إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > التربية > خطبة مكتوبة بعنوان: ” غزو الشعوب بالمثلية الجنسية والشذوذ “. ملف [word] مع نسخة الموقع

خطبة مكتوبة بعنوان: ” غزو الشعوب بالمثلية الجنسية والشذوذ “. ملف [word] مع نسخة الموقع

  • 16 ديسمبر 2021
  • 7٬567
  • إدارة الموقع

غزو الشعوب بالمثلية الجنسية والشذوذ

 

غزو الشُّعوب بالمِثلِية الجنسية والشُّذوذ

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الملِكِ القهَّار، العظيمِ الجبَّار، المُحيطِ علمُه وبصرُه وقُدرتُه بجميعِ الخلائقِ في الآفاق، وفي كلِّ الأحوالِ والأحيان، عَظُمَ حِلمُه على مَن عصَاهُ فسَتر، وأمهلَ أهلَ الذُّنوبِ وصبَر، ويُملِي للفاجرِ حتى اذا أخذَهُ لم يُفلِتْه، إنَّ أخْذَهُ أليمٌ شديد، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ محمدٍ المبعوثِ للعالَمينَ رحمةً وإصلاحًا، وهدايةً وإحسانًا، وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه إلى يومِ الحشْرِ والجزاء.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فاتقوا الله ــ جلَّ وعلا ــ بحمايةِ أنفسِكم وأهليكم، وجميعِ مَن تعولونَ، ومَن تحتَ تربيتِكم وتعلِيمِكم، مِن أنْ تكونوا أو يكونوا حُثالَةَ الخلْقِ، وسَقَطَ البشريةِ، وخِباثَ الناسِ، وحُقراءَ الأُمَم، وأفراخَ المُفسِدين، وأدواتَ المُبطِلين، وأذنابَ الفاجِرين، ومُستخَرَجاتِ القَذِرِينَ، الذين يَسيرونَ خلْف خُططِ وبرامجِ وأهدافِ الماسونيةِ العالميةِ اللادِينيَّة، وقادتِها مِن رجالاتِ اليهودِ والنصاري، وأذيالِهم وأبواقِهم في الشَّرقِ والغرب، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال مُحذِّرًا لنَا: (( «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ» ))، وقال اللهُ سبحانَه آمِرًا لنَا ومُرهِّبًا: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }، وقال ــ عزَّ وجلَّ ــ: { وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ }، وقال تعالى: { وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ )).

أيُّها المسلمون:

إنَّ شُعوبَ العالمِ اليومَ ــ ولاسِيَّما أهلُ الإسلام ــ يُغزَون بجريمةٍ كبرى، وفاقِرةٍ عُظمَى، وطامَّةٍ سُجْرَى، ورَذيلةٍ في غايةِ القُبحِ والشَّناعَة، والخِسَّةِ والبَشاعَة، يَمُجُّها الذَّوقُ السليم، وتأباها الفِطرُ السَّوية، وتمقُتها الشرائعُ  السماوية، إذْ هَيَ مِن أخَسِّ الغرائِز، وأذَلِّ النَّزوات، وأحَطِّ الشهوات، وأظلَمِ المُوبِقات، وما حلَّتْ بقومٍ، ولا انتشَرتْ واستشْرتْ في موطِنٍ إلا وساءَ الصَّباحُ والمساء، وعظُمَ الكربُ والبلاء، وأسرعتِ الشُّرورُ، وازدادَ الفساد، إذ يَلحقُ الخلقَ بها شديدُ العقوبات، وفظيعُ العذاب، وسريعُ الانتقام، وحينَ لحِقَت بأُمَّةٍ قد مضَت مِن قبلِنا، وانتشرتْ في أرضِهم، وتتابعَ أهلُها على فعلِها، كانت مع الشِّركِ إيذانًا بهلاكِهم، وزوالِهم، وإنزالِ فظيعِ العقوبةِ بديارِهم، وجعلِهم عِظةً وعِبرةً لِمَن بعدَهم مِن الأُمَم، فقد أُهلِكَ مُرتكِبُوها ودُمِّروا، ولم يَنجو مِنهم إلا مَن آمَنَ وتطهرَّ عن هذهِ الجريمة، وأمَّا في الآخِرةِ، فالعقوبةُ والعذابُ لهم أدْهَى وأمَرُّ، أشدُّ وأنكَى، أبكَى وآلَم، أقسَى وأبئَس.

إنَّهم يُغزَونَ: بالمِثْلِيَّة الجِنسيَّة، والشُّذُوذِ الجِنسِي، يُغزونَ: بعملِ قومِ لوطٍ، وإتيانِ الرَّجلِ رجلًا مِثلَه، ورُكوبِ الشَّابِّ شابًّا مِثلَه، واستغناءِ الصغيرِ بصغيرٍ مِثلِه، وسِحَاقِ المرأةِ معَ المرأة، بل أصبَحَ الذَّكَرُ يُجْرِي عمليَّاتٍ تجعلُهُ كالمرأةِ صورةً وأعضَاءً، وأصبحَتِ الأُنْثَى تُجْرِي عمليَّاتٍ تجعلُها كالرَّجلِ صورةً وأعضاءً، ثمَّ وصَلوا إلى زواجِ الرَّجلِ بالرَّجل، ومُعاشرتِه له كالمرأةِ، وزواجِ المرأةِ بالمرأةِ، ومُعاشرتِها لهَا كالرَّجل، بل حتى صغيرَ السِّنِ الذي لم يَعقِلِ الأمورَ جيِّدًا بعدُ، ولا بلَغَ الحُلُمَ والرُّشْدَ، لم يَسلَم مِن غَزوِهِم، وجرُّوهُ إلى مُستنقَعِهم، وأهبَطوهُ إلى رذيلَتِهم، وأوقعوهُ في مُخطَّطَاتِهم، وجعلوهُ شَبكةً يَصطادُونَ بِها غيره، وصارتِ المِثليَّةُ وشِعارُها وكثيرونَ مِن الواقعينَ فيها ذكورًا وإناثًا صغارًا وكِبارًا سِلعةً يتكسَّبونَ بها في الانتخابات، وتجارةً يَتضخَّمُ بها أربابُ الأموال، ومِهنةً يَعيشُ بها سُفهاءُ العقولِ، ودَهماءُ الأنام، وأوصلوهُم حتى إلى أفجَرِ الفُجورِ وهو زِنَى المحارِم.

وحاربَ أهلُ هذا الغَزوِ الماكِرِ الفاجرِ المُفسِدِ في سبيلِ نشرِهِ وفرضِهِ الدُّوَلَ والحكوماتِ والشُّعوبَ والمُصلِحينَ والعُقلاءَ والنُّبلاءَ بتُهْمَةِ تضييقِ الحُرِّيات، والتَّعدِّي على حقوقِ الإنسانِ، واستعانوا عليهم بمُنظَّماتٍ مُتعدِّدة، وتهديدِاتٍ بالعقوباتِ، وضغطٍ سياسِيٍ واقتصادي، وبقنواتِ إعلامٍ مُتعدِّدة، وأنكاها ضررًا، وأسرعُها انتشارًا، وأكثرُها وصولًا إلى الناسِ برامجُ التواصلِ الاجتماعي التي دخلَت بسببِ الإنترنِت إلى كلِّ بيت، ووصَلَتْ إلى الحاضرةِ والباديةِ والأدغالِ، وصارَتْ بيدِ الصغيرِ والكبير، والذَّكرِ والأُنثَى، والصالحِ والطالِح، والغنيِّ والفقير، ومعَهُم في عُمومِ الأوقاتِ، وإلى فراشِ النوم.

فصارَ هؤلاءِ الغُزاةُ أجْرَمَ بالبشريةِ مِن غيرِهم، وأشدَّهُم ظُلمًا للخلْق، وأضيَقَهُم للحُريِّات، وأعظمَهُم انتهاكًا لِحقوقِ الشُّعوب، حيثُ فرَضُوا عليهم فسادَهُم وتدميرَهُم للدِّينِ والأخلاقِ والأعرافِ السَّويةِ بقوَّةِ المالِ والإعلامِ والسُّلطَّة، وشديدِ المَكرِ، وخَفيِّ الكيدِ.

أيُّها المسلمون:

إنَّ هذهِ الفاحشةَ الكبرى، والمِثلِيَّةَ النَّكْرَاء، والشُّذوذَ المُنحَطّ: انتكاسةٌ للفِطرة، وإماتةٌ للفضيلة، وتدميرٌ للغَيرَة، وسَحقٌ للأخلاق، وهدمُ للرجولةِ والأُنوثة، وإهلاكٌ للمجتمعات، إنَّها عَمَى القلبِ والبصيرة، ووساخةُ النفسِ والطَّبع، إنَّها قتلُ الإنسان نفسَه، وتمريغُها في أوحالِ القذَارةِ والنَّتَن، وعَيشٌ في حضيضِ البَهيميَّةِ والحيوانيَّة، إنَّها العارُ الكُبّار، وزوالُ الشَّرفِ والمُروءةِ والكرامة، شُذُوذٌ مُنحرِف، وشَرٌّ مُستَطِر، ورذيلةٌ هابطة، ونزوةٌ فاجِرة، وحَقارةُ شنيعة، تَفتِكُ بالفاعِلِ والمفعولِ بِه، والمُجتمعات، أهلُها مُستَحقَرونَ وإنْ تصنَّعوا، وُضَعَاءُ وإنْ ترفَّعوا ونُصِّبُوا، مُتلوِّثونَ وإنْ تزيَّنوا وتجمَّلوا، تُهِينُهم أنفسُهم قبل أنْ يُهينَهُم غيرُهم، ولضَرْبُ السُّيوفِ أهونُ على العفيفِ والعفيفةِ مِن بيعِ عِرضِه، وانتهاكِ شرَفِه، إنَّها ظُلمٌ للفاعلِ بما جرَّ إلى نفسِه مِن الإثمِ والخِزيِ والعارِ والسَّفالةِ والحَقارة، وقادَها إلى ما فيهِ الموتُ والدَّمارُ والعذابُ الشديد، وظُلمٌ للمفعولِ به حيثُ هتَكَ نفسَه وأهانَها ورضِيَ لهَا بالسُّفولِ والانحطاطِ ومَحْقِ رُجولتِها، فكان بين الرجالِ بمنزلةِ النُّسوان، لا تَزولُ ظُلمةُ الذُّل مِن وجهِهِ حتى يموت، وظُلمٌ للمجتمعِ كُلِّهِ بما يُفضِي إليهِ مِن حُلولِ المصائبِ والنَّكبات والعقوبات، ومتى فشَتْ هذه الفاحشةُ في المجتمعِ ولم يُعاقِبْهُ اللهُ بدمارِ الدِّيار، فإنَّه سَيحِلُّ بِهِ ما هوَ أعظمُ مِن ذلك، سَيحِلُّ به انتكاسُ القلوب، وانطماسُ البصائر، وانقلابُ العقول، واستشْرَاءُ الفسادِ والظلمِ والجَور، وذهابُ الخيراتِ والبركاتِ، وتسلُّط الأعداء، ولهذا ذَمَّ اللهُ أهلَها قومَ لوطٍ في القرآن بأبشَع الأوصاف، وأهلكَهُم بأشنَعِ وأغلظِ وأوحَشِ العقوبات، وعاقبَهُم عقوبةً لم يُعاقِب بها أحدًا غيرهم، وجمَع عليهم أنواعًا مِن العقوباتِ، ما بينَ الإهلاكِ، وقلْبِ ديارِهم عليهم، والخسْفِ بهِم، وطَمْسِ أعيُنِهم، فعَمِيَتْ أبصارهم، ورجمِهم بالحجارةِ مِن السماء، ونَكَّلَ بهِم نكالًا لم يُنَكِّلْهُ أُمَّةً سِواهُم، حيثُ اقتلَعَ جبريلُ ــ عليه السلامُ ــ مَدائِنَهُم بجناحِه حتى عَلا بها نحوَ السماء، بجميعِ مَن فيها، ثمَّ أقلَبَها عليهم، ثمَّ قُذِفوا بحجارةٍ مِن سِجِّيل، فلم يُفلِتْ مِنهم حاضِرٌ ولا مسافرٌ إلا أخَذَتْهُ الحِجارة، حتى هلَكوا عن آخِرِهم.

ولمَّا كانت هذهِ الجريمةُ مِن أعظمِ الجرائمِ، وأكبرِ الفواحشِ، كانت عقوبتُها في شريعةِ الإسلام مِن أعظمِ العقوبات، عقوبتُها القتلُ والإعدام، حيثُ جاءَ في حديثٍ نَبويٍّ نصَّ على ثبوتِه عديدٌ مِن العلماء أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الفَاعِلَ وَالمَفْعُولَ بِهِ )).

وقال العلامةُ العُثيمين ــ رحمه الله ــ: «قال الإمامُ ابنُ تيميةَ ــ رحمه الله ــ: “لم يَختلِف أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في قتلِه، سواءٌ كان فاعلًا أمْ مفعولًا به، ولكن اختلفوا كيف يُقتل، فقال بعضُهم: يُرجَم بالحِجارة، وقال بعضُهم: يُلقَى مِن أعلى مكانِ في البلدِ حتى يموت، وقال بعضُهم: يُحرَقُ بالنَّار”. فالفاعلُ والمفعولُ به إذا كان راضيًا، كلاهُما عقوبتُه الإعدامَ بكُلِ حالِ، سواءٌ كانا مُحصَنَينِ أمْ غيرَ مُحصَنَين، لِعظَمِ جريمتِهما، وضَررِ بقائِهما في المجتمع، فإنَّ بقاءَهُما قتلٌ معنويٌ لِمجتمعِهما، وإعدامٌ للخُلقِ والفضيلة، ولا شكَّ أنَّ إعدامَهُما خيرٌ مِن إعدامِ الخُلقِ والفضيلة».اهـ

بل قال العلماءُ ــ رحمهم الله ــ: «ليسَ في المعاصِي أعظمُ مفسدةً مِن مفسَدةِ هذهِ الفاحشة، وهيَ تَلِي مفسَدَةَ الكُفر، ورُبَّما كانت أعظمَ مِن مفسدةِ القتل، لأنَّ اللهَ سبحانَه جعلَ حدَّ القاتلِ إلى خِيَرةِ الوَليّ، إنْ شاءَ قتَل، وإنْ شاءَ عفا، وحتَّمَ قتلَ مَن عمِلَ عملَ قومِ لوطٍ حدًّا، كما أجمَع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلَّت عليه سُنَّة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الثابتةُ الصريحةُ التي لا مُعارِضَ لهَا، بل عليها عملُ أصحابِه، وخلفائِه الراشدين».اهـ

وَ { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهمَّ فصَلِّ عليه مع الآلِ لهُ والأصحابِ وعنَّا معَهم يا حَيُّ يا قيُّوم.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فإنَّ اللوطيةَ الصُغرى ــ كما ثبتَ تسميتُها بذلكَ عن الصحابة ــ هِي: إتيانُ النساءِ وجِماعُهنَّ في أدبارِهنَّ، وذلكَ مِن أعظَمِ المُحرَّمات، وأخطرِها على دِينِ الزَّوجِ والزَّوجة، حيثُ ثبَتَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ))، وثبَتَ عن أبي هريرةَ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( مَنْ أَتَى أَدْبَارَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَقَدْ كَفَرَ )).

أيُّها المسلمون:

إنَّنا نعيشُ في زمَنٍ قد كثُرتْ فيه الإباحِيةُ، وتضاعَفَ دُعاتُها، وتنوَّعَت قنواتُها ومواقعُها ووسائلُها وأسبابُها، حتى وصلَت أفواجٌ غفيرةٌ مِن الناس فيها إلى حالٍ مُزْرٍ وفاضِحٍ ومُخْجِل، وبلغَ التهاونُ في التَّهتُّكِ والتَّفسُّخِ في بابِ الأعراضِ مبلغًا كبيرًا، بل لم تُصبحِ الفواحشُ في كثيرٍ مِن بلدانِ الدنيا جريمةً يُحاسَبُ عليها إذا وُجِدَ الرَّضَا بينَ أهلِها، ووصَلَ كثيرونَ فيها إلى أبشَعِ السُّفُول، وحَضِيضِ الحيَوانيَّة، فتعرَّوا وفجَرُوا وزَنَوا وعمِلوا عملَ قومِ لوطٍ وتَساحَقوا، بل ومِنهم مَن يَفعل ذلكَ في الطُّرقاتِ والشواطئِ والمركباتِ أمامَ أعيُنِ الناسِ، وكأنَّهم بهائِمٌ، وليسُوا ببشَر، وصوَّروا أنفسَهم وأفعالَهم هذه في فيديُوهاتٍ وبرامجِ التواصل، لا يَرْدَعُهم دِينٌ، ولا دولةٌ، ولا حياءٌ، ولا غَيرَةٌ، ولا مُجتمَعٌ، وليسَ المسلمونَ ولا بلادُهم بمَنأى بعيدٍ عن ذلك، لِمَا نَراهُ مِن ضَعفٍ شديدٍ في الدِّين، وتساهلٍ كبيرٍ في التربية، وانحدارٍ شديدٍ في الحياءِ، وجُرأةٍ غريبةٍ على مَحارمِ اللهِ وحُرمَاتِه.

فاتقوا اللهَ ــ عِبادَ الله ــ في تربيةِ أبنائِكُم وبناتِكم، أحسِنوهَا، واحرصوا شديدًا على إصلاحِها، وابذُلوا وسْعَكُم فيها، وادفعوا عنهم أسبابَ الفسادِ، ولا تكونوا مِمَّن يُعِينُهم على الفساد، أو يُيَسِر لهم أسبابَه، وجنِّبوهُم قدْرَ استطاعتِكم مُخالَطةَ مَن لا يُوثقُ بدِينِهِ وخُلُقِه وأمانتِه ومَدخلِه ومَخرَجِه، وأبعِدوهُم عن أسفارِ ومجالِسِ ومُلتقياتِ ونوادِي ومسارحِ ومجامِعِ الفساد الدَّينِي والأخلاقِي، وفرِّقوا بينَهم في مضاجِعِ النَّوم، واهتموا بألبستِهم في البيت وخارجِ البيتِ، حتى لا تفتِنَهم، فتُوقِعَهُم في فواحشِ المِثلِيين، وقبائِح اللادِينِيين، وبهيميَّةِ الشَّاذِين، ويكونوا لُقمَةً سهلةً للفاجِرين.

وكلُّ ذلكَ مُجلَّلًا بالرِّفقِ واللِّين، والشَّفقةِ والرحمة، وجميلِ الكلامِ، وبعيدًا عن العُنفِ المُفرِط، والغِلظةِ المُوحِشَة، مع المُتابعةِ والمُراقبة، والترغيبِ والترهيب، وإظهارِ العطْف والحُنُوِّ، ولا تتساهلوا أو تتغافلوا، فإنَّ النَّارَ المُحرِقةَ للأخضرِ واليابسِ أصلُها مِن شرارةٍ صغيرة، وقد صح أنَّ: (( ابْنَ عَبَّاسٍ ــ رضي الله عنه ــ رَأَى غِلْمَانًا يَنْزُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ــ أي: يَركب بعضُهم فوقَ بعض ــ, فقَالَ: «هَكَذَا يَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ» )).

هذا وأسألُ الله تعالى أنْ يُباعدَ بينَنا وبين ما حرَّمَ علينا، وأنْ يُعينَنا على ذِكرِه وشُكرِه وحُسنِ عبادته، اللهمَّ لا تُهلكنا بذنوبِنا وآثامِنا، ولا تُلهِنا بدُنيانا عن دِيننا وآخِرتِنا، اللهمَّ صَرَّف قلوبَنا وأسماعَنا وأبصارَنا وجوارحَنا إلى مراضيك، اللهمَّ قوِّنا بالاعتصامِ بالتوحيدِ والسُّنة، وباعدَ بينَنا وبينَ الشِّركِ والبدعِ ودعاتِهما، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ عِيشةً هنيَّة، ومِيتتةً سوِّية، ومرَدًّا غير مُخْزٍ، اللهمَّ ووفِّق ولاتَنا وجُندَنا لحفظِ الإسلامِ ونُصرَتِه، إنَّكَ سميعُ مُجيب، وأقولُ قولِي هذا، وأستغفرُ اللهِ لِي ولَكم.