صفاتُ النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقُه وآدابُه وشيءٌ مِن جميل هَديه
الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ المُستحِقِّ لِجميعِ الكمالاتِ، وأشكرُهُ على نِعَمِه المُتوالِياتِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ عظيمُ الصِّفاتِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ إلى العالَمينَ بالهُدَى والبيِّناتِ، وكثيرِ الآدابِ الجميلاتِ، فصَلَّى الله ُوسَلَّمَّ عليهِ وعلى أزواجِهِ وباقِي آلِهِ وأصحابِهِ العامِلينَ بالصالحاتِ.
أمَّا بَعْدُ، عِبادَ اللهِ:
فإنَّ مِنَّة اللهِ تعالى علينا ببَعْثِهِ فِينا وإلينا عبدَهُ ورسولَهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم لَعَظِيمَةُ القدْر، جليلَةُ الشأن، كبيرةُ النَّفعِ، سابغَةُ الخيرِ، وإنَّه لَمَرحُومٌ ومنصورٌ وسعيدٌ مَن آمَن بِهِ صلى الله عليه وسلم وصدَّقَهُ واتَّبعَهُ، وقدْ نوَّهَ اللهُ الجَوادُ الكريمُ بهذهِ المِنَّةِ الكُبرى، والنِّعمَةِ العُظمى، في تنزيلِهِ المُبِينِ، فقالَ سُبحانَهُ: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }، فلقدْ كُنَّا ضُلَّالًا فهدَانا اللهُ بِهِ صلى الله عليه وسلم، مُتفرِّقِينَ أعداءً فجمَعَنا اللهُ وألَّفَ بينَ قلوبِنا بِهِ، عالَةً فأغنَانا اللهُ بِهِ، أذلَّةً فأعزَّنا اللهُ ونصرَنَا بِهِ، أهلَ جهالَةٍ بالله وعَمًى فبَصَّرَنا اللهُ بِهِ، فالحمدُ للهِ أنْ اصْطَفاهُ مِن بينِ خلقِهِ فبعثَهُ إلينا مُبشِّرًا ونذيرًا وداعيًا، والحمدُ لَهُ سُبحانَهُ أنْ أكرمَنا بالإيمانِ بِهِ، ومُتابعتِهِ في أحوالِهِ وأقوالِهِ وأفعالِهِ، وتِرْكِ ما تركَهُ ولم يفعلَهُ، ولولا اللهُ ما اهتدَينا، ولا تصدَّقنا، ولا صلَّينا، { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }.
عِبادَ اللهِ:
لقدْ كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أجودَ الناسِ وأشدَّهُم سَخَاءً، وكانَ أجودَ ما يكونُ في رمضانَ، لا يُسألُ شيئًا إلا أعطاهُ، ولا يَبِيتُ عندَهُ دِينارٌ ولا دِرْهَمٌ، فإنْ فَضَلَ ولم يَجدْ مَن يُعطِيَهِ وفَجَأَهُ الليلُ لم يَأوِ إلى منزلِهِ حتى يَتبرَّأَ مِنهُ إلى مَنْ يَحتاجُ إليهِ، ولا يأخُذُ ممَّا أعطاهُ اللهُ إلا قُوتَهُ فقط، ويُؤثِرُ مِنهِ، وكانَ أحسنَ الناسِ خَلْقًا وخُلُقًا، وألينَهُم كَفًّا، وأطيبَهُم رِيحًا، وأكملَهُم هَدْيًا، وأحسَنَهُم عِشرَةً، وأعلمَهُم باللهِ، وأشدَّهُم لَهُ خشيَةً، وكان صلى الله عليه وسلم يُسْمَعُ لِصَدْرِهِ أزِيزٌ كأزِيزِ المِرْجَلِ مِنَ البُكاءِ مِن أثَرِ قراءَةِ القرآنِ، ولا يَغضَبُ لِنفسِهِ، ولا يَنتقِمُ لَهَا، وإنَّما يَغضبُ إذا انتُهِكَتْ حُرُمَاتِ اللهِ، فحِينَئِذٍ يَغضبُ ولا يقومُ لِغضَبِه شيءٌ حتى يَنتصِرَ لِلحقِّ، وإذا غضِبَ أعرَضَ وأشاحَ، وكانَ خُلقُهُ القرآنُ، يَعملُ بأحكامِهِ، ويتأدَّبُ بآدابِهِ، وكانَ أكثرَ الناسِ تواضُعًا، يَقضِي حاجَةَ أهلِهِ، ويَخفِضُ جناحَهُ لِلضَّعَفَةِ، ويُحسِنُ إليهِم، ويتلطَّفُ بِهِم، وكانَ أحلَمَ الناسِ، وأصبَرَهُم على الأذَى، وكانَ أشدَّ حياءً مِنَ العَذراءِ في خِدرِهَا، والقريبُ والبعيدُ والقوي والضعيفُ عندَهُ في الحقِ سواءٌ، وما عابَ طعامًا قطُّ، إنْ اشتهاهُ أكلَهُ وإلا ترَكَهُ، ولا يأكلُ مُتكِّئًا، ولا على خِوَانٍ ــ وهيَ الصُّحونُ الكبيرَةُ التي لَهَا كُرسِّيُّ ويَحمِلُها اثنانِ ــ، ويأكلُ ما تيسَّرَ، ولا يَمتنعُ مِن مباحٍ مَّا، وكانَ يُحِبُّ الحَلواءَ والعسلَ، ويُعجبُهُ الدُّبَاءُ ــ وهوَ: القَرَع ــ، وكان أحَبَّ لَحمِ الشَّاةِ إليهِ الذِّراعُ، وحِينَ وضَعَتْ لَهُ يَهودُ السُّمَّ وضَعَتْهُ في لحمَةِ الذِّراعِ، ومعَ كُلِّ ذلِكَ فقدْ صحَّ عن أبي هُريرَةَ ــ رضِيَ اللهُ عنهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ ))، وكانَ يأتى الشهرُ والشهرانِ لا يُوقَدُ في بيتٍ مِن بيوتِهِ صلى الله عليه وسلم نارٌ لِطعامٍ، وإنَّما يعيشونَ فيها على التمرِ والماءِ، وكانَ يأكلُ الهَدِيَّةَ ويَقبلُها وإنْ قلَّتْ، ولا يأكلُ الصَّدقَةَ، ويُكافِئُ على الهَدِيَّةِ بِمثلِها أو بأفضلَ مِنها، وكان يَخصِفُ نَعْلَهُ ويُرقِّعُ ثوبَهُ بيدِهِ، ويَعودُ المريضَ، ويُجيبُ مَن دَعاهُ مِن غنيٍّ أو فقيرٍ، أوْ دَنّيٍّ أوْ شريفٍ، ولا يَحتقرُ أحدًا، تَستتبِعُهُ الأَمَةُ والمِسكينُ فيَتبَعُهُما حيثُ دَعواهُ، ويُحِبُّ الفقراءَ والمساكينَ ويُجالِسُهُم ويُؤاكِلُهُم، وكانَ يَقعُدُ تارَةً مُتَرَبِّعًا، واتكَّأَ في أوقاتٍ، وفي كثيرٍ مِنَ الأوقاتِ أو في أكثرِها مُحتَبِيًا بيدَيهِ، وكانَ صلى الله عليه وسلم يأكلُ بأصابعِهِ الثلاثِ ويَلعَقُهُنَّ، وإذا شَرِبَ شيئًا شَرِبَهُ على دَفَعَاتٍ، ويَتنفَّس معَهُ خارجَ الإناءِ ثلاثًا، ويقولُ: (( إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ ))، وأكثرُ شُربِهِ وهوَ جالِسٌ، وشَربَ في أحيانٍ قليلَةٍ واقِفًا، وكانَ يتكلَّمُ بجوامِعِ الكَلِمِ، ــ وجَوامِع الكَلِمِ: ما كانَ قليلَ اللفظِ كثيرَ المَعنى ــ، ويُعيِدُ الكلِمَةَ ثلاثًا لتُفْهَمَ، وكلامُهُ بَيِّنٌ يفهمُهُ مَن سَمعَهُ، ويَحفظُهُ مَن جلسَ إليهِ، ولا يتكلَّمُ في غيرِ حاجَةٍ، ولا يَقعُدُ ولا يقومُ إلا على ذِكرِ اللهِ تعالى، وكانَ أصدَقَ الناسِ لَهْجَةً، وأوفَاهُم ذِمّةً، وألينَهُم عَرِيكَةً، وأكرمَهُم عِشْرَةً، وكانَ يُكرِمُ أصحابَهُ، ويُوقِّرُهُم، ويتألفُّهُم، ويُوسِّعُ عليهِم إذا ضاقَ المجلِسُ، ويتفقّدُهُم، ويَسألُ عنهُم، ومَنْ مرِضَ مِنهُم عادَهُ، ومَنْ غابَ دَعا لَهُ، ومَنْ ماتَ استرجَعَ وأتْبَعَ ذلِكَ بالدُّعاءِ لَهُ، ومَنْ كانَ يَتخوَّفُ أنْ يكونَ وَجدَ في نفسِهِ شيئًا طيَّبَ خاطِرَهُ أوِ انطلَقَ حتى يأتيَهُ في منزلِهِ، وكانَ يَخرجُ إلى بساتينِ أصحابِهِ، ويأكلُ ضِيافَتَهُم، ولا يَطوي بِشْرَهُ عنهُم إلا لَسَببٍ مُوجِبٍ، وإذا انتهَى إلى قومٍ جَلسَ حيثُ يَنتهِي بِهِ المَجلسُ، وكانَ أَسْكَتَ الناسِ في غيرٍ كِبْرٍ، وأبلَغَهُم في غيرِ تطويلٍ، وكانِ أكثرَ الناسِ تَبسُّمًا، وأحسنَهُم بِشْرًا، لا يَهولُهُ شيءٌ مِنْ أمورِ الدُّنيا، ويَلبسُ ما وَجَد مِنَ المُباحِ، وإزارُهُ إلى نِصْفِ ساقِهِ، وركبَ الفرَسَ والبَعيرَ والحِمارَ والبَغْلَةَ، وأرْدَفَ مَن يَركبُ معَهُ خلفَهُ على ناقَةٍ وعلى حِمارٍ، ولا يَدَعُ أحدًا يَمشِي خلفَهُ، وعَصَبَ على بطنِهِ الحَجَرَ مِنَ الجُوعِ، وكانَ يَبيتُ هوَ وأهلُهُ الليالِيَ طاوِينَ لا يَجدونَ عشَاءً، وماتَ صلى الله عليه وسلم ودِرْعُهُ مَرهونَةٌ عندَ يهوديٍّ في آصُعٍ مِن شعيرٍ أخذَهَا لإطعامِ أهلِهِ، وكانَ فراشُهُ مِن أَدَمٍ ــ أي: جِلدٍ ــ حَشوُهُ لِيفٌ، ــ والليفُ: قِشْرُ النَّخْلِ ــ، وكانَ مُتقلِّلًا مِن أمتعَةِ الدُّنيا كُلِّها، وقدْ أعطاهُ اللهُ تعالى مفاتيحَ خزائنِ الأرضِ كُلِّها فأَبَى أنْ يأخذَها واختارَ الآخِرَةَ عليها، وكانَ كثيرَ الذِّكرِ، دائِمَ الفِكْرِ، يستغفرُ في المجلسِ الواحدِ مِئِةَ مِرّةٍ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّم، وضِحِكَ في أوقاتٍ حتى بدَتْ نواجِذُهُ ــ وهىَ: الأنيابُ ــ، ويُحِبُّ الطِّيبَ، ولا يَردُّهُ إنْ طيَّبَهُ أحدٌ أو أعطاهُ، ويَكرَهُ الرِّيحَ الكريهَةَ، ويَمزحُ ولا يقول إلا حقًّا، ويَرَى اللعَبَ المُباحَ فلا يُنكِرُهُ، ويَقبَلُ عُذرَ المُعتذِرِ إليهِ، وكانتْ مُعاتَبَتُهُ تعرِيضًا: (( مَا بَالُ أَقْوَامٍ ))، ونحوِ ذلِكَ، ويأمُرُ بالرِّفقِ، ويَحُثُّ عليهِ، ويدعو لأهلِهِ بأنْ يَرفقَ اللهُ بِهِم، ويَنهِى عنِ العُنفِ، ودَعا على مَن أدخلَ المَشقَّةَ على المُسلِمينَ أنْ يَشقُقَ اللهُ عليهِ، ويَحُثُّ على العَفوِ والصَّفحِ ومكارِمِ الأخلاقِ، ويُحِبُّ التَّيمُنَ فى طُهورِهِ وتَرجُّلِهِ ــ أي: تمشيطِ شعرِهِ ــ وفي تَنَعُّلِهِ وفي شأنِهِ كُلِّهِ، وكانتْ يدُهُ اليُسرَى لِخَلائِهِ وما كانِ مِن أذَى، وإذا نامَ واضطجَعَ اضطجَعَ على جنْبِهِ الأيمَنِ مُستقبِلَ القِبلَةِ، وجعلَ كفَّهُ اليُمنَى تحتَ خدِّهِ الأيمَنِ، وكانَ مجلسُهُ مجلسَ عِلمٍ وحِلْمٍ وحياءٍ وأمانَةٍ وصِيانَةٍ وصَبرٍ وسَكِينَةٍ، لا تُرفَعُ فيهِ الأصواتُ، ولا يُؤذَينَ فيهِ الحُرَمُ ــ أي: لا يُذكَرُ في مَجلِسِهِ النِّساءُ ــ، يَتعاطَفونَ فيهِ بالتقوى، ويتواضَعونَ، ويُوقَّرُ الكِبارَ، ويُرحَمُ الصِّغارَ، ويُؤثِرونَ المُحتاجَ، ويحفظونَ الغريبَ، ويَخرجونَ أدِلَّةً على الخيرِ، وكانَ يُكرِمُ كريمَ كُلِّ قومٍ ويولِّيهِ أمرَهُم، ويُكرِمُ أهلَ الفضلِ في أخلاقِهِم، ويَستألِفُ أهلَ الشَّرفِ بالبِرِّ لَهُم، ولمْ يَكنْ فاحِشًا ولا مُتفحِّشًا، ولا يَجزِي بالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، بلْ يَعفو ويَصفَحُ، ويَصبِرُ على مَن لمْ يَستجِبْ لِدَعوتِهِ ويَحْلَمُ عليهِم، وصحَّ أنَّهُ: (( قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً ))، ولم يَضرِبْ صلى الله عليه وسلم خادِمًا ولا امرَأةً ولا شيئًا قطُّ إلا أنْ يُجاهِدَ في سبيلِ اللهِ، ويَتلطَّفُ بالكبيرِ والصغيرِ، ويُسلِّمُ عليهِم ويُمازِحُهُم، وما خُيِّرَ بينَ أمرينِ إلا اختارَ أيسرَهُما ما لمْ يَكنْ إثمًا، وقدْ جَمعَ اللهُ سُبحانَهُ وتعالى لَهُ صلى الله عليه وسلم كمالَ الأخلاقِ، ومحاسِنَ الشيَّم، وآتاهُ مِن علمِ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ شيئًا كثيرًا، وما فيهِ نَجاةُ الناسِ وفوزُهُم، وهوَ أُمىٌّ لا يَقرأُ ولا يكتبُ، ولا مُعلِّمَ لَهُ مِن البشرِ، وآتَاهُ اللهُ ما لمْ يُؤتِ أحدًا مِنَ العالَمِينَ، واختارَهُ على جميعِ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ، وكانَ أشجعَ الناسِ وأرْبَطَهُم جأشًا، وصحَّ عن عليٍّ ــ رضِيَ اللهُ عنهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ ))، وصحَّ عن أنسٍ ــ رضِيَ اللهُ عنهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ رَاجِعًا، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ يَقُولُ: لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا ))، وكانَ صلى الله عليه وسلم طيَّبَ النَّفْسِ معَ أهلِهِ، جميلَ العِشرَةِ لَهُم، ويُسابِقُ نساءَهُ، وما ضَربَ مِنهنَّ امرَأَةً قطُّ، ويَقرَعُ بَينَهُنَّ إذا سافرَ، إقامَةً لِلعدلِ بينَهُنَّ، فمَن فازَتْ بالقُرْعَةِ أخذَها مَعَهَ، وثبتَ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ))، ولقدْ قالَ اللهُ سُبحانَهُ مُرَغِّبًا لَكُم أيُّها النَّاسُ في الاقتِداءِ بِالنبيِّ صلى الله عليه وسلم: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }، فصَلواتُ اللهُ عليهِ وسلامُهُ دَائِمَينِ إلى يومِ الدِّين.
الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ العليمِ، وصلاتُهُ وسلامُهُ على رسولِهِ محمدٍ الكريمِ، وآلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ:
فاتقوا اللهَ حقَّ تُقاتِهِ، ولا تَموتُنَّ إلا على التوحيدِ والسُّنَّةِ، واعلَموا أنَّ مِن تقوى اللهِ وأعظمِ نِعَمِهِ على كثيرٍ مِن عبادِهِ تَوفِيقَهُم لِلإقتِداءِ بنبيِّهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم في القولِ والفِعلِ والتَّرْكِ، وسَيْرَهُم على ما كانَ عليهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ، ولا رَيبَ عندَ كُلِّ ذِي دِينٍ وإيمانٍ أنَّ مَن وافقَهُ ووافقَهُم فهوَ على الهُدَى، ومَن خالفَهُ وخالفَهُم فهوَ على ضَلالَةٍ، وقدْ قالَ اللهُ تعالى مُرهِّبًا مِن ذلِكَ: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }، وقالَ سُبحانَهُ مُرغِّبًا ومُبشِّرًا: { وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا }.
هذا وأسألُ اللهَ ــ جلَّ وعلا ــ: أنَّ يُجنِّبني وإيَّاكُم الشِّركَ والبِدَع والمعاصَيَ، وأنْ يَرزُقَنَا لُزومَ الإسلامِ والتوحيدِ والسُّنَّةِ إلى المماتِ، وأنْ يشرحَ صُدورَنا لِلاقتداءِ والاهتداءِ بالنبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم في أقوالِهِ وأفعالِهِ وما تَرَكَهُ، إنَّ ربِّي لَسميعُ الدُّعاءِ، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهِ لِي ولَكُم.
تنبيه:
هذه الخطبة مأخوذة مِن كتاب “تهذيب الأسماء واللغات” لِلفقيه والمُحدِّث النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ مع زيادات عليها.