إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > خطبة مكتوبة بعنوان: ” مختصر أحكام المسح على الخفين والجوربين واللفائف والجبيرة “، ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” مختصر أحكام المسح على الخفين والجوربين واللفائف والجبيرة “، ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

  • 3 ديسمبر 2020
  • 5٬342
  • إدارة الموقع

مُختصَر أحكام المَسح على الخُفَّين والجَورَبين واللفائف والجَبيرة

الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الرَّحيمِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ الكريمُ، اللهمَّ فصَلِّ اللهُ وسلِّمَ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.

أمَّا بعدُ، أيُّها النَّاسُ:

فقدْ دخلَ الشتاءُ، وهوَ وقتُ بَرْدٍ وصَقيعٍ وثُلوجٍ وبرَدٍ ورِياحٍ، والناسُ يحتاجونَ فيهِ إلى لُبْسِ الخِفافِ والجواربِ واللفائِفِ على أقدامِهم، والخُفُّ: «لِباسٌ مِن جِلدٍ يُلبسُ في القدمين إلى ما فوقَ الكعبِ قليلًا»، والمسحُ عليهِ جائزٌ بالسُّنَّةِ المُتواتِرَةِ واتِّفاقِ العلماءِ، ولم يَمنعَ مِن المسحِ عليه إلا الشِّيعَةُ الرَّوافِضُ والخوارجُ، وأمَّا الجَورَبُ: «فلِباسٌ يُلبسُ في القدمينِ إلى السَّاقِ يُصنعُ مِن قُماشٍ ونَحوِهِ»، ويُسمَّى الآنَ بالشُّرَّابِ، والمسحُ عليهِ جائزٌ لثبوتِهِ عن الصحابَّةِ ــ رضيَ اللهُ عنهُم ــ، وقالَ الإمامُ إسحاقُ بنُ راهويه: «مضَتِ السُّنَّةُ مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَن بعدَهُم مِن التابعينَ في المسح على الجَوربين لا اختلافَ بينَهُم في ذلكَ»، وذكرَهُ بعضُهُم إجماعًا مِنَ الصحابَةِ

أيُّها النَّاسُ:

إنَّ لِلمسحِ على الخُفينِ والجَوربينِ شُروطًا لا يَصحُ المسحُ إلا بها:

الأوَّل: أنْ يكونَ الماسحُ عليهِما قد لبسَهُما على طهارَةٍ مائيَةٍ، غَسلَ فيها جميعَ أعضاءِ الوضوءِ بالماء، وهذا بالسُّنَّةِ، واتفاقِ العلماءِ.

الثاني: أنْ يكون المسحُ عليهِما في الحدَثِ الأصغرِ الذي يُوجِبُ الوضوءَ وليسَ في الحدَثِ الأكبرِ كالجنابَةِ، وهذا بالسُّنَّةِ واتفاقِ العلماءِ، ولا يجوزُ أيضًا المسحُ على طهارَةِ تيمُّمٍ عندَ المذاهبِ الأربعَةِ وغيرِها.

الثالث: أنْ يُغَطِّيَا الكعبينِ باتفاقِ الأئمَّةِ الأربعَةِ، وقالَ بعضُ الفقهاءِ: «كلُّ ما يُلبَسُ تحتَ الكعبينِ لا يجوزُ المسحُ عليهِ باتفاقِ العلماء».

الرابع: أنْ يكون المسحُ عليهِما في المُدَّةِ المُحدَّدةِ شرْعًا، ومَن مسحَ بعدَ انتهائِها لم يَصحَّ وضوئَهُ، لِما صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: ((جَعَلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ )).

 

الخامس: أنْ لا يكون الخُفُّ مصنوعًا مِن مادَةٍ نجسَةٍ باتفاقِ العلماءِ.

السادس: أنْ يكون الجَوربُ، أي: الشُّرَّابُ ثَخِينًا لا يَشُفُّ عمَّا تحتَهُ مِن بشْرَةِ القدَمِ، ولا يَصحُ المسحُ على شُرَّابٍ رقيقٍ يَشُفُّ عمَّا تحتَهُ عندَ المذاهبِ الأربعةِ، وحَكَى بعضُ الفقهاءِ اتفاقَ العلماءِ على ذلكَ.

أيُّها النَّاسُ:

إنَّ أحكامَ المسحِ على الخُفَّينِ والجَوربينِ عديدةٌ، والتَّفقُّهُ فيها عِبادَةٌ.

ومِن هذهِ الأحكامِ: أنَّ المسحَ يَبدأُ وقتُهُ مِن أوَّلِ حدَثٍ يَنتقضُ بِهِ الوضوءُ بعدَ لُبْسِهِما، وهوَ مذهبُ الأئمَةِ الأربعَةِ وغيرِهِم، وفي رِوايةٍ لِلإمامِ أحمد: أنَّ بدايَةَ وقتِ المسحِ تكونُ مِن أوَّلِ مَسحَةٍ بعدَ الحدَثِ.

ومِنها: أنَّه إذا انتهتْ مُدَّةُ المسحِ انتقضَ الوضوءُ، لأنَّ المسحَ عبادةٌ موقتَةٌ بوقتٍ، وبانتهاءِ وقتِها تزولُ معَهُ جميعُ أحكامِها.

ومِنها: أنَّ مَن نَزَعَ الخُفَّ أو الجَوربَ عن قدمَيهِ فلَهُ حالان:

الأوَّل: أنْ يَنزِعَهُما وهوَ لا يَزالُ على طهارَةٍ مائيَّةٍ كاملَةٍ، وهذا لا يَنتقضُ وضوؤهُ، ولَهُ لِبْسُهُما مِن جديدٍ والمسحُ عليهِما باتفاقِ العلماءِ.

الثاني: أنَّ يَنزِعَهُما وهوَ على طهارَةِ مسحٍ، وهذا يَنتقضُ وضوؤُهُ، وصحَّ ذلكَ عن عددٍ مِن التابعينَ تلامذَةِ الصحابَةِ، ولأنَّ المسحَ عليهِما قامَ مقامَ غَسْلِ القدَمينِ، فإذا خُلِعَا زالتْ بخلْعِهِما أحكامُهُما، وانتقضَتْ طهارَةُ القدَمينِ، وإذا بطلَتْ طهارَةُ عُضْوٍ بطلَ الوضوءُ كُلُّهُ.

ومِنها: أنَّهُ إذا كانَ الخُفُّ أو الجَورَبُ مُخَرَّقًا بِهِ ثُقوبٌ وشُقوقٌ فلَهُ حالان:

الأوَّل: أنْ تكونَ الخُروقُ فوقَ الكعبين، وهُنا يجوزُ المسحُ باتفاقِ العلماءِ.

الثاني: أنْ تكونَ الخُروقُ تحتَ الكعبين، وهُنا يجوزُ المسحُ ما دامَ يُلبسُ ويَثبُتُ على القدَمِ ويُمشَى فيهِ.

ومِنها: أنَّ مُدَّةَ مسحِ المُقيمِ يومٌ وليلَةٌ، فإذا سافرَ المُقيمُ فلَهُ أحوالٌ ثلاثَةٌ:

الأوَّل: أنْ يُسافرَ بعدَ أنْ لَبسَ خُفَّيهِ على طهارَةٍ مائيَّةٍ كاملَةٍ ثم يُحدِثُ أو يَبتدِئُ المسحَ بعدَ مُفارَقَةَ بُيوتِ بلدَهِ، وهذا باتفاقِ العلماءِ يَمسحُ مسحَ مُسافرٍ.

الثاني: أنْ يَلبسَ الخُفَّ ويُحدِثَ وهوَ مقيمٌ، ويَبتدِئُ المسحَ في السَّفر، وهذا يَمسحُ مسحَ مُسافرٍ عندَ عامَّةِ الفقهاء، لأنَّهُ ابتدأَ المسحَ في السَّفرِ لا الحضِرِ.

الثالث: أنْ يَبتدِئَ المسحَ على خُفيِّهِ وهوَ مُقيمٌ ثم يُسافرُ، وهذا يَمسحُ مسحَ مُقيمٍ، فيُتِمَّ ما بقيَ لَهُ مِن اليومِ والليلَةِ عندَ أكثرِ الفقهاءِ.

ومِنها: أنَّ مُدَّةُ مسحِ المُسافِرِ ثلاثَةُ أيَّامٍ بليالِيهِنَّ، فإذا رجعَ إلى بلدِهِ والخُفَّانِ على قدَمَيهِ، فإنَّهُ يمسحُ عليهِما مسحَ مُقيمٍ، فإنْ كانَ لمْ يَمضِ على مسحِهِ في السفرِ إلا أقلُّ مِن يومٍ وليلَةٍ أكملَ المسحَ حتى يَنتهيَ اليومُ والليلَةُ، وإنْ كانَ قد مضَى على مسحِهِ أكثرُ مِن يومٍ وليلَةٍ فقدْ انتهَتِ المُدَّةُ، وذَكرَ بعضُ الفقهاءِ: أنَّهُ لا خلافَ بينَ العلماءِ في ذلكَ.

ومِنها: أنَّ المسحَ على الخُفَّينِ أو الجَورَبينِ يكونُ مرَّةً واحدَةً ولا يُكرَّرُ ثلاثًا باتفاقِ المذاهبِ الأربعَةِ، وهوَ الثابتُ عنِ الصحابَةِ، ولا يُمسحُ الخُفُّ والجَورَبُ عندَ الفقهاءِ قاطبَةً مِن جميع جهاتِهِما، ولا يُمسحَانِ أيضًا مِن أسفلَ فقط، ومَن اقتصَرَ على مسح الأسفلِ لم يَصحَّ وضوؤهُ عندَ عامَّةِ العلماءِ، والسُّنةُ أنْ يُمسَحَ الخُفَّانِ والجَورَبانِ معًا مِنَ الأعلَى باليدَينِ جميعًا، لِمَا ثبتَ عن عليٍّ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ, وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ ))، واستَحَبَّ كثيرٌ مِن الفقهاء مسحَ الأسفلِ معَ الأعلى، لِمَا صحَّ أنَّ ابنَ عُمرَ ــ رضيَ اللهُ عنهُما ــ: (( يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا بُطُونَهُمَا وَظُهُورَهُمَا ))، ومَن مسحَ القدمَ اليُمنَى أوَّلًا ثُمَّ اليُسرَى أو مسحَهُما بيدٍ واحدَةٍ أجزأَ المسحُ إلا أنَّه خلافُ الأفضَلِ.

ومِنها: أنَّ بعضَ الناسَ إذا توضأَ غَسلَ قدمَهُ اليُمنى ولَبِسَ الخُفَّ أو الجَورَبَ ثم يَغسلُ قدمَهُ اليُسرى ويَلبسُ الثاني، وهذا لا يجوزُ لَهُ المسحُ عليهِما عندَ أكثرِ الفقهاءِ، لأنَّ مِن شروطِ المسحِ أنْ يَلبسَهُما على طهارَةٍ مائيَّةٍ كاملَةٍ، وهذا لمْ تَكتملْ طهارتُهُ بعدُ لأنَّهُ ألبسَ قدمَهُ اليُمنَى الخُفَّ أو الجَورَبَ قبلَ غَسلِ القدَمِ اليُسرَى، والوضوءُ لا يَكتملُ إلا بغَسلِ اليُسرَى.

ومِنها: أنَّ مَن كانتْ لَهُ قدَمٌ واحدَةٌ ولَبسَ عليها خُفًّا أو جَورَبًا والأُخْرَى مقطوعَةً مِن فوقِ الكعبِ فلَهُ المسحُ عندَ الشافعيَّةِ والحنابلَةِ وغيرِهِم، وأمَّا إنْ كانتْ قدمُهُ الأُخْرَى موجودَةً أو بعضُها فلا يجوزُ لَهُ المسحُ على خُفٍّ أو جَورَبٍ واحدٍ فقط، بلْ يَلبسُ الاثنينِ ويَمسحُ عليهِما جميعًا.

ومِنها: أنَّه لا يجوزُ المسحُ بالماءِ على اللفائفِ المَشدودَةِ على القدَمينِ لأجلِ التدفِئَةِ باتفاقِ العلماءِ، وأمَّا اللفائفُ الطِّبيَّةُ أو الجَبيرَةُ فإنْ كانتْ مُغطِّيَّةً لِجميعِ القدَمِ معَ الكعبينِ فيَمسَحُ بِبلَلِ الماءِ على جميعِها مِن جميعِ الجِهاتِ، وإنْ كانتْ تُغطِّي بعضَ القدَمِ مسحَ على المُغطَّى وغَسلَ المكشوفَ، وإنْ كانَ المسحُ يَضُرُّ بِهِ فإنَّهُ يَتوضأُ على الأعضاءِ السَّليمَةِ بغسلِها بالماءِ، ويَتيمَّمُ عن العُضْوِ المَلفوفِ أو المُجَبَّرِ.

ومِنها: أنَّ مَن لَبسَ خُفًّا فوقَ خُفٍّ أو جَورَبًا فوقَ جَورَبٍ فلَهُ أحوالٌ:

الأوَّل: أنْ يَلبسَ الأوَّلَ والثاني جميعًا على طهارَةٍ مائيَّةٍ كاملَةٍ، وهذا يجوزُ لَهُ المسحُ على الفَوقانيِّ، لأنَّهُ قد لَبِسَهُ على طهارَةٍ مائيَّةٍ كاملَةٍ.

الثاني: أنْ يَلبسَ الفَوقانيَّ على التَّحتانِيِّ بعدَ أنْ أحدَثَ وانتقضَ وضوؤُهُ، وهذا لا يجوزُ لَهُ المسحُ على الفَوقانِيِّ باتفاقِ العلماءِ.

الثالث: أنْ يَلبسَ الفَوقانِيِّ على التحتانِيِّ بعد طهارَة مسحٍ، وهذا لا يجوزُ لَهُ المسحُ على الفَوقانيِّ عندَ أكثرِ العلماءِ، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمْ يَمسحْ إلا على طهارَةِ غَسلٍ مائيَّةٍ كاملَةٍ، وهذا قدْ لبسَ الفَوقانِيَّ بعدَ طهارَةِ مسحٍ.

اللهمَّ: فقِّهنَا في الدِّينِ، وزِدْنَا عِلمًا، وعلِّمْنا التأويلَ، إنَّكَ سميعُ الدُّعاءِ.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الحميدِ، وصلاتُهُ على خاتَمِ الرُّسُلِ وآلِهِ وصَحبِهِ وسَلَّمَ كثيرًا.

أمَّا بعدُ، أيُّها النَّاسُ:

فاتقوا اللهَ حقَّ تقواهُ، وتفقَّهوا في أحكامِ شَريعَتِهِ فإنَّهُ طريقُ تقواهُ، واشكُروهُ على يُسرِ تعاليمِ دِينِهِ، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ))، وقالَ اللهُ سُبحانَهُ: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }، وقالَ تعالى: { هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }، وأوامرُ شريعتِهِ مَبنِيَّةٌ على الاستطاعَةِ والقُدرَةِ، لِقولِ اللهِ سُبحانَهُ: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }، وقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّحيحِ: (( وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ))، وقالَ اللهُ تعالى مُتفضِّلًا وراحِمًا: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }.

اللهمَّ: أصلح لَنَا دُنيَانا التي فيها معاشُنا، وآخرَتَنا التي إليها معَادُنا، وسدِّدْ ولاتَنَا ونوّابَهُم وجندَهُم إلى مَراضَيكَ، اللهمَّ: أصلِحْ نساءَنا وأبناءَنا وبناتَنا، وأعنَّا وإيَّاهُم على ذِكرِكَ، وشُكرِكَ، وحُسنِ عبادَتِكَ، اللهمَّ: اكفنا شَرَّ الفجَّارِ، ومْكرَ الكفار، وفسادَ التَّغريبيينَ، وضَلالَ المُبتَدعَةِ، اللهمَّ: ارفَعِ الضُّرَ عن المُتضرِّرينَ مِنَ المُسلِمينَ، وأعِذْنا وإيَّاهُم مِنَ الفتنِ، واغفِرْ لِلمُؤمِنينَ أحياءً وأمواتًا، إنَّكَ سميعٌ مُجِيبٌ، وأقولُ هذا وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم.