إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة بعنوان: « القرار في البيت أصل الستر والحفظ للمرأة »، ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: « القرار في البيت أصل الستر والحفظ للمرأة »، ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

  • 14 نوفمبر 2024
  • 3٬486
  • إدارة الموقع

القرار في البيت أصل السِّتْر والحفظ للمرأة

الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الجميلِ في وصفِهِ، الحكيمِ في أمرِهِ ونهيهِ، الرَّحيمِ بجميعِ خلقِهِ، والصلاةُ والسلامُ على عبدِهِ ورسولِهِ محمدٍ المبعوثِ بالسُّنَّةِ والقرآنِ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ، ومَن أحبَّهُم وكانَ على سبيلِهِم إلى اللهِ يَسير.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فإنَّ قرارَ المرأةِ في بيتِها وإقلالَهاَ الخروجَ مِنهُ: أصلُ السِّتْرِ لَهَا، وبابُهُ الأقوى، وسياجُهُ المَنيعُ، وأمنُهُ الكبيرُ، وحِمَاهُ الأكيدُ، وحِفظُهُ الفعَّالُ، وسلامتُهُ العُظمَى، وغِطاؤُهُ الأجملُ، وزينتُهُ الأطيب، ولِباسُهُ الجليلُ.

حيثُ يُسلِّمُها ويُجنِّبُها القرارُ في البيتِ: مِن شُرورِ الفتنِ وأضرارِها، وشُرورِ الفاتنينَ والمَفتونِينَ، فيُسلِّمُها مِن فتنِ الأنظارِ، وفتنِ الاختلاطِ، وفتنِ التَّحرُّشِ والمعاكساتِ والمُلاحقاتِ والاعتداءِ، وفتنِ العابثينَ والعابثاتِ، وفتنِ المُفسدينَ والمُفسداتِ، وفتنِ كلامِ الناسِ فيها، وفتنِ المُيولِ إلى مَن يُغازِلُهَا أو يَكيدُهَا ويَمكُرُ بها بكلامٍ خاضِعٍ مَعسولٍ مُنمَّقٍ مُجمَّلٍ، وفتنِ ضَعفِ دِينِها وخُلقِها وحِشمَتِها وحيائِها.

وهي وإنْ سلِمَتْ في نفسِها إنْ أكثرتْ خُروجَها بلا حاجَةٍ مُهمَّةٍ وضرورَةٍ وسبَبٍ وجيهٍ: فقدْ لا يَسلَمُ مِنها أٌناسٌ كُثرٌ، فتفتنُ مريضَ القلبِ، ضعيفَ الإيمانِ، ناقصَ الغَيرَةِ، صغيرَ النفسِ، وتَجرُّهُ إلى النظرِ المُحرَّمِ، والاستلذاذِ المُحرَّمِ، والنُّطق بالحرامِ، والتخطيطِ لِلحرامِ، وفِعلِ الحرامِ، والمرَأَةُ لَهَا فِتنَةٌ عظيمَةٌ، والشيطانُ يكِيدُها ويَكيدُ بها الرِّجالَ كثيرًا، وقد أخرجَ البخاريُّ ومُسلمٌ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ ))، وأخرجَ مُسلِمٌ في “صحيحه” أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ )), وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ )).

ولِهذا جاءتْ نُصوصُ شريعَةِ الإسلامِ الجليلَةِ الرفيعَةِ: بالأمرِ بهذا القرارِ الكثيرِ لِلمرأةِ في البيتِ، وتقويتِهِ وتزيينِهِ، والترغيبِ فيهِ، والإشادَةِ بِهِ، وتعظيمِ أُجُورِهِ، وتعديدِ فوائدِهِ وخيراتِهِ، وإظهارِ فضائِلِهِ، وتبيينِ مفاسدِ وأضرارِ التهاونِ والتقصيرِ فيهِ، والإخلالِ بِهِ، والعُدولُ عنهُ، وعلى المرأَةِ نفسِها، وعلى الأُسْرَةِ والعائِلَةِ والقَبِيلَةِ والمُجتمَعِ والبلادِ، وعلى الدِّينِ والإيمانِ، وعلى الدُّنيا.

ودُونَكُم بعضُ أوْجُهِ تقويَةِ قرارِ المرأَةِ في البيتِ وتجميلِهِ وتحبيبِهِ:

الوجْهُ الأوَّلُ: أنَّ اللهَ سبحانَهُ هوَ مَن أمرَ النِّساءَ بالقرَارِ في البيتَ.

حيثُ قالَ اللهُ تعالى آمِرًا: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى }، وقالَ الحافظُ ابنُ كثيرٍ ــ رحمهُ اللهُ ــ في “تفسيرهِ” عن معنى هذهِ الآيَةِ: «أيِ: الزَمْنَ بُيوتَكُنَّ فلا تَخرُجْنَ لِغيرِ حاجَةٍ».اهـ

ومِمَّا لا شكَّ فيهِ ولا خِلافَ بينَ مُؤمنٍ ومُؤمنَةٍ: أنَّ اللهَ لا يأمرُ النِّساءَ إلا بما هوَ أصلَحُ وأحفظُ وأسلَمُ وأجملُ لهُنَّ في دِينِهِنَّ ودُنياهُنَّ، وفي سائرِ أحوالِهِنَّ وأعمارِهِنَّ وأوقاتِهِنَّ، وأفضلُ لأهلِهِنَّ ومُجتَمعِهِنَّ وبلادِهِنَّ.

الوجْهُ الثاني: ترغيبُ النِّساءِ في الصَّلاةِ بِبُيوتِهِنَّ، وتفضيلُ صلاتِهِنَّ في البيتِ على صلاةِ المسجدِ، لأجلِ أنْ يَبقينَ في البُيوتِ أكبرَ قدْرٍ.

حيثُ ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لامرأَةِ سألَتْهُ الصلاةَ في المسجدِ: (( صَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِكَ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكَ )).

وتأمَّلُوا ــ فقَّهَكُم اللهُ ــ: حالَ هذهِ الأفضليَّةِ لِلصلاةِ في البيتِ على المسجدِ، مع أنَّ المسجدَ لِقومِها، ورُوَّادُهُ أو أكثرُهُم مِن أهلِها وقبِيلَتِها، الذينَ هُم أحفظُ الناسِ لَهَا، وأخوفُهُم عليها، وأستَرُهُم لَهَا، وأغيَرُهُم لِشأنِها.

الوجْهُ الثالثُ: تبيينُ أنَّ المرأَةَ أقرَبُ ما تكونُ مِن ربِّها فِي قَعْرِ بَيتِها.

حيثُ ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ، وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا )).

ولا رَيبَ أنَّ كُلَّ مؤمنٍ: يُحِبُّ أنْ تكونَ امرأَتُهُ وبِنتُهُ وأُختُهُ قريبَةً مِن اللهِ ربِّها وخالِقِها، وأقرَبَ إليهِ سُبحانَهُ في كُلِّ حالٍ، وهَا قدْ جاءَكُم وجاءَها طريقٌ عظيمٌ يُقرِّبُ مِن اللهِ كثيرًا، وهوَ القرارُ في البيتِ، فادْعُوا نساءَكُم إليهِ باستمرارٍ، وأعينُوهُنَّ عليهِ، ولْتَكُنِ المرأةُ المُسلِمَةُ مِن أهلِهِ، ولِتُجاهِدْ نفسَها عليهِ، وتُصبِّرْها فيهِ، وتتذكَرْ فوائِدَهُ الجليلَةَ، وأُجُورَهُ العظيمَةُ، وقد قالَ اللهُ تعالى مُبشِّرًا: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا }.

الوجْهُ الرابعُ: إيجابُ اللهِ سُبحانَهُ النَّفقَةَ لِلمرأَةِ على الرَّجلِ، فلا تألَمْ ولا تُهانْ بابتِذالِ أو مَشقَّةِ أو إهانَةِ الخروجِ لِكسْبِ الرِّزقِ كُلَّ يومٍ.

حيثُ قالَ اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ مُوجِبًا النَّفقَةَ على الرَّجُلِ ومُمتنًّا على المرأَةِ بهذا الحُكمِ وبمَن يَكفِيها: { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا }، وقالَ اللهُ ــ جلَّ وعلا ــ: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ في حَجَّةِ الودَاعٍ وهوَ يخطبُ الناسَ بعرَفَةَ في شأنِ نفقَةِ النِّساءِ: (( وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ: رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )).

ألَا فلتُكثِرِ المرأَةُ مِن القرارِ في البيتِ، ولْتَحذَرْ كثرَةَ الخروجِ مِنهُ، ولتَحتسِبْ قرارَها فيهِ عندَ اللهِ ربِّها، وتُذكِّرْ نفسَها وتُجاهِدْها عليهِ إذا ضَعُفَتْ أو مَلَّتْ بأنَّها تُطيعُ ربَّها بالقرارِ في البيتِ، وتُكثِّرُ أُجورَها بترْكِ الخروجِ، وتسيرُ في طريقِ صلاحٍ وإصلاحٍ، وسبيلٍ حِفظٍ وسلامَةٍ، وبابِ حسناتٍ لا سيِّئات، واللهُ سُبحانَهُ خالقُ الرَّجُلِ والمرأَةِ جميعًا، وهوَ أعلَمُ بما يُصلِحُهُما في الدُّنيا، ويكونُ لهُمَا رِفعَةً يومَ القيامَةِ، فلْيَرْضَيا بما شرَعَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما، ويُطِيعَاهُ في كُلِّ ما أمرَهُما بِهِ ونهاهُمَا عنهُ، وسَيسعَدانِ كثيرًا بسببِ ذلِكَ في الدُّنيا العاجِلَةِ وفي الآخِرَةِ الآجِلَةِ، ويَسلَمانِ مِن الفتنِ والشُّرورِ والعذابِ.

{ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا }.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ علَّامِ الغُيوبِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ غفَّارُ الذُّنُوبِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ محمدٍ الأوَّهُ المُنِيبُ، والصلاةُ والسلامُ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الأئمَّةِ النُّجُبِ.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فاتقوا اللهَ ــ عزَّ وجلَّ ــ حقَّ تقواهُ، وكونوا مِن عبادِهِ المُتقينَ، فقد قالَ سُبحانَهُ في وصْفِ أهلِ تقواهُ ورِضْوانِهِ: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ }، فأبَانَ اللهُ سُبحانَهُ في هذهِ الآيَةِ أنَّ المُؤمنَ المُتجلِّلَ بتقواهُ إذا مَسَّهُ طائفٌ مِن الشيطانِ فأذنَبَ بفعلِ مُحرَّمٍ عليهِ أو ترْكِ واجبٍ أبصَرَ وأفاقَ سريعًا، وأحسَّ في نفسِهِ بألَمِ ذنْبِهِ، وشُؤمِ خطيئَتِهِ، وثِقَلِ معصيتِهِ، فاستغفرَ اللهَ ربَّهُ التَّوابَ، واستَدرَكَ ما فرَّطَ فيهِ بالتوبَةِ النَّصوحِ، والإكثارِ مِن الحسناتِ، وأقلعَ عن العِصيانِ والتفريطِ، فرَدَّ بذلِكَ شيطانَهُ الذي صالَ عليهِ خاسِئًا وحَسِيرًا، وأفسدَ عليهِ كُلَّ ما أدرَكَهُ مِنهُ، وعادَ أقوى مِن قبْلُ وأكمَل، وفي تأكيدِ هذا الحالِ لِلمُؤمنِ معَ الشيطانِ يقولُ اللهُ سُبحانَهُ: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ }، وصحَّ: (( أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَنَزَلَتْ: { أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي» )).

فاللهمَّ: اجعلْنا مِنَ التَّوَّابينَ ومِنَ المُستغفِرينَ، اللهمَّ: أصلِحْ نساءَ المُسلِمينَ صلاحًا يَتنعَّمنَ بِهِ في جنَّاتِ النَّعيمِ، ويَترقَّينَ بِهِ في الدَّرجاتِ العُلَى مِنَ الجنَّةِ, اللهمَّ: احفظْ عليهِنَّ دِينَهُنَّ وخُلُقَهُنَّ وعِفَّتَهُنَّ وفضيلَتَهُنَّ، وأدخِلْهُنَّ في عِدادِ القانِتاتِ الخاشِعاتِ الحافِظاتِ لفُروجِهِنَّ, اللهمَّ: اغفرْ لَنَا ولِوالِدِينا وباقي أهلِينا وجميعِ المؤمنينَ والمؤمناتِ أحياءً وأمواتًا، وأصلِحْ لَنَا دِينَنا ودُنْيَانا، وسدِّدِ إلى مَراضِيكَ وُلاتَنَا ونُوّاَبَهُم وعُمَّالَهُم وجُنْدَهُم، اللهمَّ: ارفعِ الضُّرَ عن المُتضرِّرينَ مِن المُسلِمينَ في كُلِّ مكانٍ، اللهمَّ: اختمَ حياتَنا الدُّنيا برِضوانِكَ، وجمِّلْ آخِرَتَنا بالفوزِ بنعيمِ جنَّاتِكَ، إنَّكَ سميعُ الدُّعاء، وأقولُ هذا، وأستغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم.