إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > البدع > خطبة مكتوبة بعنوان: ” محبتنا واتباعنا للنبي صلى الله عليه وسلم هما سبب تركنا وتحذيرنا من الاحتفال بمولده ” ــ ملف: [word] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” محبتنا واتباعنا للنبي صلى الله عليه وسلم هما سبب تركنا وتحذيرنا من الاحتفال بمولده ” ــ ملف: [word] مع نسخة الموقع.

  • 6 نوفمبر 2019
  • 3٬384
  • إدارة الموقع

محبتنا واتباعنا للنبي صلى الله عليه وسلم هما سبب تركنا وتحذيرنا من الاحتفال بمولده

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

محبَّتنا واتِّباعنا للنبي صلى الله عليه وسلم هما سبب تركِنا وتحذيِرنا مِن الاحتفال بمولده

الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الذي أكملَ لَنا الدِّين، وأتمَّ علينا نِعمتَه، ورضِي لَنا الإسلامَ دِينًا، ونَصَبَ الأدلةَ على صِحَّتِه، وبيَّنها لَنا وجلَّاها، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، جاءَ بشريعةٍ واضحةٍ لا يَزِيغُ عنها إلا هالِك، ورفَعَ اللهُ في الخلقِ ذِكرَه، وأحبَّ وأثنَى على مَن سَار على سُنَّتِه، واقتَفَى أثرَهُ في القولِ والعملِ، والفِعلِ والترْك، فصَلَّى اللهُ عليهِ كثيرًا، ورضِيَ عن آلِ بيتِه وأصحابِه القائِمينَ بسُنَّتِه علمًا وعملًا ودعوة وحُبًّا وتعظيمًا وانقِيادًا.

أمَّا بعدُ، يَا أُمَّةَ النَّبيِّ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم:

فإنَّه لو اختلفَ اثنانِ مِنكم، فقال أحدُهُما: «إنَّ الاحتفال بيوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم مباح، بل أمر طيِّب حسَن»، وقال الآخَرُ: «بل الاحتفال بيوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم غير مشروع، وهو بدعة في الدِّين محرَّمة»، فلا رَيبَ أنَّ المُصيب المنصور بأدلَّة القرآن والسُّنة النَّبوية الثابتة، وأقوالِ وأفعال الصحابة، هو الثاني، الذي حرَّم هذا الاحتفال، لأنَّه بدعة في الدِّين، ولم يَحتفل، وحذَّرَ إخوانَه المسلمين مِن الاحتفال.

وكيفَ لا يكونُ مُصيبًا، وبالحقِّ نَطقَ، ولَهُ اتَّبعَ، وعليهِ سارَ: والله ــ جلَّ وعلا ــ قد قال آمِرًا له ولجميع العباد: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ }.

والله سبحانه قد أنْزَلَ علينا وإلينا القرآنَ والسُّنةَ النَّبوية، وتاركُ الاحتفال والناهي عنه قد نظر فيهما فلم يَجد ذِكرًا للاحتفال بالمولد، لا أمْرًا، ولا ترغيبًا، فاتَّبَع ما فيهما، ولم يَتَّبِع ما قاله وفَعلَه غيرهما، فلم يكن مِن أهل هذا الاحتفال، ولا أعان عليه، ولا دعا إليه، وقد قال الفقيهُ الفاكِهانيُّ المالكيُّ ــ رحمه الله ــ في رسالتِه “المَورِدِ في عملِ المولِد”(ص:20): «لا أعلمُ لهذا المَولِدِ أصلًا في كتابٍ ولا سُّنةٍ، ولا يُنقلُ عملُه عن أحدٍ مِن علماءِ الأمَّةِ، الذين هُم القُدوَةُ في الدِّين، المُتمسِّكونَ بآثارِ المُتقدِّمين».اهـ

كيفَ لا يكونُ مُصيبًا، وبالحقِّ نَطقَ، ولَهُ اتَّبعَ، وعليهِ سارَ: وهذا الاحتفال لم يَفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه، ولا مَن بعدهم مِن سَلف الأمَّة الصالح الذين هُم خير الناس، وأعلمُهم بنصوص الشريعة، وأشدُّهم عملًا بها، وأكثرُهم اتِّبَاعًا لها، وهو قد تابعَهم فلم يَحتفل، ولا دعا إلى هذا الاحتفال، ولا أعان عليه، وقد قال علامةُ بلادِ اليمنِ الشوكانيُّ ــ رحمه الله ــ عن الاحتفالِ بالمولِدِ في “فتاويه” (2/ 1087): «أجمعَ المسلمونَ أنَّه لم يُوجد في عصْرِ خيرِ القُرون، ولا الذين يَلونَهم، ولا الذين يَلونَهم».اهـ

وقد صحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ))، فهنيئًا لِمَن اتَّبعَ أهلَ هذه القُرونِ الثلاثة الذين هُم خيرُ الناس في تَرْكِ الاحتفال بالمولد، ولا رَيبَ أنَّ متابِعَهُم فيما فعلوه وتركوه على حقٍّ وهُدًى وطريقٍ صحيحٍ سديد، ومُخالِفَهُم على باطلٍ، وفي ضلالٍ يَسير.

كيفَ لا يكونُ مُصيبًا، وبالحقِّ نَطقَ، ولَهُ اتَّبعَ، وعليهِ سارَ: وهوَ مُتشبِّهٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وباقِي سَلفِ الأُمَّة الصالح، وأئمة أهل العلم كأبي حنيفة ومالكٍ والشافعيِّ وأحمد، وأهلِ زمانِهم في تَرْكِ الاحتفال بالمولد، ومُخَالِفُه الذي يَحتفل بالمولد مُتَشبِّهٌ بأعداءِ الله، وأعداء دِينِه ورسوله، وأعداء الصحابَة، والمؤمنين بعدَهم، مِن الشِّيعةِ الرافضةِ العُبيديَّة الباطنية، حيثُ نَصَّ كثير مِن العلماء والمؤرِّخين مِن مُختلِّف العُصور والبلدان والمذاهب الفقهية على: «أنَّ أوَّل مَن أحدَثَ الاحتفالَ بالمولد النَّبويِّ هُم مُلوكُ الدولةِ العُبيديةِ الشِّعيةِ الرافضيةِ الباطنيةِ الفاطمية الخارجيَّة».

ومِمَّن ذَكرَ هذا وأشارَ إليه: مُؤرِّخُ مَصر تَقِيُّ الدِّينِ المَقْرِيزيُّ الشافعيُّ في كتابِه “المواعظِ والاعتبارِ بِذكرِ الخِطَطِ والآثار” (1/ 490)، وأديبُ عصرِ المَماليكِ أبو العباسِ الْقَلْقَشَنْدِيُّ في كتابِه “صُبحِ الأعشَى في صناعةِ الإنشاء” (3/ 498-499)، وعلِي محفوظ الأزَهرِيُّ في كتابِه “الإبداعُ في مَضَارِ الابتداع” (ص:126)، والأستاذُ علي فِكرِي في كتابِه “المُحاضرات الفِكرِيَّة” (ص:84)، ــ رحمهم الله ــ.

بل قال الفقيهُ المُطِيعِىُّ الحنَفِيُّ مُفتِي مِصرَ في زِمَنِه ــ رحمه الله ــ في كتابهِ “أحسنِ الكلامِ” (ص:44-45): «مِمَّا أُحْدِثَ وكثًرَ السؤالُ عنهُ المولد، فنقول: إنَّ أوَّلَ مَن أحدَثَها بالقاهرةَ الخلفاءُ الفاطِميون، وأوَّلُهُم المُعِزُّ لِدِينِ الله، توجَّهَ مِن المغربِ إلى مِصرَ في شوالٍ سَنةَ إحدَى وسِتينَ وثلاثِ مئة، ودخلَ القاهرةَ لِسبعٍ خَلَونَ مِن شهرِ رمضان في تلكَ السَّنة، فابتَدعوا: سِتَّةَ موالدَ، المولِدَ النِّبويَّ، ومولِدَ أميرِ المؤمنينِ عليَّ بنِ أبي طالبٍ، ومولِدَ السَّيدةَ فاطمةَ الزَّهراء، ومولِدَ الحَسنَ، ومولِدَ الحُسين، ومولِدَ الخليفةَ الحاضِرَ، وبَقِيَتْ هذهِ الموالِدُ على رُسُومِها إلى أنْ أبطلَها الأفضلُ ابنُ أميرِ الجيوش».اهـ

وهؤلاءِ العُبيديةُ الباطنيةُ الفاطميةُ الشِّيعةُ الرَّوافِض الذين أحدَثوا الاحتفالَ بالمولِد النَّبويِّ، وغيرِه مِن الموالد في بلاد أهلِ السُّنة:

قد قال الحافظُ المؤرِّخ شَمسُ الدِّين الذهبيُّ الشافعيُّ ــ رحمه الله ــ في كتابه “سِيَرِ أعلام النُّبلاء” (15/ 141) إنَّهم: «قَلبوا الإسلام، وأعلنوا الرَّفض، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية»، وقال عنهم فقيهُ المالكيةِ القاضي عياض ــ رحمه الله ــ في كتابه “ترتيبِ المَداركِ وتقريبِ المسالك” (7/ 277): «أجمعَ علماءُ القَيروان: أنَّ حالَ بَنِي عُبيدٍ حالَ المُرتدِّين والزَّنادقة، بما أظهروه مِن خِلاف الشريعة، فلا يُورَثُون بالإجماع، وحالَ الزَّنادقةِ بما أخفوهُ مِن التعطيل، فيُقتلونَ بالزَّندقة».اهـ

ولا رَيبَ ولا شَكَّ أنَّه لا َيرضَى مسلمٌ سُنِّيٌّ حريص على دِينِه وآخِرتِه بعد معرفة هذا: أنْ يكون هؤلاء القوم المُنحرفون الضَّالون قُدوَتَهُ وسَلفَهُ في الاحتفال بالمولد النَّبوي، وإنّ الإنسانَ واللهِ لَيَعْجَبُ شديدًا حين يَسمع بعض الناس يقول: «أنا أتَّبِعُ أحَدَ الأئمةِ الأربعةِ: أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعي وأحمد»، وإذا بِكَ تَرَاهُ في أمْرِ المَولِد لا يَتَّبِعهم ولا يُتابِعهم فيَترُكَ الاحتفال بِه، كما تركوه ولم يفعلوه، بل يُتابِع ويُقلِّد أعداءَهم مِن الشِّيعةِ الرَّافِضةِ العُبيدية الخوارجِ الزَّنادِقة.

كيفَ لا يكونُ مَن لا يَحتفِلُ بالمَولِدِ ويُحذِّرُ مِنه ويَنهَى عنهُ مُصيبًا، وبالحقِّ نَطقَ، ولَهُ اتَّبعَ، وعليهِ سارَ: والاحتفال بالمولد أمْرٌ مُحدَثٌ في دِينِ الله، أحدَثَهٌ العُبيديونَ الرَّافِضَةَ الشِّيعة  في القرْنِ الرابع الهِجري، وقد صحَّتْ أُمورٌ عديدةٌ في شأنِ الأقوالِ والأفعالِ المُحْدَثَةِ في الدِّين بعدَ النبي صلى الله عليه وسلم، ومِن هذهِ الأُمور:

أوَّلًا ــ أنَّ الأمورَ المُحْدَثَةَ في الدِّينِ شَرٌ وبدعةٌ وضلالةُ، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في موعظتِه الوداعِية زاجِرًا أمَّتَهُ ومُحذِّرًا: (( إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )).

ثانيًا ــ أنَّ الأمورَ المُحْدَثَةَ في الدِّينِ مَردُودةٌ على صاحبِها لا يقبلُها الله مِنه إذا فعلَها أو قالَها، لِما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ))، (( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ )).

ثالثًا ــ أنَّ الأمورَ المُحْدَثَةَ في الدِّينِ مُتَوَعَّدٌ عليها بالنَّار والعذابِ فيها، لِما صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ في خُطبِه: (( إِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ))، ولا رَيبَ أنَّ ما وُصِفَ في الشرعِ بأنَّه شَرٌّ، وبدعةٌ، وضلالةُ، وذُكِرَ أنَّه في النِّار، ومَردٌودٌ على مُحدِّثِه وفاعِلِه وقائِلِه، يدخلُ في المُحرَّماتِ شديدةِ التحريم.

وإنَّ مِن عَجيبِ أمْرِ بعضِ الناسِ وغرابتِه، أنْ يقولوا عن الاحتفالِ بالمَولِد: «إنَّه بدعةٌ حسَنة»، مع أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد خالَفَهُم وحَكَم بأنَّ جميعَ البدعِ ضلالات، والضَّلالاتُ لا حَسَنَ فيها أبَدًا، فصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقول في خُطبِه: (( إِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ))، ولفظ: (( كُلِّ )) مِن صِيغِ العُمومِ عندَ أهلِ اللغة، وغيرِهم، وتَعني: أنَّه لا تُوجدُ بدعةٌ في الدِّين إلا وهِيَ في الشَّرعِ ضلالة، وقد صحَّ أنَّ ابنَ عمرَ ــ رضي الله عنه ــ قال: (( كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَإِنْ رَآهَا النَّاسُ حَسَنَةً )).

اللهمَّ جنَّبْنا البدعَ في الدِّين، واكِفِنَا شَرَّ دُعاتِها ومجالسِها، إنَّكَ جوادٌ كريم.

الخطبة الثانية:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين, والصلاةُ على خاتَمِ النَّبِيينَ, وآلِه وصحابتِه أجمَعين.

أمَّا بعدُ، يَا أُمَّةَ النَّبيِّ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم:

فإنَّ بعض الناس في الحقيقةِ لا يُغالِطُون إلا أنفسُهم، ولا يَضُرُّونَ إلا بدِينِهم وآخِرَتِهم، حيثُ تسمعُهم يقولونَ مُسوِّغِينَ لاحتفالِهم ومَن معَهم بالمولِد: «إنَّ معَنا على هذا الاحتفالِ أكثرَ المسلمينَ اليوم».

فيُقالُ لِهولاءِ ــ سدَّدهُم الله ــ: إنَّ هذا التخريجَ لأنفُسِكم ومَن معَكم لا ينفعُكم عندَ الله، يومَ الحِساب، لأنَّ الجميعَ يعلمون يقينًا أنَّ اللهَ سبحانَه ورسولَه صلى الله عليه وسلم لم يَجعلا الكثرةَ ميزانًا لِمعرفة الحق، ولا دليلًا لِصحِّةٍ قولٍ أو فعلٍ أو مذهب، بل المِيزانُ هو: قالَ اللهُ تعالى، وقالَ رسولُه صلى الله عليه وسلم، وفعلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وترَك، وقال الصحابةُ، وفعَلوا وترَكوا، وقد كشَفَ الله حقيقةَ الأكثرية، فقال سبحانه: { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله }، وبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ أمَّتَهُ سَتفترِق في الدِّين، وأنَّ جميعَها على ضلالٍ وانحرافٍ إلا فِرقةً واحدة، فصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ )).

ويُقال لهم أيضًا: إنَّ مع الذين لا يَحتفلون بالمولِد النَّبوي، وغيرِه مِن الموالِد الرُّكنَ الأقوى، والجانِبَ الأعلى، والدليلَ الأكبر، فمعَهُم: الله ــ جلَّ وعزَّ ــ إذ لم يأمْر بالاحتفال بالمَولِد، ولا رَغَّبَ فيه، ولا دعا إليه، ومعَهُم: الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، وجميع أهلِ القُرونِ الثلاثة الأولى، وأئمة المذاهب الأربعة، ومَن في أزمنتِهم مِن أئمة الإسلام والسُّنة، حيثُ لم يَحتفلوا، ولا دَعوا الناس للاحتفال، فهنيئًا لِمَن كان هؤلاء جميعًا في جانبِه، ومعه فيما هوَ عليه، وما فَعلَ وترَكَ وحذَّرَ، ولا رَيبَ أنَّه هوَ المُحِقُّ والمُصِيبُ قطعًا ويقينًا، وعلى الصِّراط السَّوي يسير في شأنِ المولِد.

وقد قال الفقيهُ التِّزْمَنْتي الشافعيُّ ــ رحمه الله ــ عن الاحتفالِ بالمولدِ النَّبويِّ كما في “السِّيرةِ الشامِيِة” (1/ 442): «هذا الفِعلُ لم يَقع في الصَّدرِ الأوَّلِ مِن السَّلفِ الصالحِ مع تعظيمِهم وحُبِّهم له صلى الله عليه وسلم إعظامًا ومحبَّةً لا يَبلغُ جميعُنا الواحدَ مِنهم»، وقال الفقيهُ الفاكِهانيُّ المالكيُّ ــ رحمه الله ــ في رسالتِه “المَورِدِ في عملِ المولِد”(ص:20): «هذا المولدُ لا يُنقلُ عملُه عن أحدٍ مِن علماءِ الأمَّة، الذين هُم القُدوَةُ في الدِّين، المُتمسِّكونَ بآثارِ المُتقدِّمين».اهـ

ولئِنْ كانت في نفوس المُحتفلين بالمولِد: رغبة ونشاط وتَحمُّس لِفعل الطاعات، والمنافسةِ والمسابقة إلى الحسنات المُنجيات، والاجتهادِ في العبادات، والإكثارِ والزيادة في القُربَات، فلتَدَعْ عنها الاحتفالَ بيوم المولِد لاسِيَّما بعد ما سمِعت عنه ما سمِعت، وعرَفت بدايتَه، ومَن أحدَثَه، وحُكمَه، ولا تُخاطِر بأنفسِها، ولتَقُلْ لَها: يا نفسُ كم مِن العبادات والطاعات التي جاءت في القرآن الكريم، وثبَتَت في السُّنة النَّبوية، وأنتِ لا تفعلِينها، ولا تجتهدِين في تحصيلها، يا نفسُ هَلُمِ إلى فِعلِها والإكثارِ مِنها، والتزوُّدِ بها قبلَ الوفاة، وقبلَ العرْضِ والحسابِ والجزاء، يا نفسُ إنَّ مِن العيب أنْ تُقصِّري أو تتساهَلِي أو تَضْعُفِي أو تتكاسَلِي في عبادات كثيرة قد ثبَتَت فيها النُّصوصُ الشرعية، وتنوَّعَت أدلَّتُها وتعدَّدت، وجاء الوعيدُ على تركِها، وعَظُمَ الأجْرُ في فِعلها، وأنت لا تقومِين بِها، ولا تتحمَّسِين لها.

ومَن كان يُحِب الله تعالى فقد أرشدَه سبحانه لِطريق وشاهد محبَّتِه وامتحنَه بِه، فقال سبحانه: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }، وقد اتَّبعناهُ صلى الله عليه وسلم فلم نَحتفِل بالمولِد، لأنَّه لم يَحتفِل بِه، ونَرجو أنْ نَنالَ بذلك محبَّةَ الله ومغفرَتَه.

هذا، وأسألُ اللهَ: أنْ يجعلَنا مِمَّن يُحبُّهم ويُحِبونَه، ويغفرَ لهُم ذُنوبَهم باتِّباعِهم لرسولِه، وأنْ يوفِّقَنا لمعرفةِ الحق واتِّباعِه، ومعرفةِ الباطل واجتنابِه، اللهمَّ تجاوَزْ عن تقصيرِنا وسيئاتِنا، واغفرْ لَنا لوالِدينا وجميعِ أهلينا، وبارِكْ لَنا في أعمارِنا وأعمالِنا وأقواتِنا وأوقاتِنا وأموالِنا، اللهمَّ اكشِفْ عن المسلمينَ ما نَزلَ بِهم مِن ضُرٍّ وبلاء، ووسِّعْ علينا وعليهِم في الأمْنِ والرِّزقِ والعافية، ووفِّقْ للخيرِ حُكَّامَ المسلمين، وارزُقْهم البِطانةَ الصَّالِحةَ النَّاصِحة المُصلِحة، إنَّكَ سميعٌ مُجيب، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُم.