إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > البدع > خطبة مكتوبة بعنوان: ” أحكام التوسل ومعناه بين أهل السنة وأهل البدع والأهواء ” ملف: [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” أحكام التوسل ومعناه بين أهل السنة وأهل البدع والأهواء ” ملف: [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

  • 19 أغسطس 2021
  • 6٬590
  • إدارة الموقع

أحكام التَّوسُّل ومعناه بين أهل السُّنَّة وأهل البِدَع والأهواء

الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ مُخفِّفِ البلايا، ومُفَرِّجِ الشدائدِ، المُكرِمِ مَن شاءَ بالصبرِ والاحتسابِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المُستغيثُ بربِّهِ وحدَهُ، فصلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِه.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فإنَّ مِنَ الفوارقِ المُهمَّةِ التي يَنبغِي أنْ تُعرَفَ وتُفقَهَ في بابِ الاعتقادِ بينَ السَّلفِ الصَّالحِ أهلِ السُّنَةِ والجماعَةِ والحديثِ وبينَ الشِّيعَةِ الرَّافِضَةِ والصُّوفيَّةِ الطُّرُقِيَّةِ: «مسألة التَّوَسُّل»، والتَّوَسُّلُ بدَلالةِ نُصوصِ الشريعةِ عندَ السَّلفِ الصالحِ أهلِ السُّنَّةِ لَهُ ثلاثُ مَعانٍ صحيحة.

والمعنَى الصَّحيحُ الأوَّلُ لِلتَّوَسُّلِ هوَ: «التَّقَرُّبُ إلى اللهِ بالطاعاتِ الواجبَةِ والمُستحبَّةِ التي جاءَتْ في القرآنِ وصحيحِ أحاديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم»، وهذا المَعنَى لِلتَّوسُلِ مُتَّفَقٌ عليهِ بينَ العلماءِ، وقد قالَ اللهُ سُبحانَهُ في تقريرِهِ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ }، وقالَ تعالى: { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ }، فمعنَى قولِهِ تعالى: { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } أي: تقرَّبوا إليهِ سُبحانَهُ بالعباداتِ الواجبةِ والمُستحبَّةِ الواردةِ في القرآنِ والسُّنَّةِ الثابتَةِ، وقولُه تعالى: { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } إخبارٌ عنِ الصَّالِحينَ مِن عِبادِ اللهِ بأنَّهُم لا يَصرِفونَ عبادَةَ الدُّعاءِ إلا لِربِّهِم وحدَهُ، لأنَّ الدُّعاءَ وغيرَهُ مِن العباداتِ وسِيلَةُ قٌربِهِم مِن ربِّهِم الوَحِيدَةَ، ونَقلَ اتفاقَ المُفسِّرينَ وغيرِهم على هذا المَعنَى لِلتَّوسُّلِ عديدٌ مِن العلماءِ مِن مُختلِفِ البُلدانِ والأزمانِ والمذاهبِ.

والمَعنَى الصَّحيحُ الثاني لِلتَّوسُّلِ هوَ: «طلبُ الدُّعاءِ مِن الغَيرِ»، ويَدلُّ عليهِ مِن آثارِ الصَّحابَةِ الصَّحيحةِ: طلبُ عمرَ بنِ الخطابِ مِن العباسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ عمِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ يدعوَ اللهَ لِلمسلمينَ بإنزالِ المطرِ عليهِم، حيثُ أخرجَ البُخاريُّ: (( أَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا»، فَيُسْقَوْنَ ))، ومَعنَى قولِهِ: ((اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ )) أي: طلبَ مِنهُ أنْ يدعوَ اللهَ بأنْ يَسقيَهمُ المطرَ، وهُم يُؤمِّنونَ على دعائِهِ، ومعنَى قولِ عمرَ الأوَّل: (( اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا ))، أي: اللهمَّ إنَّا كنَّا نأتِي نبيَّك صلى الله عليه وسلم في حياتِهِ فنطلُبَ مِنهُ أنْ يَدعوَكَ لنَا أنْ تَسقِينا المطرَ، ومَعنَى قولِ عمرَ الثاني: (( وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا )) أي: في هذا الزَّمَنِ بعدَ وفاةِ نبيِّكَ صلى الله عليه وسلم نطلبُ مِن العباسِ عمِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَتقدَّمَنَا فيَدعوَكَ لنَا بأنْ تَسقِينَا المطرَ، لأنَّ نبيَّكَ الذي كان يَدعو لَنَا بأنْ تُغِيثَنَا بالمطرِ ليسَ بموجودٍ، قد ماتَ، وقد بيَّنَ قاضِي مكةَ الزُّبيرُ بنُ بكَّارٍ القُرشيُّ في كتابِهِ “الأنساب”: صِفةَ ما دَعا بِهِ العباسُ في هذهِ الواقعةِ، فأخرجَ بإسنادٍ لَهُ أنَّ العباسَ لمَّا استَسقَى بِهِ عمرُ، قالَ: (( اللهمَّ إنَّه لم يَنزلْ بلاءٌ إلا بذنْب، ولم يُكشَف إلا بتوبة، وقد توجّهَ القومُ بي إليكَ لِمكاني مِن نبيِّك، وهذهِ أيدِيِنا إليكَ بالذُّنوب، ونواصِينَا إليكَ بالتوبة، فاسقِنا الغيث ))، فأكَّدَتْ روايةُ ابنُ بكَّارٍ: أنَّ توسُّلَهُم واستسقاءَهُم بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبالعباسِ عَمِّهِ ــ: إنَّما هوَ دعاؤُهُما اللهَ لِلناسِ بإنزالِ المطرِ عليهِم، وتأمِينُ الناسِ على دُعائِهِما، ويُؤكِّدُ معنَى التَّوسُّلِ هذا أكثرُ: طلبُ الأعرابيِّ مِن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنْ يدعوَ اللهَ لِلناسِ بأنْ يُنزِلَ عليهمُ المطرَ، حيثُ أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ: (( أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللهَ يُغِثْنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا اللهُمَّ أَغِثْنَا»، فَطَلَعَتْ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ )).

والمَعنَى الثالثُ الصَّحيحُ لِلتَّوسُّلِ هو: «دعاءُ اللهِ بذكرِ أشياءٍ تُقوِّي إجابَةَ الدُّعاءِ دلَّتْ عليها آياتُ القرآنِ أو أحاديثُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّحيحَةِ»، وهذا التَّوَسُّل على نوعين:

النوعُ الأوَّل: «دعاءُ اللهِ بأسمائِه وصفاتِه»، ويَدُلُّ على هذا النَّوعِ: قولُ اللهِ تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }، ودُعاءُ نَبيِّ اللهِ سليمانَ ــ عليهِ السَّلامُ ــ ربَّهُ في سُورةِ “النَّملِ”: { وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ }، فتوسَّلَ في دعائِه هذا بصفةِ الرَّحمَةِ للهِ سُبحانَهُ، ويدُلُّ عليهِ أيضًا: ما ثبتَ: (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالِاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ» ))، وما أخرجَهُ البخاريُّ في دعاءِ الاستخارَةِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ))، فتوسَّلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى ربِّه في دُعاءِ استخارتِهِ هذا بِصفَتَيِّ العلمِ والقُدرةِ للهِ تعالى.

النَّوعُ الثاني: «دعاءُ اللهِ بأعمالِ العبدِ وعباداتِهِ الصَّالحَةِ التي جاءت في نُصوصِ القرآنِ والسُّنةِ»، ويَدُلُّ على هذا النَّوعِ: إخبارُ اللهِ عنِ الصالِحينَ مِن عبادِهِ أنَّهُم يدعونَهُ فيقُولونَ: { رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }، فتوسَّلَ الصَّالِحونَ في دُعائِهِم هذا بأعظَمِ طاعاتِهِم، وهيَ الإيمانُ بالله، ويَدُلُّ عليهِ مِن الأحاديثِ النَّبويَّةِ: ما أخرجَهُ البخاريُّ ومسلمٌ في قِصَّةِ الثلاثةِ الذينَ آوَاهُمُ المَبِيتُ بالليلِ إلى غارٍ، ثُمَّ سَدَّتْ بابَهُ عليهِم صخرَةٌ فلم يَستطيعوا الخروجَ، فدَعوا اللهَ وتوسَّلوا إليهِ بإخلاصِهِم لُهُ فيما فعلوه مِن بِرِّ الوالدينِ والعِفَّةِ عن الزِّنا وحفظِ الأمانةِ، والإخلاصُ عبادَةٌ مِن أعظمِ العباداتِ، بلِ الإخلاصُ للهِ شرْطٌ في قَبولِ جميعِ العباداتِ.

وأوصِيكُم ونَفسِي بالتَّزَوُّدِ مِن تَقوى اللهِ قبلَ أنْ تَرتحِلوا عن دُنياكُم، امتثالًا لأمرِهِ سُبحانَهُ: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ }.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ المَلِكِ الأعلَى، وسلَّمَ على محمدٍ النَّبيِّ وآلِهِ وصحبِهِ وصَلَّى.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فإنَّ لِلتَّوسُّلِ والوسيلَةِ مَعانٍ باطلةٍ لا تُعرَفُ في القرآنِ والأحاديثِ النَّبويَّةِ ولا عنِ الصَّحابَةِ ولا عنْ باقِي أهلِ القُرونِ الثلاثَةِ الأُولَى ولا عنْ أئمَّةِ المذاهَبِ الأربعَةِ وتلاميذِهِم، ولا في لُغةِ العرَبِ، مَعانٍ أحدثَتْها الشِّيعُةُ الرَّافِضَةُ وتابعَهُم عليها غُلاةُ الصُّوفيَّةُ، أضَرُّوا بها دِينَ وإسلامَ وعقيدَةَ مَن تأثَّرَ بِهِم وظنَّهُم على خيرٍ وحقٍّ، وهُم بعيدونَ عنهُما، وفي الباطلِ غارِقُونَ.

المَعنَى الأوَّلُ الباطلُ لِلوسيلَةِ: «أنَّ الوسيلَةَ هيَ المَعصومُ مِن آلِ البيتِ أو الشيخُ مؤسِّسُ الطريقَةِ الصُّوفيَّةِ أو الوَلِيُّ الصَّالحُ»، وزَعَموا أنَّ هؤلاءِ المخلوقينَ مثلَهُم واسطةٌ بينَهُم وبينَ اللهِ، يُقرِّبونَهُم مِنهُ إذا دَعوهُم واستغاثوا بِهِم وذبَحوا لَهُم ونَذرُوا إليهِم، وطافوا بقبُورِهِم وتمسَّحوا بها وتَبرَّكوا، وهذا المَعنَى: باطلٌ بآياتِ القرآنِ والأحاديثِ النَّبويَّةِ الثابتَةِ ولُغةِ العرَبِ واتفاقِ العلماء، بلْ هوَ مِن أُصولِ الكُفرِ الكُبرَى، ونفْسُ دِينِ المُشركينَ الذي بُعِثَ فيهِم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والرُّسُلُ قبلَهُ، فإنَّ دِينَ جميعِ المُشركينَ والكُفَّارِ قائمٌ على: أنَّهم لن يَصِلوا إلى اللهِ ورِضَاهُ وجنَّتِهِ، ولن يَسلَمُوا مِن عذابِهِ إلا إذا جعَلوا بينَهُم وبينَهُ سبحانَه وسائطَ ووسائلَ مِن الخلقِ الصَّالِحينَ تُقرِّبُهُم مِنهُ، وتَشفعُ لَهُم عِندَهُ، فصَرفُوا لَهُم بعضَ العباداتِ، وأكثرُ عبادةٍ صرَفوها لَهُم هيَ الدُّعاء، وقد أبطلَ اللهُ وسائِطَهُم ووسائِلَهُم هذهِ، وأبطلَ دِينَهُمُ القائمَ على الوسائطِ والوسائلِ، وأخبَرَ عنهُ وعنهُم، فقالَ سبحانَهُ: { فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }، وقال تعالى: { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }، فصَرَّح ــ جلَّ وعلا ــ: بأنَّ هذا النَّوعَ مِن ادِّعَاءِ الشُّفعَاءِ والوسائطِ والوسائلِ شِرْكٌ بِاللَّه، ونَزَّهَ نفسَهُ الكريمةَ عنهُ، بقولِهِ تعالى في خِتامِ الآيةِ الثانيةِ: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }، وبقولِه تعالى في ختامِ الآيةِ الأولى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }.

والمَعنَى الثاني الباطلُ لِلتَّوسُّلِ هوَ: «دعاءُ المخلوقينَ مع اللهِ مِن عِبادٍ صالِحينَ أو غيرِ صالِحينَ أو حيواناتٍ أو جماداتٍ كالأصنامِ، بتفريجِ الكُربِ وسُؤالِ الشفاعةِ وطلبِ المَدَدِ والعَونِ والإغاثة والرِّزقِ والشِّفاء»، فترَاهُم يَصرفونَ عبادةَ الدُّعاءِ لِمخلوقينَ مِثلَهُم، فيَدعونَهم قائلين: “فَرِّجْ عنَّا يا رسولَ اللهِ، مَدَد يا بَدويُّ، أغِثنا يا جَيْلانيُّ، “اشفِنا يا حُسينُ، “احْمِنا يا عَيدرُوسُ، “اكشِف ما أصابَنا يا مِيرغَنِيُّ، “شيئًا للهِ يا رِفاعِيُّ”، ويُسمُّونَ دعائَهُم هذا لِغيرِ اللهِ: توسُّلًا، وما هوَ واللهِ بتَوسُّلٍ، بلْ هوَ كُفرٌ بالله، وشِرْكٌ عظيم، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ ))، والعِبادةُ حقُّ خالصٌ للهِ وحدَهُ، لا تُصرَفُ إلا لَهُ وإليهِ، وبذلكَ حَكَمَ، فقالَ سُبحانَهُ: { إِنِ الحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ }، وقالَ تعالى ناهيًا عن دُعاءِ غيرِهِ معَه وحاكِمًا بأنَّ دعائَهُم لُهُ شِرْكٌ وكُفرٌ: { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا }، وقالَ سُبحانَهُ حاكِمًا بأنَّ دعاءَ غيرِهِ معَهُ شِرْكٌ وكُفرٌ: { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }، وأخرجَ البخاريُّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ ))، وآياتُ القرآنِ مُستفيضَةٌ في أنَّ صرْفَ عبادَةِ الدُّعاءِ لَغيرِ اللهِ ودُعاءَ غيرِ اللهِ معهُ هوَ دِينُ المُشركينَ الكُفَّارِ.

والمَعنَى الثالثُ الباطلُ لِلتَّوسُّلِ هوَ: «دعاءُ اللهِ وسُؤالُهُ بِجَاهِ أو مكانَةِ أو حَقِّ أحدٍ مِن الناسِ مُعَظَّمٍ كالأنبياءِ والصالحينَ أو زمانٍ فاضلٍ كرَمضانَ وليلَةِ القدْرِ ويومِ الجُمعَةِ ويومِ عَرَفَة أو مكانٍ فاضلٍ كالمسجدِ الحرامِ والنَّبويِّ والأقصَى والرَّوضَةِ الشَّريفَةِ»، ويُسمّوُنَ هذا: “تَوَسُّلًا”، فيقولُ بعضُهُم إذا دعا: “اللهُمَّ إنِّي أسألُكَ بِجَاهِ أو بحقِّ نبيِّكَ محمدٍ أو بجَاهِ الأنبياءِ أو جَاهِ عبادِكَ الصالِحينَ، أو بحقِّ هذهِ الجُمعَةِ أو حقِّ شهرِ رمضانَ، أو بمكانَةِ أو حقِّ الكعبَةِ: أنْ تَغفرَ لِي وتَرزقَنِي وتُفرِّجَ كَرْبِي وتَشْفِيَنِي”.

وإدخالُ الجَاهِ أو الحقِّ أو المكانَةِ أثناءَ دُعاءِ اللهِ لنْ تجدَهُ في القرآنِ ولا حديثٍ نَبويٍّ صحيحٍ ولا أثَرٍ ثابتٍ عن صحابيٍّ أو تابِعيٍّ، ولا يُعرَفُ في شيءٍ مِن أدْعِيَةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأدْعِيَةِ أصحابِهِ الصَّحيحَةِ التي جاءتْ في الصِّحاحِ والسُّننِ والمسانيدِ وغيرِها مِن كُتبِ السُّنةِ والحديثِ المشهورة، ولا يَقدِرُ أحدٌ أنْ يَنقلَ فيهِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ شيئًا صحِيحًا مِن جهَةِ الإسنادِ وصحِيحًا صرِيحًا مِن جهَةِ الاستدلالِ، بل إضافَةُ الجَاهِ والحقِّ والمكانَةِ في الدُّعاءِ ليسَ بتوسُّلٍ شرعِيٍّ، وإنَّما هوَ تَوَسُّلٌ جديدٌ مُحدَثٌ مُبتَدَعٌ في دِينِ اللهِ، ومِنَ البدَعِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ مِن أهلِ الفقهِ والحديثِ، والبدعَةُ مُحرَّمَةٌ بنصِّ السُّنَّةِ النِّبويَّةِ الصَّحيحَةِ واتفاقِ العلماءِ، وأعظمُ مِن المعصيَةِ باتفاق الفقهاءِ.

اللهُمَّ: مُنَّ علينا بأنْ نكونَ مِن عبادِكَ المُوحِّدينَ الذين لا يُشرِكونَ بكَ شيئًا حتى نلقَاكَ، اللهمَّ: جنِّبْنَا وجنِّبْ أهلِينا الشِّرْكَ صغيرَهُ وكبيرَهُ، اللهمَّ: وفِّقْ جميعَ وُلَاةِ أُمورِ المسلمينَ للقضاءِ على الشِّرْكِ وأسبابِهِ، ومنْعِ أهلِهِ ودُعاتِهِ وقنواتِهِ، اللهمَّ: جنِّبنا البِدَعَ وأهلَهَا ودعاتَها وشُبهَهُم وتلبيسَهُم، اللهمَّ: أعنَّا على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عبادتِكَ، ربَّنا لا تُزغْ قلوبَنا بعدَ إذ هديتَنا وهَبْ لَنَا مِن لدُنْكَ رحمةً إنَّكَ أنتَ الوهَّاب، وأقولُ هذا، واستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم.