إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > التاريخ والسيرة > خطبة مكتوبة بعنوان: ” الصحابة رضي الله عنهم في آيات القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة “. ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” الصحابة رضي الله عنهم في آيات القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة “. ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

  • 10 يوليو 2025
  • 2٬064
  • إدارة الموقع

الصحابة رضي الله عنهم في آيات القرآن والأحاديث النَّبوية الصَّحيحة.

الخطبةُ الأولى: ــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الذي اختَصَّ بالتفضيلِ مِن شاءَ مِن عِبادِهِ، وجعلَهُم أنصَارًا لأنبيائِهِ ودِينِهِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ العَلِيُّ في صِفاتِهِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ إلى الإنسِ والجِنِّ كافَّة، اللهمَّ فصَلِّ وسلِّمْ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِه.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمونَ:

فإنَّ مَن قرَأَ القرآنَ والأحاديثَ النَّبويَّةَ الصَّحيحةَ: لَن يَجدَ فيها إلا الثناءُ على الصحابَةِ ــ رضِيَ اللهُ عنهُم ــ، ووصْفُهُم بالجَميلِ، ووعْدُهُم بالخيرِ في الدُّنيا والآخِرةِ، والحثُّ على الاقتِدَاءِ بِهِم، وتعظيمُهُم وتوقِيرُهُم واحتِرامُهُم والدُّعاءُ والاستغفارُ لَهُم.

ومِن أدِلَّةِ القرآنِ في بيانِ فضلِ وفضائلِ الصحابَةِ ــ رضِيَ اللهُ عنْهُم ــ:

قولُ اللهِ ــ جلَّ وعلا ــ في آخِرِ آيةٍ مِن سُورةِ “الفتحِ”: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }.

حيثُ شَهد اللهُ سُبحانَهُ في هذهِ الآيةِ للصحابَةِ ــ رضِيَ اللهُ عنهُم ــ: بأنَّهم أهلُ رحمةٍ وتَراحُمٍ فيما بينَهُم بقولِهِ تعالَى: { رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }.

ثُمَّ زَكَّى سُبحانَهُ ظواهِرَهُم: بقولِهِ تعالَى: { أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ }،{ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا }،{ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ }.

وزَكَّى بَواطِنَهُم وإخلاصَهُم لِربِّهم سُبحانَهُ: بقولِهِ تعالَى: { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا }.

ثُمَّ أخبَرَ سُبحانَهُ: بأنَّهُم قد ذُكِروا ومُدِحُوا وأَثْنَى عليهِم في التَّورَاةِ والإنجيلِ، بقولِهِ تعالَى: { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ }.

وزَادَ سُبحانَهُ في المدْحِ والتكريمِ لَهُم فجَعَلَهُم: غَيظًا لأعدائِهِ الكُفارِ، بقولِهِ تعالَى: { لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ }، وهذهِ إشارَةٌ إلى ذمِّ وضلالِ الشِّيعَةِ الرَّوافِضِ والخَوارجِ، لأنَّهُم شابَهُوا الكُفارَ في غَيظِهِم على الصحابَة.

ثمَّ ختَمَ سُبحانَهُ الآيةَ: بِوَعْدِ الصحابَةِ بالمغفِرةِ والأجْرِ العظيمِ جزاءَ إيمانِهِم، بقولِهِ تعالَى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }، فهَنيئًا لَهُم تِلكَ الفضائِلُ، وهذا الوعْدُ الجَزيل.

ومِن أدِلَّةِ القرآنِ في بيانِ فضلِ وفضائلِ الصحابَةِ ــ رضِيَ اللهُ عنْهُم ــ:

قولُ اللهِ ــ عزَّ وجلَّ ــ في سُورةِ “التوبَةِ”: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }.

حيثُ أثنَى اللهُ سُبحانَهُ في هذه الآيةِ على: الصحابَةِ السَّابِقينَ الأوَّلِينَ مِنَ المُهاجِرينَ والأنصارِ.

وأخبَرَ سُبحانَهُ فيها عنْهُم وبَشَّرَهُم: بأنَّهُ قد رضِيَ عنْهُم، ورَضُوا عنْهُ، وأنَّهُم مِن أهلِ الفوزِ العظيمِ في الآخِرةِ، وأهلِ الجنَّةِ الخالِدِينَ فيها أبدًا، وأنَّ رِضَاهُ عمَّنْ جاءَ بعدَهُم ووعْدَهُ لَهُم بالجنَّةِ مَشروطٌ باتِّباعِهِم للصحابَةِ بإحسانٍ، وحَكَمَ بِصحَّةِ إيمانِ هؤلاءِ الصحابَةِ الأخيارِ، وسَلامَةِ وسَدادِ ما كانوا عليهِ مِنَ القولِ والعملِ.

ومِن أدِلَّةِ القرآنِ في بيانِ فضلِ وفضائلِ الصحابَةِ ــ رضِيَ اللهُ عنْهُم ــ:

قولُ اللهِ تعالَى في سُورةِ “الحَشْرِ”: { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }.

وفي هذهِ الآياتِ الثلاثِ فوائد:

الأولى: تَزكِيَةُ اللهِ سُبحانَهُ لِبواطِنِ وظَواهِرِ المُهاجِرينَ مِنَ الصحابَةِ بقولِهِ تعالَى عنْهُم: { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ }.

الثانيةُ: تَزكِيَةُ اللهِ سُبحانَهُ لِبواطِنِ وظَواهِرِ الأنصارِ مِنَ الصحابَةِ بقولِهِ تعالَى عنْهُم: { يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }.

الثالثةُ: حُكْمُ اللهِ سُبحانَهُ بإيمانِ المُهاجِرينَ والأنصارِ مِن الصحابَةِ بقولِهِ تعالَى: { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ }.

الرابعةُ: الإشادةُ بمَن جاءَ بعدَ الصحابَةِ مِن أهلِ الإيمانِ، وبِمَوقِفِهِم الصَّحيحِ الجميلِ جِهَةَ الصحابَةِ، حيثُ يَشهدُونَ لِلصحابَةِ بالإيمانِ، ويَدْعُونَ لَهُم بالمغفِرةِ، ويَدْعُونَ لِأنفُسِهِم بأنْ تكونَ قلوبُهُم سليمةً معَ الصحابَةِ لا غِلَّ فيها عليهِم ولا حِقْدَ ولا حَسَدَ ولا بُغْضَ، بقولِهِ تعالَى عنْهُم: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ }.

ومِن أدِلَّةِ القرآنِ في بيانِ فضلِ وفضائلِ الصحابَةِ ــ رضِيَ اللهُ عنْهُم ــ:

قولُ اللهِ ــ تبارَكَ اسمُهُ ــ في سُورةِ “الفتحِ”: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا }.

حيثُ أخبَرَ اللهُ سُبحانَهُ في هذهِ الآيةِ: بأنَّهُ قد رَضِيَ عن هؤلاءِ الصحابَةِ الذينَ بايعُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم تحتَ الشَّجرةِ، وشهِدَ لهُم بأنَّهُم مُؤمِنونَ، وزَكَّى بواطِنِهُم وقلوبَهمَ، ووعَدَهُم بالأجرِ والنَّصرِ والغَنيمَةِ، وقد أخرجَ مُسلِمٌ في “صحيحه” عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالِ: (( لَا يَدْخُلُ النَّارَ ــ إِنْ شَاءَ اللهُ ــ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ، الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا )).

فاللهمَّ: اجعلنا مِمَّن يُحِبُّ صحابةَ نبيِّكَ صلى الله عليه وسلم حُبًّا كثيرًا، ويوقِّرُهم، ويَترضَّى عنهم، ويَستغفرُ لهم، ويسيرُ على طريقِهم، إنَّكَ سميعٌ مُجِيب.

الخطبةُ الثانيةُ: ــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ المَلِكِ العلَّامِ، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ محمدٍ كريمِ الخِصَالِ، على الصَّحْبِ لَهُ والآلِ والأتْباعِ إلى آخِرِ الزَّمانِ.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمونَ:

فإنَّ مِن أدِلَّةِ السُّنةِ النَّبويَّةِ في فضلِ وفضائلِ الصحابَةِ هذهِ الأحاديثُ:

الحديثُ الأوَّلُ: ما أخرجَهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ عن الصحابَةِ مِنَ الأنصَارِ أهلِ المَدينةِ: (( الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ» ))، وهذهِ شهادَةٌ مِنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: بإيمانِ الصحابَةِ الأنصَارِ، وحُبِّ أهلِ الإيمانِ الصَّحيحِ لَهُم، ومَحبَّةِ اللهِ لِمَن أحبَّهُم، ونِفاقِ مَن أبغضَهُم، وبُغضِ اللهِ لِمَن أبغضَهُم.

الحديثُ الثاني: ما أخرجَهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ))،(( خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ ))، وهذهِ شهادَةٌ مِنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: بأنَّ أفضلَ الناسِ المؤمنينَ بعدَ النَّبيينَ وخيرَ اُمَّتِهِ همُ الصحابَةِ.

الحديثُ الثالثُ: ما أخرجَهُ مُسلِمٌ في “صحيحه” عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ ))، ووجْهُ كبيرِ فضلِ ومنزِلَةِ الصحابَة مِن هذا الحديثِ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخبَرَ أنَّ وجُودَ وبقاءَ الصحابَةِ أمانٌ لمَن في عصْرِهِم مِن فُشُوِّ البدعِ، وغلَبَةِ الأهواءِ، واختلافِ العقائدِ، وطُلوعِ قرْنِ الشيطانِ، وظُهورِ الكُفار، كما أنَّ بقاءَ النُّجومِ في السمَّاءِ أمَانٌ بِبَقاءِ الدُّنيا، وزوالَ النَّجومِ علامَةٌ على قِيامِ القيامَةِ.

الحديثُ الرابعُ: ما صحَّ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( لَا تَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَآنِي وَصَاحَبَنِي ))، وهذا الحديثُ: مِن أعظمِ دَلائلِ عُلوِّ منزلَةِ الصحابَةِ، لأنَّ اللهَ أكرَمَ أمَّةَ الإسلامِ فجَعَلَها لا تَزالُ بخيرٍ دِينِيًّا ودُنيَويًّا ما دامَ فيها صحابَةُ أو صحابِيٌّ.

الحديثُ الخامسُ: ما أخرجَهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُونَ: فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ ))، وهذا الحديثُ أيضًا: مِن أعظمِ دَلائلِ عُلوِّ منزلَةِ الصحابَةِ، لأنَّ اللهَ تفضَّلَ فجَعَلَ وجودَ الصحابَةِ والصحابِيِّ مِن أسبابِ النصرِ على الكُفار، وفتحِ بُلدانِهِم.

الحديثُ السادسُ: ما أخرجَهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ ))، ووجْهُ كبيرِ فضلِ ومنزلَةِ الصحابَة مِن هذا الحديثِ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى وحرَّمَ سَبَّ الصحابَةِ، وأقسَمَ باللهِ أنَّ الصحابِيَّ لو تَصدَّقَ بَمِلءِ كَفَّيِّ يَدَيهِ أو بِمِلءِ كفِّ يَدٍ واحدةِ وتصدَّق غيرُهُ مِنَ الناسِ بمِثلِ جِبلِ أُحُدٍ ذهَبًا، فصَدقَةُ الصحابيُّ أعظمُ عندَ اللهِ، وثبَتَ عنِ ابنِ عمرَ ــ رضيَ اللهُ عنهُما ــ أنَّهُ قالَ: (( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، فَلَمَقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمْرَهُ ))، وثبَتَ عن سعيدِ بنِ زيدٍ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( وَاللَّهِ لَمَشْهَدٌ شَهِدَهُ رَجُلٌ يُغَبِّرُ فِيهِ وَجْهَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ وَلَوْ عُمِّرَ عُمُرَ نُوحٍ ــ عَلَيْهِ السَّلَام ــ ))، وهذا الحديثُ وما بعدَهُ مِن آثارٍ تَدُلُّ على: أنَّ العملَ الكثيرَ مِن غيرِ الصحابَةِ لا يُساوِي العملَ القليلَ مِنَ الصحابَةِ، وأنَّهُ لَن يستطيعَ مؤمِنٌ مِمَّن بعدَهُم أنْ يَصِلَ إلى نفسِ مكانَةِ وفضلِ الصحابيِّ ولو عمِلَ ما عمِلَ مِن الأعمالِ الصَّالِحة.

أيُّها المسلمونَ:

اتَّقُوا اللهَ ربَّكُم بِحُبِّ الصحابَةِ وتوقِيرِهِم والاستغفارِ لَهُم ونَشْرِ فضائِلِهِم والدِّفاعِ عنهُم والاقتداءِ بِهِم، فذلِكَ مِن تقوى اللهِ، واتَّقُوهُ بالإكثارِ مِنَ الصَّالحاتِ والمُسارعةِ إلى التوبةِ وخَشيَتِهِ في السِّرِ والعلَنِ، تَنالوا مغفرتَهُ ورحمتَه، وتفوزوا بثوابِهِ ونعيمِهِ، فقد قالَ سُبحانَهُ آمِرًا ومُبشِّرًا: { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ }،{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا }.

هذا، وأسألُ اللهَ: أنْ يُجنِّبنا الشِّركَ والبِدعَ والمعاصي، وأنْ يرزقَنا لُزومَ التوحيد والسُّنَّة إلى المَماتِ، وأنْ يُعيذَنا مِنَ الفتنِ ما ظهرَ مِنها وما بَطنَ، إنَّهُ سميعُ الدُّعاءِ، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم.