توحيد الله ومعناه ووجوبه والشرك ومعناه وتحريمه وصوره
الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ المُتفضِّلِ على مَن شاءَ مِن عبادِهِ بتحقيقِ التوحيدِ، والموتِ عليهِ، واجتنابِ الشِّركِ وسُبلِهِ ودُعاتِهِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، أكرمُ مَن وحدَّ ربَّهُ ودَعا إلى توحيدِهِ، وأجلُّ مَن حذَّرَ مِن الشِّركِ، اللهمَّ فصلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ.
أمَّا بعدُ، أيُّها المُسلِمونَ:
فإنَّ التَّوحيدَ أوَّلُ واجبٍ وأوجَبُ عبادةٍ كتبَها اللهُ على عبادِهِ، وأعظمُ طاعَةٍ، وأكبرُ حسَنةٍ، فمَن حقَّقه في دُنياهُ وماتَ عليهِ كانَ مِن أهلِ الجنَّةِ، والتَّوحيدُ هوَ: «إفرادُ اللهِ وحدَهُ بِصرْفِ جميعِ العباداتِ إليهِ»، فلا صلاةَ ولا صومَ ولا حجَّ ولا ذبحَ ولا نذرَ ولا طوافَ نصرِفُهُ إلَّا لهُ وحدَهُ سبحانَهُ، وأينَ يكونُ طوافُنا هذا؟ إنَّهُ حولَ الكعبةِ لا حولَ قبرِ أحدٍ مِن الخَلْق، ولا نَتوجَّهُ بعبادةِ الدُّعاءِ ونصرِفُها إلَّا إليهِ وحدَهُ، ولا نستغيثُ ونستعيذُ إلا بِهِ وحدَهُ، ولا نطلبُ المَدَدَ والعَونَ والنُّصرَةَ والشفاءَ والرِّزقَ وتفريجَ الكُرَب إلا مِنهُ وحدَهُ، ولا نطلبُ شفاعَةَ أحدٍ لَنا يومَ القيامةِ إلا مِنهُ وحدَهُ، ولا ندْعُ بجَلْبِ أيِّ نفعٍ أو دفعِ أيِّ ضُرٍّ إلَّا إيَّاهُ، إذْ طلبُ وسؤالُ الإعانَةِ والإغاثَةِ والإعاذَةِ والمَدَدِ والتَّفريجِ والنُّصرَةِ والشِّفاءِ والرِّزقِ والشَّفاعَةِ وإزالَةِ الهُمومِ وقضاءِ الحوائِجِ ودفعِ الضُّرِّ وجَلْبِ النفعِ دُعاءٌ، والدُّعاءُ عبادَةُ، والعبادَةُ حقٌّ للهِ وحدَهُ، لا تُصرَفُ إلَّا إليهِ، واللهُ هوَ مَن قضَى بذلكَ وحكَمَ بِهِ على جميعِ عبادِهِ، فقالَ سبحانَهُ: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ }، وقالَ تعالى: { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ }، فمَنْ صَرَفَ جميعَ عباداتِهِ للهِ وحدَهُ فهوَ مُوحِّدٌ لِربِّهِ، ومِنْ أهلِ التَّوحيدِ الذينَ هُم أهلُ الجنَّةِ.
وإنَّ الشِّركَ أشدُّ مُحرَّمٍ حرَّمَهُ اللهُ على عبادِهِ، وأعظمُ سيَّئةٍ، وأكبَرُ ذنْبٍ، وأشنَعُ معصيةٍ، وأقبَحُ خطيئةٍ، ومَنْ وقعَ فيهِ وماتَ ولم يَتبْ مِنهُ فقد ماتَ كافرًا مُشرِكًا، وكانَ مِنْ أهلِ النَّارِ الخالِدِينَ فيها أبدًا، حتى ولو صلَّى وصامَ وزكَّىَ وحجَّ وسبَّحَ وهلَّلَّ وقرأَ القرآنَ.
والشِّرك هو: «صَرْفُ العبادَةِ أو شيءٍ مِنها لِغيرِ اللهِ»، فمَن صَرَفَ عبادتَهُ أو شيئًا مِنها ــ حتى ولو كانتْ عبادةً واحدَةً ــ لِغيرِ اللهِ فهوَ مُشرِكٌ باللهِ، ومِنْ أهلِ الشِّركِ الذينَ هُم أهلُ النَّارِ.
ألَا وإنَّ مِن أكثرِ صُوَر الشِّركِ المُنتشِرَةِ بينِ النَّاس في الماضِي والحاضِرِ: صَرْفَ عبادَةِ الدُّعاءِ لِلملائِكَةِ أو الأنبياءِ والرُّسُلِ أو الأولياءِ والصَّالحينَ، فهذا يَصرِفُهُا لِرسولِ اللِه صلى الله عليه وسلم، فيَدعُوهُ معَ اللهِ قائِلًا: “فَرِّج ْعنَّا يا رسولَ اللهِ، يا رسولَ الله اشفعْ لِي يومَ القيامَةِ”، وذاكَ يَصرِفُهَا لِلبَدَويِّ فيَدعُوهُ قائِلًا: “مَدَد يا بدَوي”، أي: أمِدَّنَا بالغَوثِ والنُصرَةِ وما نحتاجُهُ، وآخَرُنَ يَدعونَ غيرَ اللهِ معَ اللهِ قائِلِينَ: «أغِثْنَا يا جَيْلانِيُّ، “اشْفِنَا يا حُسينُ، أجِرْنَا مِنَ النَّارٍ يا عبَّاسُ”، ادفَعِي عنَّا يا زَينَبُ، احْمِنَا يا عَيدرُوسُ، اكْشِفْ ما بِنَا يا دُسُوقِيُّ، رُدَّ عنَّا يا مِيرغَنِيُّ، شيئًا للهِ يا رِفاعِيُّ، أي: أعطِنا ما نُريد لأجلِ اللهِ.
وقدْ قالَ اللهُ ــ تبارَك وتقدَّسَ ــ زاجِرًا عن دُعاءِ غيرِهِ معَهُ: { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا }، فنَهَى سُبحانَهُ في هذهِ الآيَةِ: أنْ ندعوَ معَه أيَّ أحدٍ حتى ولو عَظُمَ وجَلَّ بينَ الخلقِ، فكانَ مَلَكًا مُقرَّبًا أو نبيًّا مُرسَلًا أو ولِيًّا صالحًا، ثم حَكَمَ بأنَّ دُعاءَهُ معَ الله شِرْكٌ وكُفرُ، وقالَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في بيانِ مآلِ وعقوبَةِ مَن ماتَ وهوَ يَدعُو معَ اللهِ غيرَهُ: (( مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ ))، أخرَجَهُ البُخاريُّ في “صحيحِه”.
أيُّها المُسلِمونَ:
إنَّ أكثرَ مَن يُؤمِنُ باللهِ مِن الناسِ، وأنَّهُ ربُّهُم وخالِقُهُم ورازقُهُم، والمالِكُ لِكُلِّ شيء، والمُتصرِّفُ فيهِ بما يُريدُ، والقائِمُ على كُلِّ نَفْسٍ، والمُحِييِ المُمِيتُ لكلِّ أحدٍ، يَقعُونَ في الشِّركِ باللهِ سُبحانَهُ، فيَصرِفُونَ بعضَ عباداتِهِم لِغيرِ ربِّهِم، لِقولِ اللهِ تعالى: { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ }، نَعَم! هوَ معَ هذا الإيمانِ باللهِ ليسَ بمُسلِمٍ مُوحِّدٍ ولا مِنَ المُوحِّدين، بلْ هوَ مُشرِكٌ ومِنَ المُشرِكينَ، لِماذا؟ لأنَّهُ قد أشرَكَ المخلوقِينَ معَ الله في عبادَتِهِ، فهوَ يَصرِفُ بعضَ عباداتِهِ لِربِّهِ، وبعضَها لِغيرِهِ، يَصرِفُهَا للهِ ولِلمسيحِ ابنِ مريمَ وأُمِّهِ أو للهِ والملائِكَةِ أو للهِ وبعضِ الصحابَةِ أو للهِ وبعضِ الأوْلِياءِ أو للهِ والجِنِّ أو للهِ والأصنامِ أو للهِ والكواكبِ أو للهِ وبُوذَا.
أيُّها المُسلِمونَ:
إذا عَرَفَ العبدُ الشِّركَ باللهِ، وأنَّهُ يَحصلُ بصرْفِ عبادَةٍ واحدَةِ لِغيرِ الله حتَّى ولو صُرِفِتْ لمَلَكٍ مُقرَّبٍ أو نَبِيٍّ مُرسَلٍ أو وَلِيٍّ صالحٍ، وعَرَفَ خُطورَةَ الشِّركِ، وأنَّ اللهَ لا يَغفرُهُ لِمَن ماتَ ولم يَتبْ مِنهُ، وأنَّهُ يُخرِجُ فاعلَهُ مِنَ الإسلامِ إلى الكُفرِ، ويَجعلُهُ مِن أهلِ النَّارِ الخالِدينَ فيها، وعَرَفَ كثْرَةَ النَّاسِ الواقعِينَ في الشِّركِ على مَرِّ العُصورِ ومُختلَفِ البُلدانِ، وأنَّهُ قدْ وقعَ فيهِ الصِّغارُ والكِبارُ والرِّجالُ والنِّساءُ والعُقلاءُ والأذكياءُ والمُتعلِّمُونَ الماهرُونَ بالقراءَةِ والكتابَةِ الحاصِلونَ على أعلَى شهادَاتِ فُنونِ العِلمِ والأُمِّيونَ، زَادَ خوفُهُ مِنَ الشِّركِ، فخافِ على نَفْسِهِ أنْ تقعِ فيهِ، وأنْ يَنتقلَ بسببِهِ مِن طهارَةِ التَّوحيدِ وجمالِهِ إلى نجاسَةِ الشِّركِ وخُبْثِهِ، وأنْ يُصبحَ مُشرِكًا بعدَ أنْ كانَ مُسلِمًا مُوحِّدًا، وأنْ يَتبدَّلَ عبادَةِ ربِّ العِبادِ بعبادَةِ عِبادٍ للهِ مِثلِهِ، وكيفَ لا يَخافُ الشِّركَ على نَفْسِهِ وقد خافَهُ مَن هوَ أعلَى مِنهُ مقامًا في التَّوحيدِ وشهِدَ اللهُ لَهُ بتحقيقِهِ والأُسْوَةِ فيهِ والدَّعوِةِ إليهِ وتَحمُّلِ الأذيَّةِ في سبيلِهِ ومُصَارمَةِ مُخالِفِيهِ وبُغضِهِم ولو كانوا مِن أهلِهِ الأقرَبينَ وقومِهِ، وبرَّأهُ اللهُ مِنَ الشِّركِ والمُشرِكينَ، أَلَا وهوَ خليلُ اللهِ إبراهيمُ ــ عليهِ السَّلامُ ــ، إذْ خافَ على نَفْسِهِ وعلى بنِيهِ مِنَ الوقوعِ في الشِّركِ، بصرْفِ العبادَةِ لِغيرِ ربِّهِم، فَدَعَا اللهَ بالسَّلامةِ مِنهُ لِنفسِهِ ولَهُم، فقالَ: { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاس }، ولَمَّا كانَ كثيرٌ مِنَ الناسِ يَصرِفونَ بعضَ العباداتِ ويُشرِكونَ فيها معَ اللهِ غيرَهُ باسْمِ الأنبياءِ والصحابَةِ والأولياءِ وعندَ قبورِهِم، كانَ الخوفُ على النفسِ والأهلِ والذُّريَّةِ والأحفادِ أشدَّ وأكثرَ، وكانَ أمْرُهُ أخطرَ، لأنَّ عبادَتَهُم تَروجُ في الناسِ أسرَعَ، وتَقبلُهَا نفوسُ عدِيدينَ أكثرَ مِن الأصنامِ، بلْ إنَّ عبادَةَ الأصنامِ سَتعودُ، لِمَا أخرَجَهُ البُخارِيُّ ومُسلِمٌ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ ))، وذُو الخلَصَةِ صَنَمٌ كانَ الجاهليَةِ يَعبُدونَهُ ويطوفونَ حولَهُ، والآنَ يطوفونَ حولَ القُبورِ، بلْ وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى ))، أخرَجَهُ مُسلِمٌ.
أيُّها المُسلِمونَ:
إنَّ أعظمَ نِعَمِ اللهِ على العبدِ أنْ يُسَلِّمَهُ مِن الشِّركِ بِهِ في عبادتِهِ، ويَجعَلَهُ مِن أهلِ التَّوحيدِ الذينَ لا يَصرِفونَ العبادَةَ إلَّا للهِ وحدَهُ، وقد حصَلَتْ هذهِ النِّعمَةُ الجليلَةُ لأعدادٍ كثيرةٍ مِنَ النَّاسِ على مَرِّ العُصورِ ومِن مُختَلَفِ الأقطارِ، حيثُ أكرمَهُم ربُّهُم فعرَّفَهُم وبصَّرَهُم بالشِّركِ وخطرِهِ وقُبحِهِ وجنَّبَهُم إيَّاهُ وصَرَفَهُم عنهُ وكرَّهَهُ إلى قلوبِهِم، ولم تَحصُلْ لَهُم هذهِ النَّعمَةُ عنِ استحقاقٍ وذَكَاء، بلْ بفضلِ ربِّهم وتَفضُّلِهِ عليهِم ورحمتَهِ بِهِم، وقدْ رَدَّ نَبِيُّ اللهِ يُوسُفُ ــ عليهِ السَّلامُ ــ التفضُّلَ بهذهِ النِّعمَةِ عليهِ وعلى آبائِهِ وعلى النَّاسِ إلى ربِّهِ وحدَهُ، فقالَ للسَّجِينَينِ معَهُ مُمتَنًّا لِربِّهِ وشاكِرًا: { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ }.
اللهمَّ: إنَّا نَعوذُ بِكَ مِن أنُ نُشرِكَ بِكَ شيئًا نَعلَمُهُ، ونَستغفِرُكَ لِمَا لا نَعلَم.
الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على كافَّةِ النَّبيِّينَ، وعلى آلِ كُلٍ وصحابَتِهِم وأتباعِهِم مِنَ المُؤمِنينَ.
أمَّا بعدُ، أيُّها المُسلِمونَ:
فإنَّ فضائِلَ اجتنابِ الشِّركِ باللهِ في عبادتِهِ كثيرةٌ وجلِيلَةٌ، وإنَّ السَّعيدَ مَن عرَفَهَا، فشَكرَ ربَّهُ عليها، وسَعَى شديدًا أنْ يكونَ مِن أهلِها.
وإنَّ مِن هذهِ الفضائلِ: أنَّ مَن ماتَ لا يُشرِكُ معَ اللهِ أحَدًا في شيءٍ مِن عبادَتِهِ دخلَ الجنَّةَ ولو وقعَ في ذُنُوبٍ كِبارِ، لِمَا صحَّ أنَّ جِبرِيلَ ــ عليهِ السلامُ ــ قالَ لِلنبيِّ صلى الله عليه وسلم: (( بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ وَإِنْ شَرِبَ الخَمْرَ )).
ومِن هذهِ الفضائلِ أيضًا: أنَّ مَن ماتَ لا يُشرِكُ معَ الله ِأحَدًا في شيءٍ مِن عبادتِهِ تُرْجَى لَهُ المَغفِرَةُ العظيمَةُ وإنْ كثُرَتٍ خطاياهُ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً )).
ومِن هذهِ الفضائلِ أيضًا: أنَّ مَن ماتَ لا يُشرِكُ معَ الله ِأحَدًا في شيءٍ مِن عبادتِهِ فقدْ حقَّقَ الشَّرطَ الذي تُنالُ بِهِ الشفاعَةُ النَّبويَّةُ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا )).
ومِن هذهِ الفضائلِ أيضًا: أنَّ الله َيَقبلُ شفاعَةَ ودُعاءَ المُصلِّينَ الأربعينَ على الميِّتِ المُسلِم إذا كانوا ممَّن لا يُشرِكُ معَ اللهِ أحدًا في شيءٍ مِن عبادتِهِ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ )).
ومِن هذهِ الفضائلِ أيضًا: جَلْبُ الخيراتِ العظيمَةِ ودفْعُ الشُّرورِ الكثيرَةِ والكبيرَةِ عنِ العبدِ وآلِ بيتِهِ بسبَبِ عدم الشِّركِ باللهِ في شيءِ مِن عبادتِهِ، إذْ صحَّ أنَّ ابنَ مسعودٍ ــ رضِيَ الله ُعنهُ ــ قالَ: (( وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ: مَا أَصْبَحَ عِنْدَ آلِ عَبْدِ اللَّهِ شَيْءٌ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطِيَهُمُ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا أَوْ يَدْفَعَ عَنْهُمْ بِهِ سُوءًا إِلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا )).
ومِن هذهِ الفضائلِ أيضًا: حُصولُ الأمْنِ في الدُّنيا والآخِرَةِ لأهلِ التوحيدِ الذينَ حقَّقُوهُ ولم يَلْبِسُوهُ ويُدَنِّسُوهُ ويَخلطُوهُ بظُلْمِ وخطيئِةِ الشِّركِ باللهِ في شيءٍ مِن عبادَتِهِ، فيَأمَنونَ مِن نُزولِ العُقوباتِ، ويأمَنونَ أكثرَ مِن غيرِهِم في بُلدانِهِم، ويأمَنونَ مِن تسلُّطِ الأعداءِ عليهِم، ويأمَنونَ مِن العذابِ، وتأمَن قلوبُهُم وتَطمَئِنُّ لِتَعلُّقِهَا باللهِ وحدَهُ تَوكُّلًا وفزَعًا وخشيَةً وطلَبًا ورجاءً، حيثُ قالَ اللهُ سُبحانَهُ في خِتامِ آيات المُحاجَّةِ بينَ إبراهيمَ ــ عليهِ السلامُ ــ وقومِهِ في شأنِ التوحيدِ والشِّركِ: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }، وصحَّ أنَّهُ: (( لَمَّا نَزَلَتْ: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: { يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ))، وقالَ الإمامُ ابن القيِّمِ ــ رحمهُ اللهُ ــ عندَ هذا الحديثِ: «فالتوحيدُ مِن أقوَى أَسبابِ الأَمْن مِنِ المَخاوِفِ والشِّرك مِن أعظمِ أَسبابِ حُصولِ المَخاوِفِ».
اللهمَّ: مُنَّ علينا وأكرمنا بأنْ نكون مِن عبادك المُوحِّدِينَ الذينَ لا يُشرِكونَ بِكَ شيئًا حتَّى نَلقاكَ، اللهمَّ: جنِّبنَا وجنِّبْ أهلِينا وجميعَ المُسلِمينَ الشِّركَ قليلَهُ وكثيرَهُ، صغيرَهُ وكبيرَهُ، اللهمَّ: وفِّق جميعَ الحُكَّامِ لِلقضاءِ على الشِّركِ ووسائِلِهِ وأسبابِهِ، ومنْعِ أهلِهِ ودُعاتِهِ وقنواتِهِ مِنهُ ومِن نشرِهِ في البلادِ وبينَ العِبادِ، اللهمَّ: اغفِرْ لِلمُسلِمينَ والمُسلِماتِ، الأحياءِ مِنهُم والأمواتِ، ربَّنا لا تُزِغْ قُلوبَنا بعدَ إذ هدَيتَنا، وهَبْ لَنَا مِن لَدُنْكَ رحمَةً إنَّك أنتَ الوهابُ، وأقولُ هذا، واستغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم.