إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه >  خطبة مكتوبة بعنوان: ” أحكام المسح على الخفين والجوربين واللفائف والجبيرة “. ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

 خطبة مكتوبة بعنوان: ” أحكام المسح على الخفين والجوربين واللفائف والجبيرة “. ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

  • 24 يناير 2019
  • 7٬329
  • إدارة الموقع

أحكام المَسح على الخُفَّين والجَوربَين واللفائف والجَبيرة

الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ إمامِ المُتَّقينَ، اللهمَّ فصَلِّ وسلِّمْ عليهِ وعلى آلِهِ وصحابتِهِ المَيامِينَ.

أمَّا بعدُ، أيُّها النَّاسُ:

فإنَّ الخُفَّ: «لِباسٌ مِن جِلْدٍ يُلبَسُ في القدَمَينِ إلى ما فوقَ الكعْبِ قليلًا»، وسُمِّيَ خُفًّا لِخِفَّتِهِ، والمسحُ عليهِ جائزٌ بالسُّنَّةِ النَّبويَّةِ الصَّحيحَة المُتواتِرَةِ، واتفقَ العلماءُ على جوازِ المسحِ عليهِ، وأصبحَ أهلُ السُّنَّةِ يَذكرونَ جوازَهُ في كُتبِ الاعتقادِ لأنَّ الشِّيعَةَ الرَّافِضَةَ والخوارجَ يُحرِّمُونَهُ لأنَّهُ ليسَ في القرآنِ، وعُدَّ جوازُهُ شِعارًا لأهلِ السُّنَّةِ وإنكارُهُ شِعارًا لأهلِ البدَعِ، وأمَّا الجَورَبُ: «فلِباسٌ يُلبَسُ في القدَمَينِ إلى ما فوقَ الكعبِ وشيءٍ مِنَ السّاق يُصنعُ مِن صُوفٍ أو قُطنٍ أو قُماش»، ويُسمَّى الآنَ بالشُّرَّاب، والمسحُ عليهِ جائزٌ لِثبوتِهِ عن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بل قالَ الإمامُ إسحاقُ بنُ راهَويَه: «مَضَتِ السُّنةُ مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَن بعدَهم مِن التابعينَ في المسحِ على الجَوربَينَ لا اختلافَ بينَهم في ذلك»، وعَدَّ الفقيهُ ابنُ قُدامَةَ الحنبليُّ وغيرُهُ: جوازَ المسحِ على الجَورَبِ إجماعًا مِن الصحابَةِ.

أيُّها النَّاسُ:

إنَّ لِلمسحِ على الخُفِّ والجَورَبِ شروطًا لا يُجزئُ المَسحُ عليهِ إلَّا بِها:

الشرطُ الأوَّل: أنْ يكونَ الماسِحُ قد لَبِسَ الخُفَّ أو الجَورَبَ على طهارَةٍ مائِيَّةٍ كامِلَةٍ غَسلَ فيها جميعَ أعضاءِ وضوئِهِ بالماء، وهذا شرْطٌ بدَلالَةِ السُّنَّةِ واتِّفاقِ العُلماءِ، ولا يُجزِئُ المسحُ على طهارَةِ تَيمُّمٍ، بمعنى: «أنْ يَتيمَّمَ إنسانٌ لِصلاةٍ لِعدمِ وجودِ الماءِ ثم يَلبسَ الخُفَّ أو الجورَبَ وتأتِي الصلاةُ التي بعدَها وقد وجَدَ الماءَ فيَمسح»، وهوَ مذهبُ الأئمَّةِ الأربعَةِ وغيرِهِم، لأنَّه مأمورٌ بغَسلِ أعضاءِ الوضوءِ بالماء إذا وجدَه، لِمَا ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ في حقِّ المُتيمِّمِ: (( فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ )).

الشرطُ الثاني: أنْ يكونَ المسحُ على الخُفِّ والجَورَبِ في الحَدَثِ الأصغَرِ الذي يُوجِبُ الوضوءَ فقط، وليسَ في الحَدَثِ الأكبرِ الذي يُوجِبُ الغُسلَ كالجنابة، وهذا شرْطٌ بدَلالَة السُّنَّةِ واتِّفاقِ العُلماءِ.

الشرطُ الثالث: أنْ يكونَ الخُفُّ أو الجورَبُ المَمسُوحِ عليهِ مُغَطِّيًا لِلكعبِ، وهوَ مذهبُ الأئمَّةِ الأربعَةِ، وقال الفقيهُ ابنُ قاسمٍ الحنبليُّ: «كلُّ ما يُلبَسُ تحتَ الكعبينِ لا يجوزُ المسحُ عليهِ، قالَ شيخُ الإسلامِ: باتفاقِ المُسلِمينَ».

الشرطُ الرابع: أنْ يكونَ المسحُ على الخُفِّ أو الجَورَبِ في المُدَّةِ المَأذُونِ فيها شَرْعًا، وهيَ يومٌ وليلَةٌ لِلمُقيمِ وثلاثَةٌ أيامٍ بليالِيها لِلمُسافِرِ ولا يُجزِئُ المسحُ بعدَها، لِما صحَّ أنَّ عليًّا ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ قالَ: (( جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ )).

الشرطُ الخامس: أنْ لا يكونَ الخُفُّ مَصنُوعًا مِن عَينٍ أو مادَّةٍ نجِسَةٍ، كجِلدِ الخِنزيرِ وغيرِهِ مِنَ الأشياءِ النَّجِسَةِ، وهذا شرْطٌ باتفاقِ العُلماءِ.

الشرطُ السادس: أنْ يكون الجَورَبُ ــ أي: الشُّرَّابُ ــ المَمسوحُ عليهِ صَفِيقًا ثَخِينًا لا يَشُفُّ عمَّا تحتَهُ مِن بَشْرَةِ القدَمِ، ولا يُجزِئُ المسحُ على شُرَّابٍ رقيقٍ يَشُفَّ عمَّا تحتَهُ باتِّفاقِ المذاهبِ الأربعَةِ، وحكاهُ بعضُ الفقهاءِ إجماعًا مِنَ العُلماءِ، وقالَ الفقيهُ أبو العباسِ الظاهِريُّ: «أجمعَ الجميعُ أنَّ الجَورَبَينِ إذا لمْ يكونا كَثِيفينِ لم يَجُز المسحُ عليهِما».

أيُّها النَّاسُ:

إنَّ أحكامَ المسحِ على الخُفَّينِ والجَورَبينِ عديدةٌ ومُفيدَةٌ، ومِنها هذهِ:

الحُكمُ الأوَّل: يَبدأُ وقتُ المسحِ مِن أوَّلِ حَدَثٍ يَنتقضُ بِهِ الوضوءُ بعدَ لُبْسِ الخُفَّينِ أو الجَورَبينِ، فإذا توضَأَ المُقِيمُ وغَسَلَ جميعَ أعضائِهِ بالماءِ ثُمَّ لَبِسَهُما وبعدَ ساعَتَينِ أحْدَثَ وانتَقضَ وضوؤُه، فإنَّهُ يَحسِبُ مِن حِينِ أحْدَثَ أربعًا وعِشرينَ ساعَةً لَهُ المسحُ فيها، وهذا مذهبُ الأئمَّةِ الأربعَةِ وغيرِهم، وفي روايةٍ لِلإمامٍ أحمد: أنَّ بدايَةَ وقتِ المسحِ مِن أوَّلِ مَسْحَةٍ بعدَ الحَدَثِ.

الحُكمُ الثاني: إذا انتَهتْ مُدَّةُ جوازِ المسحِ انتقضَ الوضوءُ، لأنَّ المسحَ عبادَةٌ مُوقَّتَةُ بوقتٍ بنصِّ السُّنَّةِ، فإذا انتَهى وقتُها زالَتْ معَهُ جميعُ أحكامِها.

الحُكمُ الثالث: مَن نَزَعَ الخُفَّ أو الجَورَبَ عن قدَمَيهِ فلَهُ حالان:

الحالُ الأوَّل: أنْ يَنزِعَهُما وهوَ لا يَزالُ على طهارَةٍ مائِيَّةٍ كامِلَةٍ، وهذا يجوزُ لَهُ لِبْسُهُما مِن جديدٍ والمسحُ عليهِما باتِّفاقِ العُلماءِ، لأنَّ وضوءَهُ لم يَنتقِض.

الحالُ الثاني: أنْ يَنزِعَهُما وهوَ على طهارَةِ مسحٍ، وهذا يَنتقضُ وضوؤُهُ على أرجحِ الأقوالِ، وصَحَّتِ الفتوى بِهِ عن عددٍ مِن فقهاءِ التابعينَ تلامِذَةِ الصحابَةِ، لأنَّ المسحَ عليهِما قامَ مَقامَ غَسلِ القدَمينِ، فإذا نُزِعَا وأُزِيلا زَالَتْ معَهُما جميعُ أحكامِهُما كالوضوءِ وغيرِهِ.

الحُكمُ الرابع: إذا كانَ الخُفُّ أو الجَورَبُّ مُخَرَّقًا فيه شُقوقٌ، فلَهُ حالان:

الأوَّل: أنْ تكونَ الخُروقُ فوقَ الكعبينِ، وهذا يُمسَحُ عليهِ باتِّفاقِ العُلماءِ.

الثاني: أنْ تكونَ الخُروقُ والفُتوقُ تحتَ الكعبينِ، وهذا يجوزُ المسحُ عليهِ ما دامَ أنّهُ لا يَزالُ يُلبَسُ ويَثبُتُ على القدَمِ ولا يَسقُطُ مع المَشى، وقد صحَّ عنِ الإمامِ سفيانَ الثوريِّ أنَّهُ قالَ: «امْسَحْ عَلَيْهَا مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ رِجْلُكَ، وَهَلْ كَانَتْ خِفَافُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلَّا مُخَرَّقَةً مُشَقَّقَةً مُرَقَّعَةً».

الحُكمُ الخامس: المُقيمُ يَمسحُ يومًا وليلَةً، فإذا سافرَ فلَهُ ثلاثَةُ أحوالٍ:

الحالُ الأوَّل: أنْ يُسافِرَ بعدَ أنْ لَبَسَ خُفَّيهِ أو جَورَبيهِ على طهارَةٍ مائِيَّةٍ كامِلَةٍ ثم يُحدِثُ أو يَبتدِئُ المسحَ بعد أنْ فارَقَ جميعِ عُمرانَ بلدِهِ، وهذا يَمسحُ مُدَّةَ مُسافِرٍ ثلاثَةَ أيَّامٍ بلَيالِيهِنَّ باتِّفاقِ العُلماءِ، ولأنَّ مَسحَهُ لم يَقعُ إلا وهوَ مُسافِر.

الحالُ الثاني: أنْ يَلبسَ الخُفَّ أو الجَورَبَّ ثُمَّ يَنقِضُ وضوؤُهُ وهوَ مُقيمٌ ثُمَّ يُسافِرُ ويَبتدِئُ المسحَ في السَّفرِ، وهذا يَمسحُ مُدَّةَ مُسافِرٍعندَ عامَّةِ العُلماءٍ، وحكاهُ بعضُ الفقهاءِ إجماعًا، ولأنَّ مَسحَهُ لم يَقعُ إلا وهوَ مُسافِر.

الحالُ الثالث: أنْ يَبتدِئَ المسحَ وهوَ مُقيمٌ ثُمَّ يُسافِرُ، وهذا يَمسحُ مُدَّةَ مُقيمٍ، فيُتِمَّ المسحَ فيما بَقِيَ لَهُ مِن اليومِ والليلَةِ عندَ أكثرِ الفقهاءِ، لأنَّ مُدَّةَ المسحِ تَختلِفُ بالحَضَرِ والسَّفرِ، فَغُلِّبَ حُكمُ الحَضَر لأنَّ بدايَةَ المَسحِ وقعَتْ فيهِ.

الحُكمُ السادس: إذا مسحَ العبدُ على خُفَّيهِ أو جورَبيهِ في السَّفرِ ثُمَّ رجعَ إلى بلدَهَ وهُما لا يَزالانِ على قدَمَيهِ، فإنَّه يَمسحُ عليهِما مسحَ مُقِيمٍ لا مُسافِرٍ، فإنْ كانَ لمْ يَمْضِ على مُدَّةِ مسحِهِ في السَّفرِ إلَّا أقَلُّ مِن يومٍ وليلَةٍ أكملَ المسحَ حتى يَنتهِيَ اليومُ والليلَةُ، وإنْ كانَ قد مَضَى على مسحِهِ أكثرُ مِن يومٍ وليلَهٍ فقد انقضَت مُدَّة مسحِهِ، ولا يجوزُ لَهُ أنْ يَمسحَ عليهِما باتِّفاقَ العُلماءِ.

الحُكمُ السابع: المسحُ على الخُفَّينِ أو الجورَبينِ يكونُ مرَّةً واحدَةً ولا يُكرَّرُ ثلاثًا باتفاقِ المذاهبِ الأربعَةِ، وهوَ الثابتُ عن الصحابَةِ، ولا يُمسَحُ الخُفُّ والجورَبُ عندَ قاطِبَةِ الفُقهاءِ مِن جميعِ جِهاتِهِما، يعني: مِن أعلَى وأسفلَ ويمينٍ وشِمالٍ، وهوَ خِلافُ السُّنَّةِ، ومَن اقتصرَ على المسحِ مِن الأسفلِ فقط لم يَصِحَّ وضوءَهُ عندَ عامَّةِ العُلماءِ، والسُّنَّةُ أنْ يُمسحَ على القدَمينِ معًا مِن أعلاهُما باليدينِ جميعًا مرَّةً واحدَةً، حيثُ ثبتَ أنَّ عليًّا ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ قالَ: (( لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ ))، واستَحَبَّ كثيرونَ مسحَ الأسفلِ معَ الأعلَى، لأنَّهُ صحَّ أنَّ ابنَ عمر ــ رضيَ اللهُ عنهُما ــ: (( يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا بُطُونَهُمَا وَظُهُورَهُمَا ))، وإنْ بدأَ بمسحِ خُفِّ أو جَورَبِ القدمِ اليُمْنَى ثُمَّ بعدَهُ اليُسرى أو مسحَهُما بيدٍ واحدَةٍ جاز فِعلُهُ إلا أنَّهُ خلافُ الأفضلِ.

الحُكمُ الثامن: بعضُ الناسِ يَغسِلُ قدمَهُ اليُمنَى ثُمَّ يَلبَسُ الخُفَّ أو الجَورَبَ ثم يَغسلُ اليُسرَى ويُلبِسُها الخُفَّ أو الجورَبَ، وهذا لا يجوزُ لَهُ عندَ أكثرِ العُلماءِ أنْ يمسحَ عليهِما، لأنَّ مِن شُروطِ المسحِ: “أنْ يَلبسَهُما على طهارَةِ وضوءِ مائيةٍ لِجميعِ الأعضاءِ”، وهذا لم تَكتمِلْ طهارتُهُ بَعْدُ، لأنَّه ألبَسَ قدمَهُ اليُمنَى قبلَ غَسلِ قدَمِهِ اليُسرَى، والوضوءُ لا يَكتمِلُ إلا بغَسلِ اليُسرَى، وقدْ ثبتَ أنَّ أبا بَكرَةَ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ قالَ: (( رُخِّصَ إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا ))، ولا يُقال: (( تَطَهَّرَ )) إلا لِمَن أتَمَّ الطهاَرةَ كامِلَةً.

الحُكمُ التاسع: مَن كانتْ لَهُ قدَمٌ واحدَةٌ ولَبِسَ عليها خُفًّا أو جورَبًا والأُخْرَى مقطوعَةٌ مِن فوقِ الكعبِ، جازَ لَهُ المسح عليها عندَ الشافعيَّةِ والحنابلَةِ وغيرِهِم، وأمَّا إنْ كانت قدَمُهُ الأُخْرَى أو بعضُها موجودٌ، فلا يجوزُ لَهُ المسحُ على خُفٍّ أو جَورَبٍ واحدٍ فقط.

الحُكمُ العاشر: لا يجوزُ المسحُ بالماءِ على اللفائِفِ المَشدودَةِ على القدَمينِ لِلتَّدفِئَةِ باتَّفاقِ العلماءٍ، وأمَّا اللفائِفُ الطِّبيَّةُ: فإذا كانتْ مُغطِّيَةً لِجميعِ القدَمِ مع الكعبينِ، فيُمسحُ بالمَاءِ على جميعِها مِن جميعِ الجِهاتِ، وإنْ كانتْ تُغطِّي بعضَ القدمِ، مسحَ على المُغطَّى مِنها وغَسَلَ المكشوفَ، وإنْ كانَ المسحُ يَضُرُّ بِهِ، فإنَّه يَغسلُ الأعضاءَ السَّلِيمَةَ بالماءِ، ويَتيمَّمُ عن العُضْوِ المَلفوفِ.

الحُكمُ الأخير: مَن لَبسَ خُفًّا فوقَ خُفٍّ أو جَورَبًا فوقَ جَورَبٍ، فلَهُ حالان:

الأوَّل: أنْ يَلبسَ الأسفلَ والأعلَى جميعًا على طهارَةٍ مائِيَّةٍ كامِلَةٍ، وهذا يجوزُ لَهُ المسحُ على الفَوْقَانِيِّ، لأنَّهُ قد لَبِسُهُ على طهارَةٍ مائيةٍ كالتَّحْتَانِيِّ.

الثاني: أنْ يَلبسَ الفَوْقَانِيَّ بعدَ أنِ انتَقضَ وضوؤُهُ أو بعدَ أنْ مسحَ على الأسفلِ، وهذا لا يجوزُ لَهُ المسح على الفَوْقَانِيِّ عندَ أكثرِ العُلماءِ، لأنَّهُ قد لَبِسَ الفَوْقَانِيَّ بعدَ الحَدَثِ أو بعدَ طهارَةِ مسحٍ، نفعنِي اللهُ وإيَّاكُم: بما سمِعتُم، وزادَنا بدِينِهِ فِقهًا وعِلمًا، إنَّهُ سميعُ الدُّعاءِ.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــ

الحمدُ لله مُسدِيِ النِّعَمِ، وصَلاتُهُ وسَلامُهُ على أفضلِ الرُّسلِ إلى خَيرِ الأُمَمِ.

أمَّا بعدُ، أيُّها النَّاسُ:

فاتقوا اللهَ حقَّ تقواهُ، وتَفقَّهُوا في دِينِهِ فإنَّهُ طريقُ تقواهُ، واشكُروهُ على يُسرِ أحكامِ دِينِهِ، فقدْ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ))، وقالَ اللهُ تعالى عنِ التيسيرِ في صِيامِ رمضانَ: { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }، وقالَ سُبحانَهُ عن جميعِ تَشريعاتِهِ: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }، وأوامِرُ الشريعَةِ مَبنيَّةٌ على الاستطاعَةِ وبقدْرِها، حيثُ قالَ اللهُ تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ))، وقالَ سُبحانَهُ: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }، هذا، وأسألُ اللهَ: أنْ يُفقِّهَنا في دِينِنَا، وأنْ يَزيدَنا علمًا وتُقىً وتوفيقًا، وأنْ لا يَجعلَ الدُّنيا أكبرَ همِّنَا، اللهمَّ: أصلِح لَنَا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وآخرَتَنا التي إليها معادُنا، وأصلِحْ نساءَنا وأبناءَنا وبناتِنا، اللهمَّ: اكِفِنا شَرَّ الفُجَّار، ومَكرُ الكفارِ، وارفعْ ضُرَّ المُتضرِّرينَ مِنَ المُسلِمينَ، واغفِرْ لِلأحياءِ مِنهُم والأمواتِ، إنَّكَ سميعٌ مُجِيبٌ، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم.