إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > خطبة مكتوبة بعنوان: ” خطبة صلاة الاستسقاء ” ملف: [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” خطبة صلاة الاستسقاء ” ملف: [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

  • 18 نوفمبر 2020
  • 49٬274
  • إدارة الموقع

خطبة صلاة الاستسقاء

الحمدُ للهِ الغنيِّ الجوادِ، الكريمِ الوهابِ، المُتواتِرِ لأهلِ طاعتِهِ إعانتَهُ وإمدادَهُ، المُنعِمِ بالخيراتِ، المُفِيضِ لِعظيمِ البَركاتِ، اللَّطيفِ بعبادِهِ، كاشفِ شِدَّاتِهِم، وفارجِ كُرباتِهِم، ومُجيبِ دعواتِهِم، والمُتكفِّلِ بأرزاقِ جميعِهِم، الذي يُحيِي الأرضَ بعدَ موتِها وجَدْبِها، فيَأمرُ السماءَ فتُمطِرَ ماءُ وبرَدًا وثلجًْا، ويأمرُ الأرضَ فتَتفجَّرَ عُيونًا وأنهارًا، ويأمرُ الجبالَ أنْ تشَقَّقَ فيَخرجَ مِنها الماءُ، فلَهُ الحمدُ على ما أنْعَمَ، وأشكُرُهُ على ما تفضَّلَ بِهِ علينا وأكرَمَ، وأتوبُ إليهِ مِن جميعِ الخطايا وأستغفِرُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، فاللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليهِ، وعلى آلِهِ وأزواجِهِ وذُريَّتِهِ وأصحابِهِ، وعنَّا معَهُم دَومًا وأبَدًا.

أمّا بعدُ، فيَا أيُّها النَّاسُ:

إنَّنا نَشكُو هذهِ الأزمِنَةِ تأخُّرَّ نُزولِ الأمطارِ عن أوقاتِها المُعتادَةِ، وإنْ نَزلَتْ فقلِيلَةٌ مياهُهَا، لا تَسُّدُ الحاجَةَ، ولا تُزيِلُ الفاقَةَ، وإنْ كثُرتْ أحيانًا فبَركتُها قليلَةُ وضعيفَةٌ، وأضرارُها كثيرَةٌ، وهذا واللهِ بلاءٌ عظيمٌ، وكَرْبٌ كبيرٌ، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لَيْسَتْ السَّنَةُ ــ أي: الجَدْبُ والقَحْطُ ــ بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا، وَلَكِنْ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا ))، وإنَّ أعظمَ أسبابِ ذلِكَ ذُنُوبُ العِبادِ مِن شِركِياَّتٍ وبِدَعٍ ومَعَاصٍ، وتَرْكٍ لِمَا أوجَبَ اللهُ وفرَضَ مِن عباداتٍ، أو تقصِيرٍ شديدٍ فيها، فإنَّهُ ما نَزلَ بالعِبادِ بلاءٌ إلا بذَنْبٍ، ولا حَلَّتْ مُصيبَةٌ وكَرْبٌ إلا مِن خطاياهُم، ولا فشَا الفسادُ في البَرِّ والبحرِ والجَوِّ إلا بسبِ سيِّئَاتِهِم، إذْ قالَ اللهُ ــ تبارَكَ وتقدَّسَ ــ مُخْبِرًا لَنَا عن ذلكَ ومُحذِّرًا مِنهُ: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }، وقالَ ــ جلَّ وعزَّ ــ: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }، وثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ))، وثبتَ: (( أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ ــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ــ ابْتُلِيَ فِي جَسَدِهِ، فَقَالَ: مَا أُرَاهُ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ أَكْثَرُ، وَتَلَا: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }

وإنَّهُ لا يَرتفِعُ ذلكَ عن العِبادِ إلا بتقوى اللهِ ــ جلَّ وعلا ــ، باتِّباعِ أوامِرِهِ، والقِيامِ بِما فرَضَ، وتَرْكِ ما نَهَى عنهُ وزجَرَ، والتوبَةِ النَّصوحِ إليهِ، وكثْرَةِ استغفارِهِ، والاستقامَةِ على شريعتِهِ، والبُعدِ عنِ الفسادِ في الأرضِ والإفسادِ، فقد قالَ اللهُ ــ عزَّ شأنُهُ ــ مُبشِّرًا: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }، وقالَ سُبحانَهُ: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ }، وأخْبَرَ ــ جلَّ وعلا ــ أنَّ نُوحًا ــ عليهِ السلامُ ــ قالَ لِقومِهِ: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا }، وقالَ اللهُ ــ تبارَكَ اسمُهُ ــ: { وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ }، وقالَ تعالى: { وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا }.

أيُّها النَّاسُ:

إنَّ أضرارَ وعواقِبَ قِلَّةِ مياهِ الأمطارِ وقِلَّةِ بركَتِها شديدَةٌ وبئِيسَةٌ جدًّا، إذْ تقِلُّ بسبَبِها مياهُ الأنهارِ والعُيونِ والآبارِ، وتيبَسُ الأرضُ، ويَحترِقُ أو يَموتُ غِطاؤُها النَّباتِيُ، وتَشتدُّ حَرارَةُ وبُرودَةُ الجَوِّ، لاسِيَّما معَ مُرورِ الأيَّامِ السِّنينَ، وإسرافِ النَّاس الكبيرِ في الماءِ، وتزايُدِ استخدامِ الماءِ في الصِّناعات الحديثَةِ، وكثرَةِ الزِّراعَةِ العشوائيَةِ غيرِ المَدروسَةِ.

وأنتُم ــ سدَّدكُم اللهُ ــ: تعلمونَ ما حصلَ لأهلِ بلادٍ كثيرَةٍ مِن شُحٍّ في الأمطارِ، وانحسارٍ لِمياهِ الأنهارِ وتلوُّثِها، وجَفافِ العُيونِ، ونُضُوبِ أو قِلَّةِ مياهِ الآبارِ الجَوفيِّةِ، وبُعْدِها الشديدِ عن سطحِ الأرضِ إلى مِئاتِ وآلافِ الأمتارِ، حتَّى رُؤيَ أهلُها يُخرُجونَ مِن بُيوتِهِم في طلبِ الماءِ مِن قبْلِ صلاةِ الفجرِ فلا يَرجِعونَ إلا معَ مَغيبِ الشمسِ، وبماء لا يَكفِيهشم إلا لأيَّامٍ قليلَةٍ، وبسعرٍ كبيرٍ، وقد يكونُ مُعكَّرًا بالشَّوائِبِ وما يَضُرّ، وأمَّا مَزَارِعُهُم وبساتِينُهُم فيبِسَتْ أشجارُها، وقلَّتْ محاصِيلُها، بل لمْ تَعُدْ مِن مصادِرِ رِزقِهِم، وأصبَحُوا يَبحثونَ عن أعمالٍ ومِهَنٍ ووظائفَ أُخْرَى، وفي بلادٍ غيرِ بلادِهِم، وارتفعَتْ عندَهُم أسعارُ المَعيشَةِ لقلَّةِ المَحاصيلِ الزِّراعِيَّةِ، وأعلافِ البهائِمِ، والحَطَب.

فاتقوا الله َــ عبادَ اللهِ ــ حتى لا يُصيبَكُم مِثلَمَا أصابَهُم، واعرِفُوا قدْرَ نِعمَةِ الماءِ عليكُم، ومُبارَكَةَ اللهِ لَكُم فيها، ولا تُذْهِبُوهَا أو تُنقِصُوهَا بالذُّنوبِ والآثامِ، والإسرافِ والتبذيرِ، وضَعفِ الشُّكر للهِ عليها.

عِبَادَ اللِه:

إنَّكُم قد شَكوتُم جَدْبَ دِيارِكُم، واستِئْخَارَ المطرِ عن أوَانِ زمانِهِ عنكُم، وقد أمرَكُمُ اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ أنْ تَدْعُوهُ، ووعَدَكُم أنْ يَستجِيبَ لَكُم.

فاللهمَّ: إنَّا نَحْمَدُكُ ونُثنِي عليكَ بأنَّكَ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ، الحَيُّ القيومُ، بَديعُ السماواتِ والأرضِ، ذُو الجلالِ والإكرامِ، الأحَدُ الصَّمَدُ الذي لم يَلِد ولم يُولَد، ولم يَكُن لَهُ كُفُوًا أحَد، ونُصلِّي ونُسلِّمُ على عبدِكَ ورسولِكَ النَّبيِّ الأمينِ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم.

«اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا».

«اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مَرِيئًا مَرِيعًا طَبَقًا عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ».

«اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ, وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ, وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ».

«الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ».

«اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ وَنَسْتَسْقِيكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، أَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا سُقْيَا نَافِعَةً وَادِعَةً تَزِيدُ بِهَا فِي شُكْرِنَا، وَارْزُقْنَا رِزْقَ إِيمَانٍ وَبَلَاغَ إِيمَانٍ، إِنَّ عَطَاءَكَ لَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا، اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبِلَادَكَ وَأَحْيِ بَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ فِي أَرْضِنَا رَبِيعَهَا، وَأَنْزِلْ فِي أَرْضِنَا سَكَنَهَا، وَارْزُقْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا طَبَقًا عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، تُرْخِصُ بِهِ أَسْعَارَنَا، وَتُدِرُّ بِهِ أَرْزَاقَنَا، وَتُنْعِمُ بِهِ عَلَى بَدْوِنَا وَحَضَرِنَا، وَاجْعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ».

«اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلًا عَامًّا طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْبَهَائِمِ وَالْخَلْقِ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ وَالْفَتْكِ مَا لَا يَشْكُو إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنَبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفْهُ غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا».

«اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ، وَلَا هَدْمٍ، وَلَا غَرَقٍ».

عِبَادَ اللهِ:

اعلَموا أنَّهُ يُستحَّبُ لِلإمامِ إذا فرَغَ مِن خُطبتِهِ ونَزلِ مِن المِنبرِ:

أنْ يَستقبِلَ القِبلَةَ قائمًا، ويُحَوَّلُ ما استطاعَ مِن ظاهرِ لِباسِهِ الذي يَصلُحُ لِلقلْبِ، بجعلِ الأيمَنِ على الأيسرِ والعكْسِ، ويَرفعُ يديهِ ويَدعُو اللهَ قائمًا، ويَفعلُ النَّاسُ مِثلَهُ، إلَّا إنَّهُم يَقلِبونَ ويَرفعونَ أيدِيَهُم ويَدعونَ اللهَ وهُم جُلوسٌ باتِّفاقِ وإجماعِ أهلِ العلمِ الذينَ يَرونَ مشروعيِّةَ تقليبِ الرِّداءِ، والأفضلُ أنْ يَظلُّوا على قلْبِ لِباسهِم إلى أنْ يَرجِعوا.

وأقولُ هذا، وأسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُم.