع“، ــ يُريد إلا مَن أوجَب الفدية على المريض ــ».اهـ

3 ــ وقال الإمام أبو محمد البغوي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “شرح السُّنة” (6/ 316):

«والعمل على هذا عند أهل العلم: أنَّ الحامل والمُرضِع إذا خافتا على ولديهما، تفطران وتقضيان».اهـ

4 ــ وقال الإمام موفق الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (4/ 394:

«وجُملة ذلك: أنَّ الحامل والمُرضع إذا خافتا على أنفسهما فلهما الفِطر، وعليهما القضاء فحسب.

لا نعلم فيه بين أهل العلم اختلافًا.

لأنَّهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه».اهــ

5 ــ وقال الفقيه أبو الحسين القدوري الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “التجريد” (3/ 1509):

«فإنْ قيل: الفدية ثابتة: بقولهما، والقضاء: بالإجماع».اهـ

6 ــ وقال الفقيه أبو الفرَج شمس الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الشرح الكبير على المُقنِع” (7/ 381):

«الحامل والمُرضِع إذا خافتا على أنفسهما إذا صامتا، فلهُما الفطر، وعليهما القضاء لا غير، لا نعلم فيه خلافًا».اهـ

7 ــ  وقال الفقيه بُرهان الدِّين أبو إسحاق ابن مُفلح الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُبدِع في شرح المُقنِع” (3/ 15):

«[ والحامل والمُرضِع إذا خافتا ] الضَّرر [ على أنفسهما ] كُرِه لهُما الصوم، ويُجزئ، فإنْ [ أفطرتا قضتا ] بغير خلاف نعلمه، كالمريض إذا خاف على نفسه، ولِقدْرتهما عليه، بخلاف الكبير».اهـ

8 ــ وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ في شرحه على كتاب “عُمدة الفقه” (1/ 250):

«وأمَّا إنْ خافت على نفسها، فقال أصحابنا: تُفطر، وتَقضي، ولا تُكفِّر.

قال بعضهم: هذا بغير خلاف».اهـ

9 ــ وقال الفقيه الزرقاني المالكي ــ رحمه الله ــ كما في كتاب “مرعاة المفاتيح” (7/ 34):

«إذا خافتا على أنفسهما فلا فدية باتفاق أهل المذهب، وهو إجماع  إلا عند مَن أوجب الفدية على المريض».اهــ

10 ــ وقال الفقيه أبو الحسن الرجراجي المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “مناهج التحصيل “(2/ 113):

«فأمَّا الحامل، فلا تخلو مِن ثلاثة أوجْه:

وإمَّا أنْ تخاف على ولدها إذا صامت، أو تخاف حُدوث عِلَّة بها.

فهذه لا يجوز لَهَا الصيام، وتُؤمَر بالإفطار.

وإمَّا أنْ يُجهدها ويَشق عليها، ولا تخشى إنْ هي صامت شيئًا.

فهذه مُخَيَّرة بين الإفطار والإمساك.

فإنْ أفطرت في هذين الوجهين، كان عليها القضاء، ولا خلاف فيها».اهـ

وهل يُريد ــ رحمه الله ــ لا خلاف بين العلماء أو في المذهب، يحتاج مزيد نظر.

11 ــ وقال الإمام أبو عُبيد القاسم بن سلام ــ رحمه الله ــ في كتابه “الناسخ والمنسوخ” (ص:67):

«وبهذا القول كان يقول سفيان، وأهل العراق: “أنَّ على الحامل والمُرضع القضاء، لا يُجزئهما غيره”.

وكذلك قال مالك فيما حدَّثنيه عنه ابن بُكير.

وعليه أهل الحجاز.

وكذلك رَأي الأوزاعي، وأهل الشام، فيما أعلم.

وهو الذي ذكرناه عن إبراهيم، والحسن، وعطاء، والضَّحاك».اهــ

12 ــ وقال الفقيه أبو عبد الله ابن مُفلح الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الفروع” (3/ 34):

«ولا إطعام إنْ خافتا على أنفسهما (و) كالمريض».اهــ

والواو (و) تعني: اتفاق المذاهب الأربعة على نفس الحُكم.

وهذا القول هو الصواب لأمرين:

الأمر الأوَّل:

قول النبي صلى الله عليه وسلم الثابت: (( إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ نِصْفَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمَ، وَعَنِ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ )).

ووجْه الاستدلال مِن هذا الحديث:

1 ــ ما قاله الإمام أبو عُبيد ــ رحمه الله ــ في كتابه “الناسخ والمنسوخ” (ص:69):

«لم يُسمَع للحامِل والمُرضِع في الصيام بذكر إلا في هذا الحديث.

وقد قرَنهما النبي صلى الله عليه وسلم بالمُسافر، وجعلهما معًا في وضْع الصوم، فصَار حُكمهما كحُكمه، وليس على المُسافر إلا القضاء».اهــ

2 ــ وقال الإمام ابن جَرير الطبري ــ رحمه الله ــ في “تفسيره” (3، 437-438):

«وأمَّا الخبر الذي رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنَّه إنْ كان صحيحًا:

فإنَّما معناه: أنَّه وضَع عن الحامِل والمُرضِع الصوم ما دامتا عاجزتين عنه، حتى تُطيقا فتقضيا، كما وُضِع عن المُسافر في سفره، حتى يُقيم فيَقضيه، لا أنَّهما أُمِرتا بالفدية والإفطار بغير وجوب قضاء.

ولو كان في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ الله وضَع عن المُسافر والمُرضِع والحامل الصوم )) دَلالة على أنَّه صلى الله عليه وسلم إنَّما عنَى أنَّ الله تعالى ذِكره وضَع عنهم بقوله: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } لوجَب أنْ لا يكون على المُسافر إذا أفطر في سفره قضاء، وأنْ لا يَلزمه بإفطاره ذلك إلا الفدية، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد جمَع بين حُكمه وبين حُكم الحامِل والمُرضِع.

وذلك قولٌ، إنْ قاله قائلٌ، خلافٌ لِظاهر كتاب الله، ولِمَا أجمَع عليه جميع أهل الإسلام».اهـ

الأمر الثاني:

الإلحاق لَهُما في الخوف على النفس بالمريض.

1 ــ حيث قال الحافظ ابن عبد البَّر المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الاستذكار” (10/ 221):

«قال مالك: وأهل العلم يَرون عليهما القضاء، كما قال الله: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }.

ويَرون ذلك: مرضًا مِن الأمراض مع الخوف على ولدهما».اهــ

2 ــ وقال الإمام أبو عُبيد ــ رحمه الله ــ في كتابه “الناسخ والمنسوخ” (ص:67):

«وأمَّا الذين أوجَبوا عليهما القضاء بلا إطعام: فذهبوا إلى أنَّ الحْمل والرضاع إنَّما هما عِلتان ونوعان مِن أنواع المرض، لأنَّه يُخاف فيهما مِن التلَف على النفس ما يُخاف مِن المرض، فجعلوهما بذلك مريضتين يلزمهما حُكم المريض».اهــ

3 ــ وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ في شرحه على كتاب “عُمدة الفقه” (1/ 250):

«لأنَّها بمنزلة المريض، أو بمنزلة مَن يخاف حُدوث مرض بِه».اهـ

الحال الثاني:

أنْ تُفطِر الحامل والمُرضِع في شهر رمضان بسبب الخوف على الجَنين أو الرَّضِيع.

وفي هذا الحال: يجب عليهما القضاء عند عامَّة أهل العلم، الأئمة الأربعة، وغيرهم.

بل حكاه جمعٌ مِن أهل العلم إجماعًا.

وذَكر بعضهم أنَّ الخلاف في عدم القضاء قد زال، وأجمعوا بعده على وجوب القضاء.

وهُما أولَى بوجوب القضاء عليهما، مِمَّن خافتا على نفسيهما.

لأنَّه لا خوف مِن الصوم على النفس المُكلَّفة بِه، وإنَّما الخوف حصل لِمصلحة الغير، والفِطر وقع لأجله.

ــــ وقد نَقل هذا القول عن الأئمة الأربعة:

1 ــ الفقيه ابن هُبيرة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الإفصاح” (1/ 398)، حيث قال:

«واتفقوا على: أنَّ للحامل والمُرضِع مع خوفهما على ولديهما الفطر، وعليهما القضاء».اهــ

2 ــ وقال الفقيه ابن مُفلح الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الفروع” (3/ 34):

«فإن أفطرتا قضتا (و) لِقُدرتهما عليه».اهــ

والواو (و) تعني: اتفاق المذاهب الأربعة على نفس الحُكم.

ــــ ونَقله إجماعًا:

1 ــ الفقيه محمد بن الحسن التميمي الجوهري ــ رحمه الله ــ، حيث قال في كتابه “نوادر الفقهاء” (ص: 59):

«وأجمعوا: أنَّ الحامل إذا خافت من الصوم على حملها أفطرت، وقضَت، ولا كفارة عليها في ذلك.

وإنْ اختلفوا في المُستحب مِنه, إلا الشافعي فإنَّه قال في إحدى روايتين عنه: “عليها الكفارة”».اهـ

2 ــ وقال الإمام أبو محمد البغوي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “شرح السُّنة” (6/ 316):

«والعمل على هذا عند أهل العلم: أنَّ الحامل والمُرضِع إذا خافتا على ولديهما، تفطران وتقضيان».اهـ

وقال الحافظ البيهقي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الخلافيات” (5/ 75 ــ بعد رقم:3542):

«فالفدية وجبَت: بقول ابن عمر، وابن عباس ــ رضي الله عنهما ـــ.

والقضاء واجب:

ــــ بقوله ــ عزَّ وجلَّ ــ: { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }.

ــــ وبإجماع مَن بعدهما على وجوب القضاء على الحامل والمُرضع».اهــ

3 ــ وقال الفقيه أبو الحسن الرجراجي المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “مناهج التحصيل “(2/ 113):

«فأمَّا الحامل، فلا تخلو مِن ثلاثة أوجْه:

وإمَّا أنْ تخاف على ولدها إذا صامت، أو تخاف حُدوث عِلَّة بها.

فهذه لا يجوز لَهَا الصيام، وتُؤمَر بالإفطار.

وإمَّا أنْ يُجهدها ويَشق عليها، ولا تخشى إنْ هي صامت شيئًا.

فهذه مُخَيَّرة بين الإفطار والإمساك.

فإنْ أفطرت في هذين الوجهين، كان عليها القضاء، ولا خلاف فيها».اهـ

وهل يُريد ــ رحمه الله ــ لا خلاف بين العلماء أو في المذهب، يحتاج مزيد نظر.

قلت:

ويجب القضاء عليهما أيضًا عند أهل العلم بالخوف على الجَنين والرَّضِيع لِسبب آخَر، وهو:

أنَّه قد حصل مِنهما الإفطار في شهر رمضان.

والأصل في نصوص الشريعة، وبالإجماع، في حق مَن أفطر بُعذرِ حيضٍ، ونفاسٍ، وسفرٍ، ومرَضٍ، ومَن تناول مُفطِّرًا عمدًا، كإخراج القَيء عمدًا:

وجوب القضاء.

ــــ وهل عليهما مع القضاء: الإطعام.

لأجل أنَّ الإفطار مِنهما قد حصل لِمصلحة الغير، وهو الجَنين الذي في بطن الحامل، أو الصغير الذي يُرضَع؟

في هذا خلاف بين العلماء ــ رحمهم الله ــ على أقوال:

القول الأوَّل: أنَّه لا إطعام عليهما مع القضاء.

وهو قول عطاء، والزُّهري، والحسن، والنَّخعي مِن التابعين.

وبه قال أبو حنيفة، وربيعة، وسفيان الثوري، والأوزاعي، ومالك في قول، وأبو ثور، وأبو عُبيد، والمُزَني، وداود الظاهري، وابن المُنذر.

وقد نَسبه القاضي عياض المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “إكمال المَعلم بفوائد مسلم” (4/ 99) إلى أكثر العلماء، فقال:

«وأكثر العلماء على: أنَّه لا إطعام على المريض، وجعلوا المُرضِع والحامل مِثلهما».اهـ

واحتُجَّ لهذا القول:

بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابت: (( إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ نِصْفَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمَ، وَعَنِ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ )).

حيث قرَن النبي صلى الله عليه وسلم الحامِل والمُرضِع بالمُسافر، وجعلهما معًا في معنى واحد، فصَار حُكمهما كحُكمه، وليس على المُسافر إلا القضاء.

قاله الإمام أبو عُبيد ــ رحمه الله ــ في كتابه “الناسخ والمنسوخ” (ص:69).

القول الثاني: أنَّ عليهما مع القضاء الكفارة بإطعام مسكين عن كل يوم.

وهو المشهور مِن مذهب الشافعي، وأحمد، وقول في الحامِل عن مالك، وقول آخَرين.

وفي قولٍ عند بعض أهل مذاهبهم: أنَّ الكفارة استحباب.

واحتُجَّ لهذا القول بأمور ثلاثة:

الأمر الأوَّل: الآثار الثابتة عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في وجوب الإطعام.

حيث ثبت الإطعام عن ابن عمر وابن عباس ــ رضي الله عنهم ــ عند عبد الرزاق، والدارقطني، وغيرهما، بأسانيد صحيحة.

وأعملوا فتاواهم في هذه الصورة دون غيرها.

وقالوا: «لا يُعرف لابن عمر وابن عباس مُخالِف مِن الصحابة في الإطعام، بخلاف القضاء، فقد وُجِد المُخالِف».

1ــ حيث قال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ في شرحه على كتاب “عُمدة الفقه” (1/ 249):

«فقد ثبت وجوب الفِدية عن ثلاثة مِن الصحابة, ولا يُعرَف لهُم مُخالِف.

واختلفوا في القضاء, وأشبَه القولين وجوب القضاء».اهـ

2 ــ وقال الفقيه بُرهان الدِّين أبو إسحاق ابن مُفلح الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُبدِع في شرح المُقنِع” (3/ 15):

«وهو قول ابن عمر وابن عباس، ولا يُعرَف لهُم مُخالِف».اهـ

3 ــ وقال الفقيه أبو الحسين العمراني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “البيان في مذهب الإمام الشافعي” (3/ 474):

«ولا يُعرَف لهُما مُخالِف».اهـ

الأمر الثاني: ظاهر قول الله تعالى: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ }.

«وقالوا: تقديره على الذين يُطيقون الصوم فأفطروا فدية, فأوجَب الفدية على مَن أفطر وهو مُطيق الصوم.

والحامل والمُرضِع داخلان في هذا العُموم، لأنَّهما أفطرتا وهُما مُطيقتان للصوم».اهــ

قاله القاضي عبد الوهاب المالكي ــ رحمه الله ــ في شرحه على كتاب “الرسالة” (1/ 215)، وغيره.

الأمر الثالث: «لأنَّها مُفطرة مِن أجْل غيرها مُنفصلًا عنها، فكان عذُرها أضعف مِن عذُر المريض والمُسافر».اهــ

قاله القاضي عبد الوهاب المالكي ــ رحمه الله ــ في شرحه على كتاب “الرسالة” (1/ 218).

القول الثالث: أنَّ الإطعام على المُرضع دون الحامل.

وهو قول الليث بن سعد، ورواية عن مالك، والشافعي في أحد أقواله، ورواية عن أحمد.

ووجْه هذا القول:

ما قال الإمام موفق الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (4/ 394):

«لأنَّ: المُرضع يُمكنها أنْ تَسترضِع لولدها، بخلاف الحامل.

ولأنَّ: الحمل مُتصل بالحامل، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها».اهــ

المسألة السادسة:

نُقِل عن بعض الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ أنَّ المرأة الحَامِل والمُرضِع ليس عليهما بالخوف على نفسيهما أو على الجَنين أو الرَّضيع إلا الإطعام فقط، ولا قضاء معه.

وقد صحَّ هذا القول عن ابن عباس، وابن عمر ــ رضي الله عنهم ــ.

والآثار عنهما أو عن أحدهما بذلك عند الأئمة:

1 ــ عبد الرزاق ــ رحمه الله ــ في “مُصنَّفه” (7564 و 7567 و 7558 و 7561)، والشافعي كما في “المُسند” (ص:228).

2 ــ وأبي عُبيد القاسم بن سلام ــ رحمه الله ــ في كتابه “الناسخ والمنسوخ” (106 و 107 و 109 و 110).

3 ــ وأبي داود السجستاني ــ رحمه الله ــ في “سُننه” (2318).

4 ــ وابن جَرير الطبري ــ رحمه الله ــ في “تفسيره” (2761 و 2758 و 2759 و 2783 و 2760).

5 ــ و الدارقطني ــ رحمه الله ــ في “سُننه” (2384 و 2382 و 2385 و 2388 و 2389)، وغيرهم.

وهو أيضًا قول:

سعيد بن جُبير، وقتادة، مِن التابعين.

قلت:

قد عُدِلَ عن هذا القول مِن قِبَل عامَّة الفقهاء، مع ثبوته عن ابن عباس، وابن عمر ــ رضي الله عنهم ــ .

وأُوجِبَ القضاء عليهما حين الخوف على النفس، وحين الخوف على الجَنين أو الرَّضِيع.

وكان هذا العُدول مبنيًّا على هذه الأمور الخمسة، وغيرها:

الأمر الأوَّل:

أنَّ الخوف على النفس مِن الحمْل والرّضاع، إنَّما هو خوفٌ مِن حصول مرض، والمريض لا يجب عليه إلا القضاء بنَص القرآن.

حيث قال الله ــ عزَّ وجلَّ ــ : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }.

فتَدخل الحامِل والمُرضِع إذا خافتا على أنفسهما في حُكم المريض في هذه الآية.

الأمر الثاني:

أنَّ وجوب القضاء هو الأصل في نصوص الشريعة، وبالإجماع، في حق مَن أفطر بعُذرِ حيضٍ، ونفاسٍ، وسفرٍ، ومرضٍ، ومَن تناول مُفطِّرًا عمدًا، كإخراج القَيء عمدًا.

فيُلحَق بِهم الحامِل والمُرضِع، سواء خافتا على أنفسهما، أو على الجَنين، أو الرَّضيع.

لأنَّه قد حصل مِنهما الإفطار مِثلهم، فوجب عليهما القضاء، كما وجَب عليهم.

الأمر الثالث:

حديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابت: (( إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ نِصْفَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمَ، وَعَنِ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ )).

حيث قرَن النبي صلى الله عليه وسلم الحامل والمُرضع بالمُسافر، وجعلهما معًا في معنًى واحد، فصار حُكمهما كحُكم المُسافر في وجوب القضاء.

الأمر الرابع:

الإجماع المنقول بعد الخلاف على وجوب القضاء على الحامِل والمُرضِع.

1 ــ حيث قال الحافظ البيهقي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الخلافيات” (5/ 75 ــ بعد رقم:3542):

«فالفدية وجبَت: بقول ابن عمر، وابن عباس ــ رضي الله عنهما ـــ.

والقضاء واجب:

ــــ بقوله ــ عزَّ وجلَّ ــ: { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }.

ــــ وبإجماع مَن بعدهما على وجوب القضاء على الحاِمل والمُرضِع».اهــ

قلت:

ولعلَّه لأجل ذلك:

تتابع العلماء ــ رحمهم الله ــ على نقل الإجماع على وجوب القضاء.

2 ــ وقال القاضي عياض المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “إكمال المَعلم بفوائد مسلم” (4/ 100):

«قال ابن القصَّار: وهذا كله إذا كان الخوف على ولديهما.

فأمَّا إنْ خافا على أنفسهما، فلا يَختلف المذهب فى ذلك.

قالوا: “وهو الإجماع”، ــ يُريد إلا مَن أوجَب الفدية على المريض ــ».اهـ

3 ــ وقال الفقيه محمد بن الحسن التميمي الجوهري ــ رحمه الله ــ في كتابه “نوادر الفقهاء” (ص: 59):

«وأجمعوا: أنَّ الحامل إذا خافت مِن الصوم على حملِها أفطرت، وقضَت».اهـ

4 ــ وقال الإمام أبو محمد البغوي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “شرح السُّنة” (6/ 316):

«والعمل على هذا عند أهل العلم: أنَّ الحامل والمُرضِع إذا خافتا على ولديهما، تفطران وتقضيان».اهـ

5 ــ وقال الإمام موفق الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (4/ 394:

«وجُملة ذلك: أنَّ الحامل والمُرضع إذا خافتا على أنفسهما فلهُما الفِطر، وعليهما القضاء فحسب، لا نعلم فيه بين أهل العلم اختلافًا.

لأنَّهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه».اهــ

6 ــ وقال الفقيه أبو الحسين القدوري الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “التجريد” (3/ 1509):

«فإنْ قيل: الفدية ثابتة: بقولهما، والقضاء: بالإجماع».اهـ

7 ــ وقال الفقيه أبو الفرَج شمس الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الشرح الكبير على المُقنِع” (7/ 381):

«الحامِل والمُرضِع إذا خافتا على أنفسهما إذا صامتا، فلهُما الفطر، وعليهما القضاء لا غير، لا نعلم فيه خلافًا».اهـ

8 ــ وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ في شرحه على كتاب “عُمدة الفقه” (1/ 250):

«وأمَّا إنْ خافت على نفسها، فقال أصحابنا: تُفطر، وتَقضي، ولا تُكفِّر.

قال بعضهم: هذا بغير خلاف».اهـ

9 ــ  وقال الفقيه بُرهان الدِّين أبو إسحاق ابن مُفلح الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُبدِع في شرح المُقنِع” (3/ 15):

«[ والحامل والمُرضِع إذا خافتا ] الضَّرر [ على أنفسهما ] كُرِه لهُما الصوم، ويُجزئ، فإنْ [ أفطرتا قضتا ] بغير خلاف نعلمه، كالمريض إذا خاف على نفسه، ولِقدْرتهما عليه، بخلاف الكبير».اهـ

10 ــ وقال الفقيه الزرقاني المالكي ــ رحمه الله ــ كما في كتاب “مرعاة المفاتيح” (7/ 34):

«إذا خافتا على أنفسهما فلا فدية باتفاق أهل المذهب، وهو إجماع  إلا عند مَن أوجب الفدية على المريض».اهــ

11 ــ وقال الفقيه أبو الحسن الرجراجي المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “مناهج التحصيل “(2/ 113):

«فأمَّا الحامل، فلا تخلو مِن ثلاثة أوجْه:

وإمَّا أنْ تخاف على ولدها إذا صامت، أو تخاف حُدوث عِلَّة بها.

فهذه لا يجوز لَهَا الصيام، وتُؤمَر بالإفطار.

وإمَّا أنْ يُجهدها ويَشق عليها، ولا تخشى إنْ هي صامت شيئًا.

فهذه مُخَيَّرة بين الإفطار والإمساك.

فإنْ أفطرت في هذين الوجهين، كان عليها القضاء، ولا خلاف فيها».اهـ

وهل يُريد ــ رحمه الله ــ لا خلاف بين العلماء أو في المذهب، يحتاج مزيد نظر.

الأمر الخامس:

اختلاف أقوال الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ في القضاء وعدمه.

ــــ فجاء عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ القضاء، وعدم القضاء، وهو الأشهر عنه.

1 ــ فقال عبد الرزاق ــ رحمه الله ــ في “مُصنَّفه” (7564):

عن الثوري، وعن ابن جُريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال:

(( تُفْطِرُ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ فِي رَمَضَانَ، وَتَقْضِيَانِ صِيَامًا، وَلَا تُطْعِمَانِ )).

وقد صحَّح إسناده بعضهم.

2 ــ وأخرج ابن جَرير الطبري في “تفسيره” (3/ 170)، بسند صحيح، عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال:

(( إِذَا خَافَتِ الْحَامِلُ عَلَى نَفْسِهَا، وَالْمُرْضِعُ عَلَى وَلَدِهَا فِي رَمَضَانَ: يُفْطِرَانِ، وَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَلَا يَقْضِيَانِ صَوْمًا )).

ــــ وجاء عدم القضاء أيضًا عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ عند أبي عُبيد في كتابه “الناسخ والمنسوخ” (106 و 107)، بإسناد فيه ضعف.

وأخرج عبد الرزاق في “مُصنَّفه” (7561)، بسند صحيح، عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال:

(( الْحَامِلُ إِذَا خَشِيتَ عَلَى نَفْسِهَا فِي رَمَضَانَ تُفْطِرُ، وَتُطْعِمُ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا )).

والأصَح والمشهور عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ هو: عدم القضاء.

ــــ ونُسِب وجوب القضاء إلى:

عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبي هُريرة، وأنس بن مالك ــ رضي الله عنهم ــ مِن الصحابة.

ولم أقف عليه عنهم مُسندًا.

والصحابة ــ رضي الله عنهم ــ إذا اختلفوا لم يكن قول بعضهم حُجَّة على بعض، ويُرجَّح بينها بالدليل.

وقد أخذ الإمام أحمد بن حنبل ــ رحمه الله ــ بقول أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ في وجوب القضاء.

وترَك قول ابن عباس وابن عمر ــ رضي الله عنهم ــ.

ــــ حيث قال القاضي صالح بن أحمد بن حنبل ــ رحمه الله ــ في “مسائله عن أبيه أحمد بن حنبل” (3/ 15 ــ رقم:1228):

«قلت: المُرضِع والحَامِل تخاف على نفسها أتُفطر؟

قال: إذا أفطَرت تقضي وتُطعم، أذهب فيه إلى حديث أبي هريرة».اهـ

1 ــ وقال الفقيه أبو عبد الله ابن مُفلح الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الفروع” (4/ 446)، شارحًا كلام الإمام أحمد المُتقدِّم أكثر:

«قال أحمد: “أقول بقول أبي هريرة”، يَعني: لا أقول بقول ابن عمر وابن عباس في منع القضاء».اهـ

2 ــ وقال الفقيه بُرهان الدِّين أبو إسحاق ابن مُفلح الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُبدِع في شرح المُقنِع” (3/ 15):

«قال أحمد: “أقول بقول أبي هريرة، لا بقول ابن عمر وابن عباس في منع القضاء”.

وظاهره: أنَّه لا إطعام معه».اهـ

قلت:

وقد أشار إلى اختلاف الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ هذا جمْع مِن العلماء ــ رحمهم الله ــ.

1 ــ فقال الفقيه أبو بكر بن الجصَّاص الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “أحكام القرآن” (1/ 220)

«واختلف السَّلف في ذلك على ثلاثة أوجْه:

فقال عليٌّ: “عليهما القضاء إذا أفطرتا، ولا فدية عليهما”.

وهو قول إبراهيم، والحسن، وعطاء.

وقال ابن عباس: عليهما الفدية بلا قضاء.

وقال ابن عمر، ومجاهد: عليهما الفدية والقضاء».اهـ

2 ــ وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ في شرحه على كتاب “عُمدة الفقه” (1/ 249):

«فقد ثبت وجوب الفدية عن ثلاثة مِن الصحابة, ولا يُعرَف لهُم مُخالِف.

واختلفوا في القضاء.

وأشبَه القولين وجوب القضاء».اهـ

قلت:

وقد تقدَّم قول الحافظ البيهقي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الخلافيات” (5/ 75 ــ بعد رقم:3542):

«فالفدية وجبَت: بقول ابن عمر وابن عباس ــ رضي الله عنهما ـــ.

والقضاء واجب:

ــــ بقوله ــ عزَّ وجلَّ ــ: { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }.

ــــ وبإجماع مَن بعدهما على وجوب القضاء على الحامل والمُرضع».اهــ

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.