إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة بعنوان: ” هكذا دمرت المظاهرات بلاد المسلمين وأحرقت وأفقرت وشردت أهلها “. ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” هكذا دمرت المظاهرات بلاد المسلمين وأحرقت وأفقرت وشردت أهلها “. ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

  • 10 نوفمبر 2016
  • 18٬320
  • إدارة الموقع

هكذا دمَّرَت المُظاهرات بلاد المسلمين وأحرَقت وأفقَرَت وشرَّدَت أهلها

الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الصَّادِقِ وعْدُهُ بِنصْرِ مَن نصَرَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ فصلِّ وسلِّمْ عليهِ وعلى آلِهِ وصحابتِهِ الأبْرارِ.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناسُ:

فاتقوا اللهَ ــ جلَّ وعلا ــ بلُزومِ شرعِهِ، والعملِ بأحكامِ دِينِهِ، يَحِقُّ لكُم رضوانُهُ، وتَسلَموا مِن شُرورِ الدُّنيا والآخِرةِ، وإيَّاكُم ومعصيتَهُ والعُدولَ عن حُكمِهِ وشريعَتِهِ، فإنَّما هلاكُ الدُّنيا والآخِرةِ عِصيانُهُ في أمْرِهِ ونَهيِهِ، وقد قالَ اللهُ سُبحانَهُ آمِرًا لَكُم: { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }.

أيَّها الناسُ:

إنَّكم اليومَ لَتَسمعونَ وتَرونَ وتَعِيِشونَ واقعًا مُرًّا أليمًا، وحالًا بئِيسًا نَكِدًا، ومَظهرًا مُرعِبًا مُكدِّرًا، ووضْعًا حرِجًا عسيرًا، اجتاحَ ويَجتاحُ عددًا مِن بلادِ المسلمينَ، حيثُ اجتاحَتْها أمواجٌ عاتِيةٌ مِن الفتنِ، فِتنٌ تَحرِقُ الدِّينَ والعقلَ والبَدَنَ والمالَ والبلدَانَ، فِتنٌ أشعلَتِ الحُروبَ، وزادَتِ الكُروبَ، واجتالَتِ الأنفسَ والثمراتِ، ومَلأتِ المَشَافِيَ والبيوتَ ومراكِزَ العِلاجِ بالمُصابِينَ وأهلِ العاهاتِ، فِتَنٌ أذهبَتِ الأموالَ والمُمتلكاتِ، وأحرَقَتِ المُدُنَ والقُرى والأريافَ، ودمَّرَتِ البيوتَ والمراكبَ والمتاجِرَ والمساجدَ، وأتلَفَتِ الزُّروعَ والثمارَ والمحاصيلَ، فِتَنٌ أفزَعَتِ الرِّجالَ والنساءَ والصِّغارَ والكبارَ والحاضِرَ والمُسافِرَ والغنيَّ والفقيرَ والصالحَ والفاسِدَ، فتنٌ قسَمَتِ الدولةَ الواحدةَ إلى دُويلاتٍ، وأجَّجَتْ بينَ سُكانِها العداوات، وأزالَتِ الأمْنَ والاستقرارَ، وأدخلَتِ الرُّعبَ والخوفَ، وأضْعَفَتَ الجُندَ والجُيوشَ حُماةَ الأوطانِ، وكثَّرَتِ الأراملَ والأيتامَ، وأضْعَفَتِ الاقتصادَ، وضَيَّقَتِ الأرزاقَ، وأهدرَتِ الثرَوات، وزادَت الفقرَ وجوعَ الناسِ، ووسَّعَتِ البطالةَ والحاجَةَ، وقلَّلَتِ الوظائفَ والأعمالَ، وأيقظَتْ أهلَ الإفسادِ والإجرامِ والإرهابِ، فزَادتِ السِّرقاتُ والإجرامُ، وانتشَرَ القتلُ والاقتتالُ والعُدوانُ، أتَدْرُونَ لِمَا أصابَنا هذا، وما سببُ ما نحنُ فيهِ، ولِماذا حَلَّ بِنَا مِثلُ ذلكَ؟ إنَّهُ بسببِ كثرَةِ ذُنوبِنا مِن شركياتٍ وبدعٍ ومعاصٍ، حيثُ قالَ اللهُ سُبحانَهُ في تقريرِ ذلكَ: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }، وقال تعالى: { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }، وبسببِ مُخالفةِ شرعِ اللهِ ودِينِهِ البيِّنِ الواضِحِ القويمِ في التعامُلِ مع الحُكَّامِ إذا حصَلَ مِنهُم ظلمٌ وجَورٌ واستئثارٌ بأموالِ ومناصِبِ الدُّنيا، ووقعوا في تقصيرٍ جهةَ البلدِ والسُّكانِ، وظهرَتْ مِنهُم وفي البلدِ أمورٌ تُخالِفُ شريعةَ الإسلامِ.

حيثُ أمرَتْ شريعةُ الإسلامِ المُصلِحةِ لِلعبادِ والبلادِ بالصَّبرِ على جَورِ الحُكَّامِ وظُلمِهم واسْتئثارِهِم، وبالسَّمعِ والطاعةِ لهُم في المعروفِ، وأنْ تكونَ نصيحَتُنا لَهُم سِرًّا لا علانيةَ ولا في غَيبَتِهم، ونَهَتْ عن نَزْعِ اليدِ مِن طاعتِهِم، وحرَّمَتِ الخُروجَ عليهم بقولٍ أو فِعلٍ وبسلاحٍ أو بِدُونِهِ، وزَجَرَتْ عن سَبِّهِم وتحريضِ وتألِيبِ الناسِ عليهم، ومَنعَتْ إهانتَهُم بالقولِ أو الفِعلِ، لأنَّ هذا التَّعامُلَ مع الحُكَّامِ الذي جاءَنا مِن عندِ اللهِ وفي شريعتِهِ يُقلِّلُ الفتنَ والشُّرورَ والفسادَ  والأخطارَ والأضرارَ والكوارثَ على الدِّينِ والعِبادِ والبلادِ والأموالِ والمُمتلكاتِ والاقتصادِ والأمْنِ والجيشِ والجُندِ والأنفُسِ والأعراضِ، وَوَحْدَةِ البلادِ وائتِلافِها، وعِرقِيَّاتِ سُكَّانِها، ويُضعِفُ كيدَ ومَكرَ وإجرامَ وخُططَ الأعداءِ وأعوانِهم وأذنابِهم على الدِّينِ والعِبادِ والبلادِ، وكيفَ لا يكونُ كذلكَ، وهوَ حُكمُ اللهِ وشرعُهُ بينَ الرَّعِيةِ وحاكمِهِم، واللهُ سبحانَهُ خالقُ المَحكومينَ وحُكَّامِهِم، وأعلمُ بما يُصلحُ دِينَهُم ودُنياهُم، ويُخفِّفُ كُلَّ الشُّرورِ عنهُم.

ولكنْ، ولِلأسفِ الشديدِ: فقد أبَتْ وتَنكَّبَت أعدادٌ كثيرةٌ مِن شَبابِ أُمَّتِنَا وشابَّاتِها أنْ تنقادَ لِحُكمِ اللهِ هذا، وأنْ تعملَ بِهِ، إمَّا جهلًا بِهِ أو اتِّباعًا لِهوِى النفوسِ أو اعتِدادًا بآراءِ العُقول أو طَمَعًا في مناصِبِ الدُّنيا وجَاهِها ومالِها أو حُبًّا في الشُّهرةِ والتصدُّرِ أو تضليلًا مِن قِبلِ دُعاةِ ووعَّاظِ ورُموزِ جماعاتٍ دِينيةٍ سياسيةٍ أو أحزابٍ لِبرالِيَّةٍ وعَلمَانِيَّةٍ وتَغريبيَّةٍ تُريدُ الوصولَ لِلحُكمِ والسُّلطَةِ عن طريقِهِم أو تقليدًا لأهلِ الكفرِ في بلادِ الغربِ والشرقِ وبِدَعمٍ مِنهُم أو انخداعًا بالمُحلِّلينَ السياسينَ وأقوالِهم عبْرَ أجهزةِ الإعلامِ وصُحفِها وقنواتِها الفضائيةِ وبرامِجِها التواصُليَّة، ورَفضُوا أنْ يُعالِجوا ما يَحصلُ مِن حُكامِهم إلا بطريقِ المَظاهراتِ والمَسيراتِ والاحتجَاجاتِ والاعتصامَات، ثُمَّ جَرَّهُم هذا التعامُلُ وآلَتْ بِهِم هذهِ الطريقةُ بدعْمٍ مِن أيْدٍ خفيَّةٍ وأعداءٍ كُثُرٍ وأهلِ مصالحٍ ومآرِبٍ إلى المواجهةِ مع حُكامِهم، والثورةِ عليهم، والسِّعي في إزالَتِهم، لقد جاءَتْهُم: فتَاوَىَ أكابرُ أهلِ العلمِ مِن أئمةِ وفقهاءِ أهلِ السُّنةِ الرَّاسخينَ الأثباتِ السَّلَفيينَ المُعاصِرِينَ بأنَّ المُظاهراتِ وتوابِعَها لا تجوزُ شرعًا، وأنَّها سَتجُرُّ على الدِّينِ والعِبادِ والبلادِ والأنفسِ والاقتصادِ شُرورًا أكبر، ومفاسدَ أعظَم، وفقرًا أشَدَ، ومصائبَ أكثر، وسَتجلِبُ الحُروب، وتُزيلُ أو تُضعِفُ الأمْنَ شديدًا، وبيَّنوا لهُم ذلكَ بأدلَّةِ القرآنِ والسُّنَّةِ النَّبويَّةِ وأقوالِ الصحابَةِ وكُتبِ اعتقادِ السَّلفِ الصالحِ، وأكدُّوهُ لهُم بِذِكرِ صُوَرِ التاريخِ البعيدةِ والقريبةِ والعديدةِ بآثارِ الثوراتِ والخروجِ على الحُكام المُرَّةِ الأليمَةِ البَئِيسَةِ الفَظِيعَةِ لَعلَّهُم يَتَّعِظُونَ ويَعتبِرونَ، فيَرجِعوا عن ذلكَ، ولا يَقرُبوا مِن أهلِهِ ودُعاتِهِ وأحزابِهِ، ولكنْ لا فائدةَ في كثيرٍ مِنَ القومِ، ولا جَدوَى مِنهُم، إنْ نصَحتَ فكأنَّما تُشاهدُ عُقولًا قد سُلِبَتْ، وفِطرًا قد مُسِخَتْ، ونفوسًا قد تَحجَّرَتْ، وأفهامًا قد لُوِّثَتْ، حيثُ سَلَبَتْها ومسَخَتْها وحَجَّرَتْها ولوَّثَتْها وجَرَفَتْها وأعمَتْها ذُنوبٌ كثيرَةٌ، وقنواتٌ إعلاميَّةٌ عديدَةٌ، وأحزابٌ وجماعاتٌ مُختلِفَة، ورُموزٌ ودُعاةٌ ومُفكِّرونَ مُضِلُّونَ، ومُحلِّلُونَ وعسْكريونَ واقتصادِيونَ وإعلامِيونَ ماكِرونَ اللهُ أعلَمُ بمَنْ وراءَهمُ وبأهدافِهِم، حتَّى خرجوا عن نُصوصِ وحُكمِ شَرعِ ربِّ العالمينَ، ولم يَقبَلوا نُصحَ أئمةِ أهلِ العلمِ والدِّين الأثباتِ الرَّاسِخين السُنِّيينَ السَّلَفيينَ، واستساغُوا واتَّبعوا مُخططاتِ ومَكرِ وكيدِ أعداءِ الأُمَّةِ والدِّين، وطُلابِ الحُكمِ والرِّئاسَةِ.

 وقدِ استَقْرَا وسَبَرَ لَنَا الإمامُ ابنُ تَيمِيَّةَ ــ رحمهُ اللهُ ــ تاريخَ الثوراتِ على الحُكامِ وشُرورَها، فقالَ: «وقلَّ مَن خرجَ على إمامٍ ذِي سُلطانٍ إلا كانَ ما تَوَلَّدَ على فِعلِه مِن الشَّرِ أعظمَ مِمَّا تَولَّدَ مِن الخيرِ، ولَعلَّهُ لا يَكادُ يُعرَفُ طائفةً خرَجَت على ذي سلطانٍ إلا وكانَ في خُروجِها مِن الفسادِ ما هو أعظمُ مِن الفسادِ الذي أزَالَتْهُ».

فيَا مَن دَعوتُم إلى المُظاهراتِ حتى قامتْ بسبِبها الثوراتُ والقتلُ والاقتتالُ: لا تَنسَوا أنَّكُم مُساءَلُونَ يومَ القيامةِ عمَّا أُرِيقَ بسبَبِكُم مِن دِماءٍ، وسُلِبَ ونُهِبَ وأُتلِفَ ودُمِّرَ وأُحرِقَ مِن أموالٍ ومُمتلكاتٍ عامَّةٍ وخاصَّةِ، وحصلَ مِن فسادٍ عريضٍ وفِتنٍ وشُرورٍ وآلَامٍ وكُروبٍ على الدِّينِ والعِبادِ والبلادِ والأمِنِ، لأنَّ دعوتَكُم وتحريضَكُم هيَ سببُ حُصُولِهَا أو كثرَتِها، ولو لَمْ تُشعِلوا قلوبَ الناسِ إلى المُظاهراتِ لَكانوا معَ البلادِ في سلامَةٍ مِنْ فِتَنِهَا وشُرورِها، { وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }.

ويا مَن تحمَّستُمْ معَ الدَّعواتِ والدُّعاةِ إلى المُظاهراتِ فتظاهرْتُم حتى اشتعلَتِ المُواجهاتُ والقتلُ والاقتتالُ في البلادِ: كيفَ يَطيبُ لَكُم عيشٌ ما بَقِيَتِ الدُّنيا ومُظاهراتُكُم هذه قد آلَتِ إلى سَفكِ دِماءِ مِئاتٍ وآلَافٍ، وتَرمِيلِ نساءٍ وتَيتِيمِ أطفالٍ وإحزَانِ أُسَرٍ بالآلافِ، وتَدميرِ أرزاقِ الناسِ واقتصادِ البلادِ لِعشَراتِ السِّنينَ، وتقطيعِ وَحْدَةِ وجُندِ البلادِ إلى عِرقيَّاتٍ وطوائفٍ وأحزابٍ ومليشيَّاتٍ ودُويلاتٍ، وإذهابِ أمْنِ البلادِ إلى الجُوعِ والخوفِ، وتشريدِ سُكَّانِ البلادِ إلى بُلدانٍ أُخْرَى ومُخيَّماتٍ في العراءِ والبَردِ والحرِّ الشديدينِ، ولو لمْ تُقِيموا هذهِ المُظاهراتِ لكُنتُم معَ بقيَّةِ العِبادِ في سلامَةِ وعافيَةِ مِن فِتَنِها وشُرورِها، { وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى }.

 هذا، وأسألُ اللهَ: أنْ يجعلَنا مِن المُتَّعِظِينَ المُعتبِرينَ، إنَّ ربِّي لَسميعُ الدُّعاء.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ المَحمودِ علَى كلِّ حالٍ، وصلاتُهُ وسَلامُهُ على أنبيائِهِ الكِرامِ.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناسُ:

فإنَّ أكثرَ الأمورِ استخدامًا لِتأجِيجِ الناسٍ على حُكامِهِم بالمُظاهراتِ ثلاثةُ، الأوَّلُ: الاقتصادُ، إذْ قد يَرى الناسُ الاستئثارَ بالمالِ، وزيادةَ الفقرِ، وكثرةَ العاطلِينَ عن العملِ، والثاني: الضَّعفُ والتقصيرُ في خدَماتِ الدَّولةِ العامَّةِ والخاصَّةْ، والثالثُ: وقوعُ جهاتٍ حُكوميِّة في شيءٍ مِنَ المظالمِ والتقصيرِ والتَّجاوُزِ والإهمالِ.

وهذا الاستئثارُ والتقصيرُ والظلمُ الذي تتفاوتُ فيهِ البُلدانُ والحُكَّامُ موجودٌ ومُشَاهَدُ، وأخبَرَ عنهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبلَ أكثرِ مِن ألفِ سَنَةٍ، ومَن يَضربُ على هذا الوتَرِ لم يأتِ بشيءٍ لا نَعرِفُهُ، والذي يَهمُّنا في هذا البابِ أنَّ شريعةَ الإسلامِ حِينَ أخبَرَتْنا بحُصولِ ذلِكَ لم تَترُكْنا نتعامَلُ مَعَهُ وِفْقَ عُقولِنا وأهوائِنَا أو كُبرائِنا أو ما يُملَيهِ علينا غيرُنا، فصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِى أَثَرَةٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ ))، وصحَّ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالُ: (( يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ، ــ فَقَالَ صَحَابِيٌّ ــ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ))، وصحَّ أنَّ عمرَ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ قالَ: (( أَطِعِ الإِمَامَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، إِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ أَمَرَكَ بِأَمْرٍ فَاصْبِرْ، وَإِنْ حَرَمَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ ظَلَمَكَ فَاصْبِرْ ))، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ))، وثبتَ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالُ: (( لَا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكُمْ وَلَا تَغِشُّوهُمْ وَلَا تَبْغَضُوهُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا فَإِنَّ الْأَمْرَ قَرِيبٌ )).

فالعلاجُ والحَلُّ في شريعةِ اللهِ القويمةِ هوَ: أداءُ الناسِ الحُقوقَ التي أوجبَها اللهُ عليهِم جِهَةَ الحاكِمِ، وإنْ أخَلَّ بشيءٍ مِنْ حُقوقِهِم سألُوهَا اللهَ، معَ السَّمعِ والطاعةِ له في غيرِ معصيةِ، وترْكِ الخُروجِ عليهِ، والبُعْدِ عنْ سَبِّهِ وغِيبَتِهِ والتحريضِ عليهِ، والصَّبرِ على ظُلمِهِ وجُورِهِ واستئثارِهِ وحِرمَانِهِ لَنا، ومَن عمِلَ بهذا التشريعِ الإلاهيِّ ولَزِمَ علاجَ هذهِ الشريعةِ، فالفرَجُ قريبٌ، والإصلاحُ سريعٌ، والتَّحسُّنُ أكيدٌ، ومَنِ تَنكَّبَ عنهُ واستبدَلَهُ بغيرِهِ زادَ في الفِتنِ وأكثرَ الشَّرَ وأضرَّ بالعبادِ والبلادِ والدِّينِ والدُّنيا وأطالَ أمَدَ حُصولِ التفريج، لأنَّ مَن رَكَنَ إلى علاجِ الشريعةِ وعمِلَ بهِ ليسَ كمَن رَكَنَ إلى حُلولِ نفسِهِ، فكيف بمَن رَكَنَ إلى العلاجِ بما حرَّمَهُ عليهِ ربُّهُ، وما جاءَ بِهِ الكفارُ وأهلُ المَطامِعِ، هذا ضَرَرُهُ أكبرُ، والشَّر بسبَبِهِ أكثرُ، وقد قالَ الله تعالى: { وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا }، وقالَ: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.

اللهمَّ: احقِنْ دِماءَ المسلمينَ في كلِّ مكان، وجنِّبَهُم القتلَ والاقتتالَ، وأزِلْ عنهُم الخوفَ والجوعَ والدَّمارَ والتشريدَ في الأرض، اللهمَّ: أعذْنا وإيَّاهُم مِن الشُّرورِ والفتنِ وتآمُرِ ومَكرِ الأعداءِ، اللهمَّ: وفِّقْ حُكامَ المسلمين لِما تُحِبُّ وترضَا، يُرضِيك، وأبطِلْ بِهمُ الشِّركَ والبدعَ والآثامَ والظلمَ والعُدوانَ والفسادَ والفجورَ والإرهابَ والتغريبَ والإلحادَ والحاجَةَ والفقرَ، اللهمَّ احفظْ رجالَ أمْنِ البلادِ في سائرِ القطاعاتِ والجهاتِ بالإسلامِ قائمينَ وقاعدينَ وراقدينَ، إنَّكَ سميعٌ مُجِيبُ، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُم.