إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > العقيدة > خطبة مكتوبة بعنوان: ” مسائل من عرفها تبصر ليكون من أهل التوحيد لا أهل الشرك “. ــ ملف: [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” مسائل من عرفها تبصر ليكون من أهل التوحيد لا أهل الشرك “. ــ ملف: [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

  • 13 يوليو 2023
  • 5٬033
  • إدارة الموقع

مسائل مَن عرَفها تبصَّرَ لِيكونَ مِن أهل التوحيد لا أهل الشِّرك

الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الخالقِ وما سِواهُ مَخلوقٌ، المَعبودِ بحقٍّ وما سِواهُ عُبِدَ بِباطِلٍ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المَبعوثُ بدِينٍ واضحٍ بيِّنٍ مُنيرٍ، اللهُمَّ فصَلِّ وسَلِّمْ عليهِ وعلى آلِهِ وأزواجِهِ وأصحابِهِ وأتباعِه.

أمَّا بعدُ، أيُّها النَّاسُ:

فهذهِ مسائلُ غايةٌ في الأهميَّةِ، العِلمُ بِها مِن الحَسناتِ الكُبرَى، والواجباتِ العُظمَى، وأعلَى العُلومِ وأشرَفِها، ومِن أبيَنِ الدِّينِ وأوضَحِهِ في القرآنِ وآياتِهِ، والسُّنةِ النَّبويةِ الصَّحيحَةِ وأحادِيِثِها:

المسألةُ الأُولى: أنَّ اللهَ تعالى لم يَخلِقِ الإنسَ والجِنَّ إلا لأجلِ عبادتِهِ وحدَهُ، لِقولِ اللهِ سُبحانَهُ: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }.

المسألةُ الثانيةُ: أنَّ العبادةَ حقٌّ خالصٌ للهِ وحدَهُ، لا يَجوزُ أنْ تُصرَفَ لِغيرِهِ، لِقولِ اللهِ تعالى: { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ }.

المسألةُ الثالثةُ: أنَّ التَّوحيدَ هوَ: «إفرادُ اللهِ وحدَهُ بجميعِ العباداتِ»، فلا نُصَلِّ ولا نَصومُ ولا نَحجُ ولا نَذبحُ ولا نَنذرُ إلَّا لَهُ سُبحانَهُ، ولا نَطوفُ إلَّا لَهُ، وحَولَ الكعبَةِ لا حَولَ قبرٍ أو صَنَمٍ، ولا نَتوجَّهُ بعبادَةِ الدُّعاءِ ونَصرِفُها إلَّا إليهَ وحدَهُ، فنَدعُوهُ وحدَهُ بطلَبِ المَدَد والعَونِ والشِّفاءِ وتفريجِ الكُرَبِ والشفاعةِ ودَفعِ الضُّرِ وجلْبِ النَّفعِ وجميعِ ما نُريد، حيثُ قالَ اللهُ تعالى آمِرًا: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }، وقالَ سُبحانَهُ عن المُشرِكينَ: { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }، وصحَّ أنَّ مَلِكَ الرُّومِ قالَ لأبي سُفيانَ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ في شأنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (( مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ ))، فقالَ لَهُ: (( يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ))، أي: اصْرِفُوا جميعَ عباداتِكُم للهِ وحدَهُ ولا تُشرِكوا معَهُ أحدًا في شيءٍ مِنها.

المسألةُ الرابعةُ: أنَّ الدُّعاءَ عبادَةٌ، لِقولِ اللهِ سُبحانَهُ: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }، وقولِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم الصَّحيحِ: (( الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَة )).

المسألةُ الخامسةُ: أنَّ الشِّركَ هوَ: «صَرْفُ العِبادَةِ أو شيءٍ مِنها لِغيرِ اللهِ، ولو كانتْ عبادَةً واحدَةً»، لِقولِ اللهِ سُبحانَهُ: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا }، وقولِهِ تعالى عن المُشركينَ: { ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ ))، وقالَ اللهُ تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ }، ومِن أكثرِ صُوَرِ الشِّركِ باللهِ في عبادتِهِ في الماضِي والحاضِرِ: «صَرْفُ عبادةِ الدُّعاءِ لِلملائِكَةِ أو الأنبياءِ أو الصَّحابَةِ أو الأولياءِ الصَّالحينَ أو الأصنامِ، أوغيرِهِم»، كقولِ بعضِهِم داعيًا غيرَ اللهِ: «فرِّجْ عنَّا يا رسولَ اللهِ، مَدَد يا بَدَويُّ، أغِثنَا يا جَيلَانِيُّ، شيئًا للهِ يا رِفاعِيُّ، اشْفِنا يا حُسين»، وقد قالَ اللهُ ناهيًا عن دُعاءِ غيرِهِ معَهُ:{ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:(( مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ )).

المسألةُ السادسةُ: أنَّ أكثرَ مَن يؤمِنُ باللهِ وأنَّهُ ربُّهُم وخالقُهُم ورازقُهُم والمالكُ لِكلِّ شيءٍ المُتصرِّفُ فيهِ بما يُريدُ القائِمُ على كلِّ نَفْسٍ المُحِييِ المُمِيتُ لِكُلِّ أحدٍ، يَقعُونَ في الشِّركِ باللهِ سبحانَهُ، بصَرْفِ بعضِ عباداتِهِم لِغيرِهِ، لِقولِ اللهِ سُبحانَهُ: { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ }، وبهذا فسَّرَ الصحابَةُ والتابعونَ والمُفسِّرونَ هذهِ الآيَة.

المسألةُ السابعةُ: أنَّ كفارَ العرَبِ الذينَ قاتلَهُم النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَعلمونَ أنَّ اللهَ خالِقُهُم ورازِقُهُم والمُحييَ المُميتُ لَهُم والمُدبِّرُ لِأُمُورِهِم والمُتصرِّفُ فيهِم، ومعَ ذلكَ لم يُدخِلْهُم هذا الإيمانُ في الإسلامِ، ولا كانوا بسبَبِهِ مُسلمينَ، لِقولِ اللهِ سُبحانَه: { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ }، وقولِهِ تعالى: { قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ }، وقولِهِ سُبحانَهُ: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }، وقولِهِ ــ تبارَكَ وتقدَّسَ ــ: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }.

المسألةُ الثامنةُ: أنَّ كُبرى المُشكلاتِ التي لم تُدخِلْ كفارَ العربِ في الإسلامِ، وكانوا كُفَّارًا مُشركينَ بسبَبِها، هيَ: «صَرْفُهُم العباداتِ لِغيرِ الله تعالى، وإشراكُهُم غيرَ اللهِ مع اللهِ في شيءٍ مِن عبادَتِهِ»، لِقولِ اللهِ سُبحانَهُ عنهُم: { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }، وقولِهِ تعالى: { ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا }، وقولِهِ سُبحانَهُ مُبيِّنًا حالَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع قومِهِ في صرْفِ عبادِة الدُّعاءِ: { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا }، وقولِهِ تعالى: { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ }، ومِثلُهُ باقِي الأنبياءِ ــ عليهمُ والسلامُ ــ إذْ دعَوا قومَهُم إلى ترْكِ إشراكِ غيرِ اللهِ معَ اللهِ في عبادَةِ الدُّعاءِ وغيرِها، فقالَ سُبحانَه عن إبراهيمَ ــ عليهِ السلامُ ــ أنَّهُ قالَ لِقومِهِ: { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا  فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا }، وقالَ تعالى عن إلياسٍ ــ عليهِ السلامُ ــ: { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ }، وهيَ المُشكِلةُ الكُبرَى بينَ الفِتيَةِ الذينَ قصَّ اللهُ علينا نبأَهُم معَ قومِهِم في سُورَةِ “الكهفِ”، فقالَ سبحانَهُ: { إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا }.

المسألةُ التاسعةْ: أنَّ المُشرِكينَ الذين بُعِثَ فيهِم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانوا إذا أمرَهُم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإفرادِ اللهِ وحدَهُ بجميعِ العباداتِ ونهاهُم عن إشرَاكِ غيرِ اللهِ معَ اللهِ في شيءٍ مِن عبادتِهِ، تحجَّجوا لَهُ في الاستمرارِ على شِركِهِم هذا بأنَّهُم ما فعلُوهُ إلا لِتَتوسَّطَ لَهُم هذهِ المَعبوداتُ الصالِحَةُ ــ بِزَعْمِهِم ــ عندَ اللهِ، وتَشفعَ لَهُم إليهِ، وتُقرِّبَهُم مِنهُ، وليسَ لأجلِ أنَّها تَخلُقُ وتَرزُقُ وتُمِيتُ وتُدَبِّرُ أُمورَ الكونِ، وهذا الكلامُ هوَ نفسُ كلامِ مَن يَصرفونَ عبادَةَ الدُّعاءِ وغيرِها لِلأنبياءِ والصحابَةِ والأولياءِ، ودليلُ ذلكَ قولُ اللهِ ــ عزَّ وجلَّ ــ في شأنِهِم: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }، وقولِهِ سُبحانَه: { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }.

المسألةُ العاشرةُ: أنَّ الذينَ يَصرِفونَ بعضَ العبادَاتِ كالدُّعاءِ وغيرِهِا لِلصالِحينَ مِن البَشَرِ في زمَنِ الإسلامِ وقعُوا في شِرْكٍ أغلظَ مِن شِركِ كُفارِ العربِ الأوائلِ، لأنَ الأوائلَ كانوا وقتَ الشِّدَّةَ يَصرِفُونَ عبادَةَ الدُّعاءِ إلا للهِ وحدَهُ، وأمَّا المُتأخِّرُونَ فيَصرِفُونَ عبادَةَ الدُّعاءِ لِلصالِحينَ في وقتِ الرَّخاءِ ووقتِ الشِّدَةَ، حيثُ قالَ اللهُ سُبحانَهُ عن المُشركينَ الأوائلِ: { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }، وقالَ تعالى: { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ }.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ، وسلامٌ على عبادِهِ الذينَ اصطَفَى.

أمَّا بعدُ، أيُّها النَّاسُ:

فإنَ المسألَةَ الحاديَةَ عشْرَةَ هيَ: أنَّ دعاءَ غيرِ اللهِ شِرْكٌ باللهِ وكُفْرٌ، سواءٌ صُرِفَ الدُّعاءُ لِمَلَكٍ أو نَبِيٍّ أو صحابيٍّ أو ولِيٍّ صالِحٍ أو صَنَمٍ أوغيرِهِم، ومِن أدلَّةِ ذلكَ قولُ اللهِ تعالى: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا }، حيثُ نَهَى اللهُ سُبحانَهُ في هذهِ الآياتِ أنْ يُشرَكَ معَهُ أحَدٌ في عبادَةِ الدُّعاءِ، وأمَرَ نبيَّهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم أنْ يُفرِدَهُ وحدَهُ بهذهِ العبادَةِ بينَ أظهُرِ المُشركينَ مِن قومِهِ، ففَعلَ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ أمرَهُ أنْ يقولَ لَهُم حينَ رَأَوهُ يُخالِفُهُم بإفرادِهِ اللهَ وحدَهُ بعبادَةِ الدُّعاءِ: { قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا }، فدَلَّ ذلكَ على أنَّ صرْفَ عبادَةِ الدَّعاءِ لِغيرِ اللهِ شِركٌ وكُفرٌ باللهِ، وأنَّ مَن دَعا معَ اللهِ غيرَهُ فقد أشرَكَ وكفرَ بالله، وقالَ اللهُ تعالى: { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }، فأخبَرَ اللهُ في هذهِ الآيات بأنَّ مَن يُدعَونَ معَهُ سَيكفُرونَ يومَ القيامَةِ بشِرْكِ مَن دَعاهُم معَ اللهِ، وهذا حُكمٌ مِنهُ سُبحانَهُ بأنَّ دُعاءَ غيرِهِ معَهُ شِركٌ وكُفرٌ، وقالَ اللهُ تعالى: { ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا }، فحَكَمَ سُبحانَهُ في هذهِ الآيَةِ بأنَّ دُعاءَ غيرِ اللهِ معَ اللهِ شِرْكٌ وكُفر.

ألَا فاتَّقُوا اللهَ ــ عِبادَ اللهِ ــ بالتفقُّهِ في الدِّينِ، وتَدَبُّرِ أياتِ القرآنِ العظيمِ، وتَعلُّمِ معانِيها، ولُزومِ توحيدِ اللهِ، واجتنابِ الشِّركِ بِهِ في عبادتِهِ.

اللهمَّ: مُنَّ علينا وأكرِمْنا بأنْ نكونَ مِن عبادِكَ المُوحِّدِينَ الذينَ لا يُشرِكونَ بِكَ شيئًا حتَّى نَلقاكَ، اللهمَّ: جنِّبنَا وجنِّبْ أهلِينا وجميعَ المُسلِمينَ الشِّركَ قليلَهُ وكثيرَهُ، صغيرَهُ وكبيرَهُ، اللهمَّ: وفِّق جميعَ الحُكَّامِ لِلقضاءِ على الشِّركِ ووسائِلِهِ وأسبابِهِ، ومنْعِ أهلِهِ ودُعاتِهِ وقنواتِهِ مِنهُ ومِن نشرِهِ في البلادِ وبينَ العِبادِ، اللهمَّ: اغفِرْ لِلمُسلِمينَ والمُسلِماتِ، الأحياءِ مِنهُم والأمواتِ، ربَّنا لا تُزِغْ قُلوبَنا بعدَ إذ هدَيتَنا، وهَبْ لَنَا مِن لَدُنْكَ رحمَةً إنَّك أنتَ الوهابُ، وأقولُ هذا، واستغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم.