الأسباب المُعِينَة على تَرقِيق القُلوب وتَخفِيف قسْوتِها
الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ الفتَّاحِ العليمِ، الرَّحمنِ الرَّحيمِ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ على النبيِّ محمدٍ المَبعوثِ بالخيرِ العظيمِ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الكِرامِ.
أمَّا بعدُ، أيُّها الناسُ:
فإنَّ قسْوَةَ القلبِ مِن المَصائبِ الكُبرى، والذُّنوبِ العُظمَى، والمفاسِدِ الغليظَة، التي يَجبُ أنْ لا نكونَ مِن أهلِها، ولا نَسيرَ في الطريقِ إليها، ولا نعملَ بأسبابِها، فمَا ورَاءَ هذهِ القسْوَةِ إلا ضِيقُ الدُّنيا، ونَكِدُ العيشِ، وعذابُ الآخِرَةِ، وقد قالَ اللهُ سُبحانَه مُتوعِّدًا: { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }، والقلبُ القاسِي مَرْتَعٌ خَصْبٌ هَنِيءٌ مَريءٌ لِلشيطانِ وإضلالِهِ وفِتَنِهِ وشُبَهِهِ، لِقولِ اللهِ ــ جلَّ وعزَّ ــ: { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ }.
وقد قالَ اللهُ تعالى مُعاتِبًا أهلَ الإيمانِ، وزاجِرًا لَهُم، ومُحرِّضًا إيَّاهُم، ومُنبِّهًا ومُذَكِّرًا: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ }، وثبتَ أنَّ ابنَ عمرَ ــ رضيَ اللهُ عنهُما ــ: (( كَانَ إِذَا أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ الْبُكَاءُ، وَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ ))، وحُقَّ لَهُ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ أنْ يَبكِيَ كثيرًا، ويَخافَ على نفسِهِ شديدًا، لأنَّ قسْوَةَ القلبِ مرَضٌ قتَّالٌ، وذَنبٌ كُبَّارٌ، وضرَرُهُ على صاحبِهِ في الدُّنيا والقبرِ والآخِرةِ كبيرُ وكثيرٌ وخطيرٌ، وقد ثبتَ عن مالكِ بنِ دِينارٍ ــ رحمهُ اللهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ ))، وقالَ حُذيفةُ المَرْعَشِيُّ ــ رحمهُ اللهُ ــ: (( مَا أُصِيبَ أَحَدٌ بِمُصِيبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسَاوَةِ قَلْبِهِ )).
أيُّها الناس:
إنَّ أسبابَ لِينِ القلبِ وخُشوعِهِ وإذهابِ قَسوتِهِ وغِلظَتِهِ لَعَديدةٌ ومُتنوِّعَةٌ، ويَنبغِي الوقوفُ عليها، ومعرِفتُها، والاهتمامُ بإعمالِها وإعمارِ النُّفوسِ بِها، وتجميلُ الأوقاتِ بتحصيلِها.
ومِن هذهِ الأسبابِ: أنْ يَبتعِدَ المَرْءُ عن الفتنِ، وذلكَ بالابتعادِ عن مَواطنِها، مَرئيةً كانت أو مسموعةً أو مَقروءةً أو بحُضُورِ نفسٍ، والابتعادِ عن الخوضِ فيها حُكمًا وتحليلًا أو ثناءً وذَمًّا، والابتعادِ عن الدخولِ فيها والمُشاركَةِ مع أهلِها بقولٍ أو فِعلٍ أو نفسٍ أو مالٍ أو كتابةٍ أو موقِفٍ أو تغريدَةٍ أو صوتيِّةٍ أو تحليلٍ، لأنَّ الفتنَ مِن أعظمِ شَواغلِ القلبِ، وشَوارِدِ الذِّهنِ، ومُكثِراتِ التفكيرِ، ومُسبِّباتِ الفُتورِ عن الطاعَةِ، وضعْفِ العبادَةِ، إنْ لم تَجُرّ إلى انتكاسَةِ القولِ والفِعلِ والمُعتَقدِ والإيمانِ، وقد ثبتَ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ ))، وصحَّ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ))، لأنَّ الفتنَ تُدخِلُ العبدَ في كثرَةِ القيلِ والقالِ، ورُبَّما في القتلِ والاقتالِ، وتُشغِلُهُ بالدُّنيا وأحداثِها عن أعمالِ الآخِرَةِ، وتُورِثُهُ التعصُّبَ لِلبلدانِ أو القبائلِ أو العلماءِ أو الدُّعاةِ أو السِّياسِيينَ أو الأقرانِ أو الآرَاءِ أو الأحكامِ أو الحُكَّامِ أو الأحزابِ أو الجماعاتِ، وإذا تَعصَّبتِ النفسُ ذهبَ هُدوؤُها، ودخلتْها الشَّراسَةُ، وضَعُفَ فيها الرِّفقُ والِلينُ والسُّهولَةُ، وكسَتْ أقوالَهَا الغِلظَةُ والقسوَةُ والشِّدَةَ، ودخلَ قلبَ صاحبِها الكُرهُ والبُغْضُ والغِلُّ والحِقدُ والحسَدُ، وتنافرَ معَ مَن حولَهُ، وزَالَتْ أُولفَتُهُم وتآلُفُهُم.
ومِن هذهِ الأسبابِ أيضًا: أنْ يَجعلَ العبدُ لِنفسِهِ حِزْبًا مِنَ القرآنِ يَقرؤُهُ كلَّ يومٍ، ولو يَسيرًا، ولا يَتكاسَلُ عنهُ، ويَتحَيَّنُ لَهُ وقتًا يُناسِبُ حالَهُ، وكذلِكَ يَجعلُ لَهُ حِزْبًا مِن ذِكرِ اللهِ الواردِ في السُّنةِ النَّبويةِ مِن التكبيرِ والتهليلِ والتسبيحِ والحمدِ والاستغفار، لأنَّ ذلكَ مِن أعظَمِ ما يُرقِّقُ القلبَ، ويُحصِّلُ حلاوةَ الإيمانِ، ويَجلِبُ الحياةَ والسُّرورَ والرَّاحَةَ والطُّمأنينَةَ والأُنْسَ لِلقلبِ، حيثُ قالَ اللهُ سبحانَهُ مُبشِّرًا: { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }، و قالَ تعالى مُتوعِّدًا: { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ }، وثبتَ أنَّ رجلًا قالَ لِلحسنِ البصْرِيِّ ــ رحمهُ اللهُ ــ: (( يَا أَبَا سَعِيدٍ: أَشْكُو إِلَيْكَ قَسْوَةَ قَلْبِي؟ فَقَالَ: «ادْنُهْ مِنَ الذِّكْرِ» ))، وصحَّ أنَّ ابنَ عباسٍ ــ رضيَ اللهُ عنهُما ــ قالَ: (( الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا سَهَا وَغَفَلَ وَسْوَسَ، وَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ )).
ومِن هذهِ الأسبابِ أيضًا: أنْ يُكثرَ العبدُ مِن نوافلِ العبادات، فلا يَترُكُ السُّننَ الرَّواتبَ، ولا قيامَ الليلِ والوترِ، ولو بركعاتٍ قليلةٍ، ولا صلاةَ الضُّحَى ولو بركعتينِ، ولا يَترُكُ صيامَ التطوعِ، ولو بثلاثةِ أيامٍ مِن كلِّ شهرٍ، أو بالاثنينِ والخميسِ، أو بالأيَّامِ البِيضِ، ولا يَترُكُ الصَّدقةَ ولو بشيءٍ قليلٍ مِن مالٍ أو طعامٍ، لأنَّ أثَرَ ذلكَ على القلبِ كبيرٌ، حيثُ يُورِثُهُ الأُنْسَ واللذَّةَ والانشراحَ والرَّاحَةَ، ويُرقِّقُ الطَّبعَ، ويزيدُ في تهذيبِ النَّفسِ ولِينِها وسُهولتِها ورِفقِها وإحساسِهَا بأهلِ الحاجَةِ والفاقَةِ، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( قَالَ اللهُ تعالى: وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ))، وثبتَ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ))، ووحَرُ الصَّدرِ هوَ: غِشُّهُ وحِقدُهُ وحسَدُهُ وغيْظُهُ ووَساوسُهُ، وثبتَ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ: (( الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ ))، وجاءَ رَجُلٌ إلى أُمِّ الدَّرْدَاءِ ــ رحمَها اللهُ ــ فقالَ: (( إِنَّ بِي دَاءً مِنْ أَعْظَمِ الدَّاءِ، فَهَلْ عِنْدَكِ لَهُ دَوَاءٌ؟ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنِّي أَجِدُ قَسْوَةً فِي الْقَلْبِ، فَقُالْتُ: أَعْظَمُ الدَّاءِ دَاؤُكَ، عُدِ الْمَرْضَى، وَاتَّبِعِ الْجَنَائِزَ، وَاطَّلِعِ فِي الْقُبُورَ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُلَيِّنَ قَلْبَكَ، فَفَعَلَ الرَّجُلُ، فَكَأَنَّهُ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رِقَّةً، فَجَاءَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ يَشْكُرُ لَهَا )).
ومِن هذهِ الأسبابِ أيضًا: تَرْكُ فُضُولِ الكلامِ والنظرِ والمُخالَطَةِ، وما لا يَعنِي مِن أُمورِ الناسِ والسياسيَةِ والحوادِثِ والوقائِعِ والأخبارِ وأشبَاهِ ذلكَ، لأنَّ هذا التَّرْكَ مِن أعظَمِ ما يُحسِّنُ إسلامَ العبدِ ودِينَهُ، ويُفرِّغَ النَّفسَ والقلبَ لِمَا يَعنِيهِما ويَنفعُهُما، وما هوَ أهَمُّ، وقد ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكَهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ ))، وثبتَ عن جَمْعٍ مِن التابِعينَ أنَّهُم قالوا: (( سُئِلَ لُقْمَانُ الْحَكِيمُ: أَيُّ عَمَلِكَ أَوْثَقُ فِي نَفْسِكَ؟ قَالَ: تَرْكِي مَا لَا يَعْنِينِي ))، ومَن لم يَترُكِ هذا الفُضولَ أصبحَ قلبُهُ مُثخَنًّا بما لا يَنفعُ، ومُنشغلًا بما لا أجرَ فيهِ، بل قد يَصحبُهُ الإثمُ والزَّلَلُ والضَّغينَةُ والغضَبُ، لأنَّ القلوبَ تتأثَّرُ بما تَسمَعُ وتَرَى وتقرأ.
ومِن هذهِ الأسبابِ أيضًا: ترْكُ المعاصي، لأنَّ المعصيَةَ تَجُرُّ إلى معصيَةٍ أُخْرى، بلْ وإلى أغلظِ مِنها وأكثَر، حتى يُثْخَنَ القلبُ بالسِّيئاتِ فيَقسُوَ ولا يتأثَّرَ بالوعظِ والتذكيرِ، وتَثقُلَ النَّفسُ بالذُّنوبِ فتَهلَكَ، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ ــ جلَّ وعلا ــ: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ))، وفي هذا يقولُ الإمامُ عبدُ اللهِ بنُ المُبارَكِ ــ رحمهُ اللهُ ــ: «رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ … وَيُورِثُكَ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا ــــ وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ … وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا».
ومِن هذهِ الأسبابِ أيضًا: تعويدُ النفسِ على الرِّفقِ والِلينِ والسُّهولةٍ والتغافُلِ، وتَجنيبُها الغِلظَةَ والقسوَةَ والعُنفَ والشراسَةَ، وتجميلُها بمحبَّةِ الخيرِ لِلناسِ، والدُّعاءِ لَهُم والفرَحِ بحُصولِ الخيرِ لُهُم، ومُجاهدتُها على ذلك، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ ــ وذَكَرَ مِنهُم ــ: رَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ )).
وسُبحانَ اللهِ عددَ خلقِهِ، ورِضَا نفسِهِ، وزِنَةَ عرشِهِ، ومِدادَ كلماتِه.
الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ الكريمُ، اللهمَّ صَلِّ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ.
أمَّا بعدُ، أيُّها الناسُ:
فاتقوا اللهَ تعالى بالاجتهادِ في صلاحِ قلوبِكُم وإصلاحِهَا، والمُجاهدَةِ على دفعِ قسوَتِها عن أنفُسِكُم، فقد قالَ اللهُ ــ تبارَكَ وتقدَّس ــ مُحرِّضًا لَكُم ومُبشِّرًا: { والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }، فإنَّهُ مَن صحَّحَ باطنَهُ بالإخلاصِ للهِ والمُراقبَةِ والخشيةِ والمُجاهدَةِ، أكرمَهُ اللهُ فجَمَّلَ ظاهرَهُ بالطاعاتِ، واتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وحُسْنِ مُعامَلَةِ الخلق، وهَداهُ لِلعلمِ النَّافِعِ والعملِ الصَّالِحِ ومعرِفَةِ الحقِّ والصَّوَابِ، وكانَ لَهُ ناصِرًا ومُعِينًا، وقد قالَ سبحانَهُ: { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ }.
اللهمَّ: لَيِّنْ قلوبَنَا قبلَ أنْ يُليِّنَها المَوتُ، واجعلْهَا خاشِعَةً لِذكْرِكَ وما نزَلَ مِنَ الحقِّ، اللهمَّ: يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّتْ قلوبَنا على دِينِكَ، اللهمَّ: يا مُصرِّفَ القلوبِ صَرِّفْ قلوبَنا على طاعتِكَ، ربَّنا لا تُزِغ قلوبَنا بعدَ إذ هدَيتَنا وهبْ لَنَا مِن لدُنْكَ رحمَةً إنَّكَ أنتَ الوهابُ، اللهمَّ: إنَّا نعوذُ بِكَ مِن قلبٍ لا يَخشعُ، وعينٍ لا تَدمعُ، ونفسٍ لا تَشبعُ، ودعوةٍ لا يُستجابُ لَهَا، اللهمَّ: اغفِرْ لِلمُسلمينَ والمُسلِماتِ، وارحَمْ موتَانا وموتَاهُم، إنَّكَ سميعُ الدُّعاءِ، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم.