إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > البدع > خطبة مكتوبة بعنوان: ” الاحتفال بيوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم بين أهل السنة والمخالفين لهم “. ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” الاحتفال بيوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم بين أهل السنة والمخالفين لهم “. ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

  • 22 أكتوبر 2020
  • 5٬218
  • إدارة الموقع

الاحتفال بيوم وِلَادَة النَّبي صلى الله عليه وسلم بين أهل السُّنَّة والمُخالِفِين لَهم

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الذيِ هدانا لِاتبّاعِ سيِّد المُرسَلِينَ، ويسَّرَ لنَا اقتفاءَ آثارِ السَّلفِ الصالحِ الأوَّلِينَ، وطهَّرَ بواطِنَنا وظواهِرَنا مِن الابتداعِ في الدِّينِ، والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً لِلعالَمينَ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأزواجِهِ الطاهراتِ أُمَّهاتٍ المُؤمنينً، صلاةً دائمةً في كُلِّ حِينٍ.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمونَ:

فهذهِ أربعُ إشاراتٍ تَتعلَّقُ بالاحتفالِ بميلادِ أو مَوْلِدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَنتفِعُ بِها أهلُ السُّنةِ والمُختلِفِينَ معَهُم والمُخالِفِين لَهُم في هذا الاحتفالِ:

الإشارةُ الأولى:

أوَّلُ مَنْ أحدَثَ الاحتفالَ بيومِ مَوْلِدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، هُمُ: الدولَةُ الشِّيعِيَّةُ الرَّافضيَّةُ العُبيدِيُّةُ الخوارِجُ، كمَا ذكرَ عددٌ كثير جدًا مِن العلماءِ والمُؤرِّخِينَ مِن مُختلِفِ البُلدانِ والمذاهبِ والأزمِنة.

وأخَذَهُ هؤلاءِ الضُّلالُ: مِنَ احتفالِ النَّصَارَى الكُّفارِ بعيدِ ميلادِ المسيحِ عيسى ابنِ مريمَ ــ عليهِ السلامُ ــ، فبِئسَ التَّشبُّهُ أنْ يَتشبَّهَ المسلمُ بهؤلاءِ جميعًا، لِقولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الثابتِ: (( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )).

ولمَّا كان هذا هوَ أساسُ المَولدِ، ولِكونِ التَّشَبُّهِ بأمثالِ هؤلاءِ مِنَ المُحرَّمَاتِ: لمِ يَحتفلْ أهلُ السُّنَّةِ بِهِ، وخالَفُوا الصُّوفيةَ ولم يُتابِعوهُم على الاحتفالِ، بل ورَدُّوا عليهِم، وبَيَّنُوا لِلناسِ خطأًهُم، وحُرمَةَ الاحتفالِ.

الإشارةُ الثانيةُ:

الاحتفالُ بيومِ مَوْلِدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: لم يَفعلْهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابُهُ ــ رضِيَ اللهُ عنهُم ــ، ولا تلامِذتُهُم مِن التابعينَ، ولا باقِي سَلفِ الأُمَّةِ الصالحِ، ولا أئمَّةُ المذاهبِ الأربعةِ، وتلامذتِهم، باتفاقِ العلماءِ، لا خِلافَ بينَهُم في ذلكَ، وقد قالَ فقيهُ اليمنِ الشَّوكانيُّ ــ رحمهُ اللهُ ــ عنِ الاحتفالِ بالمَولِدِ: «أجمعَ المسلمونَ أنَّه لم يُوجَد في عصْرِ خيرِ القُرون، ولا الذينَ يَلونَهُم، ولا الذينَ يلونَهُم»، وقالَ الفقيهُ المالِكيُّ الفاكِهانِيُّ ــ رحمهُ اللهُ ــ عنِ الاحتفالِ بالمَولِدِ: «ولا فَعَلَهُ الصحابةُ، ولا التابعونَ، ولا العلماءُ المُتديِّنونَ فيما علِمْتُ، ولا يُنقَلُ عملُهُ عن أحدٍ مِن علماءِ الأمَّةِ الذينَ هُمُ القُدوةُ في الدِّينِ، المُتمسِّكونَ بآثارِ المُتقدِّمينَ».

ولِهذا السَّببِ الجليلِ: تابَعَ أهلُ السُّنةِ هؤلاءِ في تَرْكِ الاحتفالِ بالمَولِدِ، وخالَفوا الصُّوفيةَ وغيرَهُم، وخطَّؤوهُم، ورَدُّوا عليهِم احتفالَهُم.

ولا رَيبَ شرعًا وعقلًا: أنَّ مُتابِعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ وباقِي سَلَفِ الأُمَّةِ الصالحِ في تَرْكِ الاحتفالِ هوَ المُصِيبُ، وعلى الحقِّ والهُدى، ولا يُمكِنُ أنْ يكونَ مُخطِئًا، ومُخالِفَهُم على خطأٍ وضَلالٍ بيِّنٍ واضِحٍ جَلِيٍّ.

الإشارةُ الثالثةُ:

لا خِلافَ بينَ الفقهاءِ ــ رحمَهُم اللهُ ــ: أنَّ الاحتفالَ بمَولِدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بدعةٌ، حيثُ قالَ فقيهُ اليمنِ الشوكانيُّ وعَدِيدٌ مِنَ العلماءِ ــ رحمهمُ اللهُ ــ عنِ الاحتفالِ بالمَولِدِ: «ولم يُنْكِر أحدٌ مِنَ المسلمينَ أنَّه بدعَةٌ»، وقالَ أيضًا: «قد قرَّرْنا لكَ الإجماعَ على أنَّه بدعَةٌ مِن جميعِ المسلمينَ»، وقالَ الفقيهُ محمد رَشيد رِضا المَصريُّ ــ رحمهُ اللهُ ــ: «هذهِ المَوالِدُ بدعَةٌ بلا نِزاعٍ» يَعنِي: بلا خِلافٍ بينَ العلماءِ.

وما كانَ مِنَ البدَعِ في الدِّين وبدعَةً في الدِّينِ، فهو: مُحرَّمٌ بنصِّ حديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصِّحيحِ، واتفاقِ العلماءِ، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ))، وقالَ الإمامُ أبو نَصْرٍ السِّجزيُّ الحَنفيُّ ــ رحمه الله ــ: «ولا خِلافَ في أنَّ الأُمَّةَ ممنوعونَ مِن الإحداثِ في الدِّينِ»، وقالَ فقيهُ آلِ بيتِ النُّبوَّةِ صِدِّيقُ بنُ حسَنٍ القِنَّوجِيُّ ــ رحمهُ اللهُ ــ: «يَعلمُ كلُّ عُارِفٍ أنَّ أهلَ العلمِ بالسُّنةِ وأصحابَ المعرِفةِ بالحديثِ مُتفِقونَ على أنَّ البدعةَ سواء كانتْ صغيرةً أو كبيرةً ومِن أينَ كانت ــ: ضَلَالةٌ، وكلُّ ضَلالَةٍ في النَّارِ، كمَا دلَّتِ الأدلَّةُ الصَّحيحَةُ مِن السُّنَّةِ المُطهَّرَةِ على ذلكَ، وبِهِ: قالَ أهلُ الحقِّ»، يعْنِي: علماءَ أهلِ السُّنةِ.

ولكنَّ الصُّوفِيَّةَ وغيرَهُم ــ هداهُمُ اللهُ ــ يقولونَ بأهوائِهم عن المَولِدِ هوَ: «بدعةٌ حسَنة».

وأمَّا أهلُ السُّنَّةِ فيقولونَ: «إنَّ كلَّ بدعَةٍ ضلالةٌ، وكُلَّ ضَلالَةٍ في النَّارِ» مُتابَعَةً مِنهم لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه في حُكمِهِم على البدعَةِ في الدِّين، حيثُ صحَّ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ))، وصحَّ عنْ عمرَ بنِ الخطابِ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ))، وصحَّ عن عنْ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَإِنْ رَآهَا النَّاسُ حَسَنَةً ))، ولفظةُ: «كُل» مِن صِيَغِ العُمومِ عندَ عُلماءِ اللغةِ، وأُصولِ الفقه، وغيرٍهِم، فتدُلُّ على: أنَّ جميعَ البدَعِ في الدِّينِ ضلالاتٌ، والضَّلالاتُ مُحرَّمَةٌ بالقرآنِ والسُّنَّةِ النَّبويةِ واتفاقِ العلماءِ، ولا حَسَنَ فيها أبدًا.

ولا رَيبَ شَرعًا، وعندَ أهلِ الحقِّ، ومَن كانَ مُنصِفًا صادِقًا: أنَّ كلامَ أهلِ السُّنةِ هوَ الصوابُ والحقُّ، لأنَّهُ موافقٌ لِكلامِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأصحابِهِ، وأنَّ كلامَ الصُّوفيَّةِ وغيرِهِم ولو كان عندَهُم عِلمٌ خطأٌ وباطلٌ وضَلَالٌ.

الإشارةُ الرابعةُ:

أهلُ السُّنةِ: يُعظِّمونَ أمرَ البدعِ، ويَعتقِدونَ غليظَ حُرمَتِهَا، ويَرونَ شديدَ خطورَتَها على الدِّين، وذلكَ: لِتعظيمِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ وباقِي السَّلَفِ الصالحِ وأئمَّةِ الإسلامِ مِن فُقهاء ومُحدِّثِينَ لَشأنِ البدَعِ وأهلِهَا ودُعاتِها، حيثُ كثُرتْ في الترهِيبِ والتحذيرِ مِنها ومِن أهلِها الأحاديثُ النَّبويةُ وأقوالُ الصحابَةِ والتابعينَ ومَنْ بعدَهُم، وكثُرَتْ كُتبُ العلماءِ في التحذيرِ مِنها، ومِنْ أهلِهَا، ومِنْ دُعاتِها، بلْ وذَكَرَ العلماءُ ــ رحمهمُ اللهُ ــ: «أنَّ البِدَعَ أعظمُ مِن المعاصِي بالقرآنِ والسُّنَّةِ النَّبويَّةِ وإجماعِ علماءِ الأُمَّةِ».

وأمَّا الصُّوفيَّةُ ــ أصلَحَهُم اللهُ ــ: فيَستهزِئُونَ بأهلِ السُّنةِ الذينَ عظَّمُوا أمرَ البدعِ لِتعظيمِ الشريعةِ أمرَهَا، ويقولونَ كذِبًا وتنفيرًا لِلناسِ عنْ أهلِ السُّنَّةِ: «كُلُّ شَيءٍ عندَهُم بدعَةٌ»، لا لِشيءٍ، وإنَّما لأجلِ أنَّهُم خالفوهُم في أمرِ البدَعِ، وبيَّنُوا خطأهُم فيها، ورَدُّوا عليهِم، وحذَّرُوا الناسَ مِن مُتابَعَتِهِم عليها.

وسُبحانَ اللهِ بُكرَةً وأصِيلًا، ولَهُ الحمدُ في الأُولَى والآخِرةِ، وإليهِ المَصير.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ المُنعِمِ المنَّانِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ الرحمنُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المُتحدِّثُ بالحِكمَةِ والبيان، والصلاةُ والسلامُ عليهِ وعلى آلِهِ السَّادةِ الأعيانِ، وأصحابِهِ المَمدُوحينَ في القرآنِ، والتابعينَ لَهُم بإحسانٍ.

أمَّا بعدُ، أيُّها النَّاسُ:

فأُوصِيكُم ونفسيَ: بتقوى اللهِ ــ عزَّ وجلَّ ــ بِلُزومِ السُّننِ، واجتنابِ البدعِ، ومُتابعةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ وباقي السَّلفِ الصالحِ فيما اعتقَدُوا وقالوا وفعَلوا وتَرَكوا تَهتدوا وتُفلِحوا، فقدْ قالَ ربُّكُم سبحانَهُ مُرَغِّبًا لَكُم: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }، وقالَ تعالى مُرَهِّبًا لَكُم: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }.

ثُمَّ اعلموا أنَّ أئمَّةَ أهلِ العلمِ مِن أهلِ السُّنةِ والحديثِ قد ذَكروا: «أنَّ البدعَ يَجُّرُ بعضُها إلى بعضٍ، فتَبدأُ صِغارًا ثم تتوسَّعُ فتصِيرُ كِبارًا وكِثارًا».

ومَن نظرَ بعينِ الصِّدقِ مع العدلِ والإنصافِ ومخافَةِ اللهِ: وجَدَ صوابَ كلامِهِم هذا، فإنَّكَ لو نظرْتَ إلى الاحتفالاتِ بالمَولِدِ النَّبويِّ وغيرِهِ مِنَ المَوالِدِ لوجدتَ أنَّها لا تَخلُو مِن وجودِ مُحرَّمَاتٍ أُخْرَى وعَديدَةٍ، مِن معاصٍ أو بِدَعٍ أو شِركياتٍ، أو أحاديثَ مكذوبةٍ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أو لا أصلَ لًهَا أو لا تَصِحُّ، وهذهِ تزيدُ الاحتفالَ بالمَولِدِ والمَوالِدِحُرمَةُ وإثمًا وشناعَةً، وتزيدُ ذُنوبَ أهلِهِ، وتُضاعِفُ آثامَهُم.

وأهلُ السُّنةِ حينَ يُحذِّرونَ الناسَ مِن الاحتفالِ بالمَولِدِ والموالِدِ فإنَّهُم يَرحمونَهُم، حيث يَحجُزُونَهُم عن إثمِها وآثامِ ما يُصاحِبُها مِن مُحرَّماتٍ أُخْرَى وعديدَةٍ، بخلافِ الصُّوفيَّةِ وغيرِهِم فَإنَّهُم يُغرِّرونَ بالمسلمينَ، حيثُ يُورِّطونَهُم في إثْمِ المَولِدِ والمَوالِدِ، وإثْمِ ما يُصاحِبُها مِن مُحرَّماتٍ كثيرَةٍ، فَهُم ضَرَرٌ على الناسِ، وأهلُ السُّنةِ رحمةٌ بالناسِ وبأهلِ البدَع.

هذا، وأسألُ اللهَ: أنْ يجعلَنا مِمَّن يُحبُّهُم ويُحِبونَهُ، ومِمَّن تُغفَرُ لَهُم ذُنوبَهُم باتباعِهِم لِرسولِهِ، وأنْ يوفِّقَنا لِمعرفَةِ الحقِّ واتِّباعِهِ، ومعرِفَةِ الباطلِ واجتنابِهِ، اللهمَّ: اغفر لنَا ولِوالِدِينا وجميعِ أهلينا وباقِي المسلمينَ أحياءً وأمواتًا، اللهمَّ: اكشِفْ عن المسلمينَ ما نَزَلَ بِهِم مِن ضُرٍّ وبَلاءٍ، وفقرٍ وجُوعٍ وتشريدٍ، ووسِّع علينا وعليهِم في الأمْنِ والرِّزقِ والعافيةِ، إنَّكَ سميعُ الدُّعاء، وأقولُ قولِي هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم.