إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > رسالة بعنوان: ” هل الجمعة تسقط بشهود صلاة العيد ولا يُصلى يومها جمعة ولا ظهرًا ” ملف: [pdf] مع نسخة الموقع.

رسالة بعنوان: ” هل الجمعة تسقط بشهود صلاة العيد ولا يُصلى يومها جمعة ولا ظهرًا ” ملف: [pdf] مع نسخة الموقع.

  • 29 أغسطس 2017
  • 7٬126
  • إدارة الموقع

هل الجمعة تَسقط بشهود صلاة العيد ولا يُصلَّى يومها جمعة ولا ظهرا

 

الحمد لله الملِك الأعلى، وسلَّم على محمد النَّبي المُجتَبى، وآله وصحبه وصَلَّى.

وبعد:

فهذا جمعٌ نفيس مُنتَقى مِن كلام أربعة مِن أهل العلم الرَّاسخين، مِن أهل السُّنَّة والحديث والجماعة، أتْباعِ السَّلف الصالح ــ رحمهم الله ــ مع خلاصة لأقوال أهل العلم:

في إبطال القول الشَّاذ المُنكر القائل «بسقوط صلاة الجمعة والظهر في حقِّ مَن شهد صلاة العيد مع الإمام».

وأنَّ مَن صلَّى العيد مع الإمام: «فلا يُصلِّي يومها جمعة ولا ظُهرًا».

فأقول مُستعينًا بالله العظيم ــ جلَّ وعز ــ:

1 ــ قال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع الفتاوى” (٢٤/ ٢١١):

«ﺇﺫا اﺟﺘﻤﻊ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻭاﻟﻌﻴﺪ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻭاﺣﺪ، ﻓﻠﻠﻌﻠﻤﺎء ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻗﻮاﻝ:

ﺃﺣﺪﻫﺎ: ﺃﻧَّﻪ ﺗﺠﺐ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻣَﻦ ﺷَﻬﺪ اﻟﻌﻴﺪ، ﻛﻤﺎ ﺗﺠﺐ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺠﻤﻊ.

ﻟِﻠﻌﻤﻮﻣﺎﺕ اﻟﺪَّاﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺏ اﻟﺠﻤﻌﺔ.

ﻭاﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺗَﺴﻘﻂ ﻋﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺒَﺮِّ، ﻣِﺜﻞ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﻮاﻟﻲ ﻭاﻟﺸَّﻮاﺫ.

ﻷﻥَّّ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ: ﺃﺭْﺧَﺺ ﻟَﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﺮْﻙ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻟﻤَّﺎ ﺻﻠَّﻰ ﺑِﻬﻢ اﻟﻌﻴﺪ.

ﻭاﻟﻘﻮﻝ اﻟﺜﺎﻟﺚ، وهو الصَّحيح: ﺃﻥَّ ﻣَﻦ ﺷَﻬﺪ اﻟﻌﻴﺪ ﺳﻘﻄﺖ ﻋﻨﻪ اﻟﺠﻤﻌﺔ.

ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﻥْ ﻳُﻘﻴﻢ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻟِﻴﺸﻬﺪﻫﺎ ﻣِﻦ ﺷﺎء ﺷُﻬﻮﺩﻫﺎ، ﻭﻣَﻦ ﻟﻢ ﻳَﺸﻬﺪ اﻟﻌﻴﺪ.

ﻭﻫﺬا ﻫﻮ: اﻟﻤﺄﺛﻮﺭ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم، ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ، ﻛﻌﻤﺮ، ﻭﻋﺜﻤﺎﻥ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ، ﻭاﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ، ﻭاﺑﻦ اﻟزُّﺑﻴﺮ، ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ.

ﻭﻻ ﻳُﻌﺮَﻑ ﻋﻦ: اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺧﻼﻑ.

ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﻘﻮﻟﻴﻦ اﻟﻤُﺘﻘﺪِّﻣﻴﻦ: ﻟﻢ ﻳَﺒﻠﻐﻬﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻣِﻦ اﻟﺴُّﻨﺔ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم ﻟﻤَّﺎ اﺟﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻳﻮﻣﻪ ﻋﻴﺪاﻥ، صلَّى اﻟﻌﻴﺪ ﺛﻢ رخَّص ﻓﻲ اﻟﺠﻤﻌﺔ.

ﻭﻓﻲ ﻟﻔﻆ أنَّه ﻗﺎﻝ: (( ﺃﻳُّﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ: ﺇﻧَّﻜﻢ ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺘﻢ ﺧﻴﺮًا ﻓﻤَﻦ ﺷﺎء ﺃﻥْ ﻳَﺸﻬﺪ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻓﻠﻴَﺸﻬﺪ، ﻓﺈﻧَّﺎ ﻣﺠﻤﻌﻮﻥ )).

ﻭﺃﻳﻀًﺎ: ﻓﺈﻧَّﻪ ﺇﺫا ﺷَﻬﺪ اﻟﻌﻴﺪ ﺣﺼﻞ ﻣﻘﺼﻮﺩ الإﺟﺘﻤﺎﻉ.

ﺛﻢ ﺇﻧَّﻪ: ﻳُﺼﻠِّﻲ اﻟﻈﻬﺮ ﺇﺫا ﻟﻢ ﻳَﺸﻬﺪ اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻓﺘﻜﻮﻥ اﻟﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻭﻗﺘﻬﺎ، ﻭاﻟﻌﻴﺪ ﻳُﺤﺼِّﻞ ﻣﻘﺼﻮﺩ اﻟﺠﻤﻌﺔ».اهـ

قلت:

لم يَذكر الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ:

القول بإسقاط الجمعة والظهر معًا لِمَن شهد صلاة العيد مع الإمام مِن ضِمن أقوال أهل العلم، لا عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، ولا عن باقي الفقهاء.

ولم يَذكر أيضًا:

عبد الله بن الزُّبير ــ رضي الله عنه ــ مُخالفًا ولا خارجًا عن هذه الأقوال المذكورة في المسألة.

2 ــ وقال الحافظ أبو عمر ابن عبد البَر النَّمري المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “التمهيد” (١٠/ ٢٧٠-٢٧١):

«ﻭﺃﻣَّﺎ اﻟﻘﻮﻝ اﻷﻭَّﻝ:

“إنَّ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﺗﺴﻘﻂ ﺑﺎﻟﻌﻴﺪ ﻭﻻ ﺗُﺼﻠَّﻰ ﻇﻬﺮًا ﻭﻻ ﺟﻤﻌﺔ”.

فقولٌ: بيِّنُ اﻟﻔﺴﺎﺩ، ﻭﻇﺎﻫﺮ اﻟﺨﻄﺄ، ﻣَﺘﺮﻭﻙٌ ﻣﻬﺠﻮﺭٌ، ﻻ ﻳُﻌﺮَّﺝ ﻋﻠﻴﻪ.

لأنَّ الله ــ عزَّ وجلَّ ــ ﻳﻘﻮﻝ: { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ }، ﻭﻟﻢ ﻳَﺨُﺺ ﻳﻮﻡ ﻋﻴﺪ ﻣِﻦ ﻏﻴﺮﻩ.

ﻭﺃﻣَّﺎ اﻵﺛﺎﺭ اﻟﻤﺮﻓﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ، ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻴﺎﻥ ﺳُﻘﻮﻁ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻭاﻟﻈﻬﺮ، ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻴﻬﺎ الرُّﺧﺼﺔ ﻓﻲ التَّخلُّف ﻋﻦ ﺷُﻬﻮﺩ اﻟﺠﻤﻌﺔ.

ﻭﻫﺬا ﻣﺤﻤﻮﻝ ﻋﻨﺪ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻴﻦ:

ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ: ﺃﻥْ ﺗَﺴﻘﻂ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻋﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻤِﺼﺮ، ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ، ويُصلُّون ظُهرًا.

ﻭاﻵﺧَﺮ: ﺃﻥَّ اﻟﺮُّﺧﺼﺔ ﺇﻧَّﻤﺎ ﻭﺭَﺩﺕ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻷﻫﻞ اﻟﺒﺎﺩﻳﺔ، ﻭﻣَﻦ ﻻﺗﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺠﻤﻌﺔ».اهـ

ــــ وقال أيضًا في كتابه “التمهيد” (١٠/ ٢٧٧)، بعد ذِكر بعض الآثار التي شذَّ بالاحتجاح بها بعضهم على سقوط الجمعة والظهر معًا:

«ﻭﺇﺫا احتَمَلَت ﻫﺬﻩ اﻵﺛﺎﺭ ﻣِﻦ اﻟﺘﺄﻭﻳﻞ ﻣﺎ ذَكرنا:

ﻟﻢ ﻳَﺠﺰ ﻟِﻤُﺴﻠﻢ ﺃﻥْ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺳﻘﻮﻁ ﻓﺮْﺽ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻋﻤَّﻦ ﻭﺟﺒَﺖ ﻋﻠﻴﻪ.

لأنَّ الله ــ عزَّ وجلَّ ــ ﻳﻘﻮﻝ: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ }.

ﻭﻟﻢ ﻳَﺨُﺺ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ: ﻳﻮﻡ ﻋﻴﺪٍ ﻣِﻦ ﻏﻴﺮﻩ ﻣِﻦ ﻭﺟْﻪٍ ﺗﺠﺐ حُجَّتُه.

ﻓﻜﻴﻒ ﺑﻤَﻦ ﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ: ﺳﻘﻮﻁ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻭاﻟﻈﻬﺮ اﻟﻤُﺠﺘﻤَﻊ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭاﻟﺴُّﻨﺔ ﻭاﻹﺟﻤﺎﻉ، ﺑﺄﺣﺎﺩﻳﺚ ﻟﻴﺲ ﻣِﻨﻬﺎ ﺣﺪﻳﺚ ﺇﻻ ﻭﻓﻴﻪ ﻣَﻄﻌَﻦ ﻷﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ».اهـ

ــــ وقال أيضًا في كتابه “الاستذكار” (7/ 25-26)، في رَدِّ القول بإسقاط صلاتي الجمعة والظهر عمَّن شهد صلاة العيد مع الإمام:

«وقد رُوي في هذا الباب عن ابن الزُّبير وعطاء: قول مُنكَر أنكَره فقهاء الأمصار، ولم يَقل بِه أحد مِنهم.

وذلك أنَّ عبد الرزاق:

رَوى عن ابن جُريج، قال: قال عطاء: (( إِنِ اجْتَمَعَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ الْفِطْرِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَلْيَجْمَعْهُمَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ وَلَا يُصَلِّي بَعْدَهَا حَتَّى الْعَصْرِ )).

قال ابن جُريج: ثم أخبرنا عند ذلك، قال: (( اجْتَمَعَ يَوْمُ فِطْرٍ وَيَوْمُ جُمُعَةٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِكُرَةً صَلَاةَ الْفِطْرِ ثُمَّ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ )).

ورَوى سعيد بن المُسِّيب، عن قتادة، قال: سمعت عطاء يقول: (( اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَصَلَّى الْعِيدَ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ إِلَى الْعَصْرِ )).

قال أبو عمر:

أمَّا فِعل ابن الزُّبير، وما نقله عطاء مِن ذلك، وأفتَى بِه ــ على أنَّه قد اختُلِف عنه ــ:

فلا وجْه فيه عند جماعة الفقهاء، وهو عندهم خطأ إنْ كان على ظاهره.

لأنَّ: الفرْض مِن صلاة الجمعة لا يَسقط بإقامة السُّنة في العيد عند أحد مِن أهل العلم.

وقد رَوى فيه قوم: أنَّ صلاته التي صلاها لِجماعة ضُحى يوم العيد نوى بها صلاة الجمعة.

على مذهب: مَن رأى أنَّ وقت صلاة العيد ووقت الجمعة واحد.

وتأوَّل آخَرون:

أنَّه لم يَخرج إليهم، لأنَّه صلاها في أهله ظهرًا أربعًا، وهذا لا دليل فيه في الخبَر الوارد بهذه القِصَّة عنه.

 وعلى أيِّ حال كان، فهو عند جماعة العلماء: خطأ، وليس على الأصل المأخوذ بِه».اهـ

قلت:

أشار الحافظ ابن عبد البَر المالكي ــ رحمه الله ــ في ما تقدَّم مِن كلام إلى أمور:

الأوَّل: أنَّ إسقاط صلاة الجمعة وصلاة الظهر معًا عمَّن شهد صلاة العيد مع الإمام الذي نقله عطاء لم يَقل بِه أحد مِن فقهاء أمصار المسلمين.

الثاني: أنَّ القول بإسقاط صلاتي الجمعة والظهر معًا عمَّن شهد صلاة العيد مع الإمام الذي نقله عطاء قد أنكَره فقهاء أمصار المسلمين.

الثالث: أنَّ الآثار الواردة عن عبد الله بن الزُّبير ــ رضي الله عنهما ــ مُختلفة ومُحتمِلة عند أهل العلم لِما هو مَوافِق ومُخالِف.

الرابع: أنَّ وجوب صلاة الجمعة وصلاة الظهر ثابت بالقرآن والسُّنة النَّبوية والإجماع.

وما كان ثبوته بهذه القوَّة والمَتانة لا يَقضي عليه قول أو فِعل صحابي مُختلِف ومُحتمِل.

الخامس: أنَّ صلاة الجمعة وصلاة الظهر فرْضان واجبان بالقرآن والسُّنة والإجماع، وصلاة العيد سُنَّة، والفرْض الواجب لا تُسقطه وتُلغيه السُّنة.

3 ــ وقال الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع فتاويه” (١٥/ ٢٣١ أو ٣٠/ ٢٦١):

«ﺳﻘﻮﻁ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻭاﻟﻈﻬﺮ ﻋﻤَّﻦ ﺣﻀَﺮ اﻟﻌﻴﺪ ﻓﻴﻤﺎ ﺇﺫا ﻭﻗﻊ اﻟﻌﻴﺪ ﻳﻮﻡ اﻟﺠﻤﻌﺔ: ﺧﻄﺄ ﻇﺎﻫﺮ.

ﻷنَّ الله ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ: ﺃﻭﺟَﺐ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﺧﻤﺲ ﺻﻠﻮاﺕ ﻓﻲ اﻟﻴﻮﻡ ﻭاﻟﻠﻴﻠﺔ، ﻭﺃﺟﻤَﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ.

ﻭاﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻫﻲ: ﺻﻼﺓ اﻟﺠﻤﻌﺔ.

ﻭﻳﻮﻡ اﻟﻌﻴﺪ ﺇﺫا ﻭاﻓﻖ ﻳﻮﻡ اﻟﺠﻤﻌﺔ: ﺩاﺧﻞ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ.

ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﻼﺓ اﻟﻈﻬﺮ ﺗَﺴﻘﻂ عمَّن ﺣﻀَﺮ ﺻﻼﺓ اﻟﻌﻴﺪ ﻣﻊ ﺻﻼﺓ اﻟﺠﻤﻌﺔ: لَنَبَّه اﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﻷﻥَّ ﻫﺬا ﻣِمَّا ﻳَﺨْﻔﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﺱ.

فلمَّا ﺭﺧَّﺺَ ﻓﻲ ﺗﺮْﻙ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻟِﻤَﻦ ﺣﻀَﺮ ﺻﻼﺓ اﻟﻌﻴﺪ، ﻭﻟﻢ ﻳَﺬﻛﺮ ﺳﻘﻮﻁ ﺻﻼﺓ اﻟﻈﻬﺮ ﻋﻨﻪ:

ﻋُﻠِﻢ ﺃﻧَّﻬﺎ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﻋﻤﻼً ﺑﺎﻷﺻﻞ، ﻭاﺳﺘﺼﺤﺎﺑًﺎ للأدلة اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﻭاﻹﺟﻤﺎﻉ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺏ ﺧﻤﺲ ﺻﻠﻮاﺕ ﻓﻲ اﻟﻴﻮﻡ ﻭاﻟﻠﻴﻠﺔ.

ﻭﻛﺎﻥ صلى الله عليه وسلم: ﻳُﻘﻴﻢ ﺻﻼﺓ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻳﻮﻡ اﻟﻌﻴﺪ، ﻛﻤﺎ ﺟﺎءﺕ ﺑﺬﻟﻚ اﻷﺣﺎﺩﻳﺚ.

ﻭﻣِﻨﻬﺎ: ﻣﺎ خرَّجه ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ “ﺻﺤﻴﺤﻪ” ﻋﻦ النُّعمان ﺑﻦ ﺑَﺸﻴﺮ: (( ﺃﻥَّ اﻟﻨَّﺒﻲ صلى الله عليه وسلم ﻛﺎﻥ ﻳَﻘﺮﺃ ﻓﻲ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻭاﻟﻌﻴﺪ ﺑﺴﺒﺢ ﻭاﻟﻐﺎﺷﻴﺔ، ﻭﺭُﺑَّﻤﺎ اﺟﺘﻤﻌﺎ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻓﻘﺮﺃ ﺑﻬﻤﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ جميعًا )).

ﺃﻣَّﺎ ﻣﺎ ﺭُﻭﻱ ﻋﻦ اﺑﻦ اﻟﺰُّﺑﻴﺮ: “أنَّه صَلَّى اﻟﻌﻴﺪ ﻭﻟﻢ ﻳَﺨﺮﺝ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻟﺼﻼﺓ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻭﻻ ﻟِﺼﻼﺓ اﻟﻈﻬﺮ”.

 ﻓﻬﻮ ﻣﺤﻤﻮﻝٌ ﻋﻠﻰ: ﺃﻧَّﻪ ﻗﺪَّﻡ ﺻﻼﺓ اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻭاﻛﺘﻔﻰ ﺑﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻌﻴﺪ ﻭالظهر.

ﺃﻭ ﻋﻠﻰ أنَّه: اﻋﺘﻘﺪ ﺃﻥَّ اﻹﻣﺎﻡ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ اﻟﻴﻮﻡ ﻛﻐﻴﺮﻩ، ﻻ ﻳَﻠﺰﻣﻪ اﻟﺨﺮﻭﺝ ﻷﺩاء اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﺑﻞ ﻛﺎﻥ يُصلِّي ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ اﻟﻈﻬﺮ.

ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺗﻘﺪﻳﺮ:

ﻓﺎﻷﺩﻟﺔ اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣَّﺔ، ﻭاﻷﺻﻮﻝ المُتَّبَعة، ﻭاﻹﺟﻤﺎﻉ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺏ ﺻﻼﺓ اﻟﻈﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﻣَﻦ ﻟﻢ ﻳُﺼﻞِّ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻣِﻦ اﻟﻤُﻜﻠَّﻔﻴﻦ.

ﻛﻞُّ ﺫﻟﻚ: ﻣﻘﺪَّﻡٌ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ اﺑﻦ اﻟﺰُّﺑﻴﺮ ــ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ــ ﻟﻮ اﺗﻀﺢ ﻣِﻦ ﻋﻤﻠﻪ ﺃﻧَّﻪ ﻳَﺮﻯ ﺇﺳﻘﺎﻁ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻭاﻟﻈﻬﺮ ﻋﻤَّﻦ ﺣﻀَﺮ اﻟﻌﻴﺪ».اهـ

قلت:

أشار العلامة ابن باز ــ رحمه الله ــ في ما تقدَّم مِن كلام إلى أمور:

الأوَّل: أنَّ صلاة الجمعة وصلاة الظهر واجبتان بالنَّص والإجماع.

وما كان ثبوته بهذه القوَّة والمَتانة لا يَقضي عليه قول أو فِعل صحابي مُختلِف ومُحتمِل.

الثاني: أنَّ فِعل النبي صلى الله عليه وسلم  قد خالف فِعل الصحابي ابن الزُّبير ــ ﻟﻮ اتَّضَح ﻣِﻦ فِعله أنَّه ﻳَﺮﻯ ﺇﺳﻘﺎﻁ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻭاﻟﻈﻬر ﻋﻤَّﻦ شهد صلاة العيد مع الإمام.

حيث جاء في “صحيح مسلم” أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى بالناس الجمعة في يوم عيد بعد أنْ صلَّى بِهم العيد.

وفِعل النبي صلى الله عليه وسلم دليل وحُجِّة، ومقدَّم على فِعل وقول كل أحد، حتى ولو كان مِن كبار وفقهاء الصحابة.

الثالث: أنَّ صلاة الظهر لو كانت تسقط ومعها صلاة الجمعة عمَّن صلِّى العيد مع الإمام لَبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم للأًمِّة، ولكان بيانه مُشتهرًا في الناس، ومعلومًا لهم.

لأنَّ: إسقاط الفريضة الواجبة بالقرآن والسُّنة والإجماع مِن الأمور الظاهرة العملية المُتكرِّرة التي تهتم وتتداعى لَها نفوس الناس نقلًا ونشرًا.

4 ــ وقال العلامة محمد علي آدم الإتيوبي ــ رحمه الله ــ في كتابه “ذخيرة العُقبى في شرح المُجتبى”، وهو شرح على “سُنن النسائي” (17/ 237 ــ بعد حديث رقم:1591:):

«الذي يترجَّح عندي قول مَن قال:

إنَّ صلاة العيد تُجزئ عن الجمعة، فيُرخَّص لكل مَن حضَر العيد أنْ يَتخلَّف عن الجمعة.

وأمَّا القول بسقوط الظهر عمَّن سقطت عنه الجمعة:

فمِمَّا لا دليل عليه، فالذين قالوا بسقوط الظهر ما أتوا بدليل صريح، بل كلها مُحتمِلات، كفعل ابن الزُّبير المُتقدِّم.

فالحقّ أنَّه لا يسقط وجوب أداء الظهر، لأنَّ وجوبه بالنصوص القطعية، وهذا الذي ادَّعوه مِن السُّقوط إنَّما هو بالنصوص المُحتمِلة، فلا تَبرأ الذِّمة بيقين إلا بالأداء، فتبَصَّر بالإنصاف، ولا تتحيَّر بالاعتساف».اهـ

قلت:

أشار العلامة محمد علي آدم ــ رحمه الله ــ في ما تقدَّم مِن كلام:

إلى أنَّ وجوب صلاة الجمعة وصلاة الظهر قد ثبت بنصوص شرعية قطعية صريحة، والنص القطعي الصَّريح لا يُقضَى عليه ويُعارَض ويُسقَط حُكمه بفعل صحابي، وهذا الفعل أيضًا مُحتمل.

ومِن باب زيادة الفائدة:

فدونكم ــ سدَّدكم الله ــ أقوال أهل العلم عن اجتماع صلاتي الجمعة والعيد في نفس اليوم، وما لهم فيهما مِن أقوال:

القول الأوَّل:

أنَّ شُهود صلاة العيد لا يُسقِط وجوبَ إقامة صلاة الجمعة، ولا وجوبَ شُهود المُكلَّفين لَهَا، ويجب شهود صلاة الجمعة على مِن صلَّى العيد مع الإمام.

وإلى هذا القول: ذهب أكثر أهل العلم، وقِيل: عامَّتهم.

مِنهم: أبو حنيفة، ومالك في المشهور عنه، والشافعي في حق أهل المِصر دون أهل السواد، وأحمد في رواية، وابن حزم.

وقد نَسبه إلى أكثرهم:

1 ــ الفقيه أبو المواهب العكبري الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “رؤوس المسائل الخلافية على مذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل” (ص:268 ــ مسألة رقم:795).

2 ــ والفقيه مُوفَّق الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (3/ 242).

3 ــ والفقيه ابن الأثير الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الشافي في شرح مُسند الشافعي” (2/ 303).

4 ــ والفقيه ابن رسلان الشافعي ــ رحمه الله ــ في شرحه على “سُنن أبي داود” (5/ 518 ــ حديث رقم: 1070)، وغيرهم.

ونَسبه إلى عامَّة العلماء:

الفقيه بدر الدِّين العَيني الحنفي ــ رحمه الله ــ في شرحه على “سُنن أبي داود” (4/ 397-398 ــ حديث رقم: 1041).

واحتُجَّ لِهذا القول بحُجج، مِنها:

الحُجِّة الأولى:عُموم النُّصوص الواردة في القرآن والسُّنة النَّبوية الثابتة في وجوب إقامة صلاة الجمعة، ووجوب حضور المُكلفين إليها، حيث لم تَخُص يوم عيد مِن غيره.

وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع الفتاوى” (٢٤/ ٢١١) في بيان مُستنَد أهل هذا القول:

«ﻟِﻠﻌُﻤﻮﻣﺎﺕ اﻟﺪَّاﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺏ اﻟﺠﻤﻌﺔ».اهـ

الحُجَّة الثانية: أنَّ صلاة الجمعة فرْض، وصلاة العيد تطوع، ولا يُسقط التطوع الفرْض، بل لا يُسقِط الفرْض الفرْض.

وقال الحافظ ابن المُنذر النيسابوري ــ رحمه الله ــ في كتابه “الأوسط في السُّنن والإجماع والاختلاف” (4/ 291 ـ رقم: 2185):

«أجمَع أهل العلم على: وجوب صلاة الجمعة.

ودلَّت الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على: أنَّ فرائض الصلوات خمس.

وصلاة العيدين: ليس مَن الخمس.

وإذا دلَّ الكتاب والسُّنة والاتفاق على: وجوب صلاة الجمعة.

ودلَّت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على: أنَّ فرائض الصلوات الخمس.

وصلاة العيدين: ليس مِن الخمس.

وإذا دلَّ الكتاب والسُّنة والاتفاق على: وجوب صلاة الجمعة.

ودلَّت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على: أنَّ صلاة العيد تطوع، لم يَجُز ترْك فرضٍ بتطوع».اهـ

وقال الفقيه ابن حزم الظاهري ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُحلَّى” (3/ 304 ــ مسألة رقم:547):

«الجمعة فرْض والعيد تطوع، والتطوع لا يُسقط الفرض».اهـ

وقال الفقيه بدر الدِّين العَيني الحنفي ــ رحمه الله ــ في شرحه على “سُنن أبي داود” (4/ 397-398 ــ حديث رقم: 1041):

«وقالت عامَّة الفقهاء: تجب الجمعة.

لِعموم الآية، والأخبار الدالة على وجوبها، ولأنَّهما صلاتان واجبتان فلم تَسقط إحداهما بالأُخْرى كالظهر مع العيد».اهـ

وقال الإمام مُوفَّق الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (3/ 242):

«وقال أكثر الفقهاء: تجب الجمعة.

لِعموم الآية، والأخبار الدالة على وجوبها، ولأنَّهما صلاتان واجبتان فلم تَسقط إحداهما بالأُخْرى كالظهر مع العيد».اهـ

القول الثاني:

أنَّ صلاة العيد لا تُسقِط وجوبَ إقامة صلاة الجمعة، ولكن يُرَخَّص لأهل البَّر والقُرى وأشباههم في عدم شهودها مع الإمام ويُصلُّون في أماكنهم ظهرًا، وباقي الناس يجب أنْ يشهدوا الجمعة مع الإمام.

وهذا القول هو: ظاهر كلام الإمام الشافعي ــ رحمه الله ــ.

حيث قال الفقيه مجْد الدَّين أبو السعادات ابن الأثير الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الشافي في شرح مُسند الشافعي” (2/ 303):

«وأمَّا أهل السواد:

فإنَّ الشافعي قال: يَخطب الإِمام ويأذن لأهل السَّواد في الانصراف إلى أهاليهم إنْ شاؤوا ، ليس ذلك لأحد مِن أهل المِصر، والاختيار لَهم أنْ يُقيموا حتى يُجمِّعوا أو يعودوا إنْ قَدِروا.

واختلف أصحاب الشافعي في هذا القول على طريقين:

فمِنهم مَن قال: أهل السواد الذين يَبلغهم النداء، ومِنهم مِن قال: أهل السواد كلهم لا يجب عليهم.

وهذا ظاهر كلام الشافعي، ورُخِّص لهم في ترْك الجمعة تخفيفًا».اهـ

وقال الفقيه شهابد الدِّين أبو العباس ابن رسلان الشافعي ــ رحمه الله ــ في شرحه على “سُنن أبي داود” (5/ 517 ــ حديث رقم: 1070):

«وهذه الرُّخصة مخصوصة عند الشافعي: بأهل القُرى الذين حول المدينة».اهـ

وحُجَّة أهل هذا القول:

ما أخرجه البخاري في “صحيحه” (5572) عن أبي عُبيد مولَى أزْهَر ــ رحمه الله ــ أنَّه قال:

(( شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ العَوَالِي فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ» )).

وقال الفقيه أبو الحسنات اللكنوي الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “التعليق المُمجَّد على موطأ محمد” (1/ 609 ــ حديث رقم:232):

«قوله: “مِن أهل العالية”، هي: القُرى المُجتمِعة حول المدينة النَّبوية إلى جهة القِبلة على مِيل أو مِيلين فأكثر مِن المسجد النَّبوي».اهـ

ووجْه الاستدلال مِن هذا الأثَر:

أنَّ عثمان ــ رضي الله عنه ــ خليفة راشد، وقد خيَّر أهل عوالي المدينة الذين شهدوا العيد معه بين البقاء لِشهود صلاة الجمعة وعدم البقاء إنْ أحبُّوا الانصراف إلى أهليهم، ويُصلُّون في أماكنهم ظُهرًا، ولم يُخيِّر أهل المدينة، وكان هذا التخيير بمَحضَر الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، فلم يُنكِر ذلك عليه أحد، فكانت إجماعًا مِنهم.

فدَلَّ على: أنَّ التخيير والرٌّخصة في عدم شهود صلاة الجمعة خاصَّة بمَن كان مِن أهل العوالي أو مَن كان حاله كحال أهل العوالي.

وقال الفقيه أبو القاسم الرافعي الشافعي ــ رحمه الله ــ في “شرح مُسند الشافعي” (2/ 36-37)، عقب أثر عثمان ــ رضي الله عنه ــ:

«ثم ذلك عند الشافعي، ومُعظم أهل العلم: محمولٌ على أهل القرى إذا شقَّ عليهم الذهاب والإياب.

فأمَّا أهل المِصْر: فعليهم العود للجمعة بلا خلاف.

وفي قوله: (( مَن أحبَّ أنْ يَجلس مِن أهل العالية فليجلس، ومَن أحبَّ أنْ يَنتظر الجمعة فلينتظرها )) ما يَدُل على: أنَّ المقصود أهل القُرى».اهـ

القول الثالث:

أنَّ صلاة العيد لا تُسقِط وجوب إقامة الإمام صلاة الجمعة، ولكن يُرخَّص لِكل مَن شهد صلاة العيد في عدم شُهود صلاة الجمعة مع الإمام، ويُصلِّي في بيته ظُهرًا، حتى ولو كان مِن أهل المُدن.

وهذا القول هو: مذهب الإمام أحمد بن حنبل ــ رحمه الله ــ.

واختاره: ابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين، ومحمد علي آدم الإتيوبي.

وقال الإمام مُوفَّق الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (3/ 242):

«وإنْ اتفق عيدٌ في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عمَّن صلَّى العيد، إلا الإمام فإنَّها لا تَسقط عنه إلا أنْ لا يَجتمع له مَن يُصلِّي بِه الجمعة.

وقيل: في وجوبها على الإمام روايتان.

ومِمَّن قال بسقوطها: الشَّعبي، والنَّخعي، والأوزاعي.

وقيل: هذا مذهب عمر، وعثمان، وعلي، وسعيد، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزُّبير».اهـ

وقال الفقيه ابن هُبيرة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الإفصاح عن معاني الصَّحاح” (1/ 148) عقبه:

«وهذه المسألة تفرَّد بها أحمد بن حنبل، عملًا بهذا الحديث».اهـ

ولعلَّه يقصد بتفرُّد الإمام أحمد: تفرُّده عن باقي الأربعة.

يَعني: عن أبي حيفة، ومالك، والشافعي.

واحتُجَّ لِهذا القول بحُجج، مِنها:

الحُجَّة الأولى: ما أخرجه البخاري (5572) عن أبي عُبيد مولَى أزْهَر ــ رحمه الله ــ أنَّه قال:

(( شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ العَوَالِي فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ» )).

وقال الفقيه ابن هُبيرة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الإفصاح عن معاني الصَّحاح” (1/ 148) عقبه:

«وفيه مِن الفقه: أنَّه إذا اتفقت الجمعة في يوم عيد كان مُخيَّرًا بين حضور الجمعة أو صلاته ظهرًا في بيته».اهـ

ووجْه الاستدلال مِن هذا الحديث:

أنَّ عثمان ــ رضي الله عنه ــ بيَّن أنْ سبب التخيير هو اجتماع عيدين، وشُهود الأوَّل مِنهما.

فدَلَّ على: عُموم الرُّخصة في حق كل مَن شهد صلاة العيد مع الإمام.

ويؤكِّد ذلك: الأحاديث الأُخْرى، والآثار الواردة عن الصحابة، في الترخيص بدون تقييد، وكون أهل العوالي ليسوا مِن أهل وجوب الجمعة لِبُعد ديارهم عن المسجد النَّبوي.

الحُجَّة الثانية: حديث زيد بن أرْقَم ــ رضي الله عنه ــ.

حيث قال معاويةُ بنُ أبي سفيانَ لزيدِ بنِ أرْقَم ــ رضي الله عنهما ــ: (( أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ صَنَعَ؟ قَالَ: صَلَّى الْعِيدَ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: «مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ» )).

وقد أخرجه:

أحمد (19318)، وأبو داود (1070)، والنسائي (1591)، وابن ماجه (1310)، وابن خُزيمة (1464)، والحاكم (1063)، وغيرهم.

وفي إسناده: إياس بن أبي رَملة، وهو: مِن التابعين.

وقد قال عنه الحافظ ابن المُنذر: “مجهول” وضعَّفه بِه.

وقال الإمام ابن خُزيمة: “لا أعرف إياس بن أبي رَمْلة بعدالة ولا جَرح”.

وذَكره الحافظ ابن حِبَّان في كتابه: “الثقات”.

وللحديث شواهد مرفوعة ومُرسلة بمعناه جاءت مِن طُرق ضعيفة، وصحَّحه بها غير واحد مِن أهل العلم.

وقال الحافظ ابن عبد البَر المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “التمهيد” (10/ 277)، عن هذه الأحاديث:

«ليس مِنها حديث إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث، ولم يُخرِّج البخاري ولا مسلم بن الحَجَّاج مِنها حديثًا واحدًا، وحسبك بذلك ضعفًا لَها».اهـ

وقد صحَّح الحديث إمَّا مُستقِلًا أو بشواهده:

علي بن المَديني، والحاكم، والذهبي، وأحمد شاكر، والألباني، ومحمد علي آدم الإتيوبي.

وحسَّنه: النَّووي.

وقال المُحدِّث عبد الحق الإشبيلي المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الأحكام الصغرى” (1/ 321):

«قال علي بن المَديني: في هذا الباب غير ما حديث بإسنادٍ جيدٍ».اهـ

وقال الحافظ ابن حَجَر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “تلخيص الحبير” (2/ 209 ــ حديث رقم: 697) عن هذا الحديث:

«وصحَّحه: علي بن المَديني».اهـ

واحتجَّ بِه: الإمام أحمد بن حنبل ــ رحمه الله ــ.

حيث قال المُحدِّث سراج الدِّين ابن المُلقِّن الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “البدر المنير” (5/ 99) عقب هذا الحديث:

«وقال الأثرم: سُئل أبو عبد الله ــ يَعني: أحمد بن حنبل ــ عن العيدين يجتمعان في يوم واحد، فذَكر هذا الحديث.

قال ابن الجوزي في “تحقيقه”: هذا حديث يُعتمَد عليه، وقال في “عِلله”: إنَّه أصَح».اهـ

وقال العلامة الألباني ــ رحمه الله ــ في كتابه “صحيح سُنن أبي داود” (4/ 237 ــ حديث رقم: 981 ــ الأصل) عقبه:

«وهذا إسنادٌ رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير إياس بن أبي رَملة؛ فهو مجهول، كما قال الحافظ، لكن الحديث صحيح بشواهده الآتية في الكتاب».اهـ

ووجْه الاستدلال مِن هذا الحديث وشواهده:

عُموم الرُّخصة في حقِّ الجميع، وتعليقها بشهود صلاة العيد، واجتماع عيدين.

الحُجَّة الثالثة: أنَّه قول الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، بلا مُخالف يُعرف بينهم، وهذا يُعتبر حُجَّة إجماعًا.

حيث قال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع الفتاوى” (٢٤/ ٢١١) في ترجيح هذا القول:

«ﻭاﻟﻘﻮﻝ اﻟﺜﺎﻟﺚ، ﻭﻫﻮ اﻟﺼَّﺤﻴﺢ:

ﺃﻥَّ ﻣَﻦ ﺷَﻬﺪ اﻟﻌﻴﺪ ﺳﻘﻄﺖ ﻋﻨﻪ اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﻥْ ﻳُﻘﻴﻢ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻟِﻴﺸﻬﺪﻫﺎ ﻣِﻦ ﺷﺎء ﺷُﻬﻮﺩﻫﺎ، ﻭﻣِﻦ ﻟﻢ ﻳَﺸﻬﺪ اﻟﻌﻴﺪ.

ﻭﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻤﺄﺛﻮﺭ: ﻋﻦ اﻟﻨَّﺒﻲ صلى الله عليه وسلم، ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ، ﻛﻌﻤﺮ، ﻭﻋﺜﻤﺎﻥ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ، ﻭاﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ، ﻭاﺑﻦ اﻟﺰُّﺑﻴﺮ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ، ﻭﻻ ﻳُﻌﺮَﻑ ﻋﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺧﻼﻑ».اهـ

وقال القاضي أبو يَعلى الفرَّاء الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة” (3/ 317 ــ مسألة:173)، مُحتجًّا لِهذا القول:

«وأيضًا فهو: إجماع الصحابة ــ رضي الله عنهم أجمعين ــ».اهـ

وقال أهل هذا القول:

هذه النُّصوص، وباقي آثار الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ تَقضي على عُموم نُصوص وجوب شهود الجمعة على مِن شهد العيد، وتَخُصُّه.

وقالوا أيضًا:

وبهذا القول تَجتمع الأدلة الواردة في المسألة، وتُعمَل جميعًا.

وأجاب أصحاب القول الأوَّل عن هذا الاستدلال بأمور:

الأمْر الأوَّل: أنَّ عثمان بن عفان ــ رضي الله عنه ــ إنَّما خَصَّ أهل العالية لأنَّه ليس عليهم جُمعة لِبُعدِهم عن المسجد النَّبوي.

حيث قال الحافظ أبو جعفر الطحاوي الحنفي ــ رحمه الله ــ كما في كتاب “مُختصر اختلاف العلماء” (1/ 346-347 ــ مسألة:315):

«قال أصحابنا: الأوَّل سُنَّة والآخَر فرْض، يَشهدهما، ولا يُجزئ أحدهما عن الآخَر، وهو قول مالك.

ورَوى عثمان أنَّه قال في مسألة: (( مَن أحبَّ مِن أهل العالية أنْ يَنتظر الجمعة فلينتظرها، ومَن أحبَّ أنْ يَرجع فليرجع فقد أَذِنت لَه )).

فخَصَّ أهل العالية: لأنَّه ليس عليهم جمعة.

وقال الله تعالى: { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ }.

ولم يُخصِّص: يوم عيدٍ مِن غيره».اهـ

ورُّد هذا الاستدلال:

بأنَّ عثمان ــ رضي الله عنه ــ علَّل التخيير باجتماع عيدين، وشهود أوَّلِهما.

فيُعلَّق التخيير بذلك لا بأهل العوالي، لأنَّهم ليسوا مِن أهل وجوب الجمعة لِبعد بيوتهم عن مسجد النَّبي صلى الله عليه وسلم، ويَدخل في التخيير الجميع.

وقال الحافظ ابن عبد البَر المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الاستذكار” (7/ 24-25):

«ذهب مالك ــ رحمه الله ــ في إذن عثمان ــ رضي الله عنه ــ فيما ذهب لأهل العوالِي: إلى أنَّه عنده غيره معمول بِه.

ذَكر ابن القاسم عنه أنَّه قال: ليس عليه العمل.

وذلك: أنَّه كان لا يَري الجمعة لازمة لِمَن كان مِن المدينة على ثلاثة أميال، والعوالِي عندهم أكثرها كذلك، فمِن هنُا لم يَر العمل على إذن عثمان، ورأى أنَّه جائز له خلافه باجتهاده إلى رُؤى الجماعة العاملين بالمدينة بما ذهب إليه في ذلك.

وقال الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وأكثر أهل العلم:

إنَّ إذن عثمان كان لِمَن لا تلزمه الجمعة مِن أهل العوالِي، لأنَّ الجمعة لا تجب إلا على أهل المِصر عند الكوفيين.

وأمَّا الشافعي: فتجب عنده على مَن سمع النداء مِن خارج المِصر».اهـ

الأمْر الثاني: أنَّ جميع الأحاديث الواردة في الرُّخصة لا تخلو مِن مطعن ولا تضعيف بشيء.

الأمر الثالث: عُموم قول الله تعالى في سورة “الجمعة”: { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ }.

حيث لم يَخُص الله سبحانه مِن الأمر: يوم عيدٍ مِن غيره.

القول الرابع:

أنَّه إنْ اجتمع يوم عيد وجمعه وجمعهما الإمام معًا بركعتين فقط أو بركعتين للعيد وركعتين للجمعة لا يُصلِّي بعد ذلك إلا صلاة العصر.

حيث قال عبد الرزاق في “مصنَّفه” (5752):

«عن ابن جُريج قال: قال عطاء: (( إِنِ اجْتَمَعَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ الْفِطْرِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَلْيَجْمَعْهُمَا فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَطُّ حَيْثُ يُصَلِّي صَلَاةَ الْفِطْرِ ثُمَّ هِيَ هِيَ حَتَّى الْعَصْرِ )).

ثم أخبرني عند ذلك قال: (( اجْتَمَعَ يَوْمُ فِطْرٍ وَيَوْمُ جُمُعَةٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي زَمَانِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا بِجَعْلِهِمَا وَاحِدًا، وَصَلَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةَ صَلَاةَ الْفِطْرِ، ثُمَّ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ)).

قال: “فَأَمَّا الْفُقَهَاءُ: فَلَمْ يَقُولُوا فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَفْقَهْ: فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ”.

قال: «وَلَقَدْ أَنْكَرْتُ أَنَا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَصَلَّيْتُ الظُّهْرَ يَوَمَئِذٍ».

قال: “حَتَّى بَلَغَنَا بَعْدُ أَنَّ الْعِيدَيْنِ كَانَا إِذَا اجْتَمَعَا كَذَلِكَ صُلِّيَا وَاحِدَةً”،

وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، أَخْبَرَ: (( أَنَّهُمَا كَانَا يَجْمَعَانِ إِذَا اجْتَمَعَا )) قَالَا: إِنَّهُ وَجَدَهُ فِي كِتَابٍ لِعَلِيٍّ، زَعَمَ».اهـ

وقال عبد الرزاق في “مصنَّفه” (5726)، أيضًا:

عن ابن جُريج، قال: أخبرني أبو الزُّبير في جمْع ابن الزُّبير بينهما يوم جمَع بينهما قال: سمعنا ذلك أنَّ ابن عباس قال:

(( أَصَابَ عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ )).

وقال الحافظ ابن عبد البَر المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “التمهيد” (10/ 268):

«فذهب عطاء بن أبي رباح: إلى أنَّ شهود العيد يوم الجمعة يُجزئ عن الجمعة إذا صلَّى بعدها ركعتين على طريق الجمع.

ورُوي عنه أيضًا: أنَّه يُجزيه وإنْ لم يُصل غير صلاة العيد ولا صلاة بعد صلاة العيد حتى العصر، وحُكي ذلك عن ابن الزَّبير».اهـ

وقال الفقيه ابن حزم الظاهري ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُحلَّى” (3/ 303 ــ مسألة رقم:547):

«وإذا اجتمع عيد في يوم جمعة: صلي للعيد، ثم للجمعة ولا بُد، ولا يَصح أثر بخلاف ذلك».اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البَر المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الاستذكار” (7/ 25-26) في رَدِّ هذا القول:

«وقد رُوي في هذا الباب عن ابن الزُّبير وعطاء قول مُنكَر أنكَره فقهاء الأمصار، ولم يَقل بِه أحد مِنهم.

وذلك أنَّ عبد الرزاق رَوى عن ابن جُريج قال، قال عطاء: (( إِنِ اجْتَمَعَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ الْفِطْرِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَلْيَجْمَعْهُمَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ وَلَا يُصَلِّي بَعْدَهَا حَتَّى الْعَصْرِ )).

قال ابن جُريج: ثم أخبرنا عند ذلك قال: (( اجْتَمَعَ يَوْمُ فِطْرٍ وَيَوْمُ جُمُعَةٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِكُرَةً صَلَاةَ الْفِطْرِ ثُمَّ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ )).

ورَوى سعيد بن المُسِّيب، عن قتادة، قال: سمعت عطاء يقول: (( اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَصَلَّى الْعِيدَ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ إِلَى الْعَصْرِ )).

قال أبو عمر:

أمَّا فِعل ابن الزُّبير، وما نقله عطاء مِن ذلك، وأفتَى بِه ــ على أنَّه قد اختُلِف عنه ــ:

فلا وجْه فيه عند جماعة الفقهاء، وهو عندهم خطأ إنْ كان على ظاهره، لأنَّ الفرْض مِن صلاة الجمعة لا يَسقط بإقامة السُّنة في العيد عند أحد مِن أهل العلم

وقد رَوى فيه قوم: أنَّ صلاته التي صلاها لِجماعة ضُحى يوم العيد نوى بها صلاة الجمعة، على مذهب مَن رأى أنَّ وقت صلاة العيد ووقت الجمعة واحد.

وتأوَّل آخَرون: أنَّه لم يَخرج إليهم، لأنَّه صلاها في أهله ظهرًا أربعًا.

وهذا: لا دليل فيه في الخبَر الوارد بهذه القِصة عنه.

 وعلى أيِّ حال كان: فهو عند جماعة العلماء خطأ، وليس على الأصل المأخوذ بِه».اهـ

تنبيه مُهم وخلاصة نافعة عن قول مَن قال مِن المعاصرين:

أنَّ مَن شهد صلاة العيد مع الإمام:

فقد سقط عنه فرْض الجمعة والظهر معًا، ولا يُصلِّي بعد ذلك إلا صلاة العصر وما بعدها، واحتجَّ لِذلك بالآثار الواردة عن ابن الزُّبير.

ويُضعَّف هذا القول أو يُبطَل مِن وجوه:

الوجْه الأوَّل: أنَّ الآثار الواردة عن ابن الزُّبير ــ رضي الله عنهما ــ مُحتملة، ومِن الاحتمالات فيها أنَّه أرادهما جميعًا، الجمعة مع العيد، أو صلَّى ركعتين للعيد وركعتين للجمعة، وقدَّم وقت صلاة الجمعة.

وقال الحافظ ابن عبد البَر المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “التمهيد” (10/ 268):

«فذهب عطاء بن أبي رباح: إلى أنَّ شهود العيد يوم الجمعة يُجزئ عن الجمعة إذا صلَّى بعدها ركعتين على طريق الجمع.

ورُوي عنه أيضًا: أنَّه يُجزيه وإنْ لم يُصل غير صلاة العيد ولا صلاة بعد صلاة العيد حتى العصر، وحُكي ذلك عن ابن الزَّبير».اهـ

ــــ وقال أيضًا (10/ 270):

«ليس في حديث ابن الزُّبير: بيان أنَّه صلى مع صلاة العيد ركعتين للجمعة، وأيّ الأمرين كان فإنَّ ذلك أمر متروك مهجور.

وإنْ كان صلى مع صلاة الفطر ركعتين للجمعة: فقد صلى الجمعة في غير وقتها عند أكثر الناس، إلَّا أنَّ هذا موضع قد اختلف فيه السَّلف.

فذهب قوم: إلى أنَّ وقت الجمعة صدر النَّهار، وأنَّها صلاة عيد.

وذهب الجمهور: إلى أنَّ وقت الجمعة وقت الظهر.

وعلى هذا: فقهاء الأمصار».اهـ

الوجه الثاني: أنَّ الجمعة والظهر واجبتان بالقرآن والسُّنة والإجماع، ونصوصهما قطيعة الثُّبوت وصريحة، ولا يُسقطهما فِعلُ مُحتمِل لِصحابي، ولا يَسقطان حتى بحديث نبوي ثابت مُحتمل.

الوجْه الثالث: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد صحَّ عنه كما في “صحيح مسلم” أنَّه أقام صلاة الجمعة بالناس يوم العيد بعد أنَّ صلَّى بِهم العيد أوَّل النَّهار.

وفِعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا:

ــــ أولَى بالعمل بِه، والمُتابعة له، ومُقدَّم على قول وفِعل كل أحد، حتى ولو كان مِن كبار وفقهاء الصحابة.

ــــ ويَرُدُّ على مَن قال “إنَّ السُّنة والصواب سقوط الجمعة والظهر عمَّن شهد صلاة العيد مع الإمام”.

ــــ ويُخالف فِعل ابن الزُّبير ــ رضي الله عنهما ــ على المعنى الذي حملتموه عليه.

الوجْه الرابع: أنَّ الخليفة الراشد الذي له سُنَّة، وهو: عثمان بن عفان ــ رضي الله عنه ــ قد أقام الجمعة بالناس يوم العيد بعد أنْ صلَّى بِهم العيد أوَّل النَّهار، كما في “صحيح البخاري”.

ولم يُسقط الجمعة ولا شهودها عن أهل المدينة، وأبقاها على فرضيتها ووجوب شهودها، ورخَّص لأهل عوالي المدينه في عدم الشهود، وكان ذلك مِنه بمحضر مِن الصحابة، وعدم إنكار مِنهم.

وفِعل وقول الخليفة الراشد، وكونه بمحضر الصحابة، ومع عدم وجود مُنكِر مِنهم عليه:

مُخالِف للقول بإسقاط الجمعة والظهر معًا، ومُقدَّم على فِعل ابن الزُّبير على المعنى الذي حملتموه عليه، ومُخالف له.

بل إنَّه إذا اختلفت أقوال الصحابة في مسألة: رُجِّح بينها بطُرق الترجيح المعروفة.

وبعض العلماء الترجيح بين أقوالهم المُختلفة: إجماعًا.

ومِن أوجه الترجيح بينها: تقديم قول الخليفة الراشد على قول غيره مِن الصحابة.

الوجْه الخامس: أنَّ الحافظ ابن عبد البَر المالكي ــ رحمه الله ــ:

ــــ قد نقل عن فقهاء الأمصار: أنَّهم أنكروا القول بإسقاط الجمعة والظهر معًا عمَّن شهد صلاة الجمعة والعيد.

ــــ وذَكر أنَّه: لم يقل بِهذا القول أحد مِن الفقهاء.

يَعني: غير ما نُقِل عن عطاء مِن قول مُختلف.

ــــ وأنَّه قول مَهجور متروك عند العلماء، ولا يُعرِّجون عليه، وخطأ عندهم.

بل إنَّ كثيرًا مِن العلماء المُتقدِّمين والمُتأخِّرين:

لم يَعدُّوا ابن الزُّبير ــ رضي الله عنه ــ مِمَّن يقول بسقوط الجمعة والظهر عمَّن شهد صلاة العيد مع الإمام.

الوجْه السادس: أنَّ صلاة العيد مِن السُّنن، وصلاتي الجمعة والظهر مِن الفرائض الواجبة، والسُّنة المُستحبَّة لا تُسقط الفريضة وتُلغيها، بل صلاة الفريضة لا تُسقط الفريضة الأُخْرى وتُلغيها.

وإلى أنَّ صلاة العيد مِن السُّنَن المؤكَّدة: ذهب أكثر أهل العلم.

وقد نسَبه إليهم:

1 ــ الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المجموع شرح المُهذّب” (5/ 6).

2 ــ والفقيه ابن جُزَي المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “القوانين الفقهية” (ص:103)، وغيرهما.

وقال الحافظ ابن عبد البَر المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “التمهيد” (10/ 270):

«وإنْ كان لم يُصل مع صلاة العيد غيرها حتى العصر: فإنَّ الأصول كلها تشهد بفساد هذا القول، لأنَّ الفرضين إذا اجتمعا في فرض واحد لم يُسقط أحدهما بالآخَر، فكيف أنْ يَسقط فرْض لِسُّنَّة حضرت في يومه.

هذا: مِمَّا لا يَشك في فساده ذو فَهم».اهـ

الوجْه السابع: أنَّ الله سبحانه قال في سورة “الجمعة”: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ }.

وصحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لِمعاذ بن جبل ــ رضي الله عنه ــ: (( فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ )).

أخرجه البخاري (1496)، مسلم (19).

وهذان النَّصَّان الشرعيان يدُلان على: عدم إلغاء وسقوط شيء مِن هذه الصلوات المفروضة لا في يوم عيد ولا في غيره، ولا في سفر ولا حضر، ولا وقت خوف ولا أمْن ولا مرض ولا عجْز.

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.