إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة بعنوان: « وصايا لأهل الإسلام أوقات الكروب من زلازل وسيول وفيضانات وأعاصير وحرائق وغيرها ». ــ ملف [word – pdf] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: « وصايا لأهل الإسلام أوقات الكروب من زلازل وسيول وفيضانات وأعاصير وحرائق وغيرها ». ــ ملف [word – pdf] مع نسخة الموقع.

  • 14 سبتمبر 2023
  • 4٬567
  • إدارة الموقع

وصايا لأهل الإسلام أوقات الكروب من زلازل وسيول وفيضانات وأعاصير وحرائق وغيرها

الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الحكيمِ في ابتلاءِ عبادِهِ بالسَّراءِ والضَّراء، وكلُّهُم إلى ما قدَّرَهُ عليهم وقضَاهُ صائِرونَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ الذي لا يَكشِفُ البَلوَى سِوَاهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أكثرُ الناسِ بَلاءً وصبْرًا وأجْرًا، اللهمَّ فصَلِّ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ وسَلِّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ، أيُّها المُسلِمونَ:

فهذِهِ ثلاثٌ مِن الوَصَايا الجليلاتِ المُهمَّاتِ الكبيراتِ، يَحسُنُ الوقوفُ عليها، ويَنبغِي التواصِي على العملِ بِها:

الوصِيَّةُ الأُولَى: تخُصُّ مَن أصابَتْهُمُ الكُروبُ، وتضَرَّروا بالأعاصيرِ أوِ السُّيولِ أوِ الزَّلازلِ أوِ الفيَضَاناتِ أوِ القحْطِ والجَدْبِ أوِ الحرائِقِ أوِ القتلِ والاقتتالِ أوْغيرِها في أنفُسِهِم وأهلِيهِم وأموالِهِم وبلادِهِم

فأقولُ لَهُم: أنزِلُوا شَكواكُم باللهِ وحدَهُ، وتَضَرَّعوا إليهِ في كشفِها عنكُم، فإنَّهُ لا رَبَّ لَكُم غيرُهُ تَقصِدونَهُ وتَدعونَهُ، ولا إلَهَ لَكُم سِوَاهُ تُؤمِّلُونَهُ وتَرجُونَهُ، فهوَ القائلُ سُبحانَهُ مُبشِّرًا: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ }، ولتَكنْ لَكُم أُسْوَةٌ بنبِيِّ اللهِ يعقوب ــ عليهِ السلامُ ــ في مُصابِهِ الشَّديدِ، حيثُ قالَ: { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ }، بل إنَّ اللهَ قد ذمَّ ووبَّخَ أقوامًا لم يَتضرَّعُوا إليه حينَ ابتلاهُم بما قدَّر وشاءَ، فقالَ سُبحانَهُ: { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ }.

واعلَموا أنَّ أهلَ الإسلامِ معَ أيِّ ابتلاءٍ ومُصابٍ وكَرْبٍ ومِحنَةٍ يَنبغِي أنْ يَكونوا كما قالَ اللهُ ــ جلَّ وعزَّ ــ: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }.

وتَصبَّروا فيمَن فقدَّتُموهُ مِن أهِليكُم وجِيرانِكُم ورِفاقِكُم برَجاءِ اللهِ أنْ يُدخِلَهُم في قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّحيحِ: (( الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ))، وجاءَ في حديثٍ صحَّحَهُ العلامَةُ الألبانِيٌّ وجَمْعٌ مِنَ العُلماءِ قبلَهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ )).

واعْرِفُوا جيِّدًا أنَّ البَلاءَ لِلمُؤمِنِ والمُؤمنَةِ معَهُ الأجْرُ العظيمُ، والثوابُ الكثيرِ، وعظيمُ المَنزِلَةِ، ورَفيعُ الدَّرجَاتِ، لِمَا ثبتَ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: (( مَا يَزَالُ البَلاَءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي جَسَدِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ))، ولِهذا عجِبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لِشأنِ المُؤمنِ معَ البَلاءِ، فصحَّ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )).

وارْهَبُوا شديدًا أنْ تكونوا مِن الغافِلينَ عن الرُّجوعِ إلى اللهِ حينَ البأسَاءِ والضَّراءِ والبلاءِ والكَرْبِ، والمُستمرِّينَ على الآثامِ وعدمِ التوبةِ والإنابةِ إلى اللهِ، فإنَّهُ سبيلُ الهالِكِينَ، فقدْ قالُ اللهُ ــ تبارَكَ وتقدَّسَ ــ مُرهِّبًا لكُم: { فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ }.

الوصِيَّةُ الثانيَةُ: تخُصُّ أيُّ مُسلمٍ في أيِّ مكانٍ معَ إخوانِهِ مِمَّن أصابَهُمُ الكَرْبُ، وحَلَّ بِهِمُ البَلاءُ، ونَزَلَ عليهِم ما قدَّرَ اللهُ مِن ضُرٍّ.

فأقولُ لَهُم: يَنبَغِي أنْ تكونوا معَ إخوانِكُم المُتضرِّرينَ كما قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديثِهِ الصَّحيحِ: (( تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى ))، وهذا هوَ الحالُ الذي كانَ عليهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ، حيثُ أخبَرَ عنهُم بذلكَ ربُّنا ــ جلَّ وعلا ــ فقالَ: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }.

ومِن بشائرِ الخيرِ في رحمَةِ مَن حصلَ لَهُم بَلاءٌ وكرْبٌ ومُصَابُ وضَرَرٌ: قولُ النبيِّ ﷺ الصَّحيحِ: (( أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ ))، ومِن تبشيرِ مَن لا يَرحَمِ الناسَ بالشَّرِ وتَرهِيبِهِ قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّحيح: (( مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ ))، وقولُهُ صلى الله عليه وسلم الثابتِ: (( لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ )).

الوصِيَّةُ الثالثَةُ: تخُصُّ مَن أكرَمَهُمُ اللهُ بتَخفيفِ مُصابِ وكَرْبِ وبَلاءِ إخوانِهِم المُتضَرِّرينَ مِنَ المُسلِمينَ بمالٍ أو نَفسٍ أو طعامٍ أو شرابٍ أو لِباسٍ أو سَكنٍ أو مَركبَةٍ أو دُعَاءٍ أو تحريضٍ على ذلِكَ الخيرِ والإحسانِ.

حيثُ جاءَتْهُمُ البُشرَى، وعَظُمَ لهُمُ الثوابُ، فصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ مُشجِّعًا لهُم على هذا الخَيرِ: (( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))، وصحَّ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ))، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ في دَعوَةِ الناسِ إلى ما فيهِ خيرٌ: (( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ عنْ فضْلِ دَعوَةِ المُسلمِ لأخِيهِ المُسلمِ بالغَيبِ: (( مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ )).

وسُبحانَ اللهِ وبحمدِهِ: عددَ خلقِهِ، ورِضَا نفسِهِ، وزِنَةَ عرشِهِ، ومِدَادَ كلماتِهِ.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ العزيزِ القهَّارِ، والصلاةُ والسلامُ على أنبيائِهِ الأبرَارِ، وعلى جميعِ مَن آمَن باللهِ وكانَ بالإسلامِ مِن الأطهار.

أمَّا بعدُ، أيُّها المُسلِمونَ:

فاتقوا اللهَ حقَّ تقواهُ، واخشَوهُ حقَّ الخشيَةِ، وعظِّموهُ أحسنَ تعظيمٍ، وأجِلُّوهُ أكبرَ إجلالٍ، فقد قال اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ آمِرًا لَكُم: { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ }.

واحذَرُوا الذُّنوبَ مِن شِركياتٍ وبدعٍ ومعاصِي فإنَّها سببُ الشُّرورِ الكثيرَةِ المُؤلِمَةِ، والعُقوباتِ العاجلَةِ الكبيرَةِ، لِقولِ اللهِ سُبحانَهُ: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }، وقولِ اللهِ ــ جلَّ وعلا ــ: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }، وثبتَ: (( أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ ــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ــ ابْتُلِيَ فِي جَسَدِهِ، فَقَالَ: مَا أُرَاهُ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ أَكْثَرُ، وَتَلَا: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } ))، ونُقِلَ عن بعضِ الصحابَةِ وغيرِهِم أنَّهُم قالوا: (( مَا نَزَلْ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ )).

اللهمَّ يا حَيُّ يا قيومُ: ارْفَعِ الضُّرَ عن المُتضرِّرينَ مِن إخوانِنا المُسلِمينَ في كلِّ مكان، اللهمَّ: سلِّم لَهُم أنفسَهُم وأهلِيهِم وأموالَهُم وديارَهُم، اللهمَّ: ارْحَمْ موتاهُم، واشفِ مرضَاهُم، واربطْ على قلوبِهِم فلا يقولوا ويفعلوا إلا ما يُرضِيكَ عنهُم، اللهمَّ: مُنَّ علينا وعليهِم بالأمِنِ والرِّزقِ والعافيَةِ وراحَةِ النفسِ وطُمأنينَةِ القلبِ، اللهمَّ: سدِّد ولاةَ أُمورِ المُسلِمينَ إلى مراضيكَ، وأقِمْ بِهِم شريعَتَكَ، وأصلِحْ بِهِم عبادَكَ وأرضَكَ، اللهمَّ: أجِرْنا ووالِدِينا وأهلِينا وجميعَ المُسلِمينَ مِن خِزْيِ الدُّنيا وعذابِ الآخِرةِ، وثبِّتنَا بالقولِ الثابتِ في الحالِ والمِآلِ، واغفرْ لَنا الذُّنوبَ، واحشُرنَا في زُمرَةِ نبيِّكَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأدخِلْنا في شفاعتِهِ، وأورِدْنَا حوضَهُ العذْبَ الشَّهِيَّ الزُّلالَ شارِبينَ مِنهُ، إنَّك سميعُ الدُّعاءِ، واسعُ الفضْلِ والعطاءِ، عظيمُ الرَّحمِةِ، جوادٌ كريمٌ، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم.