إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة عن العام الدراسي الجديد بعنوان: ” فضل العلم وأهله وثماره مع تنبيهات للآباء والمعلمين والأبناء ” ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة عن العام الدراسي الجديد بعنوان: ” فضل العلم وأهله وثماره مع تنبيهات للآباء والمعلمين والأبناء ” ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

  • 20 أغسطس 2025
  • 3٬309
  • إدارة الموقع

فضل العلم وأهله وثماره مع تنبيهات للآباء والمعلمين والأبناء

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الذي علَّمَ القرآنَ، خلقَ الإنسانَ، علَّمَهُ البيانُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ المَلِكُ الرحمنُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المبعوثُ رحمةً لِلإنسِ والجَانِّ، اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ إلى آخِرِ الزَّمان.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناسُ:

فاتقوا اللهَ ربَّكُم حقَّ التقوى، فإنَّ تقوى اللهِ خيرُ لِباسٍ لَكُم، وأجملُ زادٍ، وأفضلُ وسيلةِ إلى رِضَا اللهِ رَبِّ العِبادِ، وقدْ قالَ اللهُ ــ جلَّ وعلا ــ آمِرًا: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ }.

واعلَموا ــ يا عِبادَ اللهِ ــ: أنَّ طلبَ العلمِ الشَّرعيِّ والتفقهَ في الدِّينِ وأخذَهُ عن أهلِهِ الرَّاسخينَ الأكابرِ وطُلَّابِ العلمِ الأقوياءِ مِن أهلِ السُّنةُ السائِرينَ على منهجِ السَّلفِ الصَّالحِ مِن الصحابةِ والتابعينَ فمَن بعدَهُم لَمِن أعظمِ وأهمِّ خصالِ التقوى، ووأكبَرِ حسناتِ المُتقينَ، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ يُرْدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِهُ فِي الدِّين ))، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ )).

والعِلمُ الشَّرعيُّ هو: المِيراثُ الذي تركَهُ جميعُ الأنبياءِ لِأتباعِهِمُ الذينَ بُعِثوا فيهِم وإليهِم، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ )).

وقدْ كانَ العلماءُ فيما مضَى يُفضِّلونَ طلبَ العلمِ الشَّرعِيِّ على العباداتِ المُستحبَّةِ، فصحَّ أنَّ الإمامَ مُطَرِّفَ ابنَ الشِّخِّيرِ ــ رحمهُ اللهُ ــ قالَ: (( حَظٌّ مِنْ عِلْمٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَظٍّ مِنْ عِبَادَةٍ ))، وصحَّ أنَّ الإمامَ الشافعيَّ ــ رحمهُ اللهُ ــ قالَ: (( طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ ))، وقالَ الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ ــ رحمه الله ــ: (( تَذَاكُرُ الْعِلْمِ بَعْضُ لَيلَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِحْيَائِهَا)) يَعْني: بقيامِ الليلِ، وصحَّ أنَّ الإمامَ الزُّهرِيَّ ــ رحمهُ اللهُ ــ قالَ: (( مَا عُبِدَ اللَّهُ بِمِثْلِ الْفِقْهِ ))، ومِن حُجَّتِهِم على ذلكَ قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الثابتِ: (( إِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ )).

واحذَرُوا ــ يا عِبادَ اللهِ ــ: أنْ تأخُذوا العلمَ الشَّرعِيَّ الشريفَ عنْ أهلِ البدعِ والأهواءِ، وأصحابِ الجماعاتِ والأحزابِ والتنظيماتِ، وأهلِ التَّصوفِ والطُّرقِ الصوفية، وأربابِ التكفيرِ والخوارجِ، وأبْعِدوا أنفُسَكُم عن كُتبِهِم وصوتِياتِهِم، وبرامِجِهِم في الفضائيات، ومَقاطعِهِم في برامجِ التواصلِ الاجتماعِيِّ، وفتاوِيهِم وخُطبِهِم ودُروسِهِم ومُحاضَراتِهم، حتى لا تَضِلُّوا بسبَبِهِم، فإنَّ الدِّينَ أعزُّ ما تَملِكون، وأثْمَنُ ما تُحصِّلونَ، ولِأجلِهِ خُلِقتُم، وبِهِ تخسَرونَ أو تربَحونَ يومَ القيامة، وقدْ صحَّ عنْ التابعيِّ محمدِ بنِ سِيرِينَ ــ رحمهُ اللهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ )).

ولا تَنسَوا ــ يا عبادَ اللهِ ــ: أنَّ تقوى اللهِ ــ عزَّ وجلَّ ــ باتباعِ أوامِرِهِ واجتنابِ نواهيهِ والتكميلِ بالسُّننِ المُستحبِّةِ مِن أنفعِ طُرقِ حفظِ العلمِ وفهمِهِ وزيادَتِهِ وبقائِهِ حتى الموتَ، لِقولِ اللهِ سُبحانَهُ: { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ }، وهيَ المقصودةُ مِن طلبِ العلمِ، وقد وثبتَ عن الإمامِ سفيانَ الثوريِّ ــ رحمهُ اللهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( إِنَّمَا يُتَعَلَّمُ الْعِلْمُ لِيُتَّقَى اللَّهُ بِهِ، وَإِنَّمَا فُضِّلَ الْعِلْمُ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُتَّقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ ))، و صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي ))، وتصديقُ ذلكَ مِنَ القرآنِ قولُ اللهِ سُبحانَهُ: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }، والحياةُ قصيرةٌ، وسُرعانَ ما تذهبُ، ومُشغِلاتُها الدُّنيويَّةُ كثيرةٌ جدًّا، ولَمْ نُخْلَقْ أصلًا إلَّا لعِبَادةِ اللهِ وحدَهُ، لِقولهِ سُبحانَهُ: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }، والعِبادةُ لا تُؤخذُ إلا عنْ طريقِ العلمِ الشَّرعِيِّ، ولَا تَصِحُّ وتُصَحَّحُ إلا بِهِ.

فأَكْثِروا ــ يا عِبادَ اللهِ ــ: مِن طلَبِ العِلمِ الشَّرعِيِّ، بدراسَتِهِ على أهلِ العلمِ الرَّاسخينَ الأثباتِ عقيدةً ومنْهجًا وعملًا، وسماعِ صَوتِياتِهِم، وقِراءَةِ كُتبِهِم، وسُؤالِهِم واستِفتائِهِم، واهتَمُّوا بقراءَةِ كُتبِ العِلمِ الشرعيَّةِ المُختصَرةِ المشهورةِ النافعةِ معَ أهلِيكُم في بُيوتِكُم، ومعَ أصدِقائِكُم في المجالسِ، وكلُّ مَنْ فعلَ ذلكَ مِنكُم فهوَ يطلبُ العلمَ، ويَتفقَّهُ في الدِّينِ، ويَنالُ مِنْ أجرِ طلبِ العلمِ، ويدخلُ في أحاديثِ فضلِهِ، وهوَ في عبادَةٍ للهِ جليلةٍ، ومِنْ أكثَرِها ثوابًا، وأعلاها درجَةً.

مَنَّ اللهُ عليَّ وعليكُم: بتحقيقِ التقوى، وجعلَنِي وإيَّاكُم مِن المُتقينَ الذينَ لا خوفٌ عليهِم ولا هُم يَحزنُون، إنَّهُ سميعٌ مُجِيبٌ.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الفتَّاحِ العليمِ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّهِ محمدٍ الكريمِ، ورَضِيَ اللهُ عنْ آلِ بيتِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ على الصِّراطِ المُستقيمِ.

أمَّا بعدُ، فيَا أيُّها الآباءُ ــ سَدَّدَكُمُ اللهُ ــ:

إنَّ أبناءَنَا على أبوابِ الدِّراسَةِ النِّظامِيَّةِ، فَحَرِّضُوهُم على هذينِ الأمرين:

الأوَّل: على ضبطِ جميعِ العلومِ والمعارِفِ النَّافِعَةِ مِن كُلِّ فَنٍ ونوعٍ، لا سِيَّما العلوم الشرعية.

والثاني: أنْ تكونَ لَهُم نِيَّةُ صالِحَةُ في طلبِ العلمِ الدِّينِيِّ والدُّنيويِّ النافعِ، حتى لا تذهبَ عليهِم سِنينُ الدِّراسَةِ الكثيرةِ مِن دُونِ أجْرٍ أو بأجْرٍ قليل.

والثالث: أنْ يكونوا صُورةً جميلة لِلناسِ تُظهِرُ حُسنَ أهلِيهِم وبُيوتِهِم، وجميلَ تربيَتِهِم، وكريمَ أخلاقِهِم.

أيُّها المعلمونَ ــ سَدَّدَكُمُ اللهُ ــ:

استَشْعِروا ما بينَ أيديكُمْ مِن أمانَةٍ عظيمَةٍ، وهيَ: الطُّلَّابُ والطالِباتُ، فقَدْ اشْرَأَبَّتْ أعناقُهُم وشَخَصَتْ أبصارُهُم وفرَّغوا أوقاتَهُم الكثيرَةَ لِلتَّلَقِّي والأخْذِ عنكُمْ، والاستفادَةِ مِنكُم عِلمًا وأدَبًا، معَ تعَبِ أهلِيهِم في تجهِيزِهِم لِلدِّراسَةِ، وفي النَّفقةِ على دِراسَتِهِم، وفي الذَّهابِ بِهِم إلى المدرسَةِ وإعادَتِهِم مِنها إلى البيتِ، فكونُوا قُدْوَةَ خيرٍ لَهُم ولِلأُمَّةِ، وعلِّموهُم ما ينفَعُهُمْ في دِينِهِم ودُنياهُم، ولا تبخَسُوا العلمَ والتعليمَ والأدَبَ والطُلابَ حقَّهُم، فإنَّكُم مأجُورُونَ شرعًا، ومَمدُوحُونَ عُرْفًا، وتأخُذونَ أيضًا أُجْرَةً دُنيويِّةً تُعِينُكُم على حياتِكُمُ الدُّنيا، وإنَّهُم بِناءُ الأُسَرِ والمُجتمعِ والدُّوَلِ في المُستقبلِ، فأحْسِنُوا البِنَاءَ وشَيِّدُوهُ لِتَرتَقِيَ مُجتمَعاتُنَا وتتقدَّمَ في كُلِّ خيرٍ.

أيُّها الأبناءُ ــ سَدَّدَكُمُ اللهُ ــ:

إنَّ كريمَ الأدبِ وحُسنَ الأخلاقِ وجميلَ المُعامَلَةِ معَ المعلِّمينَ ومعَ زُملائِكُم مِن الطُّلاب عنوانٌ على كريمِ نُفوسِكُم، وجليلِ شَخصِيَّتِكُم، ودليلُ تربيَتِكُم الطَّيِّبَةِ الجليلةِ، وشاهِدُ صِدْقٍ على حُسنِ بيوتِكُم وأهلِيكُم، ومفخَرَةٌ لَهُم، فكُونوا كذلكَ، وازدادُوا مِنهُ، واستمِرُّوا عليه.

جعلَنِي الله ُوإيَّاكُم مِمَّن إذا ذُكِّرَ ادَّكَرَ، وإذا وعِظَ اعتبَرَ، وإذا أُعطِيَ شَكَرَ، وإذا ابتُليَ صَبَرَ، وإذا أذنَبَ استغفَرَ، ربِّ اغفِرْ وارحَمْ إنَّكَ أنتَ الأعزُّ الأكرمُ، اللهمَّ أصلِحِ الولاةَ ونُوّاَبَهُم وجُندَهُم وسدِّدهُم إلى مَراضيك، وارفعِ الضُّرَ عنِ المُتضرِّرينَ مِن المسلمينَ، اللهمَّ إنَّا نعوذُ بِكَ مِن علمٍ لا ينفعُ، ومِن قلبٍ لا يخشعُ، ومِن دعاءٍ لا يُسمَعُ، ومِن نفسٍ لا تشبعُ، اللهمَّ اغفرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ، الأحياءِ مِنهُم والأمواتِ، إنَّكَ سميعُ الدُّعاءِ.

وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم.