إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة بعنوان: ” وصف الجنة وذكر شيء عن نعيمها وأهلها وما فيها “. ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” وصف الجنة وذكر شيء عن نعيمها وأهلها وما فيها “. ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

  • 17 يوليو 2025
  • 1٬650
  • إدارة الموقع

وصْف الجنَّة وذِكر شيء عن نعيمها وأهلها وما فيها

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ ذِي الفضلِ الجَزيلِ، والرَّحمةِ العظيمةِ بالمؤمنينَ، والصلاةُ والسلام على جميعِ النَّبيينَ، وآلِ وأصحابِ وأتباعِ كُلٍّ مِن المسلمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناسُ:

فإنَّ الجنَّةَ هيَ: «الدَّارُ التي أعدَّها اللهُ لِسُكْنَى وتَنعيمِ عبادِهِ المؤمنينَ جزاءَ إيمانِهِم باللهِ، وعِبادَتِهِم لَهُ وحدَهُ، وعدمِ الإشراكِ بِهِ»، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ ))، وقالَ اللهُ سُبحانَهُ: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا }، واتَّفَقَ العلماءُ على: «أنَّ مَن ماتَ على الكُفرِ لا يَدخل الجنَّةَ أصْلًا»، وقالَ اللهُ تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ: لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ )).

أيُّها الناسُ:

إنَّ نَعيمَ الجنَّةِ لَعَظيمٌ جِدَّا، ولا يَعلمُ أحدٌ مِنَ الخلقِ حقيقةَ وعظَمَةَ ما أخْفَى اللهُ لِلمؤمنينَ في الجنَّاتِ مِنَ النَّعيمِ والتكريمِ واللذَّاتِ والطيِّباتِ، حيثُ قالَ اللهُ سُبحانَهُ: { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ))، ولا يَتشابَهُ ما في الجنَّةِ مِن نعيمٍ معَ ما في الدُّنيا مِن نعيمِها إلا في الأسماءِ، إذْ صحَّ أنَّ ابنَ عباسٍ ــ رضِيَ اللهُ عنهُما ــ قالَ: (( لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ يُشْبِهُ مَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْأَسْمَاءُ ))، والعُنقودُ الواحدُ مِن عَناقيدِ عِنَبِ الجنَّة لو جِيءَ بِهِ إلى الأرضِ لأكلَ مِنهُ الناسُ ما بَقِيَتِ الدُّنيا بآلافِ سِنِينِها، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنِّي أُرِيتُ الجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا )).

بلْ إنَّ غَمْسَةً في الجنَّةِ لأشَدِّ أهلِ الأرضِ بُؤْسًا وألَمًا وكرْبًا وبَلاءً: تُنسِيهِ جميعَ ما مَرَّ بِهِ مِن بُؤسٍ وشِدَّةٍ وضِيقٍ وكرْبٍ وبَلاءٍ ومُصَائب، بل إنَّهُ لَيُقسِمُ باللهِ بعدَ هذهِ الغَمسَةِ أنَّهُ ما مَرَّ بِهِ ذلِكَ البُوسُ وتِلكَ الشِّدةُ ولا رَآهُما قَطُّ، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( يُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ )).

وأقَلُّ أهلِ الجنَّة نَصيبًا مِنَ الجنَّةِ، وأدْناهُم فيها منزِلةً: لَهُ هذا الفضلُ والنَّعيمُ العظيمُ، وهذهِ المنزِلةُ والكرَامَةُ الكبيرَةُ، فكيفَ بمَن هوَ أعلى مِنهُ، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟، فَقَالَ: «هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: اُدْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ )).

أيُّها الناسُ:

إنَّ أعظمَ نَعيمِ أهلِ الجنَّةِ وأحَبَّهُ إلى نُفُوسِهِم هو: رُؤيَتُهُم للهِ ربِّهِم سُبحانَهُ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟»، فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } ))، والحُسْنَى هيَ: الجنَّةُ، والزِّيادَةُ هِىَ: النَّظرُ إلى ربِّهِم سُبحانَهُ في الجنَّةِ، هكذا قالَ الصَّحابَةُ والتابِعُونَ وأئمَّةُ الإسلامِ والسُّنةِ.

وأمَّا رائحةُ ورِيحُ الجنَّةِ الطَّيِّبِ الزَّكِيِّ: فيَنتشِرُ باتِّساعٍ ويُشَمُّ لِجميلِ وطِيبِ رائِحَتِهِ مِن مسافاتٍ طويلةٍ جدًّا، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ عنِ الجنَّةِ: (( وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا )).

والجنَّةُ: واسِعةُ وفَسِيحَةُ جدًّا، إذْ عَرْضُها كعرْضِ السَّماوَاتِ والأرضِ، وأمَّا طُولُها فلا يَعلَمُهُ إلا اللهُ، حيثُ قالَ اللهُ سُبحانَهُ: { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ }، صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لأصحابِهِ في معرَكَةِ بدرٍ مُحرِّضًا لَهُم على قِتالِ المُشرِكينَ: (( قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ))، وقالَ أكثرُ العُلماءِ عن مَعنى قولِهِ تعالى: { عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ }، أي: «تُقرَنُ السَّماواتُ والأرضُ بعضُها إلى بعضٍ كما تُبسَطُ الثيابُ ويُوصَلُ بعضُها ببعضٍ، فذلِكَ عرْضُ الجنَّة، ولا يَعلَمُ طُولُهَا إلا اللهُ»، بلْ إنَّ ظِلَّ شجرَةٍ مِن أشجارِ الجنَّةِ لا تُقطَعُ مسافَتُهُ حتى في مِئَةِ سَنِةٍ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الجَوَادَ المُضَمَّرَ السَّرِيعَ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا )).

وللجنَّةِ: ثمانيَةُ أبوابٍ وِسَاعٍ وعِظامٍ جدًا، وكِبارٍ شديدًا، إذْ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفٍ مُتَمَاسِكُونَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لاَ يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ))، وهذا يَعني: أنَّ هذا العددَ الكبيرَ جدًّا يَدخلونَ الجنَّةَ جميعًا ومَعًا صَفًّا واحدًا في نفسِ الوقت، بل إنَّ مَسافَةُ ما بينَ مِصْرَاعَيِّ، أي: جَانِبَيِّ البابِ الواحدِ مِن أبوابِ الجنَّةِ كما بينَ مكَّةَ وبلادِ البَحرينِ أو ما بينَ مكةَ وبُصْرَى مِن قًرَى أرضِ الشَّامِ، لِمّا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ: إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى )).

{ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الرَّحيمِ الوَدُودِ الغفَّارِ، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ محمدٍ إمامِ المُتَّقِينَ الأبرارِ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ الأخيارِ.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناسُ:

فإنَّ أوَّلَ ما يُكرَمُ بِهِ أهلُ الجنَّةِ مِنَ الطعامِ حِينَ يَدخُلونَها هوَ: أكلُهُم مِن طَرَفِ كَبِدِ الحُوتِ، ــ والحُوتُ مِن السَّمِكِ الكبيرةِ جدًا ــ، ثُمَّ بعدَهُ يَتغذَّونَ مِن لَحمٍ ثورٍ الجنَّةِ الذي يَأكُلُ مِن أطرافِها، لِمَا صَحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ: فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ ))، وصَحَّ أنَّ حَبْرًا مِنَ أحبارِ اليهودِ سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن أهلِ الجنَّةِ: (( مَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ: «زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ ــ أي: الحوت ــ»، قَالَ: فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا؟ فَقَالَ: «يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا» قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: «مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا» )).

وإذا أكلَ أهلُ الجنَّةِ وشَرِبوا: فلا بَولَ ولا غَائِطَ ولا مرَضَ يَنتُجُ عن هذا الأكلِ والشُّربِ، بل يَخرُجُ أثَرُ طعامِهِم جُشَاءً مِنَ الفَمِ وعَرَقًا مِنَ الجسَدِ كأطيب ما يكونُ مِن الرَّائحة، لِمَا صحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((«إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلَا يَتْفُلُونَ وَلَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ» قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ فَقَالَ: «جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ» )).

وأهلُ الجنَّةِ أجسادُهُم وأجسامُهُم: عظيمةٌ على صُورةِ أبيِهِم آدمَ ــ عليهِ السلامُ ــ طولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا )).

ومِن تَنعيمِ اللهِ لأهلِ الجنَّةِ: أنَّهُم يكونونَ في سِنِّ الشَّبابِ، لأنَّهُ أحَسنُ عُمِرِ الإنسانِ، عُمُرُهُم مِن أوَّلِهِ إلى ما لا نِهايَةَ لَهُ شبابٌ كُلُهُ، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ عن أهلِ الجنَّةِ: (( يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا )).

وأخلاقُ أهلِ الجنَّةِ: أحسنُ الأخلاقِ، لا غِلَ فيها ولا حِقدَ ولا حسَدَ ولا تباغُضَ ولا اعتداءِ ولا إيذاءَ بقولٍ أو فِعل، كأنَّهُم على خُلُقِ وقلبِ رجُلٍ واحدٍ، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ عن أهلِ الجنَّةِ: (( أَخْلَاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ ))، وقالَ اللهُ سُبحانَهُ عن أخلاقِهِم: { أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ }.

ألًا فاتَّقُوا اللهَ ــ عِبادَ اللهِ ــ بالخشيَةِ الشَّديدَةِ مِن اللهِ، والتوبَةِ إليهِ مِن الخطيئاتِ، والإكثارِ مِن الصالِحاتِ، والإقلاعِ عن السَّيِّئاتِ، لِتَكونوا مِن أهلِ الجنَّاتِ، قبلَ فواتِ الأوانِ حُلُولِ الموتِ، وطَيِّ صُحُفِ الأعمالِ.

اللهمَّ: أدخِلْنَا الجنَّةَ بِلا حِسابٍ ولا عَذابٍ، وأَحْلِلْ علينَا رِضْواَنَكَ فلَا تَسخَطُ علينَا بَعدَهُ أبدًا، وأكْرِمْنَا بالنَّظَرِ إليكَ في الجِنَانِ، اللهمَّ: ارفعِ الضُّرَ عنِ المُتضرِّرِينَ مِنَ المسلمينَ في كُلِ مكانٍ، اللهمَّ: إنَّا نسألُكَ عِيشَةً هَنيَّةً، ومِيتتَةً سوِّيَةَ، ومَرَدًّا غيرَ مُخْزٍ، اللهمَّ: إنَّا نعوذُ بِكَ مِن قلبٍ لا يَخشَع، ونفسٍ لا تشبَع، وعينٍ لا تدمَع، ودعوةٍ لا يُستجابُ لَها، اللهمَّ: اغفرْ لَنا ولِجميعِ المُسلمينَ والمُسلِماتِ الأحياءِ مِنهُم والأمواتِ، اللهمَّ: وفِّقِ الوُلَاةَ ونُوَّابَهُم وجُندَهُم إلى مَراضِيكَ، وانصُرْ بِهِمُ الإسلامَ والمُسلِمينَ، إنَّك سميعُ الدُّعاءِ، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُم.