إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > البدع > رسالة مختصرة بعنوان: ” المختصر في الأسباب التي يرجع إليها تحريم المظاهرات “. ملف [ pdf وَ word ] مع نسخة الموقع.

رسالة مختصرة بعنوان: ” المختصر في الأسباب التي يرجع إليها تحريم المظاهرات “. ملف [ pdf وَ word ] مع نسخة الموقع.

  • 19 أغسطس 2014
  • 8٬376
  • إدارة الموقع

المُختصَر في الأسباب التي يَرجع إليها تحريم المُظاهرات

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد، أيُّها المسلم الكريم ــ وقاك الله شرَّ الفتن في الدِّين والدُّنيا، وسدَّدك إلى الحق ــ:

فهذه أوجْه ثلاثة تُبيِّن لك بجلاء تحريم المُظاهرات في جميع بلاد المسلمين، وأنَّه لا يَحِل لِمؤمن بالله واليوم الآخِر أنْ يمشي فيها بنفسه، أو يكون مِن الدَّاعين إليها  بكلمة، أو مقال، أو خُطبة، أو صوتيَّة، أو يكون مِن الدَّاعمين لَها بمال، أو إعلام مَقروء، أو مسموع، أو مُشاهَد بالعين.

الوجْهُ الأوَّلُ:

أنَّ المُظاهرات مُخالِفة لِمَا أمَرَت بِه ونَهت عنه الشريعة الإسلامية أفرادها في مُعاملة حُكامهم المسلمين عند حصول المُنكرات والظُّلم والجَور والاستئثار بالأموال والمَناصب.

حيث جاء في هذه الشريعة الإسلامية الطيِّبة المُبارَكةِ الكاملة أمور عِدَّة تتعلق بتعامُل المَحكوم مع حاكمه.

الأوَّل: أمْر المَحكوم بالصَّبر على جَور حاكمه وظُلمِه واستئثارِه.

الثاني: أمْر المَحكوم بالسَّمع والطاعة لِحاكمه في غير معصية الله سبحانه.

الثالث: الأمْر بأنْ تكون نصيحة المَحكوم لِلحاكم في السِّر وليس العلَن، والنَّهي عنها في غَيبَتِه.

الرابع: نَهْي المَحكوم عن نَزْع اليَد مِن طاعة حاكمه وبيعتِه.

الخامس: نَهْي المَحكوم عن الخروج على حاكمه بقولٍ أو فِعل، وبسلاحٍ وغيرِ سلاح.

السادس: النَّهي عن سَبِّ الحاكم، وإهانتِه بقولٍ أو فِعل.

ومِن الأحاديث النَّبوية وآثار الصحابة الواردة في هذا الباب، وتقرير ما تقدَّم مِن أمور جِهة الحاكم، هذه:

الأوَّل: ما أخرجه البخاري (3792)، مسلم (1845)، عن أُسَيد بن حُضَير  ــ رضي الله عنه ــ: أنَّ رجلًا مِن الأنصار خَلا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تَستعمِلني كما استعمَلت فلانًا فقال صلى الله عليه وسلم:

(( إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ )).

الثاني: ما أخرجه مسلم ( 1843) في “صحيحه”، عن عبد الله بن مسعود ــ رضي الله عنه ــ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((«إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِى أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: «تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ» )).

الثالث: ما أخرجه مسلم (1846) في “صحيحه”، أنَّ سَلَمة بن يزيد الجُعْفي ــ رضي الله عنه ــ قال:

(( يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ» )).

الرابع: ما أخرجه مسلم (1847) في “صحيحه”، عن حُذيفة بن اليَمان ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال:

(( قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قَالَ: قُلْتُ؟ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» )).

الخامس: ما أخرجه مسلم (1855) في “صحيحه”، عن عَوف بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

((«خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ»، قَالُوا: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، أَلاَ مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلاَ يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ» )).

السادس: ما أخرجه مسلم (1849) في “صحيحه”، عن ابن عباس ــ رضي الله عنه ــ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )).

السابع: ما أخرجه ابن أبي عاصم في السُّنة، (1015)، واللفظ له، والبيهقي في “شُعب الإيمان” (7523)، وغيرهم، عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال:

(( نَهَانَا كُبَرَاؤُنَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكُمْ, وَلَا تَغُشُّوهُمْ، ولا تُبْغِضُوهُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ وَاصْبِرُوا، فَإِنَّ الْأَمْرَ قَرِيبٌ» )).

وقال الإمام الألباني ــ رحمه الله ــ عقبه: «إسناده جيد».اهـ

الثامن: ما أخرجه ابن أبي شيبة في “مُصنَّفه” (33711)، والخَلَّال في “السُّنة” (54)، وابن زَنجويه في “الأموال” (30)، وغيرهم، عن سُويد بن غَفَلَة  ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: قال لِي عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ:

(( يَا أَبَا أُمَيَّةَ: لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِى، فَأَطِعِ الإِمَامَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، إِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ أَمَرَكَ بِأَمْرٍ فَاصْبِرْ، وَإِنْ حَرَمَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ ظَلَمَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ أَمَرَكَ بِأَمْرٍ يَنْقُصُ دِينَكَ فَقُلْ سَمْعٌ وَطَاعَةٌ دَمِى دُونَ دِينِي )).

وإسناده صحيح.

التاسع: ما أخرجه أحمد (15333)، وابن أبي عاصم في “السُّنة” (1096-1098)، واللفظ له، وغيرهما، عن عِياض بن غَنْم ــ رضي الله عنه ــ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلَا يُبْدِهِ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُوا بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ )).

وصحَّحه: الحاكم، والألباني، وابن باز، ومُقبل الوادعي في آخِر قوليه، وغيرهم.

وقال الحافظ ابن عساكر ــ رحمه الله ــ: «وهو محفوظ مِن حديث جُبير».اهـ

وقال المُحدِّث أبو بكر الهيثمي ــ رحمه الله ــ: «ورجاله ثقات، وإسناده مُتصل».اهـ

وقال مرَّة: «إسناده حسن».اهـ

وقال العلامة زيد بن محمد هادي المدخلي ــ رحمه الله ــ: «حديث ثابت».اهـ

وقال العلامة عبد المُحسن العبَّاد ــ سلَّمه الله ــ: «ثبَت».اهـ

العاشر: ما أخرجه الترمذي في “سُننه” (2224)، والطيالسي في “مسنده” (92)، وابن أبي عاصم في “السُّنة” (1015)، وغيرهم، عن زياد بن كُسَيب العَدَوي أنَّه قال:

كنت مع أبي بَكْرَة تحتَ منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رِقَاقٌ، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفُسَّاق، فقال أبو بَكْرة: اسْكُتْ سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول:

(( مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ )).

وحسَّنه: الإمام الألباني ــ رحمه الله ــ.

الحادي عشر: ما أخرجه سعيد بن منصور في “سُننه” (746)، واللفظ له، وابن أبي شَيبة في “مصنَّفه” (37307)، وغيرهما، عن سعيد بن جُبيرٍ ــ رحمه الله ــ أنَّه قال:

(( قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ ــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ــ: آمُرُ إِمَامِي بِالْمَعْرُوفِ؟ قَالَ: إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَقْتُلَكَ فَلَا، فَإِنْ كُنْتَ وَلَا بُدَّ فَاعِلًا، فَفِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، وَلَا تَغْتَبْ إِمَامَك )).

وإسناده صحيح.

الثاني عشر: ما أخرجه أحمد (19451)، وغيره، عن سعيد بن جُمْهَان ــ رحمه الله ــ أنَّه قال:

(( لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى ــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ــ وَهُوَ مَحْجُوبُ الْبَصَرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: إِنَّ السُّلْطَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ، وَيَفْعَلُ بِهِمْ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ يَدِي فَغَمَزَهَا بِيَدِهِ غَمْزَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ جُمْهَانَ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ فَأْتِهِ فِي بَيْتِهِ فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْكَ وَإِلَّا فَدَعْهُ، فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ مِنْهُ )).

وحسَّنه: الألباني، ومُقبل الوادعي.

وقال العلامة حُمُود التويجري ــ رحمه الله ــ: «إسناده جيد».اهـ

وقال المُحدِّث أبو بكر الهيثمي ــ رحمه الله ــ: «رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات».اهـ

وذَكره الحافظ ضياء الدِّين المقدسي ــ رحمه الله ــ في كتابه: “الأحاديث المُختارة أو المُستخرَج مِن الأحاديث المُختارة ممَّا لم يُخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما” (180-181).

الوجْهُ الثاني:

أنَّ فِعلَ المُظاهرات مِن التَّشَبُّه بأعداء الله ورُسلِه مِن أهل الكُفر مِن اليهود، والنصارى، والشيوعين، وأشباهِهم.

حيث جاءتنا هذه المُظاهرات مِن بلدانهم ونُظمهم ودساتيرهم وأحزابهم ومراكزهم، وليست مِن عمل المسلمين، ولا عُرِفت في تاريخ الإسلام.

فهي مِن عاداتهم وأساليبهم التي تتناسب مع زَعمِهم الديمقراطِي: “أنَّ الحُكم لِلشَّعب، وأنَّ الشَّعب هو مصْدر السُّلطة والتشريع”، وليس الله سبحانه وشريعته التي أنزَلها على عباده.

وقد زَجَرَت الشريعة الإسلامية عن التَّشبُّهِ بِهم، بل جاء وعيدٌ شديد لِمَن تَشبَّه بِهم.

حيث ثبتَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم )).

أخرجه: أحمد  (5114-5115 و 5667)، وأبو داود في (4031)، وغيرهما، مِن حديث ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ.

ونصَّ على ثبوت هذا الحديث: ابن تيمية، وأبو عبد الله ابن مُفلح، والذهبي، وزَين الدِّين العراقي، وابن حَجَر العسقلاني، والمُناوي،  وأحمد شاكر، والألباني، وابن باز، وغيرهم.

وقال الإمام ابن كثير الشافعي ــ رحمه الله ــ في “تفسيره” (1/ 374)، عن فقه هذا الحديث:

«ففيه دَلالةٌ على: النَّهى الشَّديد والتَّهديد والوعِيد على التَّشبُّه بالكفَّار في أقوالهم، وأفعالهم، ولباسهم، وأعيادهم، وعباداتهم، وغير ذلك مِن أمورهم».اهـ

ومَن نظر وتأمَّل بِعين الوعْي، وعقلٍ بصير، ونفسٍ سالِمة مِن الشُّبَه والتلبيس والأحزاب والانتماءات الفِكرية، فسَيَجِد:

أنَّ ألسِنَة وكتابات ومواقع كثيرٍ مِن السَّاسة والسياسيين ومُنظماتِهم في دُول أهل الكفر تُظهِر دَعمَها وتأييدَها ونُصرتَها لِهذه المظاهرات والثورات والاحتجاجات والاعتصامات في بلاد المسلمين، إنْ لم تكن هي سببُها، وهي مَن حَرَّضهم عليها، وعَقَدَ لَهم الدَّورات لِتدريبهم عليها، وعلى طُرق زياداتِها في بلدانهم، ودَفَعَ لَهم الأموال لِيَقومُوا بها، ويَجُرُّوا شُعوبَهم إليها، ووَعَدَهُم بالوقوفِ معهم في أثنائها، وبَعد انتهائها.

وكل هذا تحت شعارات برَّاقة، وأمانِيَّ خدَّاعة، وأوهامٍ مُستقبلية مُزخرَفةٍ.

وصدق الله ــ عزَّ وجلَّ ــ وكذَبوا، إذ يقول سبحانه مُنبِّهًا لَنا، وهو خالقنا وخالقهم، وأعرَفُ بقلوبِهم: { مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ }.

وسَيَجِد أيضًا:

أنَّ أكثر مَن يَفرح بها، ويُشجِّعها، ويَدعو إليها مِن أهل بلدِه، ومُحيطه، ومَن حولَه، هُم مَن يُريد أنْ يُنافِس على السُّلطة، وأنْ يَصِل إلى سُدَّة الحُكم، وتكون له قيادة البلد وزَعامَتُها، مِن الأحزاب والجماعات والتنظيمات والفِرَق، سواء تَسمَّت بأسماء ظاهرها أنَّها دِينيَّة، أو بأسماء ليست كذلك، مِن عَلمانية، ولِبرالية، وشيوعيَّة، وقوميَّة، وغيرها.

الوجْهُ الثالثُ:

أنَّ المُظاهرات تُعِين على الوقوع في الإثم والعُدوان الذي نَهَى الله عنه وحرَّمَه على عبادِه المؤمنين، وحرَّمه رسوله صلى الله عليه وسلم، واتفق العلماء على تحريمه.

إذ يحصل بسبب المُظاهرات مُحرَّمات غليظة وكثيرة، وجرائم كبيرة وعديدة، ومُنكَرات شَنيعة قبيحة:

مِن إراقةٍ لِدماء عدد مِن المُتظاهرين، ودِماءِ رجال الأمْن والمَارَّة، وإصابة الكثير مِن الشَّعب في أبدانِهم وأجسادِهم بجُروح وحُروق وكُسور، ونَهبٍ وسرقةٍ لأسواقِ الناس ومَتاجرهم وبيتِ مالِ المسلمين، وإحراقٍ وإفسادٍ وتدميرٍ لِلمراكز والمَباني والمُنشئات والمَراكب التابعة لِلناس والدَّولة وبيتِ مالِ المسلمين، وإعاقةٍ لِلناس عن الخروج لِطلب الرِّزق لأهاليهم وعلاجِهم ومصالحهم وإتمامِ أسفارهم، وفلَتَانِ المُجرمين والمُفسدِين والإرهابيين مِن العقوبات الصادرة عليهم، وهُروبهم مِن السُّجون، وخُروجٍ لِلنساء فيها مِن بيوتِهن واختلاطهِن بالرِّجال سافرات مُتبرجات، وإخافةٍ لِكثير مِن كِبار السِّن والنساء والصِّغار والمارَّة والغُرباء والمُسافرين، وتضييعٍ لِلصلوات عن أوقاتها، وإدخالٍ لِلمُخدِّرات، ونشرٍ لَها في البلاد بسبب ضَعف الأمْن ورجالِه في الحُدود وداخل البلاد، وإشغالٍ لِلدَّولة وجُندِها عمَّا هو أهم وأخطر على البلد والدِّين، وولُوجٍ لِلكثيرِ مِن أصحاب المذاهب والأفكار الهدَّامة مِن عَلمانيةٍ ولِبرالية واشتراكية وشيوعية وقومية وشِيعيَّةٍ رافضية لِلمُطالبة بما يُوافقُ مذاهبَهم، ويُناقضُ الإسلامَ وأصولَه، وغير ذلك مِن المحرَّمات.

فكيف إذا زاد الأمْر شدَّة، وحَصَلت مُواجهاتٌ بين الجُندِ والشباب ورجالِ الجماعات والأحزاب بالأسلحة المُتنوِّعة، وتدخَّلَت دُوَلٌ أُخْرى مع كل طَرَف.

وحِينها فَلتُسأل المُدُن والقُرى والأرياف والبوادِي والطُّرق والمُستشفيات والأرامل والأيتام والمرضَى وكبار السِّن والعجائز والأطفال والنساء والمساكن والمدارس وقطاعات الدولة وحُدود البلاد عن الآثار الفظيعة والخطيرة مِن جرَّاء ذلك.

وقد نَهَى الله ــ جلَّ وعلا ــ وزجَر جميع عبادِه رجالًا ونساء عن فِعل أيِّ سَبب يُعِين على حُصول شيء مِن مُحرَّم، فقال سبحانه في أوَّل سورة “المائدة”:

{ وَلا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }.

فكيف بهذه المُظاهرات التي يَنجُم عنها وتتسبَّب في حصول مُحرَّماتٍ كثيرةٍ وكبيرة؟ ومُنكراتٍ شنيعةٍ ومُتنوِّعة؟ وخطايا بَشِعَةٍ وجسِيمة؟ وآثامٍ مُختلِفة ومُتزايدة، وأضرارٍ دِينيَّةٍ ومالية وبدَنية ونفسية شديدة الخُطورة؟

لا شَك أنَّ النَّهي عنها، وتحريمها، سيكون في شريعة الإسلام آكَد، وأكبر، وأشدّ، وأغلَظ.

وصحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا )).

أخرجه مسلم في “صحيحه” (2674)، مِن حديث أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ.

والمُظاهرات: إثمٌ، والدعوة إليها وفعلها إثمٌ، وتجُرُّ إلى آثام كثيرة ومُختلفة.

وقد قال الله تعالى في سورة “النَّحل” مُؤكِّدًا ما دَلَّ عليه هذا الحديث:

{ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ }.

بل وصحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا ــ أَوْ مِنْ دَمِهَا ــ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ أَوَّلًا )).

وقد أخرجه: البخاري (7321)، ومسلم (2674)، مِن حديث ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ.

وبوَّب عليه الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ هذا التبويب، فقال:

«بَابُ إِثْمِ مَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ أَوْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً».اهـ

فإنْ قيل: إنَّ الحاكم أو دُستور البلاد ونظامَها يأذن بالمُظاهرات.

فيُقال لِصاحب هذا القول:

إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد صحَّ عنه أنَّه نَهَى وحرَّمَ وزجَر عن طاعة أيِّ إنسان في معصية الله ــ سواء كان هذا الإنسان حاكمًا أو عالمًا أو داعية أو والِدًا أو شيخ قبيلة أو زَعيم عشيرة أو مُرشِد حِزب أو طريقة أو غيرهم.

فقال صلى الله عليه وسلم: (( لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ )).

أخرجه البخاري (7257)، ومسلم (1840)، مِن حديث علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ.

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ )).

أخرجه البخاري (7144)، ومسلم (1139)، مِن حديث ابن عمر  ــ رضي الله عنهما ــ.

ولَمَّا سَأل أحدهم الإمام الكبير والمُصلح الناصح والعالم الرَّاسخ محمد بن صالح العُثيمين ــ رحمه الله ــ  فقال في سؤاله:

[ إذا كان حاكمٌ يَحكم بغير ما أنزَل الله، ثم سَمح لِبعض الناس أنْ يَعملوا مُظاهرة، تُسمَّى عِصامية مع ضوابط يَضعها الحاكم نفسَه، ويَمضِي هؤلاء الناس على هذا الفِعل، وإذا أُنكِر عليهم هذا الفعل، قالوا: نحن ما عارضِنا الحاكم، ونَفعل برأي الحاكم.

هل: يجوز هذا شرعًا، مع وجود مُخالفة النَّص؟ ].

قال ــ رحمه الله ــ مُجيبًا على هذا السؤال:

«عليك باتِّباع السَّلف، إنْ كان هذا موجودًا عند السَّلف فهو خير، وإنْ لم يَكن موجودًا فهو شَر.

ولا شَكَّ: أنَّ المُظاهرات شَر، لأنَّها تؤدِّي إلى الفوضَى مِن المُتظاهرين، ومِن الآخَرين، وربَّما يَحصل فيها اعتداء، إمَّا على الأعراض، وإمَّا على الأموال، وإمَّا على الأبدان، لأنَّ الناس في خِضَمِّ هذه الفوضوية، قد يكون الإنسان كالسَّكران لا يَدري ما يقول، ولا ما يَفعل.

فالمُظاهرات كلها شَرٌّ، سواء أذِنَ فيها الحاكم أو لم يَأذن.

وإذْنُ بعض الحُكام بِها: ما هيَ إلا دعاية، وإلا لو رجعْت إلى ما في قلبِه، لَكان يَكرهها أشد كراهة، لكن يَتظاهر بأنَّه كما يقول: “دِيمقراطي”، وأنَّه قد فتح باب الحُرِّية لِلناس.

وهذا: ليس مِن طريقة السَّلف».اهـ

وقد ذهب إلى تحريم المُظاهرات أكابر أهل العلم مِن أهل السُّنة والحديث السلفيين المُعاصرين، الذين عُرِفوا بالرُّسوخ في العلم، والتضَلُّع فيه، وعُرِفوا بالعمل بالنصوص الشرعية، ومُتابعة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وباقي سَلف الأمَّة الصالح، وعُرِفوا بالصلاح والزُّهد والورَع، وعُرِفوا بالشفقة على الأُمَّة، والنُّصْح لَها، وإبعادِها عن كل ما يُضرّها، ولا يُعرَف عن أحد مِنهم خلاف التحريم.

وعلى رأس هؤلاء:

الأوَّل: الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ــ رحمه الله  ــ.

الثاني: الشيخ العلامة محمد ناصر الدِّين الألباني ــ رحمه الله  ــ.

الثالث: الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين ــ رحمه الله ــ.

الرابع: الشيخ العلامة مُقبل بن هادي الوادعي ــ رحمه الله ــ.

الخامس: الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النَّجمي ــ رحمه الله ــ.

السادس: الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان ــ سلَّمه الله ــ.

السابع: الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي ــ رحمه الله ــ.

الثامن: الشيخ العلامة زيد بن محمد بن هادي المدخلي ــ رحمه الله ــ.

التاسع: الشيخ العلامة صالح بن محمد اللحيدان ــ رحمه الله ــ.

العاشر: الشيخ العلامة عبد المُحسن بن حمد العبَّاد ــ سلَّمه الله ــ.

الحادي عشر: الشيخ العلامة عُبيد بن عبد الله الجابري ــ رحمه الله ــ.

الثاني عشر: الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الغُديَّان ــ رحمه الله ــ.

الثالث عشر: الشيخ العلامة صالح بن عبد الرحمن الأطرم ــ رحمه الله ــ.

الرابع عشر: مفتي عام المملكة العربية السعودية العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ــ رحمه الله ــ.

الخامس عشر: الشيخ العلامة صالح بن سعد السُّحيمي ــ سلَّمه الله ــ.

 

هذا وأسأل الله ــ جلَّ وعلا ــ:

أنْ يُعيذ جميع المسلمين وبلادهم مِن الفتن ما ظهر مِنها وما بطن، وأنْ يَرفع عنهم القتلَ والاقتتال، والخوفَ والجوع، والجلاءَ مِن بلدانهم والتَّشَرَّد في الأرض، وأنْ يُصلح وُلاة أمور المسلمين، ويَرزقهم العمل بالشريعة، وإقامة العدل، وأنْ يُوفقهم لِلقضاء على الشِّرك والبدع والمعاصي، وأنْ يُحسِن لَهم البطانة ويجعلها بطانة خير، وتَصُب في الخير، إنَّه سميعٌ مُجيب.

تنبيه:

أصل هذه الكتابة كانت مُحاضرة صوتية لِي بعنوان:

«أيُّها المُتظاهرون كفَى».

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجُنيد.

وكانت آخِر مُراجعة لِها:

فجر يوم الأحد (13/ 4/ 1447هـ).