إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > البدع > مقال بعنوان: ” جِنَايَة الصُّوفِيَّةِ عَلى الإِسْلَامِ والسُّــنَّةِ والمُسْلِمينَ وبِلادِهِم “.

مقال بعنوان: ” جِنَايَة الصُّوفِيَّةِ عَلى الإِسْلَامِ والسُّــنَّةِ والمُسْلِمينَ وبِلادِهِم “.

  • 4 أبريل 2017
  • 4٬243
  • إدارة الموقع

جِنَايَةُ الصُّوفِيَّةِ عَلى الإِسْلَامِ والسُّــنَّةِ والمُسْلِمينَ وبِلادِهِم

الحمد لله القوي القاهر المقتدر، القائل في دمغ المُبطِلين من أهل كلِّ عصرٍ ومِصر، ومن عربٍ وعَجَم: { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ }.

أكمَل لنَا الدِّين، وأتمَّ علينا النِّعمة، ورضِيَ لنا الإسلام دينًا، وأمرنا بالتَّمسُّك به إلى الممات؛ فقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }.

والصَّلاة والسَّلام على سيِّد البَشَر أجمعين، السَّابقين منهم واللَّاحقين، القائل مُحذِّرًا ومخوِّفًا:

« قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ »([1])، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه على طريقه ومِنهاجه وسبيله، في كلِّ زمنٍ وأرض، ومن كلِّ شعبٍ وقبيلة، وعربٍ وعجم، وحاضرةٍ وبادية، وذكورٍ وإناث، وشيوخٍ وكهُول، وشبابٍ وصغار.

أمَّا بعدُ، أيـُّها الإخوة والأخوات – جمَّل الله بواطنكم وظواهركم بالتوحيد والسُّنة إلى الممات -:

فيسرُّني ويسعدني أن ألتقيكم هذه اللَّيلة، ليلة الثلاثاء، الرابع عشر من شهر ذي القعدة، من العام خمسة وثلاثين وأربع مئة وألف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في محاضرةٍ بعنوان:

” جِنَايَة الصُّوفِيَّةِ عَلَى اَلْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ وَاَلْمُسْلِمِينَ وَبِلَادِهِمْ .

والَّتي أسأل الله – عزَّ وجَلَّ – أن تكون نافعةً لي ولكم في الدُّنيا والآخرة، وأن يثبِّت بها ويُبصِّر ويهدِي مَن شاء من عباده؛ إنَّه سميع الدُّعاء، واسع الفضل والعطاء، جوادٌ كريم.

فأقول مستعينًا بالله – جلَّ وعلَا -:

لا تزال جناية أهل الأهواء والبدع من الرَّافضة والخوارج والصُّوفية وأضرابهم وأشكالهم على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم تزداد يومًا بعد يوم، وتعظُم وتكبُر وتشتد.

 فقد أبعَدُوا النَّاس وصرفُوهم عن الصِّراط المستقيم الصَّافي الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

وأدخلوا في دِين الله وشَرعه ما ليس منه، أدخلوا فيه ما لم يأتِ به قرآنٌ، ولا حديثٌ نبويٌّ صحيح، ولا أثر عن صحابي جليل.

وشوَّهُوا صورة الإسلام وأحكامه السَّامية العالية، وصورة أهله بين الخلق.

 وفتحوا لِأهل الكُفر والزَّندقة على الإسلام والمسلمين أبوابًا، وجعلوا لهم عليه وعلى أهله مقالًا.

وحَرَفُوا أقوامًا – بل والله قد حرَفوا أُممًا – عن اتِّبَاع القرآن والسُّنَّة الثَّابتة، وطريق السَّلف الصَّالح من الصَّحابة – رضي الله عنهم – فمَن بعدهم.

ووسَّعُوا الفُرقة بين المسلمين بِمَا أحدثوه من ضلالاتٍ، وطُرق، وأحزاب، وجماعات، وأكثروا الاختلاف بينهم في دِين الله وشَرعه.

فهل بعد هذه الجِناية مِن جِناية؟!

ولو نظرنا إلى جِناية طائفةٍ واحدةٍ من هذه الطَّوائف على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم، وهم:

الصُّوفيَّة، وأهل التَّصوُّف.

لرأينا اعوجاجًا شنيعًا، وسمعنا ضلالًا كُبَّارًا، ووقفنا على منَاكِر وقبائح متزايدة، ورأينا تفرُّقًا شديدًا، ولَـخِفْنَا على المسلمين وبلادهم كثيرًا، ولَعَرفنا كيف ضُرِب الإسلام وضُرِبت السُّنَّة عن طريقهم وبأقوالهم وأفعالهم شديدًا، ولَتَمكَّن من قلوبنا الحُزن والأَسَف والضِّيق؛ ولكن مع هذا لا نقول إلَّا ما يُرضِي الله؛ فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

ونسأل الله لهم الهداية والصَّلاح، والرجوع إلى الحقِّ والصَّواب؛ لِيشْرُفُوا في الدُّنيا والآخرة، فما أطيبها وأسعدها لقلب صاحب التَّوحيد والسُّنَّة أنْ يرى جميع الخَلْق سائرين على طريق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه في اعتقاداتهم، وفي أقوالهم، وفي أفعالهم، وفي جميع عباداتهم، ومعاملاتهم، وأحوالهم.

أَلَا وإنَّ من الكُفر والشِّرك والإثم الكُبَّار الفظيع الغليظ الذي جَنَوا به على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم، وقرأناه في جمعٍ من كُتبهم، وسمعناه من جموعٍ غفيرةٍ منهم، وشهرُوه ونشروه بين المسلمين، وفي بلدانهم:

[ صَرْفُهم بعض العبادات لغير الله تعالى؛ لا سيما عبادة الدُّعاء. ]

ولا ريب عند جميع أهل الإسلام أنَّ صرف أيَّ عبادةٍ لغير الله كفرٌ وشركٌ مُخرجٌ عن مِلَّة الإسلام.

فتراهم – أصلحهم الله وردَّهم إلى التَّوحيد والسُّنَّة – يصرفون هذه العبادة العظيمة، عبادة الدعاء، لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتسمع أحدهم يدعوه فيقول:

“فرِّج عنَّا يا رسول الله!، يا رسول الله اجعلنا  في شفاعتك!”.

وآخر يصرفها للبدوي، فيدعوه قائلًا:

“مَدَد يا بدوي!”.

يعني: أَمدَّنا بالعَون، والنُّصرة، وما نحتاج إليه.

وآخر يدعو الجيلاني، فيقول:

“أغثنا يا جيلاني!”.

وآخر يدعو العيدروس، فيقول:

“ادفع عنَّا يا عيدروس!”.

وآخر يدعو الحسين، فيقول:

“اكشِف ما بِنَا يا حسين!، أجرنا من النَّار يا حسين!”.

وسادس يدعو الرَّفاعي، فيقول: “شيئًا لله يا رفاعي”!

وآخر يدعو الميرغني، وآخر يدعو الشَّاذلي، وآخر يدعو البرعي، وآخر يدعو المرسِي أبا العبَّاس، وآخر يدعو الزَّيلعي، وآخر يدعو نفيسة، وآخر يدعو الكاظم، وذاك يدعو ابن علوان، وآخر يدعو التِّيجاني، وآخر يدعو عبد الرحيم، وآخر يدعو الدسوقي، وهذه تدعو زينب، وأخرى تدعو فاطمة الزهراء، وأخرى تدعو رابعة العدوية، وأخرى تدعو أبا حديد، وأخرى تدعو سكينة، وأخرى تدعو البرهاني، ومنهم من يدعو حسن حسونة، ومنهم من يدعو الشيخ ابن علي، ومنهم من يدعو النَّقشبندي، ومنهم من يدعو ابن عيسى، ومنهم من يدعو الهجوري، ومنهم من يدعو عبد العال، ومنهم من يدعو الجناتي، ومنهم من يدعو سهلت، وهكذا.

يفعلون هذا الكُفر والشِّرك الشَّنيع الغليظ القبيح الصُّراح الواضح البيِّن مع أنَّ الله تعالى قد زَجَرهم ونهاهم عن ذلك بأوضح عبارة وأبينها في القرآن، وهم يقرؤونها باستمرار؛ إِذ المصحف بين أيديهم، وليس بمحجوبٍ عنهم، ولا هُم ممنوعون عنه.

فقال – عزَّ وجلَّ – لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأمَّتُه داخلةٌ معه في سورة الجن:

{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا }.

فنهانا سبحانه في هذه الآيات أن ندعوَ معه أيَّ أحدٍ حتَّى ولو عَظُم وجَلَّ بين الخَلْق، حتَّى ولو كان مَلَكًا مُقرَّبًا، أو نبيًّا مرسلًا، أو وليًّا صالحًا، ثمَّ حَكَم بأنَّ دعاءه معه شركٌ وكفرٌ.

وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ مآل ومقرَّ مَن دعَا مع الله غيره هو النَّار؛ فقال صلى الله عليه وسلم:

« مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ ».

أخرجه البخاريُّ في «صحيحه»([2]).

وبعضُ مَن في قلبه ظلمةٌ شديدة، وقساوةٌ غليظة، وفي لسانه جراءةٌ غريبة، وباطلٌ شنيع، يقول: أنا إذا دعوت سيِّدي الولي الصَّالح فلان فإنَّه يسمعني ويجيبني فيما سألته!

وقد قال الله – عزَّ شأنه – في تكذيب هذا الرَّجُل وكَبْتِه وإذلَالِه ورَدِّ دعواه وإبطالها في سورة فاطر:

{ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }.

فأبان سبحانه في هذه الآية أنَّ جميع مَن يُدعَون معه من الخَلْق لا يسمعون دعاء مَن دعاهم، ثمَّ قضى أنَّه لو جادل مجادلٌ فقال: إنَّهم يسمعون! فالنتيجةُ:

أنَّهم إن سمعوا لا يستجيبون لمن دعاهم بشيء.

ثمَّ أخبر أنَّ هؤلاء الَّذين يُدعَون مع الله سيكفرون بِشِرك مَن دعاهم مع الله، وحَكم بأنَّ دعاء من دعاهم معه شركٌ وكفر.

وقال – جلَّ وعلا – في أوائِل سورة الأحقاف:

{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ }.

فحَكَم سبحانه أنَّه لا أحد أضلَّ من هذا الذي يدعو مع الله غيره، وأبان أنَّه إنْ دعاه مِن حِينه إلى أن تقوم السَّاعة فإنَّه لن يستجيب له.

ومِن الكُفر والشِّرك والإثم الكبَّار الفظيع الغليظ الذي جَنَوا به على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم، وقرأناه في جمعٍ من كُتبهم، وسمعناه من طوائف منهم، وشهرُوه ونشروه بين المسلمين، وفي بلدانهم:

[ اعتقادُ أنَّ الأولياء والصَّالحين يتصرَّفُون في الكَون، ويقومون على شؤون أهله، ويدبِّرون أموره وأمور مَن فيه، فيُعْطُون ويمنعون، ويُصيبُون هذا بما أرادوا، ويدفعون عن هذا ما أرادوا، ويرفعون هذا، ويخفضون هذا، ويصلحون حال هذا، ويُرْدُون حال هذا، ويُمطِرون أهل هذه الجهة ويحجبون عنها الوباء  دُون الأخرى. ]

ولا ريب أنَّ اعتقادهم هذا كفرٌ ورِدَّة عن دِين الإسلام، مُعتقِده وقائله قد وقع في كُفرٍ وشركٍ أعظم حتَّى من كُفر وشِرك أهل الجاهلية الأُولى؛ بل قد أخبر الله سبحانه في كتابه المجيد أنَّ كفَّار قريش كانوا يُقرُّون بهذا لله وحده؛ فقال – جلَّ وعزَّ – في سورة يونس:

{ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ }.

بل إنَّ الله تعالى قد أمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أنْ يُعلن في النَّاس جميعًا أنَّه لا يملك ذلك لِأحدٍ من الخَلْق، بل حتَّى لنَفْسِه؛ وإنَّما وظيفته فقط هي إبلاغ النَّاس دِين الله الذي أُرْسِل به إليهم؛ فقال – عزّ شأنه – في سورة الجن:

{ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا }.

بل إنَّ جميعَ مَن يُدعَى مع الله من الأنبياء والأولياء الصَّالحين لا يستطيعون حتَّى خَلْق مخلوقٍ يُعَدُّ من أضعف مخلوقات الله، ألا وهو الذُّباب؛ بل مِن ضعفهم الشَّديد أنَّه حتَّى لو سَلَب وأخذ الذُّباب من طعامهم وشرابهم شيئًا يسيرًا فإنَّهم لا يستطيعون إرجاعه منه إلى مُلكِيَّتِهم.

وقد حَكَم بذلك وقطع به الله سبحانه ، فقال – تبارك وتعالى – في أواخِر سورة الحَجِّ:

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ }.

ومِن الكُفر والشِّرك والإثم الكبَّار الفظيع الغليظ الذي جَنَوا به على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم، وقرأناه في جمعٍ من كُتبهم، وسمعناه من طوائف منهم، وشهرُوه ونشروه بين المسلمين، وفي بلدانهم:

[ اعتقادُهم أنَّ الأنبياء والرُّسل أو الأولياء والصالحين يعلمون الغَيب، فيعلمون ما في قلوب العباد، وما سيفعلونه، وما وقع في الكَون، وما سيحصل فيه مستقبلًا. ]

وعلم الغَيب مُغيَّبٌ عن جميع الخَلْق، خاصٌّ بالله وحده، حَكَم بذلك وقطع به الله سبحانه؛ فقال – جلَّ من قائل – في سورة النَّمل:

{ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }.

بل إنَّ أفضل خَلْق الله عند الله وأعظمهم منزلةً أَلَا وهو رسوله محمَّد صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغَيب؛ بل إنَّ ربَّه سبحانه قد أمره أن يصدع بهذا بين النَّاس، فقال- جلَّ وعلَا – في سورة الأعراف:

{ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.

ومن زعم عِلم الغَيب لأحدٍ غير الله كنبيٍّ مُرسلٍ، أو وليٍّ صالحٍ، أو ساحرٍ، أو كاهنٍ، أو مُنجِّمٍ، أو رمَّالٍ أو غيرهم؛ فقد ارتدَّ وكَفَر وخرج عن دِين الإسلام.

ألا وإن مِن الضَّلال والمُنكر والباطل والإثم الكُبَّار الفظيع الغليظ الذي جَنَوا به على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم، ورأيناه، وسمعناه، وقرأناه، ووقع المسلمون في بلادٍ كثيرةٍ فيه بسببهم، وعن طريقهم، وشهرُوه ونشروه بين المسلمين، وفي بلدانهم:

[ حلفهم وقسمهم بغير الله تعالى، لاسيما حلفهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو الكعبة المشرَّفة، أو أولياء الله الصالحين، فإنه يكثر عندهم، وكذلك تعبيدهم أسماء أبنائهم لغير الله، فتراهم يسمونهم بـ”عبد النبي”، أو “عبد المصطفى”، أو “عبد الرسول”. ]

والحلف بغير الله ولو بمخلوق مُعظَّم عند الله وعند عباده لا يجوز، بل هو من أشنع الذنوب وأغلظها، إذ هو شرك بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد صحَّ أن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ سمع رجلًا يَحْلِف بالكعبة فيقول: “لا والكعبة”، فقال له: إني سمعت رسول االله صلى الله عليه وسلم يقول:

« مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ » ([3]).

وأخرج الإمامان البخاري ومسلم في “صحيحيهما”([4])

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

« مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلَّا بِاللَّهِ ».

وقال الحافظ ابن عبد البَرِّ المالكي – رحمه الله – في كتابه “التمهيد” ([5]).

أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها، لا يجوز الحلف بها لأحد.اهـ

وقال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في “مجموع الفتاوى”([6]).

 اتفق العلماء على أنه لا تنعقد اليمين بغير الله تعالى، وهو الحلف بالمخلوقات، فلو حلف بالكعبة، أو الملائكة، أو بالأنبياء، أو بأحد الشيوخ، أو بالملوك، لم تنعقد يمينه.اهـ

وأما تعبيد الأسماء لغير الله تعالى فهو محرم عند جميع العلماء، إذ الخلق عباد لربهم وحْدَه، لا لبعضهم.

وقد قال ابن حزم الظاهري – رحمه الله – في كتابه “مراتب الإجماع” ([7]):

وَاتَّفَقُوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله – عز وجل -.اهـ

وقد غيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم رجل عُبِّد لغير الله، فثبت عن هانئ بن شُريح – رضي الله عنه – أنه قال:

« وَفَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْمِهِ، فَسَمِعَهُمْ يُسَمُّونَ رَجُلًا عَبْدَ الْحَجَرِ، فَقَالَ لَهُ: “مَا اسْمُكَ”؟ قَالَ: عَبْدُ الْحَجَرِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّمَا أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ” ».

ومِن الضَّلال والمُنكر والباطل والإثم الكُبَّار الفظيع الغليظ الذي اتَّبعُوا فيه اليهود والنَّصارَى، وجَنَوا به على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم، ورأيناه بأعيننا، ووقع المسلمون في بلادٍ كثيرةٍ فيه بسببهم، وعن طريقهم، وشهرُوه ونشروه بين المسلمين، وفي بلدانهم:

[ بناء المساجد على القبور، أو دفن الموتى في المساجد، أو بناء القُبَب والمقصُورات على القبور، أو رفع القبور عن الأرض زيادةً على شِبر، أو تزيين القبور بالإسمنت والرُّخام، أو الرسوم والألوان، أو الكتابات والنُّقوش، أو الزُّروع والورُود، أو جميعها، أو أكثرها، أو بعضها. ]

يفعلون هذا مع أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد حذَّر أمته من ذلك تحذيرًا شديدًا، وزَجَر عنه كثيرًا؛ واستمرَّ تحذيره وزجره لهم عن ذلك إلى قُرب أجله، فكان صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بخمسٍ، وهو في مرض موته:

« أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ ».

أخرَّجه الإمام مسلمٌ في «صحيحه»([8]).

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:

« إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ » ([9]).

وأخرج الإمام مسلمٌ في «صحيحه»([10]) عن أبي الهيَّاج الأسدي أنَّه قال:

« قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ “أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ” ».

وأخرج الإمام مسلم في «صحيحه» أيضًا([11]) عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أنَّه قال:

« نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ ».

وزاد الإمام أبو داود في «سننه»([12]) بسند صحيح:

« أَوْ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ ».

وقال الإمام الشَّافعي – رحمه الله – في كتابه “الأم” ([13]) مخبرًا عن حال قبور الصحابة – رضي الله عنهم-، وحال الولاة والعلماء في زمنه مع ما بُني على القبور:

ولم أرَ قبور المهاجرين والأنصار مُجصَّصةً، وقد رأيتُ من الوُلَاة من يهدم بِمكَّة ما يُبنَى فيها، فلم أرَ الفُقهاء يَعيبُون ذلك. اهـ

وهذا من الوُلاة إنَّما هو عملٌ بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتِّباعٌ لهديه؛ حيث كان صلى الله عليه وسلم يبعث الرُّسل لهدم ما بُنِي على القبور وتسويتها بالأرض، وألَّا تُرفع إلَّا بقدر شِبرٍ حتَّى يُعلَم أنَّها قبور.

وقال قاضي بلاد اليمن محمَّد بن عليٍّ الشَّوكاني – رحمه الله – في كتابه «شرح الصُّدور في تحريم رفع القبور»([14]):

اعلَم أنَّه قد اتَّفق النَّاس، سابقهم ولَاحِقهم، وأوَّلهم وآخرهم من لَدُن الصَّحابة – رضي الله عنهم – إلى هذا الوقت:

أنَّ رفع القبور والبناء عليها بدعةٌ من البدع التي ثبت النَّهي عنها، واشتدَّ وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاعلها، كما يأتي بيانه، ولم يخالف في ذلك أحدٌ من المسلمين أجمعين.اهـ

وقال الإمام ابن تيمية الحراني الدِّمشقي – رحمه الله – في كتابه «الاستغاثة»([15]):

ولهذا لم يكن في زمن الصَّحابة والتَّابعين لهم بإحسانٍ على وجه الأرض في ديار الإسلام مسجدٌ مبنيٌّ على قبر، ولا مشهد يُزار لا بالحجاز، ولا اليمن، ولا الشَّام، ولا مصر، ولا العراق، ولا خراسان.اهـ

ناهِيك عن ما يُرتَكب عند هذه القبور بعد البناء عليها وتزيينها وتجميلها وتهيئتها لِلزُّوَّار من كفريَّات وشركيَّات؛ كالاستغاثة بأهلها ودعائهم، أغثنا يا فلان! فرِّج عنَّا يا فلان! مَدَد يا فلان! شيئًا لله يا فلان! أو الذَّبح والنَّذر لهم، أو الطَّواف لهم حول قبورهم، أو السُّجود بالجباه على عَتَبَاتِ هذه القبور؛ بل إنَّ بعضهم إذا قَدِم لزيارة بعض القبور يخرُّ من حين وصوله إلى حَرِيم القبر ويظلُّ يزحف على يديه ورجليه حتى يصل إلى عتبة القبر!! ثمَّ يسجد عليها ويقبِّل ويدعو خاضعًا متذلِّلًا مُعظِّمًا هذا المقبور!!!

وهذا قد رأيناه بأعيننا، وانتشر، واشتُهر، ورآه كثير من النَّاس، وموجود في مقاطع اليوتيوب، وصوِّر في بعض الكتب والمجلات والجرائد، وأظهرته قنوات إعلامية عديدة.

ومِن الضَّلال والباطل والمُنكر والإثم الكُبَّار الفظيع الغليظ الذي جَنَوا به على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم، ورأيناه بأعيننا، ووقع المسلمون في بلادٍ كثيرةٍ فيه بسببهم، وعن طريقهم، وشهرُوه ونشروه بين المسلمين، وفي بلدانهم، بل وحتَّى في بلاد أهل الكفر:

[ الاحتفالات والموالد التي يقيمونها؛ كالاحتفال بذكرى ليلة الإسراء والمعراج، أو المولد النَّبوي، أو الهجرة النَّبويَّة، نَاهِيك عن الموالد الأسبوعية والشهرية في المساجد، وفي الحَضَرات، وفي الزَّوايا، وفي الخَلَوات، أو موالد الأولياء، فهذا له مولد في يوم معين، وللآخر مثل ذلك. ]

وهذه الاحتفالات والموالد لو فتَّش عنها المؤمن الخائف من ربه في القرآن فلن يجدها، ولو فتَّش عنها في السُّنَّة النَّبويَّة فلن يجدها.

بل لم يقمها لا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه – رضي الله عنهم -، ولا أحدٌ من أهل القرون الثَّلاثة الأولى التي هي خير القرون بنصِّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث صحَّ عنه أنه قال:

« خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ » ([16]).

بل ولو فتَّشت عن هذه الاحتفالات والموالد في كُتب الأئمَّة الأربعة؛ كُتب أبي حنيفة ومالك والشَّافعي وأحمد، وتلاميذهم؛ فلن تجد لها ذِكرًا، ولن تجدهم فعلوها، ولا دَعَوا النَّاس إليها.

وفوق هذا قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلِّ ما يُتقرَّب به إلى الله، ولم يَرِد عنه صلى الله عليه وسلم، ويُشرع عن طريقه، فيما أخرجه عنه الإمام مسلمٌ في «صحيحه»([17]):

« مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ».

أي: من تعبَّد الله بشيءٍ لم يأتِ في سنَّتنا فإنَّ تعبده هذا مردودٌ عليه، غير مقبول منه، ولا معتدّ به.

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال محذِّرَا أمَّته من إحداث أمورٍ في الدِّين بعده، ومُبيِّنًا حُكم إحداثهم هذا:

« وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ » ([18]).

بل قد ذكر جماعة من المؤرخين والكتَّاب أن هذه الاحتفالات والموالد إنما دخلت بلاد المسلمين عن طريق الشيعة الرافضة، وتلقفتها الصوفية عنهم، ثم عملت بها وشهرتها ونشرتها في بلاد أهل السُّنة.

نَاهِيك عن ما يحصل في هذه الاحتفالات والموالد وما يصاحبها من منكراتٍ ومحرَّماتٍ أخرى كثيرة جدًّا، تختلف من بلدٍ إلى بلد، وبين كلِّ أهل طريقةٍ صوفيَّةٍ وأخرى، ويعرفها ويشاهدها الخاصُّ والعام؛ حتَّى إنَّ بعضهم ليَرقُصُون في هذه الموالد والاحتفالات حتى في المساجد!، ويضربون فيها بالدُّفوف والطُّبول!، وينشدون قصائد تعجُّ بالشِّركيَّات!، كالاستغاثة بالرَّسول صلى الله عليه وسلم، ودعائه بتفريج الكُرَب والإغاثة، والزَّعم بأنَّه يعلم الغَيب.

بل إنَّ بعضهم في أوقات الموالد والأعياد والمواسم والإجازات والعُطَل يشدُّ رَحله ويسافر إلى قبور الأولياء والصَّالحين، مع أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صحَّ عنه أنه نهَى عن شدِّ الرَّحل هذا والسَّفر وحذَّر منه؛ فقال صلى الله عليه وسلم:

« لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى » ([19]).

وهذه هي الأماكن الثلاثة التي يُشدُّ الرَّحل إليها ويُسافَر؛ لأنَّ الصَّلاة فيها مُضاعَفَة.

فكيف إذا اجتمع مع شدِّ الرَّحل هذا في مواسم الموالد مُحرَّماتٌ ومنكراتٌ وقبائح أخرى تُفعَل عند قبور الأولياء؛ كالاستغاثة بصاحب هذا القبر، ودعائه، أو الطَّواف بقبره، أو الذَّبح له والنَّذر، أو سؤال الله بِجَاهِه، أو التَّبرُّك والتَّمسُّح ببناء قبره وسِيَاجِه، وأعمدته وقُبَّته، ورُخامه وأستاره؟!

ومِن الضَّلال والمُنكر والباطل والإثم الفظيع الذي جَنَوا به على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم، ورأيناه بأعيننا، ووقع المسلمون في بلادٍ كثيرةٍ فيه بسببهم، وعن طريقهم، وشهرُوه ونشروه بين المسلمين، وفي بلدانهم:

[ المآتِم التي يقيمونها إذا مات لهم ميتٌ؛ فتراهم يجتمعون في بيتٍ أو خيامٍ أو ساحات أو استراحات، ويأتون بمقرئٍ أو مقرئين ليقرئوا القرآن على رُوحه، أو يُحضِرُون مصاحف فيقرأ النَّاس منها على رُوح هذا الميت، ويصنعون فيها الأطعمة، ويقيمون الولائم والموائد للحاضرين إلى هذا المأتم، وكلَّما جاءت طائفةٌ إلى هذا المأتم جدَّدوا قراءة الفاتحة لرُوح هذا الميت. ]

ولو بحثتَ عن مآتمهم هذِه فلن تجد لها مُستندًا لا في القرآن، ولا في السُّنَّة النَّبويَّة، ولا فعلها رسول الله  صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه – رضي الله عنهم -، ولا التَّابعون، ولا الأئمَّة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشَّافعي وأحمد وتلاميذهم؛ بل لن تجد عنهم ولا في كُتبهم إلَّا ذمُّ هذه المآتم والنَّهي عنها وكراهتها.

وقد صحَّ عن جرير بن عبد الله – رضي الله عنه – أنَّه قال مُبيِّنًا حُكم مثل هذه المآتم عند الصَّحابة – رضي الله عنهم -، وأنَّها من المحرَّمات الشَّديدة التَّحريم:

« كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنَ النِّيَاحَةِ » ([20]).

هذا هو حُكم هذه المآتم عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أنَّها من النِّياحَة؛ والنِّياحَة مُحرَّمةٌ بالسُّنَّة النَّبويَّة الصحيحة المشتهرة، وإجماع أهل العِلم، لا خلاف بينهم في ذلك؛ بل هي من كبائر الذُّنوب كما دلَّت على ذلك نصوص السُّنَّة النَّبويَّة المتعدِّدة.

وإن تعجب فعجبٌ لهؤلاء! أن تسمعهم يقولون: نحن على مذهب أبي حنيفة، أو على مذهب مالك، أو على مذهب الشَّافعي، أو على مذهب أحمد بن حنبل – رحمهم الله تعالى – ، ثمَّ هُم في هذه المسائل لا يسيرون على مذاهبهم، ولا يتابعونهم؛ بل يخالفون مذاهبهم خلافًا ظاهرًا واضحًا جليًّا.

وقد قال الإمام الشافعي – رحمه الله – في كتابه “الأم”([21]):

وأكره المآتم، وهي الجماعة، وإن لم يكن لهم بكاء، فإن ذلك يُجدد الحُزن، ويكلِّف المُؤنة، مع ما مضى فيه من الأثر.اهـ

وقال الفقيه أبو بكر الطرطوشى الأندلسي المالكي – رحمه الله في كتابه “الحوادث والبدع”([22]):

فأما المآتم؛ فممنوعة بإجماع العلماء.

والمأتم: هو الاجتماع في المصيبة، وهو بدعة منكرة لم ينقل فيه شيء.

وكذلك ما بعده من الاجتماع في الثاني والثالث والسابع والشهر والسَّنة، فهو طامة.اهـ

وقال الفقيه عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع”([23]):

وقال شيخ الإسلام: “جمع أهل المصيبة الناس على طعامهم، لِيَقْرَءُوا ويُهدوا له، ليس معروفًا عند السلف، وقد كرهه طوائف من العلماء من غير وجه، وقُرب دفنه منهي عنه، عدَّه السلف من النياحة”.

وذكر خبر جَرير، وهذا في المحتسب، فكيف من يقرأ بالكراء.

قال: “واكتراء من يقرأ ويُهدي للميت بدعة، لم يفعلها السلف، ولا استحبها الأئمة، والفقهاء تنازعوا في جواز الإكتراء على تعليمه، فأما اكتراء من يقرأ ويُهدي فما علمت أحدًا ذكره، ولا ثواب له، فلا شيء للميت، قاله العلماء، ولا تنفذ وصيته بذلك”.

وقال أحمد: “هو من فعل أهل الجاهلية”، وقال الموفق وغيره: “إلا من حاجة، كأن يجيء من يحضر ميتهم، من أهل القرى البعيدة، ويبيت عندهم، فلا يمكن إلا أن يطعموه”.

ويُكره الأكل مما صُنع.

وقال الطرطوشي: أما المآتم فممنوعة بإجماع العلماء، والمأتم هو: الاجتماع على المصيبة، وهو بدعة منكرة، لم يُنقل فيه شيء، وكذا ما بعده من الاجتماع في الثاني والثالث، والرابع، والسابع، والشهر، والسَّنة، فهو طامة، وإن كان من التَّركة، وفي الورثة محجور عليه، أو مَن لم يأذن حرُم فعله، وحرُم الأكل منه.انتهى.

ومِن الضَّلال والمُنكر والباطل والإثم الفظيع الذي جَنَوا به على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم، ورأيناه بأعيننا، ووقع المسلمون في بلادٍ كثيرةٍ فيه بسببهم، وعن طريقهم، وشهرُوه ونشروه بين المسلمين، وفي بلدانهم، ومساجدهم، ومجامعهم،  ومجالسهم:

[ التمسح بقبور الصالحين، أو قُببها، أو رُخامها، أو سِيَاجَاتها، أو أعمدتها، أو سُتُورها بالأيدي، أو التمسح بمقام إبراهيم، أو جدران الكعبة، أو سُتور الكعبة ولباسها، أو التمسح بأبدان وثياب ونَعل ومكان جلوس من يُظَن فيه الصَّلاح، يفعلون كل ذلك طلبًا للبَرَكة، وحتى تحلَّ بهم بركة هذه الأشياء. ]

وهذه الأمور منهيٌّ عنها، ومكروهة مذمومة باتِّفاق أهل العِلم – رحمهم الله تعالى -.

فقال الإمام ابن تيمية – رحمه الله – في “منسكه”(ص55):

والاستلام هو: مسحه باليد.

وأما سائر جوانب البيت، ومقام إبراهيم، وسائر ما في الأرض من المساجد، وحيطانها، ومقابر الأنبياء والصالحين، كحجرة نبينا صلى الله عليه وسلم، ومغارة إبراهيم، ومقام نبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان يصلى فيه، وغير ذلك من مقابر الأنبياء والصالحين، وصخرة بيت المقدس، فلا تُستلم، ولا تٌقبَّل باتفاق الأئمة.اهـ

ويقصد بالبيت: الكعبة.

وقال أيضًا([24]) :

وكذلك التمسُّح بالقبور – كاستلامِها باليد، وتقبيلها بالفم، منهيٌّ عنه باتفاق المسلمين.اهـ

وقال العلَّامة عبد الرحمن السَّعدي – رحمه الله – في كتابه «القول السَّديد»([25]):

فإنَّ العلماء اتَّفقوا على أنَّه لا يُشرع التَّبرُّك بشيء من الأشجار، والأحجار، والبُقَع، والمشاهد، وغيرها.اهـ

وقال أبو حامد الغزالي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “إحياء علوم الدين”([26]):

ولا يَمسح القبر، ولا يمسه، ولا يُقبِّله، فإن ذلك من عادة النصارى.اهـ

وقال العلامة النووي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “المجموع شرح المهذب”([27]):

قال أبو موسى:

وقال الامام أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني – وكان من الفقهاء المحققين – في كتابه في “الجنائز”:

“ولا يَستلم القبر بيده، ولا يُقبِّله”.

قال: “وعلى هذا مضت السُّنة”.

قال أبو الحسن: واستلام القبور وتقبيلها الذى يفعله العوام الآن من المبتدعات المنكرة شرعًا، ينبغي تجنب فعله، وينهى فاعله”،…

قال: “فمن قصد السلام على ميِّت سلَّم عليه من قِبل وجهه، وإذا أراد الدعاء تحول عن موضعه واستقبل القبلة”.

 قال أبو موسى:

“وقال الفقهاء المتبحرون الخراسانيون: المستحب في زيارة القبور أن يقف مستدبر القبلة، مستقبلًا وجه الميت، يُسلِّم، ولا يَمسح القبر، ولا يُقبِّله، ولا يمسه، فإن ذلك عادة النصارى”.

قال: وما ذكروه صحيح، لأنه قد صحَّ النهى عن تعظيم القبور، ولأنه إذا لم يُستحب استلام الركنين الشاميين من أركان الكعبة لكونه لم يُسَنّ مع استحباب استلام الركنين الآخرين فلأن لا يستحب مسُّ القبور أولى.اهـ

بل ولو نظرنا إلى ما جاء من آثارٍ عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيءٍ موجودٍ في المسجد الحرام أَلَا وهو مقام إبراهيم – عليه الصَّلاة والسَّلام -؛ فقد صحَّ عن ابن الزُّبير – رضي الله عنه -:

« أَنَّه رَأَى نَاسًا مَسَحُوا اَلْمَقَامَ فَنَهَاهُمْ، وَقَالَ: إِنَّكُمْ لَمْ تُؤْمَرُوا بِالْمَسْحِ، إِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ » ([28]).

وصحَّ عن ابن جُريج – رحمه الله – أنَّه قال لمفتي المسلمين في الحجِّ وهو التَّابعي الجليل عطاء بن أبي رباح:

« أَرَأَيْتَ أَحَدًا يُقَبِّلُ المَقَامَ أَوْ يَمَسُّهُ ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَحَدٌ يُعْتَبَرُ بهِ فَلَا » ([29]).

والذي يُعتبَر به عندهم، هم: العلماء والفقهاء من الصحابة وتلامذتهم.

ويعني بقوله « يَمَسُّهُ » أي: يمسحه بيده تبرُّكًا.

ومِن الضَّلال والمُنكر والباطل والإثم الذي جَنَوا به على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم، ورأيناه بأعيننا، وسمعناه بآذاننا منهم، ووقع المسلمون فيه في بلادٍ كثيرةٍ بسببهم، وعن طريقهم، وشهرُوه ونشروه بين المسلمين، وفي بلدانهم:

[ ما يفعلونه من الذِّكر الجماعي بصوتٍ واحد مرتفع يوافق فيه بعضهم بعضًا، ترى هذه الطَّريقة منهم في المساجد، والزَّوايا، والخَلَوات، وفي المآتِم، والموالد، والاحتفالات، وفي الطَّواف بالبَيت، والسَّعي بين الصَّفا والمروة، وفي صعيد عرفة، وفي مَشْعَر مزدلفة، وبعد السَّلام من صلاة الفريضة، وفي الأعياد، وعند زيارة القبور. ]

ومَن بحث عن الذِّكر بهذه الطّريقة في هذه المواضع والأحوال وغيرها فلن يجد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله مع أصحابه – رضي الله عنهم – بمثلها، ولن يجدها عند الصَّحابة – رضي الله عنهم – مع بعض، ولا عن التَّابعين – رحمهم الله – مع بعض، ولا عن الأئمَّة الأربعة؛ أبي حنيفة ومالك والشَّافعي وأحمد بن حنبل – رحمهم الله -؛ وتلامذتهم، بل لن يجد عنهم إلَّا ذِكر الله تعالى لِوَحْدِهِم، ولن يجد عنهم الجهر به ورفع الصَّوت فيه إلَّا في مواطن يسيرة دلَّت عليها السُّنَّة النَّبويَّة الصحيحة.

 وقد قال الله تعالى في سورة الأعراف: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ }.

وأخرج الإمامان البخاري ومسلم في “صحيحيهما”([30]) عن أبو موسى الأشعري – رضي الله عنه – أنه قال:

« كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَجَعَلْنَا لاَ نَصْعَدُ شَرَفًا، وَلاَ نَعْلُو شَرَفًا، وَلاَ نَهْبِطُ فِي وَادٍ إِلَّا رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا بِالتَّكْبِيرِ، قَالَ: فَدَنَا مِنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا ».

وقد قال الإمام الطَّبري – رحمه الله تعالى – بعد هذا الحديث([31]):

وفي هذا الحديث من الفقه كراهية رفع الصَّوت بالدُّعاء والذِّكر، وبه قال عامَّة السَّلف من الصَّحابة والتَّابعين.اهـ

وصحَّ عن قيس بن عبَّاد – رحمه الله – أنَّه قال:

« كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُونَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ الذِّكْرِ » ([32]).

ومِن الضَّلال والمُنكر والباطل والإثم الغليظ الذي جَنَوا به على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم، ورأيناه وقرأناه وسمعناه، ووقع المسلمون في بلادٍ كثيرةٍ فيه بسببهم، وعن طريقهم، وشهرُوه ونشروه بين المسلمين، وفي بلدانهم:

[ ما كتبوه من أحزاب وأوراد تتضمن أدعية وأذكارًا حوَت ألفاظًا وجُمَلًا محرمة أو شركية، نظَموها مِن تلقاء أنفسهم، أو نقلوا فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يصح عنه، بل ما نصَّ المحدثون على أنه باطل، أو كذب عليه صلى الله عليه وسلم، وما لا أصل له عنه، وما هو شديد الضعف، ونشروها بأعداد هائلة في الأمصار، على نفقة بعض التُّجار، ومِن صدقات المحسنين التي تأتيهم، حتى عمَّت بها القرى، والمدن، والأماكن النائية، وشملت أهل الحاضرة والبادية.

وترى لشيخ هذه الطريقة حِزبًا ووِردًا يخصه وأتباعه عن أحزاب الآخَرين، وللقائم على هذه الزاوية أو الرِّباط وأتباعه حِزبًا ووِردًا يخصهم، وللمترأس على أهل هذه الناحية وأصحابه حِزبًا ووِردًا يُميِّزهم عن غيرهم.

فشغلوا المتعبِّدين بأحزابهم وأورادهم وصدُّوهم بها عن أفضل وأسلَم وآجر وأنفع الأدعية والأذكار، ألا وهي أدعية وأذكار النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة التي رواها وصنفها أئمة الحديث والسُّنَّة الثقات الأثبات. ]

ولا ريب أنَّ ألفاظ أذكار وأدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه جامعة، ومعانيها شاملة، ومعصومة من الخطأ، لأنها جاءت من عند الله، وهي سهلة الحفظ والنُّطق، ومعلوم فضلها في نفسها، وعلى غيرها، وأنها أفضل الذكر، وأعظمه، وأجمله، وأعذبه، ومعروف كبير أجرها، وكثير وثوابها.

وإن كثيرًا مِمن تابع شيوخ ودعاة الصوفية وتأثر بهم قد أهملوا حفظ أذكاره صلى الله عليه وسلم الثابتة، وضَعُف ذِكرهم لربهم بها، واعتاضوا عنها بأوراد وأذكار هؤلاء القوم.

وقد قال الإمام ابن تيمية – رحمه الله – كما في “مجموع الفتاوي”([33]):

فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحرِّي مِن الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يُعبِّر عنه لسان، ولا يحيط به إنسان، وما سواها من الأذكار قد يكون محرمًا، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون فيه شرك، مما لا يهتدي إليه أكثر الناس.

وليس لأحد أن يَسُنَّ للناس نوعًا مِن الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة، يواظب الناس عليها، كما يواظبون على الصلوات الخمس؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به…

وأما اتخاذ وِرْدٍ غير شرعي، واستنان ذكر غير شرعي، فهذا مما يُنهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلِّية، ولا يعدِل عنها إلى غيرها من الأذكار المُحدَثة المبتدعة إلا جاهل، أو مفرِّط، أو مُتعدِّ.اهـ

وقال أيضًا في كتاب “الرد على الشاذلي في حزبيه” ([34]):

ثم الأذكار والأدعية والعبادات الشرعية فيها من اتباع السنة، واجتماع القلوب، وحصول الأُلفة، ما هو مِن أعظم رحمة الله لعباده، وأما الأحزاب المحدثة، فإذا كان كل متبوع يصنع لنفسه ولأتباعه حزبًا، أوجبَ هذا مِن البدع والتَّفرق والاختلاف والفساد ما لا يحصيه إلا الله تعالى.اهـ

وقال أيضًا ([35]):

ومتى خرج الإنسان عن الأحزاب النبوية والأذكار والدعوات الشرعية كان كالسالك بُنيَّات الطريق، فقد يقع في الضَّلال من حيث لا يدري.اهـ

وقال أيضًا كما في “مجموع الفتاوى”([36]):

والذي يعدِل عن الدعاء المشروع إلى غيره – وإن كان من أحزاب بعض المشايخ – الأحسن له أن لا يفوته الأكمل الأفضل، وهي الأدعية النبوية، فإنها أفضل وأكمل باتفاق المسلمين من الأدعية التي ليست كذلك، وإن قالها بعض الشيوخ، فكيف وقد يكون في عين الأدعية ما هو خطأ، أو إثم، أو غير ذلك.

ومن أشدِّ الناس عيبًا من يتخذ حزبًا ليس بمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان حزبًا لبعض المشايخ، ويدَع الأحزاب النبوية التي كان يقولها سيد بني آدم، وإمام الخلق، وحجة الله على عباده.اهـ

وقال العلامة عبد الرحمن المعلمي – رحمه الله – كما في “مجموع مؤلفاته”([37]):

وما أخسر صفقة من يَدَعُ الأدعية الثابتة في كتاب الله عزَّ وجلَّ أو في سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلا  يكاد يدعو بِها، ثم يعمِد إلى غيرها فيتحرَّاه ويواظب عليه، أليس هذا من الظلم والعدوان؟!.اهـ

ومِن الضَّلال والمُنكر والباطل والإثم الذي جَنَوا به على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم، ورأيناه بأعيننا، وسمعناه بآذاننا منهم، ووقع المسلمون فيه في بلادٍ كثيرةٍ بسببهم وعن طريقهم، وشهرُوه ونشروه بين المسلمين، وفي بلادهم:

[ قراءة الفواتح – أي: سورة الفاتحة – في الموالد، والمآتم والعزاء، وعند زيارة القبور، وعند خطبة وعقد النِّكاح، وبعد الانتهاء من صلاة الفريضة، وبعد أي مشروع يقومون به. ]

ولو بحثت عن فواتحهم هذه سنين عديدة، بل مِن ساعتك إلى أن ينتهي أجلك فلن تجد لها في القرآن ذِكرًا، ولن تجد لها في السُّنَّة النَّبويَّة خبرًا، ولا فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه – رضي الله عنهم – ولا التَّابعون لهم، ولا الأئمَّة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشَّافعي وأحمد بن حنبل، ولا تلامذتهم؛ بل ولن تجد لها في كُتبهم، ولا كتب الحديث النَّبوي شيئًا، وقد أبطل فواتحهم هذه ونَقَضَها وردَّها عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حيث أخرج الإمام مسلم في “صحيحه”([38]) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:

« مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ».

أي: من عمل شيئًا يتقرب إلى الله به وليس في ديننا وشرعنا فهو مردود عليه، لا يُقبل منه، وهو باطل لا يُعتد به.

 وقد قال الحافظ شمس الدين السخاوي الشافعي – رحمه الله – المولود سنة (831 هجري) كما في كتاب “الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية”([39])
سئلت:

عما اعتيد من كثير من الناس فعله من قراءة الفاتحة عقب الصلوات، وإهداء ثوابها للمسلمين الأحياء والأموات؟
فأجبت:

لم يرد فيه على هذه الكيفية شيء، بل هو مما أُحْدِث، والله المستعان.اهـ

ومِن الضَّلال والمُنكر والباطل والإثم الفظيع الذي جَنَوا به على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم، وقرأناه بأعيننا في عامَّة كُتبهم، ونسمعه كثيرًا وباستمرارٍ منهم، وشهرُوه ونشروه بين المسلمين، وفي بلادهم:

[ إشاعة الأحاديث المكذوبة والباطلة والموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قرأت كُتب دُعاتهم ومشايخهم، أو كُتب أورادِهم، أو كُتب موالدهم، أو استمعت لدروسهم، ومحاضراتهم، وخطبهم؛ وجدت أنَّهم من أكثر الدُّعاة إيرادًا واستدلالًا واحتجاجًا ونشرًا لمثل هذه الأحاديث. ]

مع أنَّ العلماء – رحمهم الله – من جميع المذاهب متَّفقون على حُرمة نِسبة مثل هذه الأحاديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنَّه لا يجوز الاحتجاج بها، ولا إشاعتها بين النَّاس، لا خلاف بينهم في ذلك.

وإذا ذكرها العلماء فإنما يذكرونها مع تبيين عِللها وبطلانها لِتُحذر، لا للاستدلال بها، بل وأكثروا التصنيف فيها، وفي تبيين عِللها، ليحذرها الناس، ويَحْذروا ممن يُروِّجها ويُشيعها بين الناس.

بل إنَّ مما وقع لي شخصيًا ووقع لكثير غيري أنَّنا إذا استمعنا أو قرأنا لبعض مشايخ ودعاة الصوفية وجدنا هذه الأمور مجتمعة عند كثير من مشاهيرهم:

الأول: كثرة إيراد الأحاديث التي لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، للاحتجاج بها، مع الاستمرار على ذلك.

ناهيك عن إيرادهم الأحاديث التي نصَّ المحدِّثون من مختلف المذهب والأزمان على أنها موضوعة أو مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثاني: إيراد أحاديث متعددة للاحتجاج بها، ونسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو فتَّشْت عنها في كُتب الحديث كالصِّحاح، والسُّنن، والمسانيد، والمعاجم، والمستخرجات، والأجزاء، والعلل، والزهد والرقائق، والتفسير، وعلوم القرآن، بل وفي كُتب الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ لن تجد لها ذِكرًا ولا عنها خبرًا، فهل يؤلفونها من عند أنفسهم؟، ويلٌ لمن فعل ذلك، فقد أخرج الإمامان البخاري ومسلم في “صحيحيهما” ([40]) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

« إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ».

الثالث: أنهم قد يُحدِّثون بأحاديث صحيحة في “صحيح البخاري” أو “صحيح مسلم ” أو غيرهما، ثم يزيدون في ألفاظها ما لا يصح، أو مما لو فتَّشْت عنه في عامة كتب الحديث فلن تجده.

ومِن الشَّرِّ والضلال والإثم العظيم الذي جَنَوا به على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم، وفَتُّوا به من عضُدهم ووحدتهم، ورأيناه بأعيننا، وسمعنا به منهم، ولمسناه وعايشناه، وشهرُوه ونشروه بين المسلمين، وفي بلادهم:

[ تفرُّقهم في دِين الله شِيَعًا وأحزابًا، وتسبُّبهم في كثرة الاختلافات بين المسلمين، فيا لله ما أكثر ما عندهم من طُرُقٍ صوفية؛ إنَّها بالعشرات؛ بل ربَّما أكثر!.

يسيرون على هذه الطُّرُق، ويبايعون عليها، ويلتزمون طريقة شيخها، وأحزابه، وأوراده، وتعاليمه، ويدعُون النَّاس إليها، وكلُّ جماعةٍ وطريقة يروَن أنَّ طريقة شيخهم هي الأفضل في الإيصال إلى الله، والأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فذاك على الطريقة النَّقشبندية، وثانٍ على القادرية، وثالث على الحُصافية، ورابع على المولوية، وخامس على التيجانية، وسادس على الأكبرية، وسابع على الميرغانية، وثامن على الدِّسوقية، وتاسع على الشَّاذلية، وعاشر على الرِّفاعية، وذاك على الأحمدية، وبَلَدّيُّه على البكداشية، وهكذا، لِكلِّ قومٍ أو أهل محلّة أو زاوية أو ناحية طريقة وشيخ. ]

ويا لله كم أحدثوا من عند أنفسهم من الأفعال والأقوال الباطلة والمنكرة والشاذَّة في العقائد، وفي العبادات، وفي الزُّهد والسُّلوك، والتي لا تُعرَف في كتاب الله، ولا في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه – رضي الله عنهم -، ولا عن التَّابعين، ولا عن الأئمَّة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشَّافعي وأحمد بن حنبل !.

ويا لله ما أكثر مخالفاتهم للشريعة! وما أعظمها!، وفي عامة أبواب الدين، في باب الاعتقاد، وباب السُّنن والبدع، وباب العبادات، وباب المعاملات، وباب الذكر والدعاء، وغيرها.

فزادوا الخلاف في دِين الله، وقوَّوا الاختلاف بين أهله بسبب أقوالهم وأفعالهم المخالفة للشَّريعة، وبسبب طُرقهم الكثيرة. 

وقد قال الله سبحانه في سورة الأنعام مبرئًا نبيِّه صلى الله عليه وسلم عن جُرم التفرق في الدين، ومنبِّهًا لنا ومحذِّرًا وزاجرًا عن التفرق في الدين إلى طوائف وفرق وطُرق وجماعات وأحزاب:

{ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ }.

بل وصحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه ذمَّ التَّفرُّق في الدِّين؛ وتوعَّد المتفرِّقين في دِينهم شِيَعًا وأحزابًا وطُرقًا وجماعات بالنَّار، فقال صلى الله عليه وسلم:

 « وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «الْجَمَاعَةُ» ([41]).

وفي لفظٍ قال بثبوته جمعٌ من أهل العِلم بالحديث:

« وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً»، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي » ([42]).

أي: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي من الاعتقاد والقول والفعل والترك.

ومِن الضَّلال والمُنكر والباطل والإثم الكُبَّار الفظيع الغليظ الذي جَنَوا به على الإسلام والسُّنَّة والمسلمين وبلادهم، ورأيناه، وقرأناه، وسمعناه، ووقع المسلمون في بلادٍ كثيرةٍ فيه بسببهم، وعن طريقهم، وشهرُوه ونشروه بين المسلمين، وفي بلدانهم:

[ إحداث البدع في الدين، ودعوة الناس إلى ارتكابها، ونشرها في المساجد، والبيوت، والمدارس، والجامعات، والمقابر، والطرقات، ومجامع الناس ومجالسهم، وتسويقها للناس عبر الكتب والمقالات، والخطب، والدروس، والمحاضرات، والاحتفالات، والموالد، والفضائيات، والإذاعات، ومواقع الإنترنت، ورسائل الجوال، وبرامج التواصل “كتويتر”، و “الوتس آب”، والفيسبوك” و “التلغرام”، وغيرها، وأمضوها في المجتمعات بما تولَّوه من مناصب دينية كإفتاء، أو رئاسة صرْح عِلمي، أو قيادة مركز إغاثي، أو بخداع من له سُلطة على الناس، أو بصدقات التُّجار وعموم المتبرعين. ]

فيا لله! ما أكثر ما أحدثوه في دين الله مِن بدع، وما أكثر ما فعلوا ونشروا منها بين الناس، فلم يَسلم مِن بدعهم الصغار والشباب والكبار، ولا النساء والرجال، ولا سَلِمت منها العقائد، ولا العبادات، ولا المعاملات، ولا الأذكار، ولا الأدعية، ولا بيوت الله المساجد، ولا صلاة، ولا حج، ولا عمرة.

حتى أفسدوا عقائد وعبادات أفواج عديدة جدًا من الناس، ومِن مختلف الأقطار والأزمان، وأثقلوهم بأوزارٍ وآثام كثيرة وغليظة بسبب ارتكاب هذه البدع.

  ولا ريب أن إحداث البدع في الدين، أو فعلها، أو دعوة الناس إلى فعلها، أو نشرها في بلدانهم، ومجامعهم، ومساجدهم، ومجالسهم، لمِن المحرمات الشديدة، والمنكرات الشنيعة، والسيئات الخطيرة، والآثام الغليظة، والأوزار القبيحة.

وقد دَلَّ على كونها بهذه المثابة، وهذا الحال:

ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه – رضي الله عنهم – في شأنها مِن أحاديث وآثار.

ومِن ذلك:

أولًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقرر في مجامع الناس حين يخطبهم أن البدع المحدثة في الدين شرٌّ على الناس، وأنها ضلالة.

حيث أخرج الإمام مسلم في “صحيحه” ([43]) عن جابر – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب كان يقول:

« أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ».

ولا ريب أن ما وُصِف بأنه شرٌّ، وأنه ضلالة، يدخل في باب المحرمات الشديدة التحريم.

ثانيًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى وزجر وحذَّر أمته في وصيته الوداعية المشهورة مِن البدع المحدثة في الدين، وأخبرهم بأنها ضلالة.

فصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:

« إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ » ([44]).

وثبت عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه قال:

« كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ, وَإِنْ رَآهَا النَّاسُ حَسَنَةً » ([45]).

ولا ريب أن ما حذَّر وزجر النبي صلى الله عليه وسلم عن فعله، وحكم بأنه ضلالة، لا يدخل إلا في باب المحرمات القبيحة.

ثالثًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيَّن لأمته أن البدع المحدثة تُردُّ على صاحبها، ولا تقبل منه عند الله، ولا يُعتد بها.

حيث أخرج الإمامان البخاري ومسلم في “صحيحيهما” ([46]) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

« مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ».

وفي رواية عند الإمام مسلم:

« مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ » ([47]).

ولا ريب أن ما يرُدُّه الله تعالى على صاحبه، ولا يقبله منه، لا يدخل إلا في المحرمات.

رابعًا: أنه قد تُوعِّد على البدع بالنار.

 فثبت عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه كان يقول:

« أَصْدَقُ الْقِيلِ قِيلُ اللَّهِ, وَأَنَّ أَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا, أَلَا وَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ, وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ » ([48]).

ولا ريب بأن ما تُوعِّد عليه بالنار لا يدخل إلا في المحرمات الشديدة.

أيـُّها الإخوة والأخوات – سلَّمكم الله مِن الشرور، وجنَّبكم عواقب البدع المهلكة وشرورها -:

إن مِن المعلوم ضرورة من نصوص الشَّرع المطهَّر:

 أنه ما سُلِّط علينا أعداء الله، وأعداء دينه، وأعداء رسله وكتبه، ولا حلَّت في ديارنا الحروب، وكثُر القتل في صفوفنا، وتوسَّعت آلامنا، وازدادت نكباتنا، وعظمت محننا، وضعفت قوانا، وتردى اقتصادنا، وأُخذت خيراتنا وأفَلَت، إلا مِن عند أنفسنا، إلا بما عملته أيدينا، إلا بسبب ذنوبنا وآثامنا ومعاصينا، والتي من أشدِّها وأشرِّها وأغلظها البدع، وصدق الله وكذب المتخرصون أو أخطئوا، حيث قال – عز شأنه – في سورة الشورى في بيان سبب ذلك:

{ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }.

وقال سبحانه في سورة الأنفال:

{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }.

وقال ـ جلَّ وعلا ـ في سورة الروم:

{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }.

والبدع أعظم من المعاصي وأشنع، وآثارها على الناس أشدُّ وأغلظ، وضررها على دين الناس ودنياهم كبير جدًا، وعقوباتها الدنيوية وخيمة ومهلكة.

ولهذا فالصوفية – هداهم الله وردَّهم إلى السُّنَّة – بما هم عليه مِن بدع كثيرة في عامة أبواب الشريعة لمِن أعظم أسباب ما حلَّ وسيَحِلُّ بالمسلمين وبلادهم من تسلُّط أعداء، ودمار، وفُرقة، وحروب، وتناحر، وترَدًّ في الأوضاع، وظلم وجور الولاة، وعدوان أهل الإجرام.

وقد قال الإمام ابن تيمية – رحمه الله – كما في “مجموع الفتاوى”([49]):

إن أهل البدع شرٌّ من أهل المعاصى الشهوانية بالسُّنة والإجماع.اهـ

وقال أيضًا([50]):

وأئمة أهل البدع أضرُّ على الأمة من أهل الذنوب.اهـ

وقال الإمام الشافعي – رحمه الله -:

« لَأَنْ يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الْعَبْدُ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الشِّرْكَ بِاللَّهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ » ([51]).

والمراد بالأهواء: البدع.

وقال الإمام سفيان الثوري – رحمه الله -:

« الْبِدْعَةُ أَحَبُّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، الْمَعْصِيَةُ يُتَابُ مِنْهَا، وَالْبِدْعَةُ لَا يُتَابُ مِنْهَا » ([52]).

وأقف عند هذا القدر الذي سمعتم، وأسأل الله – جلَّ وعلَا – أن ينفعني وإيَّاكم بما سمعتم، وأن يجعل في هذه الكلمة خيرًا ونفعًا وتثبيتًا وهدايةً وتبصيرًا لكلِّ مَن سمعها ووصلت إليه، وأن يردَّ جميع الخَلْق إلى دِينه ردًّا جميلًا، اللهم رُدَّ من ضلَّ من عبادك إلى التَّوحيد والسُّنَّة ردًّا جميلًا، اللهم جنبنا وإياهم الشِّرك قليله وكثيره، صغيره وكبيره، اللهم جنبنا البدع في الدين، وأعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وسبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

محاضرة ألقاها وراجعها وزاد فيها:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.

 تنبيه:

نسخ هذه المحاضرة عن التسجيل امرأة فاضلة، فأسهمت في نشرها أكثر، فشكر الله لها، وأعظم أجرها، وجعلها من خير عملها الصالح.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1])  أخرجه أحمد (17142)، وابن ماجه (43)، وغيرهما، وهو حديث ثابت.

([2]) برقم (4497).

([3]) أخرجه أحمد (6072)، وأبو داود (3251)، والترمذي (1535)، وغيرهم.

([4]) البخاري (3836)، ومسلم (1646).

([5]) (14/ 376).

([6]) ( 1/ 335).

([7]) (154).

([8]) برقم (532).

([9]) أخرجه أحمد في “المسند”(3844 و 4143)، وابن خزيمة (789)، وابن حبان (2325 و 6847)، وغيرهم، وعلَّقه البخاريُّ في «صحيحه» (7067) بصيغة الجزم عن أبي عوانة، بلفظ: «مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكْهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ».

([10]) برقم (969).

([11]) برقم (970).

([12]) برقم (3226).

([13]) في كتابه «الأم» (1/ 316).

([14]) (ص: 8).

([15]) (1/ 437).

([16]) البخاري (2652) ، ومسلم (2533).

([17]) برقم (1718).

([18]) أخرجه أحمد (17145 و 17182)، وأبو داود (4607) واللفظ له، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42 و 43 و 44)، وغيرهم، عن العرباض بن سارية ـ رضي الله عنه ـ.

([19]) رواه البخاري (1188)، ومسلم (1397).

([20]) أخرجه أحمد (6905) ، وابن ماجه (1612)، وصحح إسناده جمع كثير من أهل العلم المذاهب الأربعة وغيرهم.

([21]) (1/ 318).

([22]) (ص:175).

([23]) (3/ 142).

([24]) جامع المسائل لابن تيمية”(3/ 45 طبعة: دار عالم الفوائد ).

([25]) (ص 51).

([26]) (4/ 491).

([27]) (5/ 311).

([28]) أخرجه عبد الرزاق (8958)، وابن أبي شيبة (15512)، والطبراني في “الكبير” (295)، والفاكهي في “أخبار مكة” (1004).

([29]) أخرجه عبد الرزاق (8957)، والفاكهي في أخبار مكة (1005).

([30]) البخاري (6610) واللفظ له ، ومسلم (2704).

([31]) «فتح الباري» لابن حجر العسقلاني الشافعي (6/135).

([32]) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (30174) ، والبيهقي في «السنن الكبرى» (7182  و 18466).

([33]) (22/ 551).

([34]) (ص:11).

([35]) (ص:194).

([36])  (22/ 525).

([37]) (3/ 785).

([38]) برقم: (1718)، وعلقه البخاري في “صحيحه” جازمًا به.

([39]) (2/ 721 – سؤال رقم:184):

([40]) البخاري (1291)، ومسلم (4).

([41]) أخرجه أحمد (8396)، وأبو داود (4596)، والترمذي (2640)، وابن ماجه (3992)، وغيرهم.

([42]) أخرجه الترمذي (2641) وغيره.

([43]) برقم (867).

([44]) رواه أحمد (17144-17145) وأبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42).

([45]) أخراجه ابن بطة في “الإبانة الكبرى”(205)، واللالكائي في “شرح أصول اعتقاد أهل السنة”(126)، والبيهقي في “المدخل”(191)، وغيرهم.

([46]) البخاري (2697)، ومسلم (1718).

([47]) برقم (1718).

([48]) البدع والنهي عنها (56) لابن وضَّاح المالكي.

([49]) (20/ 103).

([50]) (7/ 284).

([51]) أخرجه أبو نعيم في “حلية الأولياء”(9/111 و 112)، وابن بطة في “الإبانة الكبرى”(1881)، واللالكائي في “شرح أصول اعتقاد أهل السنة”(1013)، والبيهقي في “الاعتقاد”(269)، وغيرهم.

([52]) أخرجه ابن الجعد في “مسنده”(1809)، وأبو نعيم في “حلية الأولياء”(7/ 26)، واللالكائي في “شرح أصول اعتقاد أهل السنة”(238)، والبيهقي في “شعب الإيمان”(9009)، وغيرهم.